بين جنيف النووي الإيراني «الناجح» نسبياً، وجنيف السوري الناجح بالنسبة إلى طرف والفاشل بالنسبة الى طرف آخر من طرفي النزاع،تحتاج «مساحة النقاش» المفتوحة بين طهران وواشنطن إلى ترميم بعدما تم بناء إطار له في مرحلة بحث الملف النووي وما أدى إليه من نتائج انعكست «انفراجاً» محدوداً في ملفات عديدة في المنطقة، بالرغم من امتعاض أطراف عادت وأحسّت بوجودها كالمملكة العربية السعودية، التي «ضحك» وزير خارجية أميركا لها في مونترو السويسرية افتتاحاً لـ»جنيف ـ 2».

ما أعاد الأمور إلى مربعها الأول على مستوى جنيف السوري، أن الأميركيين تراجعوا عن الأفكار التي كانوا أوحوا بها أو وافقوا عليها في محادثاتهم مع الروس خلال فترة الإعداد للمؤتمر، والتي تزامنت مع «انجاز» الإتفاق مع إيران ودائماً في جنيف. لقد بدت الأجواء شبه صافية إلا ما خلا من بعض «الغبار» الذي تقذفه السعودية حاراً باتجاه تلك الأجواء الساحرة في سويسرا على برودتها، إلا أن الجانب الأميركي الذي أعاد إلى الواجهة الحديث بقوة عن إدارة حكم انتقالية في سورية، اي الإخلال بما كان الأميركيون أبدوا استعداداً للقفز فوقه لناحية التخلي عن هذه الفكرة والإقتناع بضرورة إعطاء الرئيس السوري بشار الأسد حقه في الترشح للرئاسة في ولاية جديدة، على أن تترك نتائج ذلك لصناديق الإقتراع.

ما جاهر به الأميركيون قبل بدء محادثات «جنيف ــ 2» في الملف السوري جاء ترطيباً للأجواء المتأزمة مع السعودية والتي بلغت ذروتها عقب تراجعهم عن شن عدوان على سورية نهاية الصيف الماضي، وذلك في محاولة للتموضع بقوة لدى الأطراف كافة وفي جميع الملفات المطروحة. فبعد أن حلّت إدارة واشنطن «عقدتها» تجاه فتح قنوات الإتصال مع طهران، ها هي تحصل على لقاءات مباشرة مع الإيرانيين في جنيف بعدما قررت التخلي عن تعنتها وتقديم التنازلات الكبيرة على مستوى الملف النووي، من خلال الإعتراف بحقهم في امتلاك الطاقة النووية السلمية والتي لم تكن غير ذلك منذ لحظة إطلاق برنامجها، في حين عملت على تصحيح مسار علاقاتها مع السعودية من خلال إعلان موقفها القديم الجديد حول النزاع في سورية، والذي يشكل نقطة خلاف مركزية في اية محادثات مفترضة بين واشنطن وطهران حول ملفات المنطقة التي لن تتنازل عنها الأخيرة في أي ظرف من الظروف، باعتبارها «قضايا وجود لا حدود» أو لا تندرج فقط في إطار «المصالح» لاسيما وأن الخارطة النهائية لإعادة ترسيم المنطقة والذي بات حتمياً بعد الذي طرأ عليها لم تتضح بعد.

يحاول الأميركيون أن يعطوا إيران ما تريد.. وكذلك تمكين السعودية من الحصول على ما تطمح إليه على مستوى المنطقة وفي مدى ما تستطيع المملكة رؤيته حالياً، وهو أن تخرج «منتصرة» من حربها التي تخوضها في سورية بوساطة الجماعات المسلحة متعددة الجنسيات وتلك «التكفيرية»، وبالنسبة لها فإن عنوان هذا «الإنتصار» لا يكون إلا بسقوط الرئيس بشار الأسد من السلطة إما قتلاً أو عبر تنحّيه عنها أو عدم تمكينه من خوض الإنتخابات المقبلة، مع الإستعداد للقبول بأية شروط أخرى مهما كانت قاسية. غير أن ذلك بالنسبة لإيران وروسيا أيضاً يعد أمراً مستحيلاً نظراً لما يشكله الرجل من ضمانات للإستقرار وتحقيق «التوازن» على مستوى المنطقة ولربما العالم، اللذين أرستهما سياسته طيلة الفترة الماضية.

دخلت «مساحة النقاش» الإيرانية الأميركية مرحلة إعادة الترميم بعد جولة «جنيف ـ 2» وقبل الوصول إلى «جنيف ـ 3» في 10 شباط فبراير الجاري، على ما حدّد موعده المبعوث الأممي لحل الأزمة السورية لخضر الإبراهيمي، ليعاد بث الروح في المحادثات بين وفدي الحكومة السورية ووفد المعارضة الذي تشرف عليه الولايات المتحدة، والذي اكتشفت خلال انعقاد الجولة الثانية أنه يحتاج أيضاً إلى ترميم وضم بعض الشخصيات المعتبرة إليه، ليحقق نوعاً من التكافؤ مع وفد الحكومة ويعفيه من تدخل دول كاد أن يكون «لحظوياً»، لأن من دون «مساحة النقاش» المفتوحة بين واشنطن وطهران فإنه لن يكون هناك حتى جولة ثالثة بعدما رفع الأميركيون من سقف مواقفهم عبر استعادة لهجة التهديد بعودة العقوبات المفروضة على إيران والإقدام على فعل غير أخلاقي بالحد الأدنى بالضغط على أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون الذي سحب دعوته التي كان وجهها إليها إرضاءً للسعودية المستمرة في «زرع العبوات» في طريق أي حلّ مشترك تكون طهران جزءاً منه.

بانتظار ذلك، فإن التوتر الأمني سيتصاعد خلال الفترة المقبلة. على المستوى اللبناني، حيث باتت ساحته مفتوحة للإرهاب السعودي الذي ينشره رئيس استخباراتها بندر بن سلطان، وستتوالى السيارات المفخخة والإنتحاريون الذين ضربوا أول من أمس في مدينة الهرمل، فيما سيحاولون توسيع رقعة الموت باتجاه العديد من المناطق التي ليست بالضرورة محصورة وتقتصرعلى مناطق بعينها، فقد تبعثر الإجراءات الأمنية الصارمة التي بدأ تنفيذها في الضاحية الجنوبية لبيروت خلال اليومين الماضيين ضمن خطة أمنية جديدة قد يكون لاحظها معظم القاطنين في تلك المنطقة، السيارات المفخخة الإنتحارية إلى مناطق غير مدرجة على لائحة الاستهداف وقد يتم اختيارها بشكل عشوائي لزرع الموت والضغط خدمة لأهداف «أمراء الرمل»، في حين أن الميدان السوري سيكون له كلمته في تحديد إطار جولة جنيف الثالثة التي قد تتأجل إلى موعد تصبح فيه بعض الأمور على الارض ناجزة في غير بقعة في المنطقة.

  • فريق ماسة
  • 2014-02-02
  • 7350
  • من الأرشيف

«مرحلة الترميم» قبل «جنيف 3»

بين جنيف النووي الإيراني «الناجح» نسبياً، وجنيف السوري الناجح بالنسبة إلى طرف والفاشل بالنسبة الى طرف آخر من طرفي النزاع،تحتاج «مساحة النقاش» المفتوحة بين طهران وواشنطن إلى ترميم بعدما تم بناء إطار له في مرحلة بحث الملف النووي وما أدى إليه من نتائج انعكست «انفراجاً» محدوداً في ملفات عديدة في المنطقة، بالرغم من امتعاض أطراف عادت وأحسّت بوجودها كالمملكة العربية السعودية، التي «ضحك» وزير خارجية أميركا لها في مونترو السويسرية افتتاحاً لـ»جنيف ـ 2». ما أعاد الأمور إلى مربعها الأول على مستوى جنيف السوري، أن الأميركيين تراجعوا عن الأفكار التي كانوا أوحوا بها أو وافقوا عليها في محادثاتهم مع الروس خلال فترة الإعداد للمؤتمر، والتي تزامنت مع «انجاز» الإتفاق مع إيران ودائماً في جنيف. لقد بدت الأجواء شبه صافية إلا ما خلا من بعض «الغبار» الذي تقذفه السعودية حاراً باتجاه تلك الأجواء الساحرة في سويسرا على برودتها، إلا أن الجانب الأميركي الذي أعاد إلى الواجهة الحديث بقوة عن إدارة حكم انتقالية في سورية، اي الإخلال بما كان الأميركيون أبدوا استعداداً للقفز فوقه لناحية التخلي عن هذه الفكرة والإقتناع بضرورة إعطاء الرئيس السوري بشار الأسد حقه في الترشح للرئاسة في ولاية جديدة، على أن تترك نتائج ذلك لصناديق الإقتراع. ما جاهر به الأميركيون قبل بدء محادثات «جنيف ــ 2» في الملف السوري جاء ترطيباً للأجواء المتأزمة مع السعودية والتي بلغت ذروتها عقب تراجعهم عن شن عدوان على سورية نهاية الصيف الماضي، وذلك في محاولة للتموضع بقوة لدى الأطراف كافة وفي جميع الملفات المطروحة. فبعد أن حلّت إدارة واشنطن «عقدتها» تجاه فتح قنوات الإتصال مع طهران، ها هي تحصل على لقاءات مباشرة مع الإيرانيين في جنيف بعدما قررت التخلي عن تعنتها وتقديم التنازلات الكبيرة على مستوى الملف النووي، من خلال الإعتراف بحقهم في امتلاك الطاقة النووية السلمية والتي لم تكن غير ذلك منذ لحظة إطلاق برنامجها، في حين عملت على تصحيح مسار علاقاتها مع السعودية من خلال إعلان موقفها القديم الجديد حول النزاع في سورية، والذي يشكل نقطة خلاف مركزية في اية محادثات مفترضة بين واشنطن وطهران حول ملفات المنطقة التي لن تتنازل عنها الأخيرة في أي ظرف من الظروف، باعتبارها «قضايا وجود لا حدود» أو لا تندرج فقط في إطار «المصالح» لاسيما وأن الخارطة النهائية لإعادة ترسيم المنطقة والذي بات حتمياً بعد الذي طرأ عليها لم تتضح بعد. يحاول الأميركيون أن يعطوا إيران ما تريد.. وكذلك تمكين السعودية من الحصول على ما تطمح إليه على مستوى المنطقة وفي مدى ما تستطيع المملكة رؤيته حالياً، وهو أن تخرج «منتصرة» من حربها التي تخوضها في سورية بوساطة الجماعات المسلحة متعددة الجنسيات وتلك «التكفيرية»، وبالنسبة لها فإن عنوان هذا «الإنتصار» لا يكون إلا بسقوط الرئيس بشار الأسد من السلطة إما قتلاً أو عبر تنحّيه عنها أو عدم تمكينه من خوض الإنتخابات المقبلة، مع الإستعداد للقبول بأية شروط أخرى مهما كانت قاسية. غير أن ذلك بالنسبة لإيران وروسيا أيضاً يعد أمراً مستحيلاً نظراً لما يشكله الرجل من ضمانات للإستقرار وتحقيق «التوازن» على مستوى المنطقة ولربما العالم، اللذين أرستهما سياسته طيلة الفترة الماضية. دخلت «مساحة النقاش» الإيرانية الأميركية مرحلة إعادة الترميم بعد جولة «جنيف ـ 2» وقبل الوصول إلى «جنيف ـ 3» في 10 شباط فبراير الجاري، على ما حدّد موعده المبعوث الأممي لحل الأزمة السورية لخضر الإبراهيمي، ليعاد بث الروح في المحادثات بين وفدي الحكومة السورية ووفد المعارضة الذي تشرف عليه الولايات المتحدة، والذي اكتشفت خلال انعقاد الجولة الثانية أنه يحتاج أيضاً إلى ترميم وضم بعض الشخصيات المعتبرة إليه، ليحقق نوعاً من التكافؤ مع وفد الحكومة ويعفيه من تدخل دول كاد أن يكون «لحظوياً»، لأن من دون «مساحة النقاش» المفتوحة بين واشنطن وطهران فإنه لن يكون هناك حتى جولة ثالثة بعدما رفع الأميركيون من سقف مواقفهم عبر استعادة لهجة التهديد بعودة العقوبات المفروضة على إيران والإقدام على فعل غير أخلاقي بالحد الأدنى بالضغط على أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون الذي سحب دعوته التي كان وجهها إليها إرضاءً للسعودية المستمرة في «زرع العبوات» في طريق أي حلّ مشترك تكون طهران جزءاً منه. بانتظار ذلك، فإن التوتر الأمني سيتصاعد خلال الفترة المقبلة. على المستوى اللبناني، حيث باتت ساحته مفتوحة للإرهاب السعودي الذي ينشره رئيس استخباراتها بندر بن سلطان، وستتوالى السيارات المفخخة والإنتحاريون الذين ضربوا أول من أمس في مدينة الهرمل، فيما سيحاولون توسيع رقعة الموت باتجاه العديد من المناطق التي ليست بالضرورة محصورة وتقتصرعلى مناطق بعينها، فقد تبعثر الإجراءات الأمنية الصارمة التي بدأ تنفيذها في الضاحية الجنوبية لبيروت خلال اليومين الماضيين ضمن خطة أمنية جديدة قد يكون لاحظها معظم القاطنين في تلك المنطقة، السيارات المفخخة الإنتحارية إلى مناطق غير مدرجة على لائحة الاستهداف وقد يتم اختيارها بشكل عشوائي لزرع الموت والضغط خدمة لأهداف «أمراء الرمل»، في حين أن الميدان السوري سيكون له كلمته في تحديد إطار جولة جنيف الثالثة التي قد تتأجل إلى موعد تصبح فيه بعض الأمور على الارض ناجزة في غير بقعة في المنطقة.

المصدر : البناء /محمد شمس الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة