لحسن الحظ أن الصورة تمثل إثباتاً لا يمكن التنصل منه، وها هي تؤكد حصول اللقاء العلني بين مسؤولين غربيين وسوريين.

 ولو لم تلتقط عدسة مصور وكالة دولية كلا من وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون مع نظيرها السوري وليد المعلم الى طاولة الغداء لكان الأوروبيون أنكروا اللقاء. الأرجح أنهم كانوا سيرددون جملتهم المعهودة «نتواصل مع جميع الأطراف». لكن اللقاء حصل، وبدت آشتون مأخوذة تماما في الشرح، بينما يصغي المعلم باهتمام.

حدث هذا اللقاء في مدينة مونترو السويسرية على هامش افتتاح مؤتمر «جنيف 2»، أمس الأول. إنه الاتصال العلني الأول من نوعه بين مسؤول في النظام السوري ومسؤول غربي منذ بداية الأزمة السورية في ربيع العام 2011.

عندما استفسرت «السفير» عن خلفياته عبر ديبلوماسيين في مكتب آشتون، فوجئوا بداية، لكن لم يمكنهم الإنكار بعد تأكدهم من أن هناك صورة التقطت للمسؤولين.

عقب ذلك، اكتفى مايكل مان، وهو المتحدث الرسمي باسم آشتون، برد مقتضب جدا على سؤالنا، وقال إن اللقاء تناول «جوانب مختلفة من الأزمة السورية». وكما هو متوقع، حاول مان كل جهده التقليل من أهمية ما حدث، وأنه جرى من دون أدنى تخطيط من قبلهم، موضحا أن مسؤولي «البروتوكول في الأمم المتحدة وضعوا الممثلة العليا (آشتون) إلى جانب الوزير المعلم خلال الغداء».

طبعا حجة الرد ضعيفة، لأن المعلم ليس أية شخصية، وهو رسميا خاضع للحظر عند الأوروبيين. الوزير ونائب رئيس الوزراء مدرج على قائمة العقوبات الأوروبية للأشخاص السوريين الخاضعين لتجميد الأصول المادية وحظر السفر. كان الأوروبيون أدرجوا جميع وزراء الحكومة السورية على قائمتهم السوداء في منتصف شهر تشرين الأول العام 2012، وتشمل القائمة الآن 179 شخصية، و54 كيانا اقتصاديا. ويعتبر الأوروبيون أنّ كل شخص موجود على القائمة «مسؤول أو مرتبط بالقمع العنيف ضد السكان المدنيين، أو داعم أو مستفيد من النظام».

ونتيجة لحساسية كل ما سبق، لا يمكن أن تقبل آشتون الجلوس والحديث مع المعلم إذا لم ترد ذلك. كل هذه الإجراءات البروتوكولية تخضع للتدقيق ويمكن رفضها ببساطة، بما في ذلك إجراء المصافحة. بكلمات أخرى، خارجية الاتحاد الأوروبي كانت تريد بوضوح حصول هذا اللقاء.

على أية حال، يبدو أن الحديث لم يكن فقط مع المعلم، بل أيضا مع مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان، حيث قالت إنه كان لها حديث مع آشتون وخرجت منه باستنتاجات سياسية. وفي لقاء أجرته معها إذاعة «صوت روسيا» من مونترو، قالت شعبان إنها شاركت المعلم نقاشه مع آشتون. الاستنتاج الذي خرجت به هو أن موقف معظم الأوروبيين، ما عدا فرنسا، كان «مقبولا ومعقولا»، لافتة إلى أن «الغرب لديه مؤسسات ولديه من العقل ما يخوله أن يعيد النظر» في مواقفه من النظام.

وإضافة لكونها ممثلة الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية، برزت آشتون في عملها منذ سنوات كممثلة للمجموعة الدولية المعروفة بـ«5+1» في مفاوضاتها النووية مع طهران. كانت آشتون بين من تم أخذهم بالأحضان أمام الكاميرات حالما وصلت المفاوضات إلى اتفاق تاريخي مؤخراً. أكثر ما ميز إدارتها لهذا الملف هو التكتم الشديد الذي منع خروج أية تسريبات من جانب فريقها.

وتعليقا على لقاء آشتون والمعلم، قال مسؤول ديبلوماسي رفيع المستوى في بروكسل لـ«السفير» إنه «من مصلحة النظام تضخيم قيمة اللقاء ومن مصلحة الأوروبيين أن يخففوا منها». المسؤول مطلع عن قرب على مداولات الأوروبيين حول الملف السوري، واعتبر في المجمل ان هنالك «شبه تحول» في الموقف الأوروبي من النظام، وأنّ هناك ما هو أكثر دلالة على تغير المناخ السياسي من لقاء آشتون والمعلم.

ويشير المسؤول تحديدا إلى عزوف الأوروبيين، في بياناتهم منذ أشهر، عن ترديد عبارة «لا مستقبل لـ(الرئيس السوري بشار) الأسد في مستقبل سوريا»، لافتا إلى أن «اللهجة العدائية تجاه النظام لم تعد موجودة». هذه الخلاصة يرى أنها كانت واضحة جدا في خطاب اشتون في مونترو، والذي طغى عليه الحديث عن الجانب الإنساني للأزمة.

وبالربط مع اللقاء الأرفع بين الجانبين، يكشف المسؤول الديبلوماسي أيضا عن مساع أوروبية متواصلة لإيجاد قناة تواصل مع النظام، وتركيز الاوروبيين تحديدا على تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية. ويقول المسؤول إن هذه المساعي تمت عبر روسيا وإيران، مؤكدا أن بروكسل أرسلت مبعوثا إلى دمشق قبل ثلاثة أشهر هو مسؤول ملف الشرق الأوسط في الخارجية الأوروبية كريستيان بيرغر.

ولا يكف الأوروبيون عن التذكير، بفخر، بأنهم أكبر المانحين في الأزمة السورية، مع رصدهم مساعدات تزيد على ملياري يورو. ومن هنا يأتي تركيزهم على قضية المساعدات، فبرغم حجم التبرعات يحتاج موظفو الوحدة الأوروبية للمساعدات الإنسانية دائما إلى تسهيلات وتأشيرات دخول ليمكنهم إيصال الإغاثة إلى الداخل السوري، وبالتالي إلى التنسيق المتواصل مع الحكومة السورية.

وسبق للبرلمانية الأوروبية فيرونيك دو كايز أن التقت الرئيس السوري بشار الأسد في شهر أيلول الماضي، وقالت إن زيارتها جاءت بمبادرة شخصية لتسهيل إيصال المساعدات الأوروبية إلى داخل سوريا، ولفتت إلى أن تجاوبا حصل من جهة السلطات السورية في هذا الإطار.

  • فريق ماسة
  • 2014-01-23
  • 11912
  • من الأرشيف

آشتون والمعلم في مونترو: أكثر من شبه تحول ؟

 لحسن الحظ أن الصورة تمثل إثباتاً لا يمكن التنصل منه، وها هي تؤكد حصول اللقاء العلني بين مسؤولين غربيين وسوريين.  ولو لم تلتقط عدسة مصور وكالة دولية كلا من وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون مع نظيرها السوري وليد المعلم الى طاولة الغداء لكان الأوروبيون أنكروا اللقاء. الأرجح أنهم كانوا سيرددون جملتهم المعهودة «نتواصل مع جميع الأطراف». لكن اللقاء حصل، وبدت آشتون مأخوذة تماما في الشرح، بينما يصغي المعلم باهتمام. حدث هذا اللقاء في مدينة مونترو السويسرية على هامش افتتاح مؤتمر «جنيف 2»، أمس الأول. إنه الاتصال العلني الأول من نوعه بين مسؤول في النظام السوري ومسؤول غربي منذ بداية الأزمة السورية في ربيع العام 2011. عندما استفسرت «السفير» عن خلفياته عبر ديبلوماسيين في مكتب آشتون، فوجئوا بداية، لكن لم يمكنهم الإنكار بعد تأكدهم من أن هناك صورة التقطت للمسؤولين. عقب ذلك، اكتفى مايكل مان، وهو المتحدث الرسمي باسم آشتون، برد مقتضب جدا على سؤالنا، وقال إن اللقاء تناول «جوانب مختلفة من الأزمة السورية». وكما هو متوقع، حاول مان كل جهده التقليل من أهمية ما حدث، وأنه جرى من دون أدنى تخطيط من قبلهم، موضحا أن مسؤولي «البروتوكول في الأمم المتحدة وضعوا الممثلة العليا (آشتون) إلى جانب الوزير المعلم خلال الغداء». طبعا حجة الرد ضعيفة، لأن المعلم ليس أية شخصية، وهو رسميا خاضع للحظر عند الأوروبيين. الوزير ونائب رئيس الوزراء مدرج على قائمة العقوبات الأوروبية للأشخاص السوريين الخاضعين لتجميد الأصول المادية وحظر السفر. كان الأوروبيون أدرجوا جميع وزراء الحكومة السورية على قائمتهم السوداء في منتصف شهر تشرين الأول العام 2012، وتشمل القائمة الآن 179 شخصية، و54 كيانا اقتصاديا. ويعتبر الأوروبيون أنّ كل شخص موجود على القائمة «مسؤول أو مرتبط بالقمع العنيف ضد السكان المدنيين، أو داعم أو مستفيد من النظام». ونتيجة لحساسية كل ما سبق، لا يمكن أن تقبل آشتون الجلوس والحديث مع المعلم إذا لم ترد ذلك. كل هذه الإجراءات البروتوكولية تخضع للتدقيق ويمكن رفضها ببساطة، بما في ذلك إجراء المصافحة. بكلمات أخرى، خارجية الاتحاد الأوروبي كانت تريد بوضوح حصول هذا اللقاء. على أية حال، يبدو أن الحديث لم يكن فقط مع المعلم، بل أيضا مع مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان، حيث قالت إنه كان لها حديث مع آشتون وخرجت منه باستنتاجات سياسية. وفي لقاء أجرته معها إذاعة «صوت روسيا» من مونترو، قالت شعبان إنها شاركت المعلم نقاشه مع آشتون. الاستنتاج الذي خرجت به هو أن موقف معظم الأوروبيين، ما عدا فرنسا، كان «مقبولا ومعقولا»، لافتة إلى أن «الغرب لديه مؤسسات ولديه من العقل ما يخوله أن يعيد النظر» في مواقفه من النظام. وإضافة لكونها ممثلة الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية، برزت آشتون في عملها منذ سنوات كممثلة للمجموعة الدولية المعروفة بـ«5+1» في مفاوضاتها النووية مع طهران. كانت آشتون بين من تم أخذهم بالأحضان أمام الكاميرات حالما وصلت المفاوضات إلى اتفاق تاريخي مؤخراً. أكثر ما ميز إدارتها لهذا الملف هو التكتم الشديد الذي منع خروج أية تسريبات من جانب فريقها. وتعليقا على لقاء آشتون والمعلم، قال مسؤول ديبلوماسي رفيع المستوى في بروكسل لـ«السفير» إنه «من مصلحة النظام تضخيم قيمة اللقاء ومن مصلحة الأوروبيين أن يخففوا منها». المسؤول مطلع عن قرب على مداولات الأوروبيين حول الملف السوري، واعتبر في المجمل ان هنالك «شبه تحول» في الموقف الأوروبي من النظام، وأنّ هناك ما هو أكثر دلالة على تغير المناخ السياسي من لقاء آشتون والمعلم. ويشير المسؤول تحديدا إلى عزوف الأوروبيين، في بياناتهم منذ أشهر، عن ترديد عبارة «لا مستقبل لـ(الرئيس السوري بشار) الأسد في مستقبل سوريا»، لافتا إلى أن «اللهجة العدائية تجاه النظام لم تعد موجودة». هذه الخلاصة يرى أنها كانت واضحة جدا في خطاب اشتون في مونترو، والذي طغى عليه الحديث عن الجانب الإنساني للأزمة. وبالربط مع اللقاء الأرفع بين الجانبين، يكشف المسؤول الديبلوماسي أيضا عن مساع أوروبية متواصلة لإيجاد قناة تواصل مع النظام، وتركيز الاوروبيين تحديدا على تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية. ويقول المسؤول إن هذه المساعي تمت عبر روسيا وإيران، مؤكدا أن بروكسل أرسلت مبعوثا إلى دمشق قبل ثلاثة أشهر هو مسؤول ملف الشرق الأوسط في الخارجية الأوروبية كريستيان بيرغر. ولا يكف الأوروبيون عن التذكير، بفخر، بأنهم أكبر المانحين في الأزمة السورية، مع رصدهم مساعدات تزيد على ملياري يورو. ومن هنا يأتي تركيزهم على قضية المساعدات، فبرغم حجم التبرعات يحتاج موظفو الوحدة الأوروبية للمساعدات الإنسانية دائما إلى تسهيلات وتأشيرات دخول ليمكنهم إيصال الإغاثة إلى الداخل السوري، وبالتالي إلى التنسيق المتواصل مع الحكومة السورية. وسبق للبرلمانية الأوروبية فيرونيك دو كايز أن التقت الرئيس السوري بشار الأسد في شهر أيلول الماضي، وقالت إن زيارتها جاءت بمبادرة شخصية لتسهيل إيصال المساعدات الأوروبية إلى داخل سوريا، ولفتت إلى أن تجاوبا حصل من جهة السلطات السورية في هذا الإطار.

المصدر : السفير / وسيم إبراهيم


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة