كثيرٌ من الحذر وبعضٌ من الجنون الصهيو- وهابي لا وجود اليوم لمن يجرؤ بالمطلق على تخمين وتصور تفاصيل ملامح الحال القادم ، و ماهية الحل القادم . لكن هنالك كثر يؤمنون حد اليقين وأنا أحدهم دون ريب .. أن هذا الكابوس إلى زوال ، و أن قدر هكذا وطن أن يقوم من بين ركامه ، وقدر هكذا جيش أن يسطر إعجازه ، وقدر هكذا شعب أن يعانق نصره ، و أن يداوي جراحه التي لن تندمل للأسف قبل أن تحفر آثارها على جسد النسيج الإجتماعي و الذاكرة الجمعية لأبنائه . لكن ما علينا الإستعداد له ، هو دفع المزيد من الأثمان ، والأثمان التي تسبق الإنتصارات كما تلك التي تسبق الحلول تكون عادةً باهظة التكاليف . كتبت مراتٍ عديدة منذ بدء الحرب الكونية غير المباشرة على سوريا بأنني أؤمن بأن لا حرب عسكرية كلاسيكية تقليدية ستعلنها أية جهة على دمشق إلا في حالة الجنون الأعمى .. أو الجنون المطبق ، وكنت أضيف غالباً .. بأنني لا أرى بعد أية إشارات توحي بوصول معسكر العدوان لحالة الجنون المطبق .. حتى في الوقت الذي كانت أنظار وعقول الكون تترقب بدء العدوان العسكري الأمريكي على سوريا . اليوم أعيد صياغة ذات الرأي ولكن بكلماتٍ ومفرداتٍ مغايرة قليلاً .. اليوم يبدو أن هنالك أكثر من طرف بات على أهبة الإستعداد لخوض تجربة الجنون ” قبيلة آل سعود الوهابية وحكومة العدو الصهيوني ” ، وفهمكم لمغزى الآمال وال أحلام والأهداف والحوافز و التآلف والإنسجام والتنسيق – المشتركة جميعها – ، لهذين الفريقين .. أكثر من كافٍ . إنها العناوين التي أذابت وصهرت ودمجت هذين المكونين الدخيلين الطارئين ليشكلا مكوناً واحداً هو- الصهيو وهابية – ، الفريقان اللذان يشكلان رايتي الغزوة التي باتت أنباؤها تدك الصفحات الأولى لكبريات الصحف العالمية .. .

التائهون والمترددون ، ومنشقٌ يخلف من إنشق عن إنشقاقه

لكن هنالك آخرين في ذات معسكر العدوان ليسوا بمستعدين لتحمل تبعات نوبات ما بعد الجنون . فأثمان و تبعات الجنون والكوارث البشرية والإقتصادية التي ستنجم عنه باهظة جداً وتفوق طاقتهم ، وهم ليسوا بمستعدين بحال من الأحوال لمواجهة عواقبه الأمنية الخطيرة التي ستهدد بلدانهم ومجتمعاتهم . فما من جهة في الكون تستطيع تخمين شكل الإطار العام لمشهد ما بعد الحرب ، لكن الكل يعلم علم اليقين بأن انفلاتاً لم تعرف له البشرية مثيل سيكون واقعاً كونياً معاشاً ، الإنفلات الهمجي البهائمي الوحشي الذي ستنفذه القطعان الجهادية , من وعلى , جهات الأرض وأصقاعها ، والكل يعلم ان ما من حلول جذرية حاسمة لعمليات تدفق أولئك ومنع تهريبهم وتسللهم و منع أحدهم من إمساكه لصمام تفجير جسده في سبيل – إسرائيل الوهابية والحقد الطائفي – . بات من شبه المؤكد أن العدوان أو الغزوة أو “بعض الجنون ، قد يكون في العلن ” ثورياً ميليشياوياً ” ، يكون للفصائل الإرهابية الحصة الأكبر منه . فصائل القتلة التي يعمل جراحوا الإعلام والإستخبارات على الإنتهاء قريباً من الرتوش الأخيرة لعملية إعادة رسم صورتها وتشكيل هيئتها ، يدخل في هذا الإطار عزل المنشق – سليم إدريس – بحجة فشله وهزائمه وخيباته المتلاحقة ، إدريس الذي أعلن في الأمس ومعه مجموعة من قادة ع صابات ” ميليشيا الحر ” ، إنشقاقة عن إنشقاقة الأول ، ليزداد حال فريق ما يسمى “بالجيش الحر ” ، تشرذماً وتهالكاً وتشتتاً وهزالاً وتآكلاً وإنشقاقاً . وتعيين المنشق الآخر -عبد الإله البشير- ، الذي كان يرأس ما يسمى ” بالمجلس العسكري للمنطقة الجنوبية ” ، للأمر هنا دلالاته وأبعاده المتعلقة بتحضيرات – الغزوة المقبلة – ، هكذا يقول منطق الميدان ، فالبشير كما يشاع هو منشق عن ميدان الجيش السوري الوطني ، فيما الإدريس منشقٌ عن نظام هندسة هذا الجيش . التركيز سوف يكون إذاً دون عميق شك ، على تسخين الجبهة الجنوبية على حساب باقي الجبهات ، سيما الشمالية والشرقية ، التي فقدت ميليشيا الحر معظم سيطرتها على بلداتها وقراها .. .

إشارات وخفايا التمهيد .. في الفضاء ، وعلى الأرض

الأمر إذاً يتعلق بغزوةٍ يشتهي أصحابها أن تصل إلى ساحات دمشق إنطلاقاً من الجنوب المحاذي لقاعدة التدريب والتأهيل والتسليح والتمويل على الأراضي الأردنية ، سيما الحدودية منها ، التي تحولت لأهم القواعد في الحرب على سوريا بعد التحييد الجزئي للحدود اللبنانية بمشاركة أبطال المقاومة ، وإنحسار دور الحدود الشمالية والشرقية مع تركيا ، وأن يكون سيرها بإتجاه الغوطتين وصولاً إلى العاصمة حيث ترفع أعلام الكفر والتكفير على سواريها ، وهذا لعمري حلمٌ كحلم إبليس الثائر بالجنان وما في الجنان . الغزوة لم تأت وليدة الصدفة ، ثمة ما مهد لها ، ومن مهد لها . أهم دوافعها عنوانان ، الأول هو افتضاح حلف العدوان في جولتي مفاوضات جنيف ، كجهة متآمرة لا تنشد سلاماً ولا تبحث عن حلول بعيداً عن أطماع الصهاينة . في حين أن الوفد السوري قام بذكاء وحنكة وخبرة بالوصول إلى مبتغاه الذي كان جل توقعاته من جنيف وهو فضح تبعية الوفد الائتلافي لسادته ، وعدم أهليته ، وجديته ، وامتلاكه لناصية قراره وإرادته ، وكشف عدم جدية الأمريكي في إعلانه لتأييد الحل السلمي الدبلوماسي التفاوضي للأزمة السورية .

وأما العنوان الثاني فقد كان حصري بالإنجازات المتلاحقة لبواسل جيش الوطن السوري وبدئهم لمعركة يبرود التي يتوقع لها أن تكون مفصلية فيما خص تحييد الحدود الغربية وقطع كل خطوة الإمداد من وإلى الداخل اللبناني ، معركة القلمون التي لابأس أن نتوقع لإنجاز انتصارها زمناً يفوق ما كان في إنتصار القصير لأسباب تتعلق بالجغرافيا وطبيعة الأرض بشكل خاص ، لكن ما من شك بأن الجيش السوري ماضٍ في خوضها حتى إعلانها منطقة محررة وآمنة . هنا تحديداً يراد لغزوة الجنوب نحو دمشق أن تؤثر على أداء وسرعة إنجاز أبطال الجيش السوري لإنتصارهم المرتقب في القلمون .. .

أما إن إنتقلنا لمن قام بالتمهيد للغزوة المرتقبة .. فلن يكون لنا مهرب من وضع – جون كيري – على رأس القائمة ، وهو الذي حمل مسؤولية فشل محادثات جنيف2 للوفد السوري الوطني الحكومي ، وأعلن مباشرةً نية إدارته مراجعة حساباتها ومقاربتها لمسألة تسليح “المعارضة المعتدلة ، أو أصحاب القتل الرحيم ” ، من خلال تصريحاتٍ متلاحقة مكشوفة ومفضوحة . – كيري – الذي سرعان ما لحق به رفيق درب عدوانه – وليم هيغ – بإعتبار ذلك الفشل نكسة أو كارثة تدعو للتفكير في إجراءات بديلة؟! ، ولم يكن وارداً في هذه الحال ألا ينضم – لوران فابيوس – لذاك الثنائي ليعلن بدوره أن الخطوة القادمة يج ب أن تكون عملاً فاعلاً ؟! لمساعده الشعب السوري المسكين والمغلوب على أمره . كان لافتاً هذه المرة عدم تأخر وزير الخارجية الألماني – فرانك شتاينماير- في الدعوة للتوجه نحو مجلس الأمن لإستصدار قرارٍ فاعل ؟! يضمن وضع حدٍ لمعاناة الشعب السوري .. !!!!

لم يخرج عن هذا الإطار التمهيدي للغزوة الموعودة ، الإعلان الوقح والسافر لقبيلة آل سعود الوهابية بأنها ستبدأ ، أو بدأت بالفعل بتسليم ” إرهابييها المعتدلين ” ، أسلحة صاروخية نوعية حرارية مضادة للدروع والطائرات . الإعلان الذي ما أتى هكذا دون تنسيق على أعلى مستوى مع شركائها في العدوان وضوءٍ أخضر ومباركةٍ من إدارة أوباما . لم يخرج أيضاً عن هذا الإطار ، الإنجاز التاريخي الأسطوري ” للزعيم الجربا ” ، ساعة هرول نحو إحدى القرى النائية الحدودية في ريف ” إدلب ” ، محاولاً إقحام إنطباعٍ ما في نفوس إرهابيي مليشياته ، بأنه زعيم ، ورئيس ، وقائد ، وفخم . ولا هي إستطاعت . لقاءات ومباحثات ومداولات وتخطيطات – أوباما وملك الأردن – ، من الهرب بعيداً عن عشرات إشارات الإستفهام فيما خص توقيتها وأسبابها ودوافعها وتفاصيلها وأهدافها ،، رغم أن جميع ما ذكرت واضحٌ وضوح شمس حزيران ساعة الظهيرة . الأردن الرسمي التابع ، بمليكه ، وحكومة مليكه ، وبعض القوى الأمنية لمليكه ، سوف يكون رهناً لإرادة الثلاثي ، – نتنياهو ، أوباما ، أبو متعب – . والبقية ستعلنها أنباء الميدان يوماً بيوم وساعةً بساعة . وفي البقية هنالك الكثير من المفاجآت التي قد يكون الطرف المعادي إحتسب لها ، كما الكثير مما لم يحتسب له .. مفاجآت يؤمن معظم السوريين بأن بواسل هذا الوطن الفريد قد أعدوها للأعداء الوافدين متعددي الجنسيات .. .

ردود الحلفاء والأصدقاء ومواقفهم

هنالك من لم يتأخر بالرد على كل التهديدات المبطنة والمباشرة من قبل قادة الغرب ، حيث حرص الأمين العام لحزب الله ، على التأكيد أن إستهداف جمهور المقاومة وحاضنتها الشعبية ، لن يثني مقاومي الحزب عن مواصلة التصدي للإرهاب المقيم في سوريا والوافد بعضه إلى الضاحية الجنوبية وأنه سيبقى سنداً وعضداً وحليفاً ومخلصاً لمن دعمه وآزره على مدار عمر تصديه لكيان الإحتلال . حال القيادة الإيرانية لم يتزحزح قيد شعرة عن مبدئياته في دعم الحليف السوري دعماً حيوياً يرتبط أمره مصيرياً بكلا البلدين والشعبين . من جهتها ، تقصدت الحكومة الصينية إعادة ذات التصريح تقريبا على مدار يومين متعاقبين ، بأنها تعارض أي تدخل عسكري في سورية وتشدد على أن الحل الأمثل والوحيد هو الحل السلمي التفاوضي . موقفٌ سبقها إليها وزير الخارجية – سيرغي لافروف – الذي أمطر الغرب والشرق بوابلٍ من التصريحات والمواقف الحادة والواضحة جداً . صب بعضها في معرض الرد المباشر على التوجهات والدعوات والتسريبات التي تشي بإعادة وضع الخيار العسكري ضد سوريا على الطاولة ، هازئاً بطريقة دبلوماسية من المعارضة السورية التي تتوهم بأن الإعلان عن فشل المفاوضات في جنيف سوف يتبعه تدخل عسكري ، مؤكداً أن روسيا لن تسمح بأي شكل من أشكال الأعمال العسكرية ضد سو ريا ، محملاً العصابات الإرهابية في سوريا بإرتكاب مجازر جماعية ، ملمحاً أن هناك فرصة للإتفاق على مشروع قرار في مجلس الأمن حول الوضع الإنساني وغامزاً في ذات الوقت بأن هكذا قرار يجب ألا يستهدف جهةً بعينها وأن يكون حيادياً ، وأنه لن يكون بأي حال من الأحوال تحت الفصل السابع …

لا بد هنا من الإشارة للضغط الهائل الذي تتعرض له موسكو من خلال محاولة تفجير الساحة السورية أكثر ، وتأزيم الساحة الأوكرانية أكثر فأكثر ، وهما من أهم الساحات للإستراتيجية الروسية ، والنفوذ الروسي ، والأمن القومي الروسي . ما بات جلياً حتى الآن أن الروس ماضون في تشبثهم بضمان سلامة صمامات أمنهم القومي ، ولا مؤشرات على الإطلاق على إمكانية رفعهم للراية البيضاء ، وإعلان هزيمتهم ، وفقدانهم لكل ما قدموه من دعم وجهد للوصول إلى نصرهم من خلال نصر الوطن السوري شعباً وجيشاً وقيادة ، وإستئثارهم في قلب الوطن السوري بلقب الشريك المخلص ، الوفي ، القوي ، لعقوبة طويلة قادمة ، وفقدانهم لدفء مياه شواطئ طرطوس واللاذقية إلى غير رجعة . وضياع الحلم الذي بدؤوه من دمشق في عودتهم إلى الساحة الدولية بما يكفي من القوة لإنهاء زمن القطبية الواحدة .. .

ملامح حظوظ الغزوة المزعومة العتيدة

لنا أن نقول هنا أن فرسان الغزوة من المؤمنين ” بالدين الجديد ” ، التكفيري ، الوهابي ، الإقصائي ، الدموي ، الهمجي ، سوف يحتكرون ” في العلن ” أدوار البطولة ، فيما سيكون للآخرين حصةٌ صغيرة من الأدوار المساعدة ، لكن واقع عالم الأسرار كما نعلم يخالف ما نراه ونسمعه في العلن . فالأدوار المساعدة في هكذا غزوات هي الأهم والأخطر والأساس ، لكنها تتخفى وراء الستائر ، و تحت عناوين مختلفة . ما هو مريح نسبياً حتى الآن أن كوابح الجنون لا زالت تعمل بكفاءة كافية لمنعه . لكن ما قد يعطل الكوابح ، هو إحتمالية مواربة ومكر وخداع حكومة أو أكثر من حكومات دول الإقليم ، ” الأردن ، وكيان العدو الإسرائيلي والوهابي بشكل خاص ” ، ساعة تعلن على الملأ أنها جاهزة لتنفيذ إتفاقٍ ما ، يقضي بالقيام بغزوة محدودة لا يفترض لها أن تتطور إلى حربٍ إقليمية أو عالمية ، فيما هي في السر تقوم بالعكس فتخدع حتى حلفاءها في العدوان … لنا أن نضيف إلى هذا جميعه أن الخشية اليوم قد إستفحلت من حقيقة أن ساح الجهاد سوف يتعدى مساحة الوطن السوري ليشمل دولاً وعواصم ومدناً يصعب حصرها ، بعضها أعرابي وأغلبها صهيوني .. وهذا أيضاً ما لا يستطيع الغرب أن يجامل معه قبائل بني صهيون ، الإسرائيلية منها والأعرابية .. فيؤيدها بما سيجلب له لاحقاً الويل والثبور وعظا ئم الأمور ..

هي في هذه الأيام ، وأكثر من أي وقتٍ مضى ، معركة قضم الأصابع ، والعض على الرقاب ، فالجيش السوري بات اليوم بارعاً أكثر في عمليات تحرير وتعقيم المناطق المحررة عن طريق تقطيع الجسد الإرهابي قضماً . وهو يعلم أن ما سيواجهه من ناحية الجنوب هو غزوة قد تكون غير مسبوقة ، تستهدف عرينه وقاسيونه ، وهو لا شك بكامل الجاهزية والإستعداد لملاقاة الغزاة في عمقهم الجنوبي ، ولن ينتظر حتى تتجاوز جحافل قطعانهم الغوطتين متجهةً نحو قلعة الصمود …

انها الغزوة التي إستعد لها رجال الله في الجيش السوري الوطني ،الجيش الذي أسقط غزوات دمشق السابقة بصمود وبسالة أبطاله ، وحلفاؤهم في محور المقاومة اليوم هم أيضاً على أهبة الإستعداد ، فمقاومي حزب الله جاهزون لخوض معركة يبرود جنباً إلى جنب مع الجيش السوري إذا ما إستدعى الميدان ذلك ، والعراق يتكفل على أرضه بالمهمة التي تثمر خيراً على سوريا والعراق ، وإيران وروسيا تقدمان ما يكفي من العتاد والسلاح و الجهد الإستخباراتي المعلوماتي اللوجستي .. إنها الغزوة التي سيبذل هذا المحور الوطني المقاوم كل ما في وسعه لإغراق حظوظها في وحل بساتين الغوطتين ، و بعيداً عن مركز العاصمة ، ولمحاولة وضعها في كتاب المؤامرة والعدوان ،، تحت عنوان … الغزوة الأخيرة..

  • فريق ماسة
  • 2014-02-20
  • 12509
  • من الأرشيف

غزوة دمشق الأخيرة متى تبدأ ؟ وما هي حظوظها ؟

كثيرٌ من الحذر وبعضٌ من الجنون الصهيو- وهابي لا وجود اليوم لمن يجرؤ بالمطلق على تخمين وتصور تفاصيل ملامح الحال القادم ، و ماهية الحل القادم . لكن هنالك كثر يؤمنون حد اليقين وأنا أحدهم دون ريب .. أن هذا الكابوس إلى زوال ، و أن قدر هكذا وطن أن يقوم من بين ركامه ، وقدر هكذا جيش أن يسطر إعجازه ، وقدر هكذا شعب أن يعانق نصره ، و أن يداوي جراحه التي لن تندمل للأسف قبل أن تحفر آثارها على جسد النسيج الإجتماعي و الذاكرة الجمعية لأبنائه . لكن ما علينا الإستعداد له ، هو دفع المزيد من الأثمان ، والأثمان التي تسبق الإنتصارات كما تلك التي تسبق الحلول تكون عادةً باهظة التكاليف . كتبت مراتٍ عديدة منذ بدء الحرب الكونية غير المباشرة على سوريا بأنني أؤمن بأن لا حرب عسكرية كلاسيكية تقليدية ستعلنها أية جهة على دمشق إلا في حالة الجنون الأعمى .. أو الجنون المطبق ، وكنت أضيف غالباً .. بأنني لا أرى بعد أية إشارات توحي بوصول معسكر العدوان لحالة الجنون المطبق .. حتى في الوقت الذي كانت أنظار وعقول الكون تترقب بدء العدوان العسكري الأمريكي على سوريا . اليوم أعيد صياغة ذات الرأي ولكن بكلماتٍ ومفرداتٍ مغايرة قليلاً .. اليوم يبدو أن هنالك أكثر من طرف بات على أهبة الإستعداد لخوض تجربة الجنون ” قبيلة آل سعود الوهابية وحكومة العدو الصهيوني ” ، وفهمكم لمغزى الآمال وال أحلام والأهداف والحوافز و التآلف والإنسجام والتنسيق – المشتركة جميعها – ، لهذين الفريقين .. أكثر من كافٍ . إنها العناوين التي أذابت وصهرت ودمجت هذين المكونين الدخيلين الطارئين ليشكلا مكوناً واحداً هو- الصهيو وهابية – ، الفريقان اللذان يشكلان رايتي الغزوة التي باتت أنباؤها تدك الصفحات الأولى لكبريات الصحف العالمية .. . التائهون والمترددون ، ومنشقٌ يخلف من إنشق عن إنشقاقه لكن هنالك آخرين في ذات معسكر العدوان ليسوا بمستعدين لتحمل تبعات نوبات ما بعد الجنون . فأثمان و تبعات الجنون والكوارث البشرية والإقتصادية التي ستنجم عنه باهظة جداً وتفوق طاقتهم ، وهم ليسوا بمستعدين بحال من الأحوال لمواجهة عواقبه الأمنية الخطيرة التي ستهدد بلدانهم ومجتمعاتهم . فما من جهة في الكون تستطيع تخمين شكل الإطار العام لمشهد ما بعد الحرب ، لكن الكل يعلم علم اليقين بأن انفلاتاً لم تعرف له البشرية مثيل سيكون واقعاً كونياً معاشاً ، الإنفلات الهمجي البهائمي الوحشي الذي ستنفذه القطعان الجهادية , من وعلى , جهات الأرض وأصقاعها ، والكل يعلم ان ما من حلول جذرية حاسمة لعمليات تدفق أولئك ومنع تهريبهم وتسللهم و منع أحدهم من إمساكه لصمام تفجير جسده في سبيل – إسرائيل الوهابية والحقد الطائفي – . بات من شبه المؤكد أن العدوان أو الغزوة أو “بعض الجنون ، قد يكون في العلن ” ثورياً ميليشياوياً ” ، يكون للفصائل الإرهابية الحصة الأكبر منه . فصائل القتلة التي يعمل جراحوا الإعلام والإستخبارات على الإنتهاء قريباً من الرتوش الأخيرة لعملية إعادة رسم صورتها وتشكيل هيئتها ، يدخل في هذا الإطار عزل المنشق – سليم إدريس – بحجة فشله وهزائمه وخيباته المتلاحقة ، إدريس الذي أعلن في الأمس ومعه مجموعة من قادة ع صابات ” ميليشيا الحر ” ، إنشقاقة عن إنشقاقة الأول ، ليزداد حال فريق ما يسمى “بالجيش الحر ” ، تشرذماً وتهالكاً وتشتتاً وهزالاً وتآكلاً وإنشقاقاً . وتعيين المنشق الآخر -عبد الإله البشير- ، الذي كان يرأس ما يسمى ” بالمجلس العسكري للمنطقة الجنوبية ” ، للأمر هنا دلالاته وأبعاده المتعلقة بتحضيرات – الغزوة المقبلة – ، هكذا يقول منطق الميدان ، فالبشير كما يشاع هو منشق عن ميدان الجيش السوري الوطني ، فيما الإدريس منشقٌ عن نظام هندسة هذا الجيش . التركيز سوف يكون إذاً دون عميق شك ، على تسخين الجبهة الجنوبية على حساب باقي الجبهات ، سيما الشمالية والشرقية ، التي فقدت ميليشيا الحر معظم سيطرتها على بلداتها وقراها .. . إشارات وخفايا التمهيد .. في الفضاء ، وعلى الأرض الأمر إذاً يتعلق بغزوةٍ يشتهي أصحابها أن تصل إلى ساحات دمشق إنطلاقاً من الجنوب المحاذي لقاعدة التدريب والتأهيل والتسليح والتمويل على الأراضي الأردنية ، سيما الحدودية منها ، التي تحولت لأهم القواعد في الحرب على سوريا بعد التحييد الجزئي للحدود اللبنانية بمشاركة أبطال المقاومة ، وإنحسار دور الحدود الشمالية والشرقية مع تركيا ، وأن يكون سيرها بإتجاه الغوطتين وصولاً إلى العاصمة حيث ترفع أعلام الكفر والتكفير على سواريها ، وهذا لعمري حلمٌ كحلم إبليس الثائر بالجنان وما في الجنان . الغزوة لم تأت وليدة الصدفة ، ثمة ما مهد لها ، ومن مهد لها . أهم دوافعها عنوانان ، الأول هو افتضاح حلف العدوان في جولتي مفاوضات جنيف ، كجهة متآمرة لا تنشد سلاماً ولا تبحث عن حلول بعيداً عن أطماع الصهاينة . في حين أن الوفد السوري قام بذكاء وحنكة وخبرة بالوصول إلى مبتغاه الذي كان جل توقعاته من جنيف وهو فضح تبعية الوفد الائتلافي لسادته ، وعدم أهليته ، وجديته ، وامتلاكه لناصية قراره وإرادته ، وكشف عدم جدية الأمريكي في إعلانه لتأييد الحل السلمي الدبلوماسي التفاوضي للأزمة السورية . وأما العنوان الثاني فقد كان حصري بالإنجازات المتلاحقة لبواسل جيش الوطن السوري وبدئهم لمعركة يبرود التي يتوقع لها أن تكون مفصلية فيما خص تحييد الحدود الغربية وقطع كل خطوة الإمداد من وإلى الداخل اللبناني ، معركة القلمون التي لابأس أن نتوقع لإنجاز انتصارها زمناً يفوق ما كان في إنتصار القصير لأسباب تتعلق بالجغرافيا وطبيعة الأرض بشكل خاص ، لكن ما من شك بأن الجيش السوري ماضٍ في خوضها حتى إعلانها منطقة محررة وآمنة . هنا تحديداً يراد لغزوة الجنوب نحو دمشق أن تؤثر على أداء وسرعة إنجاز أبطال الجيش السوري لإنتصارهم المرتقب في القلمون .. . أما إن إنتقلنا لمن قام بالتمهيد للغزوة المرتقبة .. فلن يكون لنا مهرب من وضع – جون كيري – على رأس القائمة ، وهو الذي حمل مسؤولية فشل محادثات جنيف2 للوفد السوري الوطني الحكومي ، وأعلن مباشرةً نية إدارته مراجعة حساباتها ومقاربتها لمسألة تسليح “المعارضة المعتدلة ، أو أصحاب القتل الرحيم ” ، من خلال تصريحاتٍ متلاحقة مكشوفة ومفضوحة . – كيري – الذي سرعان ما لحق به رفيق درب عدوانه – وليم هيغ – بإعتبار ذلك الفشل نكسة أو كارثة تدعو للتفكير في إجراءات بديلة؟! ، ولم يكن وارداً في هذه الحال ألا ينضم – لوران فابيوس – لذاك الثنائي ليعلن بدوره أن الخطوة القادمة يج ب أن تكون عملاً فاعلاً ؟! لمساعده الشعب السوري المسكين والمغلوب على أمره . كان لافتاً هذه المرة عدم تأخر وزير الخارجية الألماني – فرانك شتاينماير- في الدعوة للتوجه نحو مجلس الأمن لإستصدار قرارٍ فاعل ؟! يضمن وضع حدٍ لمعاناة الشعب السوري .. !!!! لم يخرج عن هذا الإطار التمهيدي للغزوة الموعودة ، الإعلان الوقح والسافر لقبيلة آل سعود الوهابية بأنها ستبدأ ، أو بدأت بالفعل بتسليم ” إرهابييها المعتدلين ” ، أسلحة صاروخية نوعية حرارية مضادة للدروع والطائرات . الإعلان الذي ما أتى هكذا دون تنسيق على أعلى مستوى مع شركائها في العدوان وضوءٍ أخضر ومباركةٍ من إدارة أوباما . لم يخرج أيضاً عن هذا الإطار ، الإنجاز التاريخي الأسطوري ” للزعيم الجربا ” ، ساعة هرول نحو إحدى القرى النائية الحدودية في ريف ” إدلب ” ، محاولاً إقحام إنطباعٍ ما في نفوس إرهابيي مليشياته ، بأنه زعيم ، ورئيس ، وقائد ، وفخم . ولا هي إستطاعت . لقاءات ومباحثات ومداولات وتخطيطات – أوباما وملك الأردن – ، من الهرب بعيداً عن عشرات إشارات الإستفهام فيما خص توقيتها وأسبابها ودوافعها وتفاصيلها وأهدافها ،، رغم أن جميع ما ذكرت واضحٌ وضوح شمس حزيران ساعة الظهيرة . الأردن الرسمي التابع ، بمليكه ، وحكومة مليكه ، وبعض القوى الأمنية لمليكه ، سوف يكون رهناً لإرادة الثلاثي ، – نتنياهو ، أوباما ، أبو متعب – . والبقية ستعلنها أنباء الميدان يوماً بيوم وساعةً بساعة . وفي البقية هنالك الكثير من المفاجآت التي قد يكون الطرف المعادي إحتسب لها ، كما الكثير مما لم يحتسب له .. مفاجآت يؤمن معظم السوريين بأن بواسل هذا الوطن الفريد قد أعدوها للأعداء الوافدين متعددي الجنسيات .. . ردود الحلفاء والأصدقاء ومواقفهم هنالك من لم يتأخر بالرد على كل التهديدات المبطنة والمباشرة من قبل قادة الغرب ، حيث حرص الأمين العام لحزب الله ، على التأكيد أن إستهداف جمهور المقاومة وحاضنتها الشعبية ، لن يثني مقاومي الحزب عن مواصلة التصدي للإرهاب المقيم في سوريا والوافد بعضه إلى الضاحية الجنوبية وأنه سيبقى سنداً وعضداً وحليفاً ومخلصاً لمن دعمه وآزره على مدار عمر تصديه لكيان الإحتلال . حال القيادة الإيرانية لم يتزحزح قيد شعرة عن مبدئياته في دعم الحليف السوري دعماً حيوياً يرتبط أمره مصيرياً بكلا البلدين والشعبين . من جهتها ، تقصدت الحكومة الصينية إعادة ذات التصريح تقريبا على مدار يومين متعاقبين ، بأنها تعارض أي تدخل عسكري في سورية وتشدد على أن الحل الأمثل والوحيد هو الحل السلمي التفاوضي . موقفٌ سبقها إليها وزير الخارجية – سيرغي لافروف – الذي أمطر الغرب والشرق بوابلٍ من التصريحات والمواقف الحادة والواضحة جداً . صب بعضها في معرض الرد المباشر على التوجهات والدعوات والتسريبات التي تشي بإعادة وضع الخيار العسكري ضد سوريا على الطاولة ، هازئاً بطريقة دبلوماسية من المعارضة السورية التي تتوهم بأن الإعلان عن فشل المفاوضات في جنيف سوف يتبعه تدخل عسكري ، مؤكداً أن روسيا لن تسمح بأي شكل من أشكال الأعمال العسكرية ضد سو ريا ، محملاً العصابات الإرهابية في سوريا بإرتكاب مجازر جماعية ، ملمحاً أن هناك فرصة للإتفاق على مشروع قرار في مجلس الأمن حول الوضع الإنساني وغامزاً في ذات الوقت بأن هكذا قرار يجب ألا يستهدف جهةً بعينها وأن يكون حيادياً ، وأنه لن يكون بأي حال من الأحوال تحت الفصل السابع … لا بد هنا من الإشارة للضغط الهائل الذي تتعرض له موسكو من خلال محاولة تفجير الساحة السورية أكثر ، وتأزيم الساحة الأوكرانية أكثر فأكثر ، وهما من أهم الساحات للإستراتيجية الروسية ، والنفوذ الروسي ، والأمن القومي الروسي . ما بات جلياً حتى الآن أن الروس ماضون في تشبثهم بضمان سلامة صمامات أمنهم القومي ، ولا مؤشرات على الإطلاق على إمكانية رفعهم للراية البيضاء ، وإعلان هزيمتهم ، وفقدانهم لكل ما قدموه من دعم وجهد للوصول إلى نصرهم من خلال نصر الوطن السوري شعباً وجيشاً وقيادة ، وإستئثارهم في قلب الوطن السوري بلقب الشريك المخلص ، الوفي ، القوي ، لعقوبة طويلة قادمة ، وفقدانهم لدفء مياه شواطئ طرطوس واللاذقية إلى غير رجعة . وضياع الحلم الذي بدؤوه من دمشق في عودتهم إلى الساحة الدولية بما يكفي من القوة لإنهاء زمن القطبية الواحدة .. . ملامح حظوظ الغزوة المزعومة العتيدة لنا أن نقول هنا أن فرسان الغزوة من المؤمنين ” بالدين الجديد ” ، التكفيري ، الوهابي ، الإقصائي ، الدموي ، الهمجي ، سوف يحتكرون ” في العلن ” أدوار البطولة ، فيما سيكون للآخرين حصةٌ صغيرة من الأدوار المساعدة ، لكن واقع عالم الأسرار كما نعلم يخالف ما نراه ونسمعه في العلن . فالأدوار المساعدة في هكذا غزوات هي الأهم والأخطر والأساس ، لكنها تتخفى وراء الستائر ، و تحت عناوين مختلفة . ما هو مريح نسبياً حتى الآن أن كوابح الجنون لا زالت تعمل بكفاءة كافية لمنعه . لكن ما قد يعطل الكوابح ، هو إحتمالية مواربة ومكر وخداع حكومة أو أكثر من حكومات دول الإقليم ، ” الأردن ، وكيان العدو الإسرائيلي والوهابي بشكل خاص ” ، ساعة تعلن على الملأ أنها جاهزة لتنفيذ إتفاقٍ ما ، يقضي بالقيام بغزوة محدودة لا يفترض لها أن تتطور إلى حربٍ إقليمية أو عالمية ، فيما هي في السر تقوم بالعكس فتخدع حتى حلفاءها في العدوان … لنا أن نضيف إلى هذا جميعه أن الخشية اليوم قد إستفحلت من حقيقة أن ساح الجهاد سوف يتعدى مساحة الوطن السوري ليشمل دولاً وعواصم ومدناً يصعب حصرها ، بعضها أعرابي وأغلبها صهيوني .. وهذا أيضاً ما لا يستطيع الغرب أن يجامل معه قبائل بني صهيون ، الإسرائيلية منها والأعرابية .. فيؤيدها بما سيجلب له لاحقاً الويل والثبور وعظا ئم الأمور .. هي في هذه الأيام ، وأكثر من أي وقتٍ مضى ، معركة قضم الأصابع ، والعض على الرقاب ، فالجيش السوري بات اليوم بارعاً أكثر في عمليات تحرير وتعقيم المناطق المحررة عن طريق تقطيع الجسد الإرهابي قضماً . وهو يعلم أن ما سيواجهه من ناحية الجنوب هو غزوة قد تكون غير مسبوقة ، تستهدف عرينه وقاسيونه ، وهو لا شك بكامل الجاهزية والإستعداد لملاقاة الغزاة في عمقهم الجنوبي ، ولن ينتظر حتى تتجاوز جحافل قطعانهم الغوطتين متجهةً نحو قلعة الصمود … انها الغزوة التي إستعد لها رجال الله في الجيش السوري الوطني ،الجيش الذي أسقط غزوات دمشق السابقة بصمود وبسالة أبطاله ، وحلفاؤهم في محور المقاومة اليوم هم أيضاً على أهبة الإستعداد ، فمقاومي حزب الله جاهزون لخوض معركة يبرود جنباً إلى جنب مع الجيش السوري إذا ما إستدعى الميدان ذلك ، والعراق يتكفل على أرضه بالمهمة التي تثمر خيراً على سوريا والعراق ، وإيران وروسيا تقدمان ما يكفي من العتاد والسلاح و الجهد الإستخباراتي المعلوماتي اللوجستي .. إنها الغزوة التي سيبذل هذا المحور الوطني المقاوم كل ما في وسعه لإغراق حظوظها في وحل بساتين الغوطتين ، و بعيداً عن مركز العاصمة ، ولمحاولة وضعها في كتاب المؤامرة والعدوان ،، تحت عنوان … الغزوة الأخيرة..

المصدر : نمير سعد


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة