مناورات الساعات الأخيرة، قبل الدخول في "جنيف 2"، أو احتمالات سقوط المفاوضات ما بين مونترو وجنيف، فيما يقول مسؤول في الوفد السوري إن الرئيس بشار الأسد قد أعطى توجيهاته بعدم المغادرة، والبقاء كما يطالب الروس، ما بين أسبوع إلى عشرة أيام لإنجاز المرحلة الأولى من المفاوضات.

وفدا "الائتلاف" والنظام السوريين تبادلا عبر الأمم المتحدة تهديدات بمغادرة مونترو، وأبلغا مسؤولين يعملون على الإعداد للاجتماع المحتمل في جنيف غداً، أنهم لن يحضروا جلسة المفاوضات الأولى.

التهديدات بالمغادرة، التي تضاربت مع إعلان راعيي المؤتمر، وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأميركي جون كيري، أن المفاوضات ستبدأ غداً الجمعة، تعكس ضعف التنسيق مع الوسيط الأخضر الإبراهيمي، وبقاء مصير المفاوضات مرتبطاً بحجم التفاهم الأميركي - الروسي حول سوريا. كما تعكس التهديدات هشاشة المسار التفاوضي، وتباعد ما بين مقاربة الوفد "الائتلافي"، كما عبر عنه كل من خطاب رئيسه احمد الجربا، ومقاربة دمشق كما عبر عنها خطاب وزير الخارجية وليد المعلم. (تفاصيل صفحة 10)

ويبدو المسار هشاً أكثر من المتوقع، بالعودة إلى ما قاله مصدر أممي عشية توجّه الوفدين السوريين إلى جنيف، من أن الإبراهيمي شديد التشاؤم بمستقبل المفاوضات، ولا يملك "خريطة طريق" واضحة، ولا أفكاراً جاهزة أو خطة عمل للتقريب بين الطرفين، وانه سيحاول بعد ظهر اليوم تأكيد بقاء الوفدين في جنيف، وتحديد الشكل الأسهل لبقائهم، عبر العودة إلى نقطة الصفر في المفاوضات، واقتراح مفاوضات منفصلة، ريثما تنضج الظروف لاستقبال الوفدين في قاعة واحدة.

وسيكون لقاء ما بعد ظهر اليوم مهماً في حسم استمرار المفاوضات في جنيف ومصير المحاولة الأولى لإطلاق العملية السياسية في سوريا، أو توضيب الطرفين حقائبهم ليعودوا أدراجهم إلى دمشق واسطنبول.

ولن يقيّض للوفدين البقاء، وللإبراهيمي أن ينقذ مؤتمره ومهمته، من دون الضغوط الأميركية والروسية على الطرفين، ووعود روسية بعودة لافروف، عندما تستدعي الحاجة مع بقاء نائبه ميخائيل بوغدانوف على رأس وفد كبير من الخبراء في جنيف للمساعدة على تسهيل الاتصالات بالوفد الذي يرأسه المعلم، فيما يتعهّد الأميركيون وفد "الائتلافيين" عبر مساعد وزير الخارجية الأميركي وليم بيرنز والسفير المشرف على ملف المعارضة السورية روبرت فورد. وكان فورد يعمل بين طاولات قاعة المؤتمر، وتحديد مقاعد أعضاء الوفد "الائتلافي"، وتوزيعهم في القاعة، ومرافقتهم على دفعات نحو قاعة الافتتاح في مونترو.

ويعكس التشاؤم حجم الصدمة التي شكلها التباعد الكبير في مقاربة المفاوضات وأهدافها، كما ظهرت جلية في خطابات الجربا والمعلم. فبعيداً عن استخدامات منبر مونترو لأهداف إعلامية، التي تفوّق فيها المحنّك وليد المعلم، على المغمور احمد الجربا، فحاز الوفد الدمشقي من بين ما جاء من أجله استعادة الاعتراف بشرعية النظام السوري، وتحطيم أسوار العزلة التي رفعت حوله، رغم الخطابات التي ظهر أكثرها عدائياً، في كرنفال الخطابات الذي شكله يوم مونترو السوري.

وحاز "الائتلافيون"، اعترافاً بندية احتلالهم قلب المعارضة على المستوى الإعلامي، بقبول النظام الوقوف تحت سقف واحد معهم، للمرة الأولى، خارج أطر "أصدقاء سوريا"، وهو أمر لا يزال هشاً ويحتاج إلى الكثير من التصليب، إذا ما تواصل المسار. ويبدو التباعد، مبعث التشاؤم، في تقديم قراءتين لبيان "جنيف 1"، تصعب مصالحتهما. اختصر الجربا عملية التفاوض بما تحدث النظام عنه وحذر منه، باعتبار جنيف مجرد عملية تسلّم وتسليم للسلطة، ومحاكمة الأسد، على أن تعمل المفاوضات في جنيف على تحديد جدول زمني لذلك.

أما المعلم، وبعده مندوب سوريا لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري، فاعتبرا نص البيان على وقف العنف، شرطه الأول الذي يفسر بمكافحة الإرهاب. وقيّد المعلم أي اتفاقات تنتج عن جنيف بضرورة طرحها على الاستفتاء الشعبي، نازعاً من جنيف حق القرار، باعتباره محفلاً خارجياً يمس بسيادة الشعب السوري وحقه في تقرير مصيره.

لكن الخطابات ليست المفاوضات. ويبدو طبيعياً في منطلق أي مفاوضات أن يلجأ الطرفان إلى رفع سقف المطالب، إلى أن تحين ساعة القاعات المغلقة ويبدأ تدوير الزوايا، والبحث عن تسويات وسطية.

ويتعارض تدليل كيري على صعوبة التفاوض في سوريا، وفي أي حرب أهلية على المثال الفيتنامي الذي استغرق عاماً كاملاً، من أجل تحديد شكل الطاولة التي سيجلس إليها المتنازعون، قبل أن تنطلق المفاوضات.

ويقول مصدر أممي يرافق المفاوضات إن الروسي والأميركي يملكان تصورات لأرضية مشتركة، تشكل بديلاً عن "جنيف 1"، الذي أصبح مشكلة جنيف نفسها، بعد أن كان حلاً مقترحاً، أدى دوره في جلب السوريين إلى مونترو وإطلاق العملية السياسية.

والأرجح أن يتهاوى تدريجياً التمسك بـ"جنيف 1"، لأنه لم يعد يعكس حقيقة ميزان القوى، ولا يعبر عن احتمالات التسوية الواقعية في سوريا، بغض النظر عن الطموحات والمطالب. فعندما تم التوافق على "جنيف 1" في حزيران العام 2012، كان تعبيراً عن توازن القوى الميداني الذي كان يميل نسبياً لمصلحة المعارضة. فقد كانت دمشق شبه محاصرة، والمعارضة في ريف حلب تتأهب للانقضاض على عاصمة سوريا الاقتصادية، وكانت معركة القصير المنعطف، بعيدة عاماً كاملاً، وحمص كانت بيد المعارضة، ودرعا مخترقة بقوة من الوحدات القادمة من الأردن، وقد تراجع الجيش السوري بشكل عام من الأرياف نحو المدن، ولم تكن الجماعات "الجهادية" وتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) و"جبهة النصرة"، قد انتصرت في قلب المعارضة المسلحة، وتلاشى "الجيش الحر".

ويبدو اليوم تجمع مطالب المعارضة السورية والولايات المتحدة والسعودية وقطر وفرنسا وبريطانيا محاولة للحصول بالسياسة على ما خسره هؤلاء في الميدان. فمنذ حزيران العام 2012، جرت مياه كثيرة تحت جسر الحرب السورية، وعاد الجيش السوري للإمساك بالمبادرة الميدانية، واسترجع أكثرية حمص، وفكك طوق الغوطة ويتقدم في حلب، فيما تحول جزء مهم من المعارضة، فصيلاً في "القاعدة" والإرهاب، وذهب "المجلس الوطني" وحل محله "الائتلاف"، من دون أن يؤكد سلطته على الأرض، ولكن نقطة الضعف الكبيرة أن أعداء النظام لا يزالون يرفضون الاعتراف بنصره.

وتبدو سياسة الخطوة خطوة، الأكثر قرباً من مسار التفاوض، والأكثر واقعية. فإذا كان لا يزال مجهولاً ما هي آليات مكافحة الإرهاب، وما يعنيه ذلك من توافق بين دول الجوار على وقف تدفق المسلحين والسلاح، وتخلي السعودية الصعب عن الهجوم على النظام السوري، والركون إلى حل سياسي مع إيران، فإنه يبدو أن النقاش سيدور حول العناوين الإنسانية. ولا يوجد اتفاق حتى بشأن معنى المصطلحات المستخدمة.

فإزاء المطالبة بإنشاء "ممرات إنسانية"، يقول الوفد السوري في مونترو بغلبة الإمداد الغذائي، الذي ينزع عن العملية طابع الالتزام أو الإكراه. وإزاء الاقتراح أن تبدأ العملية بإطلاق معتقلين لدى النظام في إطار تدابير الثقة، يقول مسؤول سوري في مونترو، إن المعارضة السورية تحتفظ بآلاف المخطوفين والأسرى من الجنود والعسكريين، ولن يكون هناك إلا عملية تبادل للمعتقلين. أما مسألة وقف إطلاق النار، التي قال كيري إنها ستكون موضعية ومحلية وليست شاملة، فالأرجح أن الإعلان يعبر أصلاً عن عجز "الائتلاف" عن تنظيم وقف إطلاق نار شامل، وإدخاله في نزاع مفتوح مع "الجبهة الإسلامية" و"جيش المجاهدين" و"جبهة ثوار سوريا"، التي تشترط استمرار القتال لتكفّ عن نقد "جنيف".

ويقول الوفد السوري إنه لن يكون هناك وقف لإطلاق النار، وإن الاسم الحقيقي لاقتراح المعلم بشأن حلب، هو ترتيبات أمنية تفضي إلى خروج المسلحين من بعض أحياء حلب ودخول الشرطة إليها. وقال مسؤول في المعارضة في مونترو، لـ"السفير"، "إننا نعمل منذ وقت قريب مع الروس والأميركيين على مقايضة الإغاثة بوقف لإطلاق النار، في الغوطة وحلب وحمص".

وعلى العكس مما قاله كيري من عدم استبعاد الخيار العسكري، لم ير أحد، حتى من المقربين من الوزير في الوفد الأميركي، جدية في اقتران المفاوضات بالتلويح مجدداً بالتدخل، الذي يعلم الجميع أنه أصبح بندقية لا ذخيرة فيها.

وتحدث لـ"السفير" مصدر أميركي، مقرب من فورد، عن التقييم الحقيقي للولايات المتحدة لمفاوضات جنيف. وقال إن السوريين يفاوضون من موقع قوة، ولسنا جاهزين للتدخل عسكرياً لمصلحة المعارضة، لأسباب معروفة، وما جرى اليوم هو كرنفال خطابات، والخطر أن نكون ندخل في "ستاتيكو" في سوريا إذا لم تتوصل المفاوضات إلى نتائج سريعة، وسيكون ذلك من مصلحة الحكومة السورية.

وحذر المسؤول الأميركي من أن يؤدي فشل المفاوضات إلى دفعنا نحو السيناريو الأسوأ، حيث ينبغي قريباً، الاختيار بين النظام على مساوئه والذي يحارب الإرهاب، وبين المعارضة التي ستضطر للتعاون أكثر مع "الجهاديين" و"القاعدة".

وقال المسؤول في الخارجية الأميركية، لـ"السفير"، إن المفاوضات لن تذهب بعيداً، وأقصى ما يمكن توقعه هو أن يعطي النظام بعض الفتات للمعارضة.

أما بشأن الاتصالات مع قنوات سورية، فهل أنت متأكد من أنها غير موجودة؟ يرد المسؤول الأميركي: لقد أسأنا تقدير قوة جميع اللاعبين من خصومنا في سوريا، من الأسد، حتى إيران، فـ"حزب الله"، فحجم الصدمة التي أصابت الروس بعد خسارة ليبيا، جعلتهم يصمّمون على التعويض في سوريا، معتبراً أنه ورغم ذلك لا يزال رحيل الأسد أولوية في جهودنا، لكننا غير واثقين من قدرتنا على تحقيق هذا الهدف.

أما بشأن التنسيق السعودي - الأميركي في سوريا، قال: إننا نتفق معهم في العمق ونحن نريد معهم شيئاً واحداً، لكنهم اختاروا طريقهم، ونحن اخترنا طريقنا في ما يتعلق بدعم الجماعات التي لا نوافق على تفكيرها وطريقة عملها.

  • فريق ماسة
  • 2014-01-22
  • 15647
  • من الأرشيف

كرنفال خطابي.. قبل الحسم في جنيف اليوم

مناورات الساعات الأخيرة، قبل الدخول في "جنيف 2"، أو احتمالات سقوط المفاوضات ما بين مونترو وجنيف، فيما يقول مسؤول في الوفد السوري إن الرئيس بشار الأسد قد أعطى توجيهاته بعدم المغادرة، والبقاء كما يطالب الروس، ما بين أسبوع إلى عشرة أيام لإنجاز المرحلة الأولى من المفاوضات. وفدا "الائتلاف" والنظام السوريين تبادلا عبر الأمم المتحدة تهديدات بمغادرة مونترو، وأبلغا مسؤولين يعملون على الإعداد للاجتماع المحتمل في جنيف غداً، أنهم لن يحضروا جلسة المفاوضات الأولى. التهديدات بالمغادرة، التي تضاربت مع إعلان راعيي المؤتمر، وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأميركي جون كيري، أن المفاوضات ستبدأ غداً الجمعة، تعكس ضعف التنسيق مع الوسيط الأخضر الإبراهيمي، وبقاء مصير المفاوضات مرتبطاً بحجم التفاهم الأميركي - الروسي حول سوريا. كما تعكس التهديدات هشاشة المسار التفاوضي، وتباعد ما بين مقاربة الوفد "الائتلافي"، كما عبر عنه كل من خطاب رئيسه احمد الجربا، ومقاربة دمشق كما عبر عنها خطاب وزير الخارجية وليد المعلم. (تفاصيل صفحة 10) ويبدو المسار هشاً أكثر من المتوقع، بالعودة إلى ما قاله مصدر أممي عشية توجّه الوفدين السوريين إلى جنيف، من أن الإبراهيمي شديد التشاؤم بمستقبل المفاوضات، ولا يملك "خريطة طريق" واضحة، ولا أفكاراً جاهزة أو خطة عمل للتقريب بين الطرفين، وانه سيحاول بعد ظهر اليوم تأكيد بقاء الوفدين في جنيف، وتحديد الشكل الأسهل لبقائهم، عبر العودة إلى نقطة الصفر في المفاوضات، واقتراح مفاوضات منفصلة، ريثما تنضج الظروف لاستقبال الوفدين في قاعة واحدة. وسيكون لقاء ما بعد ظهر اليوم مهماً في حسم استمرار المفاوضات في جنيف ومصير المحاولة الأولى لإطلاق العملية السياسية في سوريا، أو توضيب الطرفين حقائبهم ليعودوا أدراجهم إلى دمشق واسطنبول. ولن يقيّض للوفدين البقاء، وللإبراهيمي أن ينقذ مؤتمره ومهمته، من دون الضغوط الأميركية والروسية على الطرفين، ووعود روسية بعودة لافروف، عندما تستدعي الحاجة مع بقاء نائبه ميخائيل بوغدانوف على رأس وفد كبير من الخبراء في جنيف للمساعدة على تسهيل الاتصالات بالوفد الذي يرأسه المعلم، فيما يتعهّد الأميركيون وفد "الائتلافيين" عبر مساعد وزير الخارجية الأميركي وليم بيرنز والسفير المشرف على ملف المعارضة السورية روبرت فورد. وكان فورد يعمل بين طاولات قاعة المؤتمر، وتحديد مقاعد أعضاء الوفد "الائتلافي"، وتوزيعهم في القاعة، ومرافقتهم على دفعات نحو قاعة الافتتاح في مونترو. ويعكس التشاؤم حجم الصدمة التي شكلها التباعد الكبير في مقاربة المفاوضات وأهدافها، كما ظهرت جلية في خطابات الجربا والمعلم. فبعيداً عن استخدامات منبر مونترو لأهداف إعلامية، التي تفوّق فيها المحنّك وليد المعلم، على المغمور احمد الجربا، فحاز الوفد الدمشقي من بين ما جاء من أجله استعادة الاعتراف بشرعية النظام السوري، وتحطيم أسوار العزلة التي رفعت حوله، رغم الخطابات التي ظهر أكثرها عدائياً، في كرنفال الخطابات الذي شكله يوم مونترو السوري. وحاز "الائتلافيون"، اعترافاً بندية احتلالهم قلب المعارضة على المستوى الإعلامي، بقبول النظام الوقوف تحت سقف واحد معهم، للمرة الأولى، خارج أطر "أصدقاء سوريا"، وهو أمر لا يزال هشاً ويحتاج إلى الكثير من التصليب، إذا ما تواصل المسار. ويبدو التباعد، مبعث التشاؤم، في تقديم قراءتين لبيان "جنيف 1"، تصعب مصالحتهما. اختصر الجربا عملية التفاوض بما تحدث النظام عنه وحذر منه، باعتبار جنيف مجرد عملية تسلّم وتسليم للسلطة، ومحاكمة الأسد، على أن تعمل المفاوضات في جنيف على تحديد جدول زمني لذلك. أما المعلم، وبعده مندوب سوريا لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري، فاعتبرا نص البيان على وقف العنف، شرطه الأول الذي يفسر بمكافحة الإرهاب. وقيّد المعلم أي اتفاقات تنتج عن جنيف بضرورة طرحها على الاستفتاء الشعبي، نازعاً من جنيف حق القرار، باعتباره محفلاً خارجياً يمس بسيادة الشعب السوري وحقه في تقرير مصيره. لكن الخطابات ليست المفاوضات. ويبدو طبيعياً في منطلق أي مفاوضات أن يلجأ الطرفان إلى رفع سقف المطالب، إلى أن تحين ساعة القاعات المغلقة ويبدأ تدوير الزوايا، والبحث عن تسويات وسطية. ويتعارض تدليل كيري على صعوبة التفاوض في سوريا، وفي أي حرب أهلية على المثال الفيتنامي الذي استغرق عاماً كاملاً، من أجل تحديد شكل الطاولة التي سيجلس إليها المتنازعون، قبل أن تنطلق المفاوضات. ويقول مصدر أممي يرافق المفاوضات إن الروسي والأميركي يملكان تصورات لأرضية مشتركة، تشكل بديلاً عن "جنيف 1"، الذي أصبح مشكلة جنيف نفسها، بعد أن كان حلاً مقترحاً، أدى دوره في جلب السوريين إلى مونترو وإطلاق العملية السياسية. والأرجح أن يتهاوى تدريجياً التمسك بـ"جنيف 1"، لأنه لم يعد يعكس حقيقة ميزان القوى، ولا يعبر عن احتمالات التسوية الواقعية في سوريا، بغض النظر عن الطموحات والمطالب. فعندما تم التوافق على "جنيف 1" في حزيران العام 2012، كان تعبيراً عن توازن القوى الميداني الذي كان يميل نسبياً لمصلحة المعارضة. فقد كانت دمشق شبه محاصرة، والمعارضة في ريف حلب تتأهب للانقضاض على عاصمة سوريا الاقتصادية، وكانت معركة القصير المنعطف، بعيدة عاماً كاملاً، وحمص كانت بيد المعارضة، ودرعا مخترقة بقوة من الوحدات القادمة من الأردن، وقد تراجع الجيش السوري بشكل عام من الأرياف نحو المدن، ولم تكن الجماعات "الجهادية" وتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) و"جبهة النصرة"، قد انتصرت في قلب المعارضة المسلحة، وتلاشى "الجيش الحر". ويبدو اليوم تجمع مطالب المعارضة السورية والولايات المتحدة والسعودية وقطر وفرنسا وبريطانيا محاولة للحصول بالسياسة على ما خسره هؤلاء في الميدان. فمنذ حزيران العام 2012، جرت مياه كثيرة تحت جسر الحرب السورية، وعاد الجيش السوري للإمساك بالمبادرة الميدانية، واسترجع أكثرية حمص، وفكك طوق الغوطة ويتقدم في حلب، فيما تحول جزء مهم من المعارضة، فصيلاً في "القاعدة" والإرهاب، وذهب "المجلس الوطني" وحل محله "الائتلاف"، من دون أن يؤكد سلطته على الأرض، ولكن نقطة الضعف الكبيرة أن أعداء النظام لا يزالون يرفضون الاعتراف بنصره. وتبدو سياسة الخطوة خطوة، الأكثر قرباً من مسار التفاوض، والأكثر واقعية. فإذا كان لا يزال مجهولاً ما هي آليات مكافحة الإرهاب، وما يعنيه ذلك من توافق بين دول الجوار على وقف تدفق المسلحين والسلاح، وتخلي السعودية الصعب عن الهجوم على النظام السوري، والركون إلى حل سياسي مع إيران، فإنه يبدو أن النقاش سيدور حول العناوين الإنسانية. ولا يوجد اتفاق حتى بشأن معنى المصطلحات المستخدمة. فإزاء المطالبة بإنشاء "ممرات إنسانية"، يقول الوفد السوري في مونترو بغلبة الإمداد الغذائي، الذي ينزع عن العملية طابع الالتزام أو الإكراه. وإزاء الاقتراح أن تبدأ العملية بإطلاق معتقلين لدى النظام في إطار تدابير الثقة، يقول مسؤول سوري في مونترو، إن المعارضة السورية تحتفظ بآلاف المخطوفين والأسرى من الجنود والعسكريين، ولن يكون هناك إلا عملية تبادل للمعتقلين. أما مسألة وقف إطلاق النار، التي قال كيري إنها ستكون موضعية ومحلية وليست شاملة، فالأرجح أن الإعلان يعبر أصلاً عن عجز "الائتلاف" عن تنظيم وقف إطلاق نار شامل، وإدخاله في نزاع مفتوح مع "الجبهة الإسلامية" و"جيش المجاهدين" و"جبهة ثوار سوريا"، التي تشترط استمرار القتال لتكفّ عن نقد "جنيف". ويقول الوفد السوري إنه لن يكون هناك وقف لإطلاق النار، وإن الاسم الحقيقي لاقتراح المعلم بشأن حلب، هو ترتيبات أمنية تفضي إلى خروج المسلحين من بعض أحياء حلب ودخول الشرطة إليها. وقال مسؤول في المعارضة في مونترو، لـ"السفير"، "إننا نعمل منذ وقت قريب مع الروس والأميركيين على مقايضة الإغاثة بوقف لإطلاق النار، في الغوطة وحلب وحمص". وعلى العكس مما قاله كيري من عدم استبعاد الخيار العسكري، لم ير أحد، حتى من المقربين من الوزير في الوفد الأميركي، جدية في اقتران المفاوضات بالتلويح مجدداً بالتدخل، الذي يعلم الجميع أنه أصبح بندقية لا ذخيرة فيها. وتحدث لـ"السفير" مصدر أميركي، مقرب من فورد، عن التقييم الحقيقي للولايات المتحدة لمفاوضات جنيف. وقال إن السوريين يفاوضون من موقع قوة، ولسنا جاهزين للتدخل عسكرياً لمصلحة المعارضة، لأسباب معروفة، وما جرى اليوم هو كرنفال خطابات، والخطر أن نكون ندخل في "ستاتيكو" في سوريا إذا لم تتوصل المفاوضات إلى نتائج سريعة، وسيكون ذلك من مصلحة الحكومة السورية. وحذر المسؤول الأميركي من أن يؤدي فشل المفاوضات إلى دفعنا نحو السيناريو الأسوأ، حيث ينبغي قريباً، الاختيار بين النظام على مساوئه والذي يحارب الإرهاب، وبين المعارضة التي ستضطر للتعاون أكثر مع "الجهاديين" و"القاعدة". وقال المسؤول في الخارجية الأميركية، لـ"السفير"، إن المفاوضات لن تذهب بعيداً، وأقصى ما يمكن توقعه هو أن يعطي النظام بعض الفتات للمعارضة. أما بشأن الاتصالات مع قنوات سورية، فهل أنت متأكد من أنها غير موجودة؟ يرد المسؤول الأميركي: لقد أسأنا تقدير قوة جميع اللاعبين من خصومنا في سوريا، من الأسد، حتى إيران، فـ"حزب الله"، فحجم الصدمة التي أصابت الروس بعد خسارة ليبيا، جعلتهم يصمّمون على التعويض في سوريا، معتبراً أنه ورغم ذلك لا يزال رحيل الأسد أولوية في جهودنا، لكننا غير واثقين من قدرتنا على تحقيق هذا الهدف. أما بشأن التنسيق السعودي - الأميركي في سوريا، قال: إننا نتفق معهم في العمق ونحن نريد معهم شيئاً واحداً، لكنهم اختاروا طريقهم، ونحن اخترنا طريقنا في ما يتعلق بدعم الجماعات التي لا نوافق على تفكيرها وطريقة عملها.

المصدر : السفير / محمد بلوط


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة