لن يكون مسار أزمة سوريا مرتبطاً بحوارٍ سوري-سوري في جنيف، أو بوقائع الميدان، وما يُحكى عن تحشيد المسلحين جنوب سوريا، ولا بموقف خليجي ودعم مالي مفتوح للمعارضة السورية.

المعادلة باتت أوضح: إذا أردت أن تعرف ماذا يجري في سوريا عليك أن تعرف ماذا يجري في أوكرانيا. القاسم المشترك بين القضيتين هو صراع روسيا والغرب.

تحركات داخلية تحت عناوين متشابهة في كلا البلدين مع فوارق الديمغرافيا. الجغرافيا بالنسبة الى موسكو استراتيجية بين دمشق وكييف. كيف ذلك؟

يجاور شرق أوكرانيا الاتحاد الروسي ويعتبر امتداداً طبيعيا له، ويتطلع هذا الشرق الناطق في الأغلب بالروسية نحو روسيا المجاورة. فالأوكرانيون الشرقيون يتطلعون تقليدياً نحو روسيا باعتبارها منشأ ثقافتهم، وفي الوقت ذاته، ينظر معظم الروس إلى أوكرانيا باعتبارها مهد الحضارة الروسية.

تتمركز قواعد الدرع الصاروخية لحلف شمال الاطلسي في الدول القريبة من اوكرانيا (قواعد للصواريخ غرباً في بولندا ورومانيا-وقواعد رادارات في تركيا)، مما يجعلها مجالا حيوياً لروسيا لمواجهة هذا الدرع.

سورياً تعتبر الشام بالنسبة للروس شاطئاً أميناً على البحر الابيض المتوسط، وتواجداً في المياه الدافئة وانتشارًا لقواتها في هذا البحر، اضافة الى وجودها على حدود تركيا.

من هنا تحتل الجغرافيا في قضية البلدين اهمية استراتيجة لروسيا، الى حد اعتبار تلك المساحات في جانب منها خرقا مهماً لمسألة الدرع الصاروخي وتطويقه.

وعلى قدر المصلحة الروسية بالبلدين، يبدو اهتمام الولايات المتحدة الاميركية. وواشنطن لن تسلم لموسكو بالموقعين. على الاقل يطمح الأميركيون بتقسيم كل قوة: تشتيت الجمع الأوكراني وإضعاف سوريا. لكن قرار موسكو اتخذ ولا رجعة عنه كما يتحدث دبلوماسيون روس: لن نتراجع حول سوريا وأوكرانيا ولا مقايضة بينهما، كلاهما يعتبران امنا قومياً لنا. ويذهب باحثون دوليون للتأكيد على أن سوريا تحتل الاولوية بالنسبة للاتحاد الروسي، خصوصا لجهة مجابهة التطرف الاسلامي ومنعه من اتخاذ قواعد ثابتة تجعله يتحضر براحة تامة لتهديد الامن والمصالح الروسية على مساحة العالم. لذلك لا يبدو الروس في وارد اي تنازل لا سيما حول سوريا. وهم يؤمنون الآن ان حليفهم -الرئيس بشار الاسد- يحقق انجازات ميدانية وسياسية ومصالحات نوعية. ومن هنا يبدو الدعم لدمشق مفتوحا عسكريا واذا اقتضى الامر اقتصاديا كما فعلت موسكو مع الأوكرانيين، علما ان دمشق لزّمت التنقيب عن الغاز للشركات الروسية ما يعتبر رداً مسيلا للجميل.

لكن هل يكون السعي الاميركي للتقسيم كبديل عن هزيمة روسيا في سوريا وأوكرانيا؟

يبدو غرب أوكرانيا مهيئاً للانفصال مدعوماً من اوروبا في كل المجالات، فيما الشمال السوري خارج منذ سنتين عن سلطة الدولة السورية. من هنا يستحضر المقربون من واشنطن امكانية التوجه لتعزيز نظريات التقسيم تحت حجة الواقع. لكن ما يعطل الفكرة في سوريا امتداد التطرف الذي يخيف العالم اليوم، وحذر تركيا من تنظيم القاعدة من جهة والأكراد من جهة ثانية.

 

ولو كان التقسيم قابلا حتى الساعة للتنفيذ في سوريا، لم يتم البحث عن تحشيد المسلحين في الجنوب. ويخطئ من يظن ان تسخين جبهة درعا-القنيطرة هو استعداد للدخول نحو العاصمة السورية. لقد تمت المحاولة في عز الازمة وأثناء التقدم الميداني “للجيش الحر”، ولم تتحقق الرغبة المطلوبة. ومن هنا يجزم مطلعون ان ما يجري جنوباً هو لايجاد قواعد اشتباك تتحكم بالحدود في هذه المنطقة والمساهمة في اقامة اسرائيل “للجدار الطيب” كما حصل في جنوب لبنان يوماً. لكن اقامة تلك المنطقة سيولد مقاومة سوريّة عملية ضد اسرائيل تكراراً للمشهد اللبناني ولو بعد حين.

  • فريق ماسة
  • 2014-02-20
  • 8520
  • من الأرشيف

بين سورية وأوكرانيا… هل ستهزم روسيا ؟ ‎

لن يكون مسار أزمة سوريا مرتبطاً بحوارٍ سوري-سوري في جنيف، أو بوقائع الميدان، وما يُحكى عن تحشيد المسلحين جنوب سوريا، ولا بموقف خليجي ودعم مالي مفتوح للمعارضة السورية. المعادلة باتت أوضح: إذا أردت أن تعرف ماذا يجري في سوريا عليك أن تعرف ماذا يجري في أوكرانيا. القاسم المشترك بين القضيتين هو صراع روسيا والغرب. تحركات داخلية تحت عناوين متشابهة في كلا البلدين مع فوارق الديمغرافيا. الجغرافيا بالنسبة الى موسكو استراتيجية بين دمشق وكييف. كيف ذلك؟ يجاور شرق أوكرانيا الاتحاد الروسي ويعتبر امتداداً طبيعيا له، ويتطلع هذا الشرق الناطق في الأغلب بالروسية نحو روسيا المجاورة. فالأوكرانيون الشرقيون يتطلعون تقليدياً نحو روسيا باعتبارها منشأ ثقافتهم، وفي الوقت ذاته، ينظر معظم الروس إلى أوكرانيا باعتبارها مهد الحضارة الروسية. تتمركز قواعد الدرع الصاروخية لحلف شمال الاطلسي في الدول القريبة من اوكرانيا (قواعد للصواريخ غرباً في بولندا ورومانيا-وقواعد رادارات في تركيا)، مما يجعلها مجالا حيوياً لروسيا لمواجهة هذا الدرع. سورياً تعتبر الشام بالنسبة للروس شاطئاً أميناً على البحر الابيض المتوسط، وتواجداً في المياه الدافئة وانتشارًا لقواتها في هذا البحر، اضافة الى وجودها على حدود تركيا. من هنا تحتل الجغرافيا في قضية البلدين اهمية استراتيجة لروسيا، الى حد اعتبار تلك المساحات في جانب منها خرقا مهماً لمسألة الدرع الصاروخي وتطويقه. وعلى قدر المصلحة الروسية بالبلدين، يبدو اهتمام الولايات المتحدة الاميركية. وواشنطن لن تسلم لموسكو بالموقعين. على الاقل يطمح الأميركيون بتقسيم كل قوة: تشتيت الجمع الأوكراني وإضعاف سوريا. لكن قرار موسكو اتخذ ولا رجعة عنه كما يتحدث دبلوماسيون روس: لن نتراجع حول سوريا وأوكرانيا ولا مقايضة بينهما، كلاهما يعتبران امنا قومياً لنا. ويذهب باحثون دوليون للتأكيد على أن سوريا تحتل الاولوية بالنسبة للاتحاد الروسي، خصوصا لجهة مجابهة التطرف الاسلامي ومنعه من اتخاذ قواعد ثابتة تجعله يتحضر براحة تامة لتهديد الامن والمصالح الروسية على مساحة العالم. لذلك لا يبدو الروس في وارد اي تنازل لا سيما حول سوريا. وهم يؤمنون الآن ان حليفهم -الرئيس بشار الاسد- يحقق انجازات ميدانية وسياسية ومصالحات نوعية. ومن هنا يبدو الدعم لدمشق مفتوحا عسكريا واذا اقتضى الامر اقتصاديا كما فعلت موسكو مع الأوكرانيين، علما ان دمشق لزّمت التنقيب عن الغاز للشركات الروسية ما يعتبر رداً مسيلا للجميل. لكن هل يكون السعي الاميركي للتقسيم كبديل عن هزيمة روسيا في سوريا وأوكرانيا؟ يبدو غرب أوكرانيا مهيئاً للانفصال مدعوماً من اوروبا في كل المجالات، فيما الشمال السوري خارج منذ سنتين عن سلطة الدولة السورية. من هنا يستحضر المقربون من واشنطن امكانية التوجه لتعزيز نظريات التقسيم تحت حجة الواقع. لكن ما يعطل الفكرة في سوريا امتداد التطرف الذي يخيف العالم اليوم، وحذر تركيا من تنظيم القاعدة من جهة والأكراد من جهة ثانية.   ولو كان التقسيم قابلا حتى الساعة للتنفيذ في سوريا، لم يتم البحث عن تحشيد المسلحين في الجنوب. ويخطئ من يظن ان تسخين جبهة درعا-القنيطرة هو استعداد للدخول نحو العاصمة السورية. لقد تمت المحاولة في عز الازمة وأثناء التقدم الميداني “للجيش الحر”، ولم تتحقق الرغبة المطلوبة. ومن هنا يجزم مطلعون ان ما يجري جنوباً هو لايجاد قواعد اشتباك تتحكم بالحدود في هذه المنطقة والمساهمة في اقامة اسرائيل “للجدار الطيب” كما حصل في جنوب لبنان يوماً. لكن اقامة تلك المنطقة سيولد مقاومة سوريّة عملية ضد اسرائيل تكراراً للمشهد اللبناني ولو بعد حين.

المصدر : النشرة /عباس ضاهر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة