تمر اليوم الذكرى السنوية لاعتقال أو اختطاف زعيم "حزب العمال الكردستاني" عبد الله أوجلان، بتخطيط من الاستخبارات التركية والأميركية والإسرائيلية في كينيا في العام 1999، بعد خروجه من سوريا في أعقاب تطورات كادت تدخل تركيا وسوريا في صدام عسكري في خريف العام 1998.

وبعد 14 عاما على الاعتقال، وثلاثين عاما على بدء النضال الكردي المسلح في صيف العام 1984، يجد "حزب العمال الكردستاني" نفسه في مأزق المراوحة الذي تشهده المفاوضات بينه وبين الحكومة التركية. وقد مر أكثر من عام على بدء المفاوضات، ويكاد يمر عام آخر على إعلان أوجلان وقف إطلاق النار في عيد "النوروز". ومنذ ذلك الوقت كل ما تحقق هو عدم حدوث اشتباكات مسلحة بين المقاتلين الأكراد والجيش التركي.

وقد اعتبر الأكراد أنهم قاموا بما عليهم من خطوات، وأهمها انسحاب الكثير من المقاتلين من جنوب تركيا الى شمال العراق. غير ان الحكومة التركية، برئاسة رجب طيب اردوغان، لا توافق الأكراد على نسبة الانسحاب، وتقول انها لم تتجاوز 15 في المئة، وبالتالي لا يمكن للحكومة أن تتقدم بأي مبادرة في البرلمان لإجراء تعديلات دستورية تقدم للأكراد بعضا مما يطلبونه من ضمانات في الدستور للاعتراف بهويتهم.

لكن من الواضح أن المشكلة لا تكمن في تنفيذ خطوات إجرائية، بل في مدى رغبة الحكومة التركية في تلبية المطالب الكردية؛ ذلك أن مطالب الأكراد واضحة، وهي الحصول على حكم ذاتي واعتماد اللغة الكردية لغة رسمية للتعليم في المناطق الكردية، وخفض نسبة الفوز في الانتخابات النيابية من عشرة إلى خمسة في المئة، وإطلاق سراح أوجلان والمعتقلين الأكراد وغير الأكراد المؤيدين للقضية الكردية، وعددهم لا يقل عن عشرة آلاف معتقل. وبموازاة كل ذلك، النص في الدستور على الاعتراف بالهوية الكردية.

لكن على ما يبدو فإن اردوغان و"حزب العدالة والتنمية" غير قادرين، وغير راغبين، في تلبية هذه المطالب، لاعتبارات تتعلق بالإيديولوجيا الرسمية للجمهورية التركية التي يلتقي عليها العلمانيون والإسلاميون، وتتعلق بالبعد القومي من هذه الايديولوجيا، وهي أن هذه الجمهورية تخص الهوية التركية بما هي عرق وليس مجرد ساحة جغرافية. كما أن الحكومة التركية تتقدم تارة وتتراجع تارة، وفقا للظروف الإقليمية والمصالح الاقتصادية، لكن ذلك أيضا محصور في عناوين هامشية لا تدخل إلى جوهر الموضوع والمطالب.

ولا شك أن دخول تركيا موسم الانتخابات البلدية، ومن بعدها الرئاسية، وبعد عام النيابية، يجعل من الصعوبة أن يتخذ اردوغان قرارات حاسمة تؤثر في قاعدته بين القوميين الأتراك، وهو الذي لا يزال حتى الآن لا يعترف بوجود قضية كردية.

في المقابل، لا يزال أوجلان و"حزب العمال الكردستاني" مترددين في ما يمكن أن يواجهوا به التعنت الحكومي في عدم تلبية أي مطلب، لكنهم لا يميلون حتى الآن إلى خيار العودة إلى العمل المسلح، نتيجة أكثر من عامل، منها أن الأكراد يريدون أن يثبتوا حضورهم وقوتهم في مناطقهم في الانتخابات البلدية في 30 آذار المقبل، وهذا يتطلب مناخا من الهدوء والاستقرار، بحيث تصبح الاحتمالات المختلفة قائمة بعد انتهاء الانتخابات لا قبلها.

كما أن أوجلان ربما يدرك في قرارة نفسه انه إذا كان من احد يمكن ان يقدم شيئا فهو اردوغان، وليس "حزب الحركة القومية" ولا "حزب الشعب الجمهوري" المعارضين، لذا يفضل أوجلان الانتظار وإحراج اردوغان والدفع به لتقديم شيء ما، لعله يفعل ذلك تحت ضغط انه ليس من مصلحته تفجير المشكلة الكردية بموازاة الانفجارات التي يواجهها منذ انتفاضة تقسيم ففضيحة الفساد، كما التطورات في سوريا وإعلان أكراد سوريا الحكم الذاتي في مناطقهم التي يطلقون عليها اسم "روجافا".

ومنذ إعلان اردوغان عن رزمة إصلاحات، نهاية أيلول الماضي، وخيبة الأمل لدى الأكراد منها، يواصل أوجلان وقادة "الكردستاني" في جبال قنديل في العراق تهديداتهم من أنه إذا فشل الحل فإن آلاف القتلى سيسقطون، ويلّحون على اردوغان تقديم شيء ما.

وهذا الأمر يعيد الكلام إلى المربع الأول من الأزمة، وما حكي عن وجود اتفاق بين أوجلان والدولة لحل المشكلة. لكن الحكومة لم تتحدث يوما عن وجود مثل هذا الاتفاق، أو حتى وجود مجرد تفاهم شفهي أو وعود.

وللمرة الأولى يحسم الأكراد هذه النقطة، عندما نقلت النائبة الكردية برفين بولدان التي التقت، مع النائبين الكرديين إدريس بالوقان وألتان تان، الأسبوع الماضي أوجلان في سجنه قوله: "يجب أن يكون واضحا للجميع انه لا يوجد أي اتفاق بين أوجلان والحكومة التركية".

ونقلت بولدان عن أوجلان قوله انه إذا لم يبادر "العدالة والتنمية" إلى أي خطوة حتى الانتخابات المقبلة، فإن الفاتورة السياسية التي سيدفعها الحزب ستكون ثقيلة جدا. ونقلت عنه تهديده "حتى الآن سقط 50 ألف قتيل، فهل يريدون أن يسقط 500 ألف قتيل؟".

كما نقلت بولدان عن أوجلان قوله إن عملية السلام الكردية تجري من جانب واحد، هو الجانب الكردي، وانه إذا كان لا بد من أن تستمر العملية، فيجب طرح مشروع محدد وواضح.

وقالت بولدان إن الوفد الكردي التقى أوجلان حتى الآن 16 مرة ولم تفعل الحكومة شيئا، لكن زعيم "الكردستاني" لم يكن حاسما في تحميل الحكومة تهمة أنها ترفض بالكامل المطالب، إذ قال إن "موقف الحكومة غير واضح"، لكن هذا الموقف بالذات يعقد المشكلة.

واعتبر أوجلان ان التطورات في "روجافا" السورية وعملية السلام الكردية في تركيا كل لا يتجزأ، متهما الحكومة بأنها تستمر في دعم العصابات المسلحة في سوريا ضد الأكراد، وهذا سيلحق الضرر بتركيا.

  • فريق ماسة
  • 2014-02-14
  • 10884
  • من الأرشيف

أوجلان يهدد بـ500 ألف قتيل: لا يوجد أي اتفاق مع الحكومة

تمر اليوم الذكرى السنوية لاعتقال أو اختطاف زعيم "حزب العمال الكردستاني" عبد الله أوجلان، بتخطيط من الاستخبارات التركية والأميركية والإسرائيلية في كينيا في العام 1999، بعد خروجه من سوريا في أعقاب تطورات كادت تدخل تركيا وسوريا في صدام عسكري في خريف العام 1998. وبعد 14 عاما على الاعتقال، وثلاثين عاما على بدء النضال الكردي المسلح في صيف العام 1984، يجد "حزب العمال الكردستاني" نفسه في مأزق المراوحة الذي تشهده المفاوضات بينه وبين الحكومة التركية. وقد مر أكثر من عام على بدء المفاوضات، ويكاد يمر عام آخر على إعلان أوجلان وقف إطلاق النار في عيد "النوروز". ومنذ ذلك الوقت كل ما تحقق هو عدم حدوث اشتباكات مسلحة بين المقاتلين الأكراد والجيش التركي. وقد اعتبر الأكراد أنهم قاموا بما عليهم من خطوات، وأهمها انسحاب الكثير من المقاتلين من جنوب تركيا الى شمال العراق. غير ان الحكومة التركية، برئاسة رجب طيب اردوغان، لا توافق الأكراد على نسبة الانسحاب، وتقول انها لم تتجاوز 15 في المئة، وبالتالي لا يمكن للحكومة أن تتقدم بأي مبادرة في البرلمان لإجراء تعديلات دستورية تقدم للأكراد بعضا مما يطلبونه من ضمانات في الدستور للاعتراف بهويتهم. لكن من الواضح أن المشكلة لا تكمن في تنفيذ خطوات إجرائية، بل في مدى رغبة الحكومة التركية في تلبية المطالب الكردية؛ ذلك أن مطالب الأكراد واضحة، وهي الحصول على حكم ذاتي واعتماد اللغة الكردية لغة رسمية للتعليم في المناطق الكردية، وخفض نسبة الفوز في الانتخابات النيابية من عشرة إلى خمسة في المئة، وإطلاق سراح أوجلان والمعتقلين الأكراد وغير الأكراد المؤيدين للقضية الكردية، وعددهم لا يقل عن عشرة آلاف معتقل. وبموازاة كل ذلك، النص في الدستور على الاعتراف بالهوية الكردية. لكن على ما يبدو فإن اردوغان و"حزب العدالة والتنمية" غير قادرين، وغير راغبين، في تلبية هذه المطالب، لاعتبارات تتعلق بالإيديولوجيا الرسمية للجمهورية التركية التي يلتقي عليها العلمانيون والإسلاميون، وتتعلق بالبعد القومي من هذه الايديولوجيا، وهي أن هذه الجمهورية تخص الهوية التركية بما هي عرق وليس مجرد ساحة جغرافية. كما أن الحكومة التركية تتقدم تارة وتتراجع تارة، وفقا للظروف الإقليمية والمصالح الاقتصادية، لكن ذلك أيضا محصور في عناوين هامشية لا تدخل إلى جوهر الموضوع والمطالب. ولا شك أن دخول تركيا موسم الانتخابات البلدية، ومن بعدها الرئاسية، وبعد عام النيابية، يجعل من الصعوبة أن يتخذ اردوغان قرارات حاسمة تؤثر في قاعدته بين القوميين الأتراك، وهو الذي لا يزال حتى الآن لا يعترف بوجود قضية كردية. في المقابل، لا يزال أوجلان و"حزب العمال الكردستاني" مترددين في ما يمكن أن يواجهوا به التعنت الحكومي في عدم تلبية أي مطلب، لكنهم لا يميلون حتى الآن إلى خيار العودة إلى العمل المسلح، نتيجة أكثر من عامل، منها أن الأكراد يريدون أن يثبتوا حضورهم وقوتهم في مناطقهم في الانتخابات البلدية في 30 آذار المقبل، وهذا يتطلب مناخا من الهدوء والاستقرار، بحيث تصبح الاحتمالات المختلفة قائمة بعد انتهاء الانتخابات لا قبلها. كما أن أوجلان ربما يدرك في قرارة نفسه انه إذا كان من احد يمكن ان يقدم شيئا فهو اردوغان، وليس "حزب الحركة القومية" ولا "حزب الشعب الجمهوري" المعارضين، لذا يفضل أوجلان الانتظار وإحراج اردوغان والدفع به لتقديم شيء ما، لعله يفعل ذلك تحت ضغط انه ليس من مصلحته تفجير المشكلة الكردية بموازاة الانفجارات التي يواجهها منذ انتفاضة تقسيم ففضيحة الفساد، كما التطورات في سوريا وإعلان أكراد سوريا الحكم الذاتي في مناطقهم التي يطلقون عليها اسم "روجافا". ومنذ إعلان اردوغان عن رزمة إصلاحات، نهاية أيلول الماضي، وخيبة الأمل لدى الأكراد منها، يواصل أوجلان وقادة "الكردستاني" في جبال قنديل في العراق تهديداتهم من أنه إذا فشل الحل فإن آلاف القتلى سيسقطون، ويلّحون على اردوغان تقديم شيء ما. وهذا الأمر يعيد الكلام إلى المربع الأول من الأزمة، وما حكي عن وجود اتفاق بين أوجلان والدولة لحل المشكلة. لكن الحكومة لم تتحدث يوما عن وجود مثل هذا الاتفاق، أو حتى وجود مجرد تفاهم شفهي أو وعود. وللمرة الأولى يحسم الأكراد هذه النقطة، عندما نقلت النائبة الكردية برفين بولدان التي التقت، مع النائبين الكرديين إدريس بالوقان وألتان تان، الأسبوع الماضي أوجلان في سجنه قوله: "يجب أن يكون واضحا للجميع انه لا يوجد أي اتفاق بين أوجلان والحكومة التركية". ونقلت بولدان عن أوجلان قوله انه إذا لم يبادر "العدالة والتنمية" إلى أي خطوة حتى الانتخابات المقبلة، فإن الفاتورة السياسية التي سيدفعها الحزب ستكون ثقيلة جدا. ونقلت عنه تهديده "حتى الآن سقط 50 ألف قتيل، فهل يريدون أن يسقط 500 ألف قتيل؟". كما نقلت بولدان عن أوجلان قوله إن عملية السلام الكردية تجري من جانب واحد، هو الجانب الكردي، وانه إذا كان لا بد من أن تستمر العملية، فيجب طرح مشروع محدد وواضح. وقالت بولدان إن الوفد الكردي التقى أوجلان حتى الآن 16 مرة ولم تفعل الحكومة شيئا، لكن زعيم "الكردستاني" لم يكن حاسما في تحميل الحكومة تهمة أنها ترفض بالكامل المطالب، إذ قال إن "موقف الحكومة غير واضح"، لكن هذا الموقف بالذات يعقد المشكلة. واعتبر أوجلان ان التطورات في "روجافا" السورية وعملية السلام الكردية في تركيا كل لا يتجزأ، متهما الحكومة بأنها تستمر في دعم العصابات المسلحة في سوريا ضد الأكراد، وهذا سيلحق الضرر بتركيا.

المصدر : محمد نور الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة