وداعاً للجولة الثانية من "جنيف 2". الاحتفال الوداعي يطوي خمسة أيام من المفاوضات على المفاوضات، لانتقاء السبيل إلى بيان "جنيف 1"، ولكن من دون أدنى نتيجة.

ويبدو الاحتفال الوداعي اليوم متواضعاً جداً، على صورة الحصيلة الضئيلة جداً للأيام السورية الخمسة في جنيف: خمس دقائق للمبعوث الأممي إلى سورية الأخضر الإبراهيمي، وخمس مثلها لـ"الائتلافيين" وخمس أخيرة لرئيس الوفد السوري إلى المفاوضات بشار الجعفري.

سيقول كل منهم كلمته الأخيرة في بيان جنيف، راسماً الهوة السحيقة بينهما: لا خلاص لسورية إلا بهيئة الحكم الانتقالية عند "الائتلاف"، ولا مدخل لإنقاذ جنيف والإبراهيمي وسورية، إلا بوقف العنف ومكافحة الإرهاب، لدى الحكوميين.

ويعرض الإبراهيمي ورقته الأخيرة. جملة من الاستنتاجات المرتبة والسريعة عن تقاطع "الائتلافيين" والحكوميين حول نقاط تقاطع في مسيرة المفاوضات، أبصرها الوسيط الأممي وحده، مكرراً ما فعله في ختام الجولة الأولى، من دون أن يأخذ أحد بها من الطرفين في بداية الجولة الثانية.

وإمعاناً في الفشل، لن يكون بوسع الإبراهيمي إعلان موعد الجولة الثالثة تاركاً لقادم الاتصالات والمشاورات في مجلس الأمن الدولي أن تفتح نافذة، وموعداً للعودة إلى جنيف. ويبدو أن أقصى ما حصل عليه الإبراهيمي هو الاستمرار في الإشراف على المفاوضات، دونما أي ضمانة تفضي إلى نتيجة ما، أو أن تتقدم نحو أي هدف.

وينبغي على الإبراهيمي أن يتدبر أمره مع السوريين، دونما أدنى ضغوط من جانب الروس أو الأميركيين، لتسهيل المفاوضات، ودفع حلفائهم إلى المزيد من المرونة. والأرجح أن الوسيط الدولي سيبقى مواظباً على جولات جنيف الفارغة من أي تقدم، وفي المقابل لن يستقيل الإبراهيمي من منصبه، رغم ما اتضح له من أن التصلب في مواقف الوفدين يعود قبلا إلى استمرار تضارب الإستراتيجية الإقليمية للأميركيين والروس في سوريا، وعدم وجود تفاهم حقيقي بينهما، سوى الإبقاء على القاعة السادسة عشرة في قصر الأمم المتحدة، مضاءة.

وباستثناء توافق الروس والأميركيين على الطلب منه أن يواصل المفاوضات، لا يملك الإبراهيمي أي ورقة أخرى تدعوه إلى الاعتقاد أنه سيحصل على شيء ما في جنيف يوماً ما. إذ يتمسك الأميركيون بموقف "الائتلافيين" بالذهاب إلى مفاوضات مباشرة على نقل السلطة، ولا شيء غيرها. وكانت مسؤولة أميركية تشرف على المفاوضات قد أبلغت "الائتلافيين" أنه "لا ضمانات بنجاح هذه المفاوضات، وأنها قد وصلت إلى مأزق صعب". وشككت المسؤولة الأميركية بوجود أي إرادة لدى الروس لممارسة ضغوط على النظام السوري، وقالت إنهم "يتحملون مسؤولية الفشل". لكن المسؤولة الأميركية تجاهلت أيضاً دور الولايات المتحدة وتعهداتها بممارسة ضغوط على المعارضة، ولم تقل أبداً من جهتها إنها ستقوم بممارسة أي ضغوط على "الائتلافيين"، تاركة الإبراهيمي في مواجهة الروس لتحميلهم المسؤولية والتنصل من مسؤولية الولايات المتحدة في فشل جنيف.

ويرعى الروس الموقف السوري وتبنيهم للمقاربة الحكومية بالبدء في المفاوضات من نقطة مكافحة الإرهاب ووقف العنف، التي تندرج في صلب إستراتيجيتهم الإقليمية. وليس أوضح من غاية جنيف بنظر الروس بنظر أكثر مما قاله وزير الخارجية سيرغي لافروف من أن شركاءنا قد فهموا خطأ جنيف الذي لا يستهدف تغيير النظام. وقال "تشكل لدينا انطباع بعد الجولتين الأولى والثانية من المفاوضات بين المعارضة والحكومة، بأن الأطراف التي ضمنت مشاركة المعارضة في هذه العملية ودعت إلى أن تتركز المفاوضات على تنفيذ بيان جنيف برمّته، كانت في الواقع، تعني بذلك شيئاً واحداً فقط، هو تغيير النظام". (تفاصيل صفحة11)

وخلال الساعات الماضية، تناوب مسؤولان أميركيان رفيعا المستوى، يرعيان العملية التفاوضية في ركاب الوفد "الائتلافي" في جنيف، على تقديم تصورات لفرض العودة إلى مناقشة بيان جنيف بدءاً من الهيئة الانتقالية، واستعراض الخيارات المتوافرة، وبعث رسائل إلى الروس والسوريين، وتشجيع "الائتلاف" على البقاء على مقاعد التفاوض.

وعكست التسريبات والجلسات مع الصحافيين تباعداً حتى داخل الوفد الأميركي في مقاربة مسألة المفاوضات، وفي الطرق الواجب اتباعها للي ساعد الحكوميين والروس، بين استعادة الخيار العسكري في نطاق محدود، أو الاستمرار في الخيارات السياسية مع إجراء تعديلات عليها. وهو تباعد وصل إلى حد قيام مسؤولة أميركية في جنيف إلى حد تصويب ما قاله وزير الخارجية الأميركي جون كيري، في بكين، عن طلب الرئيس باراك أوباما تقديم خيارات سياسية جديدة في سوريا، بعد وصول جنيف إلى طريق مسدود.

وبحسب مصادر في "الائتلاف"، نصح السفير الأميركي لدى سورية روبرت فورد المعارضة بتطوير عملياتها على الجبهة الجنوبية، في حوران، من الأردن إلى مشارف الريف الدمشقي للرد على التصلب السوري، وتهديد دمشق بهجوم مماثل لهجوم نظمته الأجهزة السعودية والأميركية والفرنسية والأردنية على الغوطة الشرقية انطلاقاً من الأردن في تشرين الثاني الماضي، وشارك فيه 2500 مقاتل. وهو هجوم استطاعت قوات من الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري و"حزب الله" صده بعد أكثر من 20 يوماً من القتال العنيف والمعارك القاسية.

وتتمتع الجبهة الجنوبية بممرات مباشرة من الأردن، حيث يواصل الأميركيون تدريب مئات المقاتلين، إلى أطراف الغوطة. وخلال اليومين الماضيين أعاد الأميركيون تنظيم ٤٩ فصيلا مقاتلا في المنطقة، وتجميعها تحت "هيئة أركان" مشتركة.

وكانت مسؤولة أميركية أخرى أقرب إلى كيري وأخف نزعة تدخلية من فورد، تبتعد عن تصريحاته العسكرية، وتقول انه "ينبغي أن نترك العملية السياسية تأخذ مجراها، ونحن نكتفي بتقديم معدات غير فتاكة للمعارضة، وغيرنا من دول الـ11، تقدم معدات من نوع آخر". وقالت إن كلام كيري عن إعادة تقييم الإستراتيجية السياسية الأميركية في سوريا، لا يعني إجراء تغييرات فيها، لكن الانتقال إلى خيارات سياسية أخرى داخل الإستراتيجية نفسها، التي تدعو إلى حل سياسي.

كما سارع المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني إلى تصويب تصريح كيري. وقال "الوزير كيري كان يؤكد وضعاً قائماً دائماً، وهو أن الرئيس ينظر دائماً في الخيارات بشأن أمور سياسية مثل سورية. هذا أمر لا يحدث لمرة واحدة. هذه ليست مراجعة جديدة".

وقال مسؤول أميركي رفيع المستوى، في جنيف، "نعتقد أن على روسيا مسؤولية الضغط على النظام السوري لمقاربة هذه المحادثات بجدية". وحمّل الوفد الحكومي مسؤولية تعثر المفاوضات، وذلك لإصراره على بحث ملف "مكافحة الإرهاب" والاتفاق عليه قبل الانتقال إلى أي بند آخر. ورأى أنه "فيما قدمت المعارضة اقتراحات بناءة عدة على الطاولة"، لجأ الوفد الحكومي إلى "المماطلة في كل خطوة".

  • فريق ماسة
  • 2014-02-14
  • 7626
  • من الأرشيف

ارتباك أميركي بين الخيار السياسي والتلويح بإشعال حوران ..فراغ جنيف يلقي بمهمة الإبراهيمي في المجهول

وداعاً للجولة الثانية من "جنيف 2". الاحتفال الوداعي يطوي خمسة أيام من المفاوضات على المفاوضات، لانتقاء السبيل إلى بيان "جنيف 1"، ولكن من دون أدنى نتيجة. ويبدو الاحتفال الوداعي اليوم متواضعاً جداً، على صورة الحصيلة الضئيلة جداً للأيام السورية الخمسة في جنيف: خمس دقائق للمبعوث الأممي إلى سورية الأخضر الإبراهيمي، وخمس مثلها لـ"الائتلافيين" وخمس أخيرة لرئيس الوفد السوري إلى المفاوضات بشار الجعفري. سيقول كل منهم كلمته الأخيرة في بيان جنيف، راسماً الهوة السحيقة بينهما: لا خلاص لسورية إلا بهيئة الحكم الانتقالية عند "الائتلاف"، ولا مدخل لإنقاذ جنيف والإبراهيمي وسورية، إلا بوقف العنف ومكافحة الإرهاب، لدى الحكوميين. ويعرض الإبراهيمي ورقته الأخيرة. جملة من الاستنتاجات المرتبة والسريعة عن تقاطع "الائتلافيين" والحكوميين حول نقاط تقاطع في مسيرة المفاوضات، أبصرها الوسيط الأممي وحده، مكرراً ما فعله في ختام الجولة الأولى، من دون أن يأخذ أحد بها من الطرفين في بداية الجولة الثانية. وإمعاناً في الفشل، لن يكون بوسع الإبراهيمي إعلان موعد الجولة الثالثة تاركاً لقادم الاتصالات والمشاورات في مجلس الأمن الدولي أن تفتح نافذة، وموعداً للعودة إلى جنيف. ويبدو أن أقصى ما حصل عليه الإبراهيمي هو الاستمرار في الإشراف على المفاوضات، دونما أي ضمانة تفضي إلى نتيجة ما، أو أن تتقدم نحو أي هدف. وينبغي على الإبراهيمي أن يتدبر أمره مع السوريين، دونما أدنى ضغوط من جانب الروس أو الأميركيين، لتسهيل المفاوضات، ودفع حلفائهم إلى المزيد من المرونة. والأرجح أن الوسيط الدولي سيبقى مواظباً على جولات جنيف الفارغة من أي تقدم، وفي المقابل لن يستقيل الإبراهيمي من منصبه، رغم ما اتضح له من أن التصلب في مواقف الوفدين يعود قبلا إلى استمرار تضارب الإستراتيجية الإقليمية للأميركيين والروس في سوريا، وعدم وجود تفاهم حقيقي بينهما، سوى الإبقاء على القاعة السادسة عشرة في قصر الأمم المتحدة، مضاءة. وباستثناء توافق الروس والأميركيين على الطلب منه أن يواصل المفاوضات، لا يملك الإبراهيمي أي ورقة أخرى تدعوه إلى الاعتقاد أنه سيحصل على شيء ما في جنيف يوماً ما. إذ يتمسك الأميركيون بموقف "الائتلافيين" بالذهاب إلى مفاوضات مباشرة على نقل السلطة، ولا شيء غيرها. وكانت مسؤولة أميركية تشرف على المفاوضات قد أبلغت "الائتلافيين" أنه "لا ضمانات بنجاح هذه المفاوضات، وأنها قد وصلت إلى مأزق صعب". وشككت المسؤولة الأميركية بوجود أي إرادة لدى الروس لممارسة ضغوط على النظام السوري، وقالت إنهم "يتحملون مسؤولية الفشل". لكن المسؤولة الأميركية تجاهلت أيضاً دور الولايات المتحدة وتعهداتها بممارسة ضغوط على المعارضة، ولم تقل أبداً من جهتها إنها ستقوم بممارسة أي ضغوط على "الائتلافيين"، تاركة الإبراهيمي في مواجهة الروس لتحميلهم المسؤولية والتنصل من مسؤولية الولايات المتحدة في فشل جنيف. ويرعى الروس الموقف السوري وتبنيهم للمقاربة الحكومية بالبدء في المفاوضات من نقطة مكافحة الإرهاب ووقف العنف، التي تندرج في صلب إستراتيجيتهم الإقليمية. وليس أوضح من غاية جنيف بنظر الروس بنظر أكثر مما قاله وزير الخارجية سيرغي لافروف من أن شركاءنا قد فهموا خطأ جنيف الذي لا يستهدف تغيير النظام. وقال "تشكل لدينا انطباع بعد الجولتين الأولى والثانية من المفاوضات بين المعارضة والحكومة، بأن الأطراف التي ضمنت مشاركة المعارضة في هذه العملية ودعت إلى أن تتركز المفاوضات على تنفيذ بيان جنيف برمّته، كانت في الواقع، تعني بذلك شيئاً واحداً فقط، هو تغيير النظام". (تفاصيل صفحة11) وخلال الساعات الماضية، تناوب مسؤولان أميركيان رفيعا المستوى، يرعيان العملية التفاوضية في ركاب الوفد "الائتلافي" في جنيف، على تقديم تصورات لفرض العودة إلى مناقشة بيان جنيف بدءاً من الهيئة الانتقالية، واستعراض الخيارات المتوافرة، وبعث رسائل إلى الروس والسوريين، وتشجيع "الائتلاف" على البقاء على مقاعد التفاوض. وعكست التسريبات والجلسات مع الصحافيين تباعداً حتى داخل الوفد الأميركي في مقاربة مسألة المفاوضات، وفي الطرق الواجب اتباعها للي ساعد الحكوميين والروس، بين استعادة الخيار العسكري في نطاق محدود، أو الاستمرار في الخيارات السياسية مع إجراء تعديلات عليها. وهو تباعد وصل إلى حد قيام مسؤولة أميركية في جنيف إلى حد تصويب ما قاله وزير الخارجية الأميركي جون كيري، في بكين، عن طلب الرئيس باراك أوباما تقديم خيارات سياسية جديدة في سوريا، بعد وصول جنيف إلى طريق مسدود. وبحسب مصادر في "الائتلاف"، نصح السفير الأميركي لدى سورية روبرت فورد المعارضة بتطوير عملياتها على الجبهة الجنوبية، في حوران، من الأردن إلى مشارف الريف الدمشقي للرد على التصلب السوري، وتهديد دمشق بهجوم مماثل لهجوم نظمته الأجهزة السعودية والأميركية والفرنسية والأردنية على الغوطة الشرقية انطلاقاً من الأردن في تشرين الثاني الماضي، وشارك فيه 2500 مقاتل. وهو هجوم استطاعت قوات من الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري و"حزب الله" صده بعد أكثر من 20 يوماً من القتال العنيف والمعارك القاسية. وتتمتع الجبهة الجنوبية بممرات مباشرة من الأردن، حيث يواصل الأميركيون تدريب مئات المقاتلين، إلى أطراف الغوطة. وخلال اليومين الماضيين أعاد الأميركيون تنظيم ٤٩ فصيلا مقاتلا في المنطقة، وتجميعها تحت "هيئة أركان" مشتركة. وكانت مسؤولة أميركية أخرى أقرب إلى كيري وأخف نزعة تدخلية من فورد، تبتعد عن تصريحاته العسكرية، وتقول انه "ينبغي أن نترك العملية السياسية تأخذ مجراها، ونحن نكتفي بتقديم معدات غير فتاكة للمعارضة، وغيرنا من دول الـ11، تقدم معدات من نوع آخر". وقالت إن كلام كيري عن إعادة تقييم الإستراتيجية السياسية الأميركية في سوريا، لا يعني إجراء تغييرات فيها، لكن الانتقال إلى خيارات سياسية أخرى داخل الإستراتيجية نفسها، التي تدعو إلى حل سياسي. كما سارع المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني إلى تصويب تصريح كيري. وقال "الوزير كيري كان يؤكد وضعاً قائماً دائماً، وهو أن الرئيس ينظر دائماً في الخيارات بشأن أمور سياسية مثل سورية. هذا أمر لا يحدث لمرة واحدة. هذه ليست مراجعة جديدة". وقال مسؤول أميركي رفيع المستوى، في جنيف، "نعتقد أن على روسيا مسؤولية الضغط على النظام السوري لمقاربة هذه المحادثات بجدية". وحمّل الوفد الحكومي مسؤولية تعثر المفاوضات، وذلك لإصراره على بحث ملف "مكافحة الإرهاب" والاتفاق عليه قبل الانتقال إلى أي بند آخر. ورأى أنه "فيما قدمت المعارضة اقتراحات بناءة عدة على الطاولة"، لجأ الوفد الحكومي إلى "المماطلة في كل خطوة".

المصدر : السفير/ محمد بلوط


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة