تشكلُ سورية أكثر المواضيع التي تبعث على الشعور بالصداع في السعودية. وبرغم ان الرياض انخرطت متأخرة بضعة شهور فحسب في مشروع إسقاط النظام في سورية، على أمل تحقيق اختراق في الخريطة الاستراتيجية في المنطقة على حساب محور المقاومة، فإنها تشعر الآن كما لو ان استثمار مليارات الدولارات ووضع ثقل السياسة السعودية وراء هذا المشروع معرّض للضياع، على ضوء إعادة العديد من الدول مراجعة سياساتها حيال تطورات هذا البلد. إضافة الى ذلك، ثمة تخبط واسع في داخل المملكة حيال التعامل مع حقيقة تورط الكثير من أبنائها في القتال؛ فسجال دعاة المؤسسة الدينية المسيطرة حول وجوب او حرمة الذهاب الى سورية للمشاركة في الحرب يشير الى ان الحكومة بدأت تستشعر الأخطار الأمنية المتأتية من عودة المقاتلين "الجهاديين" الى المملكة وما يحمله ذلك من أخطار. وحتى إن لم يعودوا، فإن هؤلاء بمقدورهم عبر وسائل الاتصال ومواقع التواصل الاجتماعي الالكتروني نقل أفكارهم العنيفة ضد النظام السعودي وكذلك تجنيد شبان جدد ونقل خبراتهم القتالية المكتسبة في سوريا.

لم يعد سراً أن آلاف الشباب السعوديين أصبحوا في قلب الحرب في سورية، والمئات منهم قـُتلوا بالفعل. قيل الكثير عن تغاضي السلطات عن توجه الكثيرين منهم الى سوريا، على أمل التخلص من الشغب الذي يثيرونه للسلطات، لكن هذه السياسة لم تعد مغرية. لقد أعطت السلطات الضوء الأخضر للإعلاميين لمهاجمة الدعاة الذين ينظـّرون لمشاركة الشباب السعودي في هذه الحرب، وبالخصوص في صفوف التنظيمات التي تقاتل الى جانب فروع القاعدة. ترتدي الحملة طابع التنفير من "داعش" تارة، وطابع الحديث عن استغلال الشباب السعوديين في حرب تقع في "مواطن فتنة"! برغم ان حكومة الرياض لا تزال تصر على التعبئة من أجل تحقيق انتصار يؤدي الى قلب النظام السوري.

لقد تعرض المشروع السعودي لضربة قوية بفعل التفاهم الروسي- الأميركي الذي يفضي الى إزالة السلاح الكيماوي في سوريا، ثم تعرض لنكسة اخرى مع فشل هجوم الجماعات المسلحة على جبهتي حلب والغوطة الشرقية، والآن يواجه مشكلة جدية بفعل تمكن تنظيم داعش من استعادة زمام المبادرة في مجابهة الفصائل المنافسة المدعومة من السعودية في ريف حلب وريف ادلب. لقد أصبح النقاش على مواقع التواصل الاجتماعي حول أحداث داعش والفصائل المنافسة كأنه امر يخص حدثاً داخل البيت السعودي بين مؤيد لهذا الطرف ومناصر لذاك، مع وفرة في مفردات الإتهام والسجال الحديثي- الفقهي الذي ينبئ عن اصطفاف سعودي (حكومي)- سعودي (سلفي معارض للنظام) يتفاعل باضطراد.

وما يجري من صداع سعودي بشأن سوريا يصح جزء منه في الاردن الذي بات يشعر بأن أمنه يتعرض لتحديات خطيرة في ضوء الخروق المتتالية للحدود وعمليات تهريب السلاح والمسلحين، إضافة الى اشتداد سطوة التيار التكفيري المنخرط بقوة في معارك سوريا.

لم تعد الحرب في سوريا ذات مردود مجز ٍ للأنظمة والحكومات التي رعتها، إنها حرب معقدة ذات أبعاد دولية وإقليمية؛ بدأ الأمر بحراك مطلبي قبل ان يجري اختطافه وتحويله حرباً بالوكالة لإسقاط النظام السوري بالضربة القاضية، ثم تحولت حرب استنزاف، والآن تتطور الى حرب عابرة للحدود يأكل فيها كل طرف خارجي نصيبه من حصاد السم الذي زرعه على مدى السنوات الثلاث الماضية.

  • فريق ماسة
  • 2014-02-01
  • 11016
  • من الأرشيف

السعودية: حملة ضد التجنيد في سورية

تشكلُ سورية أكثر المواضيع التي تبعث على الشعور بالصداع في السعودية. وبرغم ان الرياض انخرطت متأخرة بضعة شهور فحسب في مشروع إسقاط النظام في سورية، على أمل تحقيق اختراق في الخريطة الاستراتيجية في المنطقة على حساب محور المقاومة، فإنها تشعر الآن كما لو ان استثمار مليارات الدولارات ووضع ثقل السياسة السعودية وراء هذا المشروع معرّض للضياع، على ضوء إعادة العديد من الدول مراجعة سياساتها حيال تطورات هذا البلد. إضافة الى ذلك، ثمة تخبط واسع في داخل المملكة حيال التعامل مع حقيقة تورط الكثير من أبنائها في القتال؛ فسجال دعاة المؤسسة الدينية المسيطرة حول وجوب او حرمة الذهاب الى سورية للمشاركة في الحرب يشير الى ان الحكومة بدأت تستشعر الأخطار الأمنية المتأتية من عودة المقاتلين "الجهاديين" الى المملكة وما يحمله ذلك من أخطار. وحتى إن لم يعودوا، فإن هؤلاء بمقدورهم عبر وسائل الاتصال ومواقع التواصل الاجتماعي الالكتروني نقل أفكارهم العنيفة ضد النظام السعودي وكذلك تجنيد شبان جدد ونقل خبراتهم القتالية المكتسبة في سوريا. لم يعد سراً أن آلاف الشباب السعوديين أصبحوا في قلب الحرب في سورية، والمئات منهم قـُتلوا بالفعل. قيل الكثير عن تغاضي السلطات عن توجه الكثيرين منهم الى سوريا، على أمل التخلص من الشغب الذي يثيرونه للسلطات، لكن هذه السياسة لم تعد مغرية. لقد أعطت السلطات الضوء الأخضر للإعلاميين لمهاجمة الدعاة الذين ينظـّرون لمشاركة الشباب السعودي في هذه الحرب، وبالخصوص في صفوف التنظيمات التي تقاتل الى جانب فروع القاعدة. ترتدي الحملة طابع التنفير من "داعش" تارة، وطابع الحديث عن استغلال الشباب السعوديين في حرب تقع في "مواطن فتنة"! برغم ان حكومة الرياض لا تزال تصر على التعبئة من أجل تحقيق انتصار يؤدي الى قلب النظام السوري. لقد تعرض المشروع السعودي لضربة قوية بفعل التفاهم الروسي- الأميركي الذي يفضي الى إزالة السلاح الكيماوي في سوريا، ثم تعرض لنكسة اخرى مع فشل هجوم الجماعات المسلحة على جبهتي حلب والغوطة الشرقية، والآن يواجه مشكلة جدية بفعل تمكن تنظيم داعش من استعادة زمام المبادرة في مجابهة الفصائل المنافسة المدعومة من السعودية في ريف حلب وريف ادلب. لقد أصبح النقاش على مواقع التواصل الاجتماعي حول أحداث داعش والفصائل المنافسة كأنه امر يخص حدثاً داخل البيت السعودي بين مؤيد لهذا الطرف ومناصر لذاك، مع وفرة في مفردات الإتهام والسجال الحديثي- الفقهي الذي ينبئ عن اصطفاف سعودي (حكومي)- سعودي (سلفي معارض للنظام) يتفاعل باضطراد. وما يجري من صداع سعودي بشأن سوريا يصح جزء منه في الاردن الذي بات يشعر بأن أمنه يتعرض لتحديات خطيرة في ضوء الخروق المتتالية للحدود وعمليات تهريب السلاح والمسلحين، إضافة الى اشتداد سطوة التيار التكفيري المنخرط بقوة في معارك سوريا. لم تعد الحرب في سوريا ذات مردود مجز ٍ للأنظمة والحكومات التي رعتها، إنها حرب معقدة ذات أبعاد دولية وإقليمية؛ بدأ الأمر بحراك مطلبي قبل ان يجري اختطافه وتحويله حرباً بالوكالة لإسقاط النظام السوري بالضربة القاضية، ثم تحولت حرب استنزاف، والآن تتطور الى حرب عابرة للحدود يأكل فيها كل طرف خارجي نصيبه من حصاد السم الذي زرعه على مدى السنوات الثلاث الماضية.

المصدر : المنار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة