ما جرى الحديث عنه من نقل مسؤولية الملف السوري في المملكة السعودية من رئيس الإستخبارات بندر بن سلطان، إلى وزير الداخلية محمد بن نايف،

   يعبر عن فشل ذريع للأول الذي تصدى لهذه المهمة منذ انهيار «التحالف الدولي» لمواجهة الدولة في سورية ومحاولة اسقاطها والذي تم التعبير عنه في تراجع الولايات المتحدة الأميركية عن قرار شن عدوان عليها في تشرين الأول من العام الماضي.

 لكن هذا التعديل في المسؤوليات ومهما أعطي من تبريرات لن يغير في معادلة النزاع القائم على أسس وجذور بات الجميع يعرف أنها ممتدة إلى خارج الحدود، ما يعني أنها باتت شأناً داخلياً لكل الدول العربية المجاورة وغير المجاورة لاسيما منها تلك التي تتدخل في شؤون سورية الداخلية وفي طليعتها المملكة الخليجية الكبرى، بعدما انكفأت إمارات ودول أصغر منها عن النزاع الذي بدا أنه أكبر من حجمها ودورها في المنطقة وعلى مستوى العالم.

 ما جرى من «تغييرات» أو «انقلابات» بيضاء في بعض الدول ومنها قطر، اتخذ شكلا مغايراً في السعودية عبر نقل ملف القتل من الإستخبارات إلى وزارة الداخلية تحت عنوان روجت له بعض وسائل الإعلام الغربية مفاده أن بن نايف أكثر عداءً لتنظيم «القاعدة» ومثيلاتها، ما يؤكد من جهة اخرى أن استراتيجية الإستخبارات السعودية بقيادة بندر قامت على أسلوب «القاعدة» بأجنحتها التكفيرية وباعتماد أساليب القتل كافة لتحقيق هدف إسقاط الدولة في سورية، الأمر الذي عجز عنه «التحالف الدولي الغربي العربي» طيلة السنوات الثلاث الماضية من عمر الحرب التي شنت على هذا البلد من كل حدب وصوب.

 ما الذي يمكن أن يحققه نقل ملف القتل في سورية إلى وزير الداخلية السعودي المعروف بأنه من أكثر الشخصيات قساوة على مستوى المملكة وأنه يكره الجماعات التكفيرية وأنه مقرب للولايات المتحدة، بما أن هذه الصفات الثلاث يتصف بها كل المسؤولين السعوديين ولكن بتفاوت معين بين صفة وأخرى، إلا أن الهدف هو وضع كل الإمكانات المتاحة في سبيل تحقيق إسقاط الدولة في سورية أو تحقيق اختراق في مسار الوضع الميداني الذي لم تستطع أية خطة امنية أو عسكرية أو افكار دبلوماسية وسياسية من هنا أو هناك أن تحدثه، في وقت كانت «غرف العمليات» الموزعة في الأردن وتركيا وإسرائيل ناهيك عن الإجتماعات الدورية التي ما زالت تعقد في القاعدة العسكرية الأميركية بمنطقة «دارمشتادت» في ألمانيا، بمشاركة اجهزة استخبارات عربية حليفة والتي تتخذ طابعاً «فائق السرية» على حد وصف بعض «الراسخين» في الأمن، لم تنجح في تغيير موازين القوى على أرض المعركة في سورية بالرغم من كل الدعم المالي واللوجستي الذي استطاعت تلك الأجهزة توفيره للجماعات المسلحة متعددة الجنسيات التي تقاتل في هذا البلد مستخدمة أبشع الأساليب الإجرامية.

 خطوة «انتزاع» الملف من بندر وإسناده إلى بن نايف ليست سوى خطوة أميركية تنسجم مع خطة الولايات المتحدة للمرحلة الجديدة بعد «جنيف 2» الذي اندثر عملياً ومن دون أن تحقق الإدارة في واشنطن أية نتائج من خلال حراكها المكثف الذي أرسى تفاهمات نووية مع إيران لم تقدم الأخيرة مقابلها شيئاً لا على مستوى تخصيب اليورانيوم، الذي أقر البرلمان الإيراني رفع نسبته إلى أكثر من 60 في الوقت الذي جرى النزاع الدولي مع الجمهورية الإسلامية طيلة أكثر من 15 عاماً على نسبة الـ 20 ، ولا من حيث ما كانت تأمل الولايات المتحدة أن يؤدي اليه جنيف النووي من تنازلات إيرانية في الملف السوري، أقلها الإيعاز إلى حزب الله سحب قواته من القتال في سورية أو التخفيف من التمسك ببقاء الرئيس بشار الأسد في الفترة الإنتقالية أو سحب خيار ترشحه لفترة رئاسية جديدة مستحقة بحسب الجدول الزمني في آذار المقبل، لكن ذلك لم يحصل. في حين أن الضغوطات التي مورست على حزب الله وإيران وسورية وحلفائهم في لبنان على المستويين، الأمني من خلال الإنتحاريين والسيارات المفخخة، والسياسي من خلال إعاقة تشكيل الحكومة اللبنانية لم تفلح أيضاً في تحقيق اية خطوة يمكن الإستفادة منها في حصول الإختراق المطلوب لتوظيفه سياسياً في مسارات المعالجات القائمة التي تتولى إدارتها روسيا على المستوى الدولي.

 لم يتضح بعد ما إذا كان استمرار العمليات الإنتحارية والسيارات المفخخة التي تضرب لبنان بالتزامن مع الإفراج عن تشكيل حكومة فيه من مفاعيل إدارة رئيس الإستخبارات السعودية أو من مخططات وزير داخليتها الذي بات مسؤولاً عن الملف السوري الذي يشكل ملفاً واحداً مع الملف اللبناني لدى كل دوائر صنع القرار العربي والعالمي، إلا أن الثابت الوحيد هو أن القتال سيستمر بغض النظر عن المسؤول أو رؤيته او طرق تنفيذه، وهو ما تدل عليه محاولات الضغط العسكري على جبهات المعارك في سورية مع محاولة تنشيطها في أكثر من جهة تحت مسميات وتشكيلات ليست بعيدة في أسلوبها عن تلك التي كان بندر يقودها أو يغذيها بالسلاح، الأمر الذي أعلن عنه أخيراً من تزويد الجماعات المسلحة بما هو نوعي منه لرفع مستوى الحرب من أسلوب الإجرام إلى القتال «المشرف»، ليبقى «فصل الخطاب» للميدان.

  • فريق ماسة
  • 2014-02-23
  • 12212
  • من الأرشيف

سورية بين بندر وبن نايف

ما جرى الحديث عنه من نقل مسؤولية الملف السوري في المملكة السعودية من رئيس الإستخبارات بندر بن سلطان، إلى وزير الداخلية محمد بن نايف،    يعبر عن فشل ذريع للأول الذي تصدى لهذه المهمة منذ انهيار «التحالف الدولي» لمواجهة الدولة في سورية ومحاولة اسقاطها والذي تم التعبير عنه في تراجع الولايات المتحدة الأميركية عن قرار شن عدوان عليها في تشرين الأول من العام الماضي.  لكن هذا التعديل في المسؤوليات ومهما أعطي من تبريرات لن يغير في معادلة النزاع القائم على أسس وجذور بات الجميع يعرف أنها ممتدة إلى خارج الحدود، ما يعني أنها باتت شأناً داخلياً لكل الدول العربية المجاورة وغير المجاورة لاسيما منها تلك التي تتدخل في شؤون سورية الداخلية وفي طليعتها المملكة الخليجية الكبرى، بعدما انكفأت إمارات ودول أصغر منها عن النزاع الذي بدا أنه أكبر من حجمها ودورها في المنطقة وعلى مستوى العالم.  ما جرى من «تغييرات» أو «انقلابات» بيضاء في بعض الدول ومنها قطر، اتخذ شكلا مغايراً في السعودية عبر نقل ملف القتل من الإستخبارات إلى وزارة الداخلية تحت عنوان روجت له بعض وسائل الإعلام الغربية مفاده أن بن نايف أكثر عداءً لتنظيم «القاعدة» ومثيلاتها، ما يؤكد من جهة اخرى أن استراتيجية الإستخبارات السعودية بقيادة بندر قامت على أسلوب «القاعدة» بأجنحتها التكفيرية وباعتماد أساليب القتل كافة لتحقيق هدف إسقاط الدولة في سورية، الأمر الذي عجز عنه «التحالف الدولي الغربي العربي» طيلة السنوات الثلاث الماضية من عمر الحرب التي شنت على هذا البلد من كل حدب وصوب.  ما الذي يمكن أن يحققه نقل ملف القتل في سورية إلى وزير الداخلية السعودي المعروف بأنه من أكثر الشخصيات قساوة على مستوى المملكة وأنه يكره الجماعات التكفيرية وأنه مقرب للولايات المتحدة، بما أن هذه الصفات الثلاث يتصف بها كل المسؤولين السعوديين ولكن بتفاوت معين بين صفة وأخرى، إلا أن الهدف هو وضع كل الإمكانات المتاحة في سبيل تحقيق إسقاط الدولة في سورية أو تحقيق اختراق في مسار الوضع الميداني الذي لم تستطع أية خطة امنية أو عسكرية أو افكار دبلوماسية وسياسية من هنا أو هناك أن تحدثه، في وقت كانت «غرف العمليات» الموزعة في الأردن وتركيا وإسرائيل ناهيك عن الإجتماعات الدورية التي ما زالت تعقد في القاعدة العسكرية الأميركية بمنطقة «دارمشتادت» في ألمانيا، بمشاركة اجهزة استخبارات عربية حليفة والتي تتخذ طابعاً «فائق السرية» على حد وصف بعض «الراسخين» في الأمن، لم تنجح في تغيير موازين القوى على أرض المعركة في سورية بالرغم من كل الدعم المالي واللوجستي الذي استطاعت تلك الأجهزة توفيره للجماعات المسلحة متعددة الجنسيات التي تقاتل في هذا البلد مستخدمة أبشع الأساليب الإجرامية.  خطوة «انتزاع» الملف من بندر وإسناده إلى بن نايف ليست سوى خطوة أميركية تنسجم مع خطة الولايات المتحدة للمرحلة الجديدة بعد «جنيف 2» الذي اندثر عملياً ومن دون أن تحقق الإدارة في واشنطن أية نتائج من خلال حراكها المكثف الذي أرسى تفاهمات نووية مع إيران لم تقدم الأخيرة مقابلها شيئاً لا على مستوى تخصيب اليورانيوم، الذي أقر البرلمان الإيراني رفع نسبته إلى أكثر من 60 في الوقت الذي جرى النزاع الدولي مع الجمهورية الإسلامية طيلة أكثر من 15 عاماً على نسبة الـ 20 ، ولا من حيث ما كانت تأمل الولايات المتحدة أن يؤدي اليه جنيف النووي من تنازلات إيرانية في الملف السوري، أقلها الإيعاز إلى حزب الله سحب قواته من القتال في سورية أو التخفيف من التمسك ببقاء الرئيس بشار الأسد في الفترة الإنتقالية أو سحب خيار ترشحه لفترة رئاسية جديدة مستحقة بحسب الجدول الزمني في آذار المقبل، لكن ذلك لم يحصل. في حين أن الضغوطات التي مورست على حزب الله وإيران وسورية وحلفائهم في لبنان على المستويين، الأمني من خلال الإنتحاريين والسيارات المفخخة، والسياسي من خلال إعاقة تشكيل الحكومة اللبنانية لم تفلح أيضاً في تحقيق اية خطوة يمكن الإستفادة منها في حصول الإختراق المطلوب لتوظيفه سياسياً في مسارات المعالجات القائمة التي تتولى إدارتها روسيا على المستوى الدولي.  لم يتضح بعد ما إذا كان استمرار العمليات الإنتحارية والسيارات المفخخة التي تضرب لبنان بالتزامن مع الإفراج عن تشكيل حكومة فيه من مفاعيل إدارة رئيس الإستخبارات السعودية أو من مخططات وزير داخليتها الذي بات مسؤولاً عن الملف السوري الذي يشكل ملفاً واحداً مع الملف اللبناني لدى كل دوائر صنع القرار العربي والعالمي، إلا أن الثابت الوحيد هو أن القتال سيستمر بغض النظر عن المسؤول أو رؤيته او طرق تنفيذه، وهو ما تدل عليه محاولات الضغط العسكري على جبهات المعارك في سورية مع محاولة تنشيطها في أكثر من جهة تحت مسميات وتشكيلات ليست بعيدة في أسلوبها عن تلك التي كان بندر يقودها أو يغذيها بالسلاح، الأمر الذي أعلن عنه أخيراً من تزويد الجماعات المسلحة بما هو نوعي منه لرفع مستوى الحرب من أسلوب الإجرام إلى القتال «المشرف»، ليبقى «فصل الخطاب» للميدان.

المصدر : البناء/ محمد شمس الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة