على رقعة الشطرنج ، ينتصر من يُتقن التحرك بانسجام ، ويجيد الحساب لعدة حركات تلي الحركة التي نفذها ، وبعدة إحتمالات لكل خطوة يخطوها ، ويعرف تماما متى يتحرك الحصان بخطواته المتعرجة ، والجندي بخطواته القليلة ولكن الثابتة والواثقة ، ومتى ينطلق الفيل بمسارته الافقية والمنحنية ، ومتى يتدخل الوزير ليُنهي الجوله فيقدم النصر هدية خالصة للملك .

يوماً ما حذّر بشار حافظ الاسد من خطورة العبث بمركز الزلازل الموجود في سوريا لأن ذلك سيقود حتماً الى سلسة عنيفة من الزلازل ورحيل للصفائح … ستؤدي الى تغيير الخرائط والتضاريس والمناخات ، وتوزيع الثروة وانتشار السكان ، واعادة رسم لخارطة الدمار والخراب لتطال أراض جديدة غير سوريا . فضّل أعداء سوريا العمل على إسقاط سوريا دون الإقدام على عمل عسكري مباشر بعد ان حاولوا ، فترددوا ، فتراجعوا . لقد وجدوا أن ثمن تدمير سوريا أكبر بكثير من احتمالهم ، وأن نتائج دفاع سوريا وحلفائها في المنطقة عن أنفسهم سيجعل من العدوان غير مضمون النتائج أبداً ، بل وسيجلب الدمار للقوات الأمريكيّة في المنطقة ولحلفائها ، لا سيما كيان العدو الصهوني ، وسيؤدي حتماً إلى إغلاق الخليج العربي والمتوسط وقناة السويس ما يعني محاصرة القوات الأمريكيّة وحلفائها بالمنطقة لأمد غير منظور ، وإشتعال أسعار النفط … لا سيما بعد تناقل الأخبار عن إسقاط سوريا لطائرة “اف 22 رابتور” أمريكية وأربعة صواريخ “توماهوك” شمال الأردن يوم الأربعاء 28/8/2013 .

لذلك ، قرّروا شنّ عدوان أقل من الحرب المباشرة بصورتها الكلاسيكية المعروفة ، وأسخن من الحرب الباردة ، حرب مؤذية وقاسية وصاخبة فيها الكثير الكثير من دماء المدنين والأبرياء . والهدف الرئيس من هذا النوع من الحروب العدوانية هو فرض “الشراكة” في رسم مستقبل البلد المستهدف “والمقصود هنا سوريا” .

صحيح أنّ هذا النوع من الحروب لا يحقق انتصاراً “كاسحاً” ، ولا يفرض على الخصم إنكساراً معلناً ، غير أنه- أن نجح- يفضي الى إنتهاك عميق للسيادة ، وخسارة كبيرة لإسقلال القرار الوطني . نجحت سوريا بكسر إرادة الحرب الكلاسيكية لدى خصومها ، وهي تنجح اليوم على نحو مذهل ودراماتيكي في كسب حرب العصابات التي تخوضها ضد المجموعات الارهابية والمرتزقة .

لقد أنجزت سوريا نصراً عسكرياً وسياسياً كاملاً ضد العدوان العسكري المباشر ، وانجزت “نصف نصر” في حربها ضد العصابات والمجموعات الإرهابية – الأداة البديلة في حرب أعدائها ضدها – واليوم تدور مفاوضات “التسوية” عند هذه النقطة تحديداً ضمن صيرورة الصراع المستمر منذ ثلاثة أعوام .

أعداء سوريا يعيشون حالة من الوهن والضعف واضحة لكل مراقب ، ولكنهم بذات الوقت خائفون حدّ الجنون من التسليم بنصر سوريا وحلفائها ، فنراهم يتقدمون خطوة نحو “التسوية” فيعيدهم خوفهم من نتائج هذه التسوية خطوة إلى الخلف ، ولكنهم يدركون أن الوقت في هذه المعادلة الكبرى ليس في صالحهم أبداً بل في صالح سوريا وحلفائها الذين يحققون التقدم في الميدان يوميّاً ، ويكسرون المشروع بشقه الأخير .

سأحاول هنا تلخيص بعض من بنود “التسوية” التي يدور الحديث عنها اليوم ، بناءاً على الحجم القليل من المعلومات الذي يعرفه أغلبنا ، مع قدر كبير من التحليل والإستدلال وقراءة “العقول” والمشاريع المتصارعة . يبقى أن أقول أن هذه “التسوية” تبقى صالحة لمثل هذه الأوضاع الميدانية والسياسية … إما إذا حققت سوريا وحلفاؤها النصر الكامل فإن تعديلات كبرى ستطال هذه البنود ، فما هو صالح مع “نصف نصر” لن يكون صالحاً أبداً مع نصر كامل

1- الرئيس بشار حافظ الأسد رئيساً للجمهورية العربية السورية في الإنتخابات الرئاسية 2014 .

 

2- لا وجود لمعظم هذه الشخصيات المسماة “معارضة” في الحياة السياسية لسوريا الغد مع “نصف نصر” ، أما بحالة النصر الكامل فلا مكان لكل من تعامل مع أعداء سوريا .

3- إعادة إعمار سوريا (مالياً ، عمرانيّاً ، خدميّا ً… ) سيستغرق من ثلاث إلى خمس سنوات ، وسيتكفل من دفع المال لتدميرها دفع المال لإعادة إعمارها .

4- السواحل السورية المعبر الأنسب لتصدير نفط وغاز جزيرة العرب والعراق .

5- عقد قمة عربية هدفها وبرنامجها يتلخص ببند وحيد ، وهو مصالحة وإعتذار إلى الشعب العربي السوري في دمشق ، ومساعدته في إعادة الإعمار والبناء الشامل .

6- العماد مشيل عون رئيساً للبنان ، مع تكليف رئيس وزراء وازن ” قد يكون سعد الحريري” يُنهي الجدل بخصوص سلاح المقاومة ، وملف المحكمة الدولية … فيما يتعلق بإنهاء حكاية المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ، فإن الجاني الذي ستوجه إليه التهم – هو المتهم الحقيقي الواضح منذ أول يوم – الجماعات المتطرفة ذات الغطاء الإسلاموي المدعومة من أمريكا وكيان العدو الصهيوني ومملكة آل سعود . هذا مع “نصف نصر” ،ولكن مع النصر الكامل سيثبت أن السعودية وكيان العدو الصهيوني وبعض شخصيات 14 الشهر –على رأسهم سعد الحريري نفسه- وأمريكا وفرنسا وبعض المخابرات الإقليمية هم المسؤلون عن هذة الإغتيالات . مع لفت النظر بأنه لن يكون رئيس لبنان القادم سوى سليمان بيك فرنجية إن تحقق نصر سوريا الكامل قبل الوصول إلى التسوية . 7- تغييرات كبرى في قيادة مملكة آل سعود – سعود وتركي الفيصل وبندر بن سلطان … إلى جهنم ، وإبدالهم بفريق عبد العزيز بن عبد الله (الخارجية) ومقرن بن عبد العزيز (الإستخبارات) ومحمد بن نايف (الداخلية) … – وسياساتها إلى صيغ وسياسات جديدة أكثر انفتاحاً وعروبة مع مراعاة لمصالح أمريكا النفطية . هذه تسوية “نصف نصر” ، ولكن مع النصر الكامل ليس هناك من بديل عن العودة إلى التقسيمات التاريخية والطبيعية في جزيرة العرب ( نجد والحجاز والشرقية … ) والخلاص من آل سعود نهائيّاً .

8- إنقلاب في المعادلة الرئاسية المصريّة . قبل خمسة أعوام تقريباً ، قال مصطفى الفقي مسؤول العلاقات الخارجية في الحزب الوطني الحاكم حينها : ( رئيس مصر يجب ان ترضى عنه امريكا ولا تعارضه “إسرائيل” ) لتحل مكانها معادلة جديدة تقول : رئيس مصر حليف لمحور بريكس بقيادة روسيا ، ودون أن يكون عدواً لأمريكا . لذلك تمّ ترشيح السيسي على لسان فلادمير بوتين شخصيّاً وفي منزله قبل أن يُعلن الرجل “عبد الفتاح السيسي” ترشحه رسميّاً . 9- كيان العدو الصهيوني سيكون مجبرا على القبول بحدود عام ( 67 ) ، وفق قرارات الشرعية الدولية -إن لم تفرط القيادة الفلسطينية بحقوق الشعب الفلسطيني تحت تأثير الضغوط العربية والصهيونية والأمريكيّة والغربيّة- ، ويبقى هذا ممكناً مع “نصف نصر” أمّا النصر الكامل فسيعني الغاء هذا الكيان عن الوجود .

10- إسقاط نظام حمد البحرين ورئيس وزرائه خليفه ، وإستبدال الملك بولي عهده ، ورئيس وزرائه برئيس وزراء جديد يُرضي طموح الشعب ، وتطمئن له المعارضة .

قد يقول أحدهم بأن هذا “تنجيم وقراءة للبخت” على طريقة (مايك فغالي) ، ولكن لننظر إلى الخريطة على نحو سريع وموضوعي .

تركيا : تنسحب من جبهة العدوان على سوريا بعد تآكل قواها الذاتية ، وتدهور شعبية حزب أردوغان ، وإندلاع الخلافات بينه وبين حلفائه الذين أوصلوه لسدة الحكم ( غول ، فتح الله غولن ، الطبقة الوسطى ، الأكراد ، الأقليات الدينية … ) والهبوط الحاد في قيمة الليرة التركيّة وتراجع معدلات النمو … . العراق : يستعيد عافيته ويراكم عناصر القوة ، وهو مُقبل على تدشين علاقات “خاصة” مع سوريا تحقق تكامل إقتصادي وسياسي وأمني – عسكري … . الأردن : صحيح أنّه يستجيب للضغوطات الأمريكيّة ، ويتساهل مع الإبتزاز السعودي ، ويعبر أحيانا عن طموحات تاريخيّة غير مشروعة … ولكنه لن يستطيع الإستمرار بهذه الهوية والسياسات المغامرة طويلاً ، لأنه سيختنق إقتصاديّاً ، وسينفجر شعبيّاً وإجتماعيّاً ، وستكون مسألة وجوده مهددة بالعمق .

أمريكا : قبل بضعة أيام توصلت إدارة أوباما مع الكونغرس إلى إتفاق يسمح لها بالإقتراض لمدة عام دون سقف محدد ، بعد أن تجاوز حجم الدين وخدمته إجمالي الناتج القومي الأمريكي لتمنع أو تؤجل إعلان إفلاسها ، وفي الأثناء ترسو ثلثي القطع البحرية الحربية الأمريكيّة في قواعدها بسبب عدم القدرة على دفع تكاليف تشغيلها وصيانتها ، وهي غير قادرة – حتى الآن- أن تُجبر “حامد كرزاي” على توقيع إتفاقيّة “تنظم بقاء القوات الأمريكيّة” في أفغانستان والتي ستكون مضطرة للإنسحاب منها ، وعبر الأراضي الروسيّة قبل نهاية العام الحالي 2014 .

الكيان الصهيوني : يتحدث قادة الكيان بأنفسهم عن الأخطار الوجوديّة التي تهدد كيانهم ، وتجعل مصيره ومستقبله في مهب الريح ، وتحت رحمة عشرات الآلاف من صواريخ حلف المقاومة . سأذكر هنا بحادثة “بسيطة” عرضها التلفزيون العربي السوري مئات المرات ولكن كيان العدو وحده من تنبه لها وقدّر مخاطرها الإستراتيجيّة . أتذكرون لحظة إطلاق صاروخي ” جولان 1 وجولان 2 ” في مناورات الجيش العربي السوري في العام 2012 ؟ الشيء المميز والخطير جداً كان التزامن الدقيق في إطلاق الصاروخين معاً ، وهذا يعني قدرة القوات الصاروخيّة السورية على إطلاق وابل من الصواريخ “الثقيلة” إلى كيان العدو تنطلق بذات اللحظة ، وتسقط على “رأسه” بذات اللحظة أيضاً ، ما يعني إستحالة إعتراضها جميعاً بأي حال من الأحوال . فكيف لو كان هذا الوابل مستمر عبر الجبهتين ، السورية واللبنانيّة فقط من جهة ، وتستهدف منصات الصواريخ المضادة للصواريخ ، وقواعد سلاح الجو ، ومدارج الطائرات ، وغرف التحكم والسيطرة ، والإدارات الحكوميّة الحساسة ، والمصانع البتروكيماوية والمنشآت الكهربائية الكبرى … من جهة أخرى ، فكم سيصمد هذا الكيان ؟ . ومن يراهن على إستنزاف الجيش العربي السوري ، وتآكل إسلحته ومعداته … سأذكره بعنصرين فقط :

1- خبر على وكالة الأنباء “رويترز” يوم الجمعة 17 كانون الثاني 2014 أنقله حرفيّاً : روسيا كثفت الإمدادات العسكرية للأسد في الأسابيع الماضية .

أشارت مصادر مطلعة إلى أن “روسيا كثفت في الأسابيع القليلة الماضية إمدادات العتاد العسكري لسوريا بما في ذلك عربات مدرعة وطائرات دون طيار وقنابل موجهة” ولفتت المصادر في حديث لوكالة “رويترز” إلى أن “قوات الاسد منذ كانون الأول تسلمت شحنات من الأسلحة والإمدادات العسكرية الأخرى منها طائرات بدون طيار رتبت روسيا تسليمها لسوريا إما مباشرة أو من خلال وكلاء”. ، وأضافت : “تنقل عشرات من طائرات “انتونوف 124″ مدرعات وأجهزة مراقبة ورادار وأنظمة حرب إلكترونية وقطع غيار لطائرات الهليكوبتر وأسلحة متنوعة منها قنابل موجهة” .

 

2- أصدر الرئيس بشار حافظ الأسد مرسوماً ( رقم 72 ) أجاز بموجبه إعادة العسكري المُحال على المعاش أو المستقيل أو المستغنى عن خدمته أو المنقول إلى وظيفة مدنية في الدولة … إلى الخدمة العاملة في القوات المسلحة بالرتبة التي كان يحملها عند انتهاء خدمته ، على أن لا يكون قد مضى على انتهاء خدمته في القوات المسلحة مدة تتجاوز ثلاث سنوات ، ولا تدخل في الخدمة الاحتياطية الفعلية التي تتخللها في حساب الثلاث سنوات المذكورة . ماذا لو تم دعوة دفعات أكثر من رجال الإحتياط ليبلغ قوام الجيش العربي السوري مليون مقاتل ؟ وماذا لو تمّ التوسع في إنشاء وتسليح قوات الدفاع الشعبي بكل صنوفها لتبلغ مليون مقاتل هي الأخرى ؟ .

 

بصدق ، إن معادلة وجوهر توازن القوى في الإقليم يميل بشدة لصالح الدولة الوطنية السورية المُستندة لقوة جيشها المتماسك ، ولدعم الغالبية الشعبية السورية الكاسحة لها ، وإلى تماسك جبهة حلفائها على نحو غير مسبوق … جميعنا يرى الإنجازات الميدانية المتلاحقة ، والمصالحات التي تتسع رقعتها بكل قوة ، وحالة التقاتل والصراع التي تعصف بجماعات الإرهاب ضد بعضها البعض ، والإنهيارات المتتالية في المعسكر المقابل ، والمحاولات الأمريكية المتكررة لفتح قناة تفاوض مباشر مع القيادة السورية … كلّ ذلك يؤهل القيادة السورية أن تضع العالم كله أمام خيارين لا ثالث لهما فإما تسوية تنطلق من التسليم بنصر سوريا والشراكة معها في مجابهة الإرهاب ، وإما حسم عسكري سوري بالقدرات الوطنية يُكرّس أمراً واقعاً ، ونصراً له ما بعده . كل ما هو دون ذلك محاولات يائسة وتهويل ممجوج لإجبار سوريا على تقديم التنازلات ، والتراجع عن بعض إنجازاتها ونتائج إنتصاراتها . الميدان لنا ، وعامل الزمن لصالحنا ، وقوانا في تزايد مضطرد ، وهذا عام الحسم … فإما أن يقروا بالهزيمة ويتحملوا مفاعيلها ، أو أن يغرقوا أكثر في وحل الميدان ليتجرعوا هم ومستوطناتهم وبقايا عملائهم مرّ الهزيمة في ميدان معركة من المضيق إلى المضيق .

  • فريق ماسة
  • 2014-02-15
  • 12649
  • من الأرشيف

2014.. عـام الـتـسـويـات الـكبـرى أو الـحسـم الـعـظـيـم

على رقعة الشطرنج ، ينتصر من يُتقن التحرك بانسجام ، ويجيد الحساب لعدة حركات تلي الحركة التي نفذها ، وبعدة إحتمالات لكل خطوة يخطوها ، ويعرف تماما متى يتحرك الحصان بخطواته المتعرجة ، والجندي بخطواته القليلة ولكن الثابتة والواثقة ، ومتى ينطلق الفيل بمسارته الافقية والمنحنية ، ومتى يتدخل الوزير ليُنهي الجوله فيقدم النصر هدية خالصة للملك . يوماً ما حذّر بشار حافظ الاسد من خطورة العبث بمركز الزلازل الموجود في سوريا لأن ذلك سيقود حتماً الى سلسة عنيفة من الزلازل ورحيل للصفائح … ستؤدي الى تغيير الخرائط والتضاريس والمناخات ، وتوزيع الثروة وانتشار السكان ، واعادة رسم لخارطة الدمار والخراب لتطال أراض جديدة غير سوريا . فضّل أعداء سوريا العمل على إسقاط سوريا دون الإقدام على عمل عسكري مباشر بعد ان حاولوا ، فترددوا ، فتراجعوا . لقد وجدوا أن ثمن تدمير سوريا أكبر بكثير من احتمالهم ، وأن نتائج دفاع سوريا وحلفائها في المنطقة عن أنفسهم سيجعل من العدوان غير مضمون النتائج أبداً ، بل وسيجلب الدمار للقوات الأمريكيّة في المنطقة ولحلفائها ، لا سيما كيان العدو الصهوني ، وسيؤدي حتماً إلى إغلاق الخليج العربي والمتوسط وقناة السويس ما يعني محاصرة القوات الأمريكيّة وحلفائها بالمنطقة لأمد غير منظور ، وإشتعال أسعار النفط … لا سيما بعد تناقل الأخبار عن إسقاط سوريا لطائرة “اف 22 رابتور” أمريكية وأربعة صواريخ “توماهوك” شمال الأردن يوم الأربعاء 28/8/2013 . لذلك ، قرّروا شنّ عدوان أقل من الحرب المباشرة بصورتها الكلاسيكية المعروفة ، وأسخن من الحرب الباردة ، حرب مؤذية وقاسية وصاخبة فيها الكثير الكثير من دماء المدنين والأبرياء . والهدف الرئيس من هذا النوع من الحروب العدوانية هو فرض “الشراكة” في رسم مستقبل البلد المستهدف “والمقصود هنا سوريا” . صحيح أنّ هذا النوع من الحروب لا يحقق انتصاراً “كاسحاً” ، ولا يفرض على الخصم إنكساراً معلناً ، غير أنه- أن نجح- يفضي الى إنتهاك عميق للسيادة ، وخسارة كبيرة لإسقلال القرار الوطني . نجحت سوريا بكسر إرادة الحرب الكلاسيكية لدى خصومها ، وهي تنجح اليوم على نحو مذهل ودراماتيكي في كسب حرب العصابات التي تخوضها ضد المجموعات الارهابية والمرتزقة . لقد أنجزت سوريا نصراً عسكرياً وسياسياً كاملاً ضد العدوان العسكري المباشر ، وانجزت “نصف نصر” في حربها ضد العصابات والمجموعات الإرهابية – الأداة البديلة في حرب أعدائها ضدها – واليوم تدور مفاوضات “التسوية” عند هذه النقطة تحديداً ضمن صيرورة الصراع المستمر منذ ثلاثة أعوام . أعداء سوريا يعيشون حالة من الوهن والضعف واضحة لكل مراقب ، ولكنهم بذات الوقت خائفون حدّ الجنون من التسليم بنصر سوريا وحلفائها ، فنراهم يتقدمون خطوة نحو “التسوية” فيعيدهم خوفهم من نتائج هذه التسوية خطوة إلى الخلف ، ولكنهم يدركون أن الوقت في هذه المعادلة الكبرى ليس في صالحهم أبداً بل في صالح سوريا وحلفائها الذين يحققون التقدم في الميدان يوميّاً ، ويكسرون المشروع بشقه الأخير . سأحاول هنا تلخيص بعض من بنود “التسوية” التي يدور الحديث عنها اليوم ، بناءاً على الحجم القليل من المعلومات الذي يعرفه أغلبنا ، مع قدر كبير من التحليل والإستدلال وقراءة “العقول” والمشاريع المتصارعة . يبقى أن أقول أن هذه “التسوية” تبقى صالحة لمثل هذه الأوضاع الميدانية والسياسية … إما إذا حققت سوريا وحلفاؤها النصر الكامل فإن تعديلات كبرى ستطال هذه البنود ، فما هو صالح مع “نصف نصر” لن يكون صالحاً أبداً مع نصر كامل 1- الرئيس بشار حافظ الأسد رئيساً للجمهورية العربية السورية في الإنتخابات الرئاسية 2014 .   2- لا وجود لمعظم هذه الشخصيات المسماة “معارضة” في الحياة السياسية لسوريا الغد مع “نصف نصر” ، أما بحالة النصر الكامل فلا مكان لكل من تعامل مع أعداء سوريا . 3- إعادة إعمار سوريا (مالياً ، عمرانيّاً ، خدميّا ً… ) سيستغرق من ثلاث إلى خمس سنوات ، وسيتكفل من دفع المال لتدميرها دفع المال لإعادة إعمارها . 4- السواحل السورية المعبر الأنسب لتصدير نفط وغاز جزيرة العرب والعراق . 5- عقد قمة عربية هدفها وبرنامجها يتلخص ببند وحيد ، وهو مصالحة وإعتذار إلى الشعب العربي السوري في دمشق ، ومساعدته في إعادة الإعمار والبناء الشامل . 6- العماد مشيل عون رئيساً للبنان ، مع تكليف رئيس وزراء وازن ” قد يكون سعد الحريري” يُنهي الجدل بخصوص سلاح المقاومة ، وملف المحكمة الدولية … فيما يتعلق بإنهاء حكاية المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ، فإن الجاني الذي ستوجه إليه التهم – هو المتهم الحقيقي الواضح منذ أول يوم – الجماعات المتطرفة ذات الغطاء الإسلاموي المدعومة من أمريكا وكيان العدو الصهيوني ومملكة آل سعود . هذا مع “نصف نصر” ،ولكن مع النصر الكامل سيثبت أن السعودية وكيان العدو الصهيوني وبعض شخصيات 14 الشهر –على رأسهم سعد الحريري نفسه- وأمريكا وفرنسا وبعض المخابرات الإقليمية هم المسؤلون عن هذة الإغتيالات . مع لفت النظر بأنه لن يكون رئيس لبنان القادم سوى سليمان بيك فرنجية إن تحقق نصر سوريا الكامل قبل الوصول إلى التسوية . 7- تغييرات كبرى في قيادة مملكة آل سعود – سعود وتركي الفيصل وبندر بن سلطان … إلى جهنم ، وإبدالهم بفريق عبد العزيز بن عبد الله (الخارجية) ومقرن بن عبد العزيز (الإستخبارات) ومحمد بن نايف (الداخلية) … – وسياساتها إلى صيغ وسياسات جديدة أكثر انفتاحاً وعروبة مع مراعاة لمصالح أمريكا النفطية . هذه تسوية “نصف نصر” ، ولكن مع النصر الكامل ليس هناك من بديل عن العودة إلى التقسيمات التاريخية والطبيعية في جزيرة العرب ( نجد والحجاز والشرقية … ) والخلاص من آل سعود نهائيّاً . 8- إنقلاب في المعادلة الرئاسية المصريّة . قبل خمسة أعوام تقريباً ، قال مصطفى الفقي مسؤول العلاقات الخارجية في الحزب الوطني الحاكم حينها : ( رئيس مصر يجب ان ترضى عنه امريكا ولا تعارضه “إسرائيل” ) لتحل مكانها معادلة جديدة تقول : رئيس مصر حليف لمحور بريكس بقيادة روسيا ، ودون أن يكون عدواً لأمريكا . لذلك تمّ ترشيح السيسي على لسان فلادمير بوتين شخصيّاً وفي منزله قبل أن يُعلن الرجل “عبد الفتاح السيسي” ترشحه رسميّاً . 9- كيان العدو الصهيوني سيكون مجبرا على القبول بحدود عام ( 67 ) ، وفق قرارات الشرعية الدولية -إن لم تفرط القيادة الفلسطينية بحقوق الشعب الفلسطيني تحت تأثير الضغوط العربية والصهيونية والأمريكيّة والغربيّة- ، ويبقى هذا ممكناً مع “نصف نصر” أمّا النصر الكامل فسيعني الغاء هذا الكيان عن الوجود . 10- إسقاط نظام حمد البحرين ورئيس وزرائه خليفه ، وإستبدال الملك بولي عهده ، ورئيس وزرائه برئيس وزراء جديد يُرضي طموح الشعب ، وتطمئن له المعارضة . قد يقول أحدهم بأن هذا “تنجيم وقراءة للبخت” على طريقة (مايك فغالي) ، ولكن لننظر إلى الخريطة على نحو سريع وموضوعي . تركيا : تنسحب من جبهة العدوان على سوريا بعد تآكل قواها الذاتية ، وتدهور شعبية حزب أردوغان ، وإندلاع الخلافات بينه وبين حلفائه الذين أوصلوه لسدة الحكم ( غول ، فتح الله غولن ، الطبقة الوسطى ، الأكراد ، الأقليات الدينية … ) والهبوط الحاد في قيمة الليرة التركيّة وتراجع معدلات النمو … . العراق : يستعيد عافيته ويراكم عناصر القوة ، وهو مُقبل على تدشين علاقات “خاصة” مع سوريا تحقق تكامل إقتصادي وسياسي وأمني – عسكري … . الأردن : صحيح أنّه يستجيب للضغوطات الأمريكيّة ، ويتساهل مع الإبتزاز السعودي ، ويعبر أحيانا عن طموحات تاريخيّة غير مشروعة … ولكنه لن يستطيع الإستمرار بهذه الهوية والسياسات المغامرة طويلاً ، لأنه سيختنق إقتصاديّاً ، وسينفجر شعبيّاً وإجتماعيّاً ، وستكون مسألة وجوده مهددة بالعمق . أمريكا : قبل بضعة أيام توصلت إدارة أوباما مع الكونغرس إلى إتفاق يسمح لها بالإقتراض لمدة عام دون سقف محدد ، بعد أن تجاوز حجم الدين وخدمته إجمالي الناتج القومي الأمريكي لتمنع أو تؤجل إعلان إفلاسها ، وفي الأثناء ترسو ثلثي القطع البحرية الحربية الأمريكيّة في قواعدها بسبب عدم القدرة على دفع تكاليف تشغيلها وصيانتها ، وهي غير قادرة – حتى الآن- أن تُجبر “حامد كرزاي” على توقيع إتفاقيّة “تنظم بقاء القوات الأمريكيّة” في أفغانستان والتي ستكون مضطرة للإنسحاب منها ، وعبر الأراضي الروسيّة قبل نهاية العام الحالي 2014 . الكيان الصهيوني : يتحدث قادة الكيان بأنفسهم عن الأخطار الوجوديّة التي تهدد كيانهم ، وتجعل مصيره ومستقبله في مهب الريح ، وتحت رحمة عشرات الآلاف من صواريخ حلف المقاومة . سأذكر هنا بحادثة “بسيطة” عرضها التلفزيون العربي السوري مئات المرات ولكن كيان العدو وحده من تنبه لها وقدّر مخاطرها الإستراتيجيّة . أتذكرون لحظة إطلاق صاروخي ” جولان 1 وجولان 2 ” في مناورات الجيش العربي السوري في العام 2012 ؟ الشيء المميز والخطير جداً كان التزامن الدقيق في إطلاق الصاروخين معاً ، وهذا يعني قدرة القوات الصاروخيّة السورية على إطلاق وابل من الصواريخ “الثقيلة” إلى كيان العدو تنطلق بذات اللحظة ، وتسقط على “رأسه” بذات اللحظة أيضاً ، ما يعني إستحالة إعتراضها جميعاً بأي حال من الأحوال . فكيف لو كان هذا الوابل مستمر عبر الجبهتين ، السورية واللبنانيّة فقط من جهة ، وتستهدف منصات الصواريخ المضادة للصواريخ ، وقواعد سلاح الجو ، ومدارج الطائرات ، وغرف التحكم والسيطرة ، والإدارات الحكوميّة الحساسة ، والمصانع البتروكيماوية والمنشآت الكهربائية الكبرى … من جهة أخرى ، فكم سيصمد هذا الكيان ؟ . ومن يراهن على إستنزاف الجيش العربي السوري ، وتآكل إسلحته ومعداته … سأذكره بعنصرين فقط : 1- خبر على وكالة الأنباء “رويترز” يوم الجمعة 17 كانون الثاني 2014 أنقله حرفيّاً : روسيا كثفت الإمدادات العسكرية للأسد في الأسابيع الماضية . أشارت مصادر مطلعة إلى أن “روسيا كثفت في الأسابيع القليلة الماضية إمدادات العتاد العسكري لسوريا بما في ذلك عربات مدرعة وطائرات دون طيار وقنابل موجهة” ولفتت المصادر في حديث لوكالة “رويترز” إلى أن “قوات الاسد منذ كانون الأول تسلمت شحنات من الأسلحة والإمدادات العسكرية الأخرى منها طائرات بدون طيار رتبت روسيا تسليمها لسوريا إما مباشرة أو من خلال وكلاء”. ، وأضافت : “تنقل عشرات من طائرات “انتونوف 124″ مدرعات وأجهزة مراقبة ورادار وأنظمة حرب إلكترونية وقطع غيار لطائرات الهليكوبتر وأسلحة متنوعة منها قنابل موجهة” .   2- أصدر الرئيس بشار حافظ الأسد مرسوماً ( رقم 72 ) أجاز بموجبه إعادة العسكري المُحال على المعاش أو المستقيل أو المستغنى عن خدمته أو المنقول إلى وظيفة مدنية في الدولة … إلى الخدمة العاملة في القوات المسلحة بالرتبة التي كان يحملها عند انتهاء خدمته ، على أن لا يكون قد مضى على انتهاء خدمته في القوات المسلحة مدة تتجاوز ثلاث سنوات ، ولا تدخل في الخدمة الاحتياطية الفعلية التي تتخللها في حساب الثلاث سنوات المذكورة . ماذا لو تم دعوة دفعات أكثر من رجال الإحتياط ليبلغ قوام الجيش العربي السوري مليون مقاتل ؟ وماذا لو تمّ التوسع في إنشاء وتسليح قوات الدفاع الشعبي بكل صنوفها لتبلغ مليون مقاتل هي الأخرى ؟ .   بصدق ، إن معادلة وجوهر توازن القوى في الإقليم يميل بشدة لصالح الدولة الوطنية السورية المُستندة لقوة جيشها المتماسك ، ولدعم الغالبية الشعبية السورية الكاسحة لها ، وإلى تماسك جبهة حلفائها على نحو غير مسبوق … جميعنا يرى الإنجازات الميدانية المتلاحقة ، والمصالحات التي تتسع رقعتها بكل قوة ، وحالة التقاتل والصراع التي تعصف بجماعات الإرهاب ضد بعضها البعض ، والإنهيارات المتتالية في المعسكر المقابل ، والمحاولات الأمريكية المتكررة لفتح قناة تفاوض مباشر مع القيادة السورية … كلّ ذلك يؤهل القيادة السورية أن تضع العالم كله أمام خيارين لا ثالث لهما فإما تسوية تنطلق من التسليم بنصر سوريا والشراكة معها في مجابهة الإرهاب ، وإما حسم عسكري سوري بالقدرات الوطنية يُكرّس أمراً واقعاً ، ونصراً له ما بعده . كل ما هو دون ذلك محاولات يائسة وتهويل ممجوج لإجبار سوريا على تقديم التنازلات ، والتراجع عن بعض إنجازاتها ونتائج إنتصاراتها . الميدان لنا ، وعامل الزمن لصالحنا ، وقوانا في تزايد مضطرد ، وهذا عام الحسم … فإما أن يقروا بالهزيمة ويتحملوا مفاعيلها ، أو أن يغرقوا أكثر في وحل الميدان ليتجرعوا هم ومستوطناتهم وبقايا عملائهم مرّ الهزيمة في ميدان معركة من المضيق إلى المضيق .

المصدر : سمير الفزاع


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة