تنعقد الجولة الثانية من مؤتمر “جنيف-2″ بعنوان التفاوض المباشر بين الدولة السورية و”المعارضة” السورية أو بعضها، وظواهر الأمور تدل أنها مفاوضات سورية – سورية برعاية دولية، لكن الحقيقة أن المفاوضات تنقسم إلى قسمين:

- مفاوضات مباشرة في القاعة الواحدة أو في قاعتين منفصلتين بين الدولة السورية والمعارضة، مع رعاية وولاية أميركية (عبر السفير الأميركي فورد) بحضور الأخضر الإبراهيمي كممثل للأمم المتحدة، وليس بصفته ممثلاً للجامعة العربية.

- مفاوضات غير مباشرة خارج جنيف بين أميركا وروسيا وما تمثلان من محورين مختلفين، فأميركا بالنيابة عن أدواتها وحلفائها العاجزين، وروسيا بالنيابة عن حلفائها الإيرانيين والسوريين الأقوياء.

الهدف المعلن لمؤتمر “جنيف-2″ هو حل الأزمة السورية سياسياً، وإشراك المعارضة في الحكم، لكن الهدف الحقيقي للمفاوضات يتجاوز ذلك، ويحولها إلى مجرّد بند من بنود التسوية الشاملة التي تشمل النقاط الآتية:

- إعادة رسم خريطة النفوذ الدولي بين أميركا وروسيا ومن يمثلان على مستوى الشرق الأوسط، من خلال مراجعة جديدة لمعاهدة سايكس – بيكو، واستبدالها بمعاهدة كيري – لافروف.

- تحديد الأدوار والنفوذ لدول الإقليم؛ إيران و”إسرائيل” وتركيا والسعودية (إذا بقيت موحَّدة)، لاسيما بعد رعاية الرياض للاتفاق في اليمن الذي انتهى بدولة اتحادية من ستة أقاليم، والسعودية التي دعمت الإرهاب في العراق ووقفت ضد العملية السياسية، والتي جعلت العراق دولة من ثلاثة أقاليم كواقع غير معلن، مما سيُلزمها بالقبول بالمملكة المتحدة (ثلاثة أقاليم).

- تحديد مصير اللاجئين الفلسطينيين عبر إلغاء حق العودة، وتوزيعهم على الكيانات والأقاليم الجديدة، بعدما أعلنوا شراكتهم في ثورات “الإخوان” وتحالفهم مع قطر وتركيا، وأول الغيث التوطين المؤقت غير المستقر، عبر تأشيرات العمل القطرية (نحو 40 ألف تأشيرة) والمظاهرات الشبابية في المخيمات لتسهيل الهجرة، وسيكون دور الجماعات التكفيرية تفجير المخيمات كما حصل في اليرموك ونهر البارد، لتسريع عمليات تذويب الفلسطينيين في دول العالم.

- تهدئة الساحات السورية والعراقية واللبنانية في هدنة طويلة؛ بانتظار الهجوم الجديد على محور المقاومة، بعد فشل هجومهم على سورية، مع إبقاء الصراع والتوتر في مصر وليبيا، وإدارة الصراع في السعودية والخليج وتركيا.

لقد نجح المخطط الأميركي حتى الآن بتحقيق النتائج ما يلي:

- تقسيم السودان وانفصال الجنوب (وتهنئة الجامعة العربية لجنوب السودان).

- تخريب العراق وتدمير مقوماته وجيشه، وتقسيمه إلى ثلاثة أقاليم.

- إعلان انهيار الدولة الليبية وتخريبها للوصول إلى تقسيمها إلى ثلاثة أقاليم أو أربعة؛ على أساس قبلي.

- تخريب سورية واستنزاف الجيش السوري، وتخريب النسيج الاجتماعي والديني للشعب السوري.

- تهميش القضية الفلسطينية، ومصادرة الحقوق، وتسخير بعض الحركات “الجهادية” الفلسطينية لتحرير الساحات العربية بدل فلسطين.

- كسر المحرّمات بين العرب والعدو “الإسرائيلي”، والانفتاح المباشر بين مملكة خادم الحرمين الشريفين والمحتل للحرم الشريف في القدس.

- تعميم ثقافة التعصّب الديني والمذهبي والجهل، والتحريف الديني، والفتنة المذهبية (السُّنية – الشيعية) والقومية (العربية – الفارسية).

- تهدئة الجبهات العربية مع العدو “الإسرائيلي”، وإشعال الجبهات البديلة بين العرب، واستدراج حركات المقاومة لقتال بعضها، مع تمايز في الدور بين مقاومة تقاتل في الخندق المتحالف مع أميركا والرجعية العربية، وبين مقاومة تقاتل لإسقاط المشروع الأميركي.

“جنيف-2″ محطة لتوقيع معاهدة جديدة لرسم المنطقة سياسياً وفق معاهدة (كيري – لافروف)، تتشابه مرحليا مع ما سُمِّي بتفاهم نيسان بين المقاومة في لبنان والعدو “الإسرائيلي”، والذي تبعه الاندحار “الإسرائيلي” من لبنان عام 2000، وما تبعه من عدوان تموز 2006، وهذا ما نتوقعه بتفاهمات جنيف المتعددة الأعداد، حيث ستجمّد أميركا حربها وتقيّد حلفاءها مرحلياً لتستعد للجولة المقبلة، بهدف استكمال مشروعها لإعادة استعمار المنطقة بوجوه عربية وإسلامية مصنَّعة أميركياً بدلاً من الجيوش الغربية.

والسؤال: هل انهزم محور المقاومة؟ وهل نستسلم للقدر والمخطط الأميركي؟

الجواب يكتبه الشهداء بدمائهم، والناس بصمودهم ووعيهم، والأمل بالنصر ليس وهماً أو أضغاث أحلام، وكما استطاع المقاومون صد الهجوم العالمي المتعدد الجنسيات على سورية في جولاته الأولى، وتشتيت قواه، وإسقاط قادته؛ من بندر السعودي إلى حمد بن خليفة، إلى حمد بن جاسم، إلى عزمي بشارة، إلى الشيخ القرضاوي والرئيس ساركوزي، باستطاعتهم أيضاً إسقاطه كما حصل في لبنان بعد الاجتياح عام 1982.

لقد قاومنا عشرين عاماً وانتصرنا، ثم عادوا فعُدنا وانتصرنا عام 2006، ثم التفوا علينا من الشرق واجتاحوا سورية وصمدنا وانتصرنا، لأننا لم ننهزم ولم نسقط، لكننا سنحمي الأمة ونعيد تصويب بوصلة السلاح نحو العدو “الإسرائيلي”، ولا بد من التهيؤ والاستعداد للمرحلة المقبلة وفق ما يلي:

- المعركة طويلة ولم تنته بعد، وقد تطول أشهراً وسنيناً.

- الهدنة المقبلة قد تطول أو تقصر، لكنها للإعداد والتحضير للمنازلة القادمة.

- ضرورة العمل لبناء مجتمع المقاومة وثقافة وسلوكيات المقاومة؛ من التقشف والصبر والتخطيط وعدم الانفعال بالتدابير المؤقتة التي تتحول إلى دائمة، ويمكن أن تحاصر الناس الداعمين للمقاومة.

- التهيؤ للعيش في مجتمع الحرب وليس مجتمع السلم، والاكتفاء بالضروريات وإهمال الكماليات، ولا بد من الاستفادة من تجارب وأحداث التاريخ، والتصرُّف وفق خطة الصمود ومقاومة الحصار وبناء المجتمع المقاوم، وليس وفق منهجية التنظيم المقاوم أو الفرد المقاوم أو الطائفة المقاومة فقط، بل الدولة المقاومة، فلقد اجتمعوا على باطلهم.. فلنجتمع على حقنا.

  • فريق ماسة
  • 2014-02-11
  • 8614
  • من الأرشيف

“جنيف – 2″.. من سايكس – بيكو إلى كيري – لافروف

تنعقد الجولة الثانية من مؤتمر “جنيف-2″ بعنوان التفاوض المباشر بين الدولة السورية و”المعارضة” السورية أو بعضها، وظواهر الأمور تدل أنها مفاوضات سورية – سورية برعاية دولية، لكن الحقيقة أن المفاوضات تنقسم إلى قسمين: - مفاوضات مباشرة في القاعة الواحدة أو في قاعتين منفصلتين بين الدولة السورية والمعارضة، مع رعاية وولاية أميركية (عبر السفير الأميركي فورد) بحضور الأخضر الإبراهيمي كممثل للأمم المتحدة، وليس بصفته ممثلاً للجامعة العربية. - مفاوضات غير مباشرة خارج جنيف بين أميركا وروسيا وما تمثلان من محورين مختلفين، فأميركا بالنيابة عن أدواتها وحلفائها العاجزين، وروسيا بالنيابة عن حلفائها الإيرانيين والسوريين الأقوياء. الهدف المعلن لمؤتمر “جنيف-2″ هو حل الأزمة السورية سياسياً، وإشراك المعارضة في الحكم، لكن الهدف الحقيقي للمفاوضات يتجاوز ذلك، ويحولها إلى مجرّد بند من بنود التسوية الشاملة التي تشمل النقاط الآتية: - إعادة رسم خريطة النفوذ الدولي بين أميركا وروسيا ومن يمثلان على مستوى الشرق الأوسط، من خلال مراجعة جديدة لمعاهدة سايكس – بيكو، واستبدالها بمعاهدة كيري – لافروف. - تحديد الأدوار والنفوذ لدول الإقليم؛ إيران و”إسرائيل” وتركيا والسعودية (إذا بقيت موحَّدة)، لاسيما بعد رعاية الرياض للاتفاق في اليمن الذي انتهى بدولة اتحادية من ستة أقاليم، والسعودية التي دعمت الإرهاب في العراق ووقفت ضد العملية السياسية، والتي جعلت العراق دولة من ثلاثة أقاليم كواقع غير معلن، مما سيُلزمها بالقبول بالمملكة المتحدة (ثلاثة أقاليم). - تحديد مصير اللاجئين الفلسطينيين عبر إلغاء حق العودة، وتوزيعهم على الكيانات والأقاليم الجديدة، بعدما أعلنوا شراكتهم في ثورات “الإخوان” وتحالفهم مع قطر وتركيا، وأول الغيث التوطين المؤقت غير المستقر، عبر تأشيرات العمل القطرية (نحو 40 ألف تأشيرة) والمظاهرات الشبابية في المخيمات لتسهيل الهجرة، وسيكون دور الجماعات التكفيرية تفجير المخيمات كما حصل في اليرموك ونهر البارد، لتسريع عمليات تذويب الفلسطينيين في دول العالم. - تهدئة الساحات السورية والعراقية واللبنانية في هدنة طويلة؛ بانتظار الهجوم الجديد على محور المقاومة، بعد فشل هجومهم على سورية، مع إبقاء الصراع والتوتر في مصر وليبيا، وإدارة الصراع في السعودية والخليج وتركيا. لقد نجح المخطط الأميركي حتى الآن بتحقيق النتائج ما يلي: - تقسيم السودان وانفصال الجنوب (وتهنئة الجامعة العربية لجنوب السودان). - تخريب العراق وتدمير مقوماته وجيشه، وتقسيمه إلى ثلاثة أقاليم. - إعلان انهيار الدولة الليبية وتخريبها للوصول إلى تقسيمها إلى ثلاثة أقاليم أو أربعة؛ على أساس قبلي. - تخريب سورية واستنزاف الجيش السوري، وتخريب النسيج الاجتماعي والديني للشعب السوري. - تهميش القضية الفلسطينية، ومصادرة الحقوق، وتسخير بعض الحركات “الجهادية” الفلسطينية لتحرير الساحات العربية بدل فلسطين. - كسر المحرّمات بين العرب والعدو “الإسرائيلي”، والانفتاح المباشر بين مملكة خادم الحرمين الشريفين والمحتل للحرم الشريف في القدس. - تعميم ثقافة التعصّب الديني والمذهبي والجهل، والتحريف الديني، والفتنة المذهبية (السُّنية – الشيعية) والقومية (العربية – الفارسية). - تهدئة الجبهات العربية مع العدو “الإسرائيلي”، وإشعال الجبهات البديلة بين العرب، واستدراج حركات المقاومة لقتال بعضها، مع تمايز في الدور بين مقاومة تقاتل في الخندق المتحالف مع أميركا والرجعية العربية، وبين مقاومة تقاتل لإسقاط المشروع الأميركي. “جنيف-2″ محطة لتوقيع معاهدة جديدة لرسم المنطقة سياسياً وفق معاهدة (كيري – لافروف)، تتشابه مرحليا مع ما سُمِّي بتفاهم نيسان بين المقاومة في لبنان والعدو “الإسرائيلي”، والذي تبعه الاندحار “الإسرائيلي” من لبنان عام 2000، وما تبعه من عدوان تموز 2006، وهذا ما نتوقعه بتفاهمات جنيف المتعددة الأعداد، حيث ستجمّد أميركا حربها وتقيّد حلفاءها مرحلياً لتستعد للجولة المقبلة، بهدف استكمال مشروعها لإعادة استعمار المنطقة بوجوه عربية وإسلامية مصنَّعة أميركياً بدلاً من الجيوش الغربية. والسؤال: هل انهزم محور المقاومة؟ وهل نستسلم للقدر والمخطط الأميركي؟ الجواب يكتبه الشهداء بدمائهم، والناس بصمودهم ووعيهم، والأمل بالنصر ليس وهماً أو أضغاث أحلام، وكما استطاع المقاومون صد الهجوم العالمي المتعدد الجنسيات على سورية في جولاته الأولى، وتشتيت قواه، وإسقاط قادته؛ من بندر السعودي إلى حمد بن خليفة، إلى حمد بن جاسم، إلى عزمي بشارة، إلى الشيخ القرضاوي والرئيس ساركوزي، باستطاعتهم أيضاً إسقاطه كما حصل في لبنان بعد الاجتياح عام 1982. لقد قاومنا عشرين عاماً وانتصرنا، ثم عادوا فعُدنا وانتصرنا عام 2006، ثم التفوا علينا من الشرق واجتاحوا سورية وصمدنا وانتصرنا، لأننا لم ننهزم ولم نسقط، لكننا سنحمي الأمة ونعيد تصويب بوصلة السلاح نحو العدو “الإسرائيلي”، ولا بد من التهيؤ والاستعداد للمرحلة المقبلة وفق ما يلي: - المعركة طويلة ولم تنته بعد، وقد تطول أشهراً وسنيناً. - الهدنة المقبلة قد تطول أو تقصر، لكنها للإعداد والتحضير للمنازلة القادمة. - ضرورة العمل لبناء مجتمع المقاومة وثقافة وسلوكيات المقاومة؛ من التقشف والصبر والتخطيط وعدم الانفعال بالتدابير المؤقتة التي تتحول إلى دائمة، ويمكن أن تحاصر الناس الداعمين للمقاومة. - التهيؤ للعيش في مجتمع الحرب وليس مجتمع السلم، والاكتفاء بالضروريات وإهمال الكماليات، ولا بد من الاستفادة من تجارب وأحداث التاريخ، والتصرُّف وفق خطة الصمود ومقاومة الحصار وبناء المجتمع المقاوم، وليس وفق منهجية التنظيم المقاوم أو الفرد المقاوم أو الطائفة المقاومة فقط، بل الدولة المقاومة، فلقد اجتمعوا على باطلهم.. فلنجتمع على حقنا.

المصدر : الثبات/ نسيب حطيط


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة