للمرّة الأولى أرى وليد المعلم، رئيس الوفد السوري إلى مؤتمر جنيف 2 في سويسرا، وقد تخلى عن برودة الأعصاب التي تميّز بها مذ تولى مهمّات وزير خارجية سورية، خاصة خلال سنوات الحرب شبه الكونية المعلنة على بلاده. كلمة دخلت التاريخ من بوابة العزّة والكرامة والانتماء، مثبتاً أن الحياة لا تليق إلاّ بالأحرار في أمّة حرة.

كلمته لامست مشاعر كل إنسان سوري يؤمن بأن الحياة وقفة عز فحسب.

على مدى ثلاثين دقيقة وأكثر، كان المعلم معلّماً. علّم أعداء سورية كيف تقال كلمة الحق في وجه سلطان جائر لدى مخاطبته وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري، ودوّت كلمته في أصقاع الأرض قائلاً: « لا أحد في العالم… سيد كيري… له الحق في إضفاء الشرعية أو عزلها أو منحها لرئيس أو حكومة أو دستور أو قانون أو أي شيء في سورية إلاّ السوريون أنفسهم. هذا حقهم وواجبهم الدستوري. وما سيتم الاتفاق عليه هنا مهما كان سيخضع للاستفتاء الشعبي … ومن يرد أن يستمع لإرادة السوريين فلا ينصّب نفسه ناطقاً باسمهم. هم وحدهم لهم الحق في تقرير قيادتهم وحكومتهم وبرلمانهم ودستورهم. وكل ما عدا ذلك كلام لا محلّ له من الإعراب».

كنتُ مثل ملايين السوريين المتسمّرين أمام أجهزة التلفزيون أنظر في وجوه أعداء سورية في القاعة وهم واجمون صامتون مذهولون، ينظرون إلى المعلّم تارةً، وإلى بان كي مون تارة أخرى، ثم ينظرون إلى وزير خارجيتهم وعرّابهم جون كيري، وبعد ذلك ينظرون في وجوه بعضهم متمنّين لو يجرؤ أحد على إسكات هذا الآتي من سورية، فيتنطح رجلهم المرتبك بان كي مون طالباً إليه الاختصار فكانت كلماته الموجهة إلى هذا المسؤول الأممي الأول تعبيراً عن إرادة الأحرار من أبناء أمته الذين وضعوا كل ثقتهم به وبرفقائه في الوفد السوري، وعن هزيمة لأعداء سورية المعلنين والمقنّعين الذين يريدون خطف الحقيقة السورية بجعجعتهم وكلماتهم المنمقة والمنسقة بالعربية والعبرية والإنكليزية والفرنسية والكورية.

ثلاثون دقيقة مرّت على أعداء سورية كأنها ثلاثة قرون أو ثلاثون قرناً. فنّد المعلّم أدلّتهم وكذّب ادعاءاتهم وأظهر ضعفهم وهم يقاطعونه بإسم أمينهم العام الذي يحاسبه على عدد الدقائق التي يحتاج إليها في كلمته لشرح موقف بلاده وأمته، والتي رغم قصرها كانت كافية بشهادة الكثير من المحللين الصحافيين والسياسيين لأن يعرّي حملات التشويه والتضليل والفبركة الإعلامية التي صاغوها على مدى سنوات ثلاث ووضعوا لها تجمّعاً أسموه «الإئتلاف السوري» ووضعوا على رأسه دمية «جربا» لا تعرف حتى الكلام.

المعلّم كان خير ممثّل لآمال الشعب السوري، متحدثاً باسم كل شهيد سقط يدافع عن تراب سورية، وباسم كل طفل يحلم بأن يذهب آمنا إلى مدرسته، وكل امرأة تودّ الخروج من منزلها ولا تخشى الخطف أو القتل أو التملك والاغتصاب، وباسم كل شاب يحلم بأن يبني مستقبله كما يريد، وكل رجل يريد أن يعود إلى قريته ومدينته وبيته آمناً مطمئناً، وباسم الأجيال المقبل التي لها الحق في الحياة.

أظهر المعلّم في كلمته التاريخية سخافة أنظمة عربية تتحكّم في شعوبها بإصدارها صكوك الغفران، وتسبغ شرعية دينية وسياسية على قطّاع الطرق وخرّيجي السجون ومهرّبي المخدرات باسم الدين الحنيف، وتفرّغ وتفرّخ لهم عشرات بل مئات المشايخ الجاهزين لإصدار الفتاوى تبعاً للحاجة الزمنية والمكانية.

علّمهم المعلم في كلمته أن الحصار والتجويع والتخريب والتدمير والنهب لم ولن ينفع في تطويع سورية، بل سيزيد من صمود شعبها وصلابته، وأرسل رسالة سورية إلى العالم أن من فجّر الطائرات وقتل ألوف الأميركيين في نيويورك وفرجينيا لم يكونوا إرهابيين من سورية بل كانوا مواطنين من مملكة الظلام ولدوا ونشأوا وترعرعوا و»تعقدنوا» وتدرّبوا في مساجد آل سعود، وأن الفكر نفسه والعقيدة ذاتها يقتلان السوريين منذ سنوات ثلاث.

سعادة وليد المعلّم، كلمتك النابعة من القلب، المؤكد أن لا مكان للإرهاب القادم من السعودية وأفغانستان وتركيا وفرنسا، أرسلت إلى العالم رسالة أن السوريين وحدهم المعنيون بالقضية السورية، وأن السوريين هم الذين سيحققون تطلعات الشعب السوري إلى دولة مدنية تعطي الحقوق لجميع السوريين بلا تمييز.

ختاماً، قال الزعيم أنطون سعاده قبل أكثر من ثمانين عاماً لمن يريد تقسيم سورية الذين يشبهون أعداء اليوم كثيراً:

«حقّ الصراع هو حقّ التقدّم فلسنا بمتنازلين عن هذا الحقّ للذين يبشّروننا بالسلام ويهيّئون للحرب»،

«ليس من حق جمعية الأمم المتحدة كلها أن تفرض على الأمة السورية مقرّرات تنزع سيادة الأمة السورية عن وطنها أو حقها في أرضها»،

«إنّ كل مقررات إنترنسيونية تخالف إرادة الأمة السورية وحقها في تقرير مصيرها ومصير وطنها بملء حريتها هي مقررات باطلة».

«إن القوة هي القول الفصل في إثبات الحق القومي أوإنكاره و….إن الحياة وقفة عز فقط»… و»العبد الذليل لا يمكنه أن يمثل أمة حرة لأنه يذلّها».

وليد المعلّم، أثبتّ في كلمتك باسم سورية ورئيسها وشعبها وحماة ديارها كيف يكون الإنتماء إلى سورية، وأن الحياة حقاً هي وقفة عز.

  • فريق ماسة
  • 2014-01-23
  • 10649
  • من الأرشيف

عَلَّمْتَهُم وليد المعلّم كيف يكون الانتماء إلى سورية

للمرّة الأولى أرى وليد المعلم، رئيس الوفد السوري إلى مؤتمر جنيف 2 في سويسرا، وقد تخلى عن برودة الأعصاب التي تميّز بها مذ تولى مهمّات وزير خارجية سورية، خاصة خلال سنوات الحرب شبه الكونية المعلنة على بلاده. كلمة دخلت التاريخ من بوابة العزّة والكرامة والانتماء، مثبتاً أن الحياة لا تليق إلاّ بالأحرار في أمّة حرة. كلمته لامست مشاعر كل إنسان سوري يؤمن بأن الحياة وقفة عز فحسب. على مدى ثلاثين دقيقة وأكثر، كان المعلم معلّماً. علّم أعداء سورية كيف تقال كلمة الحق في وجه سلطان جائر لدى مخاطبته وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري، ودوّت كلمته في أصقاع الأرض قائلاً: « لا أحد في العالم… سيد كيري… له الحق في إضفاء الشرعية أو عزلها أو منحها لرئيس أو حكومة أو دستور أو قانون أو أي شيء في سورية إلاّ السوريون أنفسهم. هذا حقهم وواجبهم الدستوري. وما سيتم الاتفاق عليه هنا مهما كان سيخضع للاستفتاء الشعبي … ومن يرد أن يستمع لإرادة السوريين فلا ينصّب نفسه ناطقاً باسمهم. هم وحدهم لهم الحق في تقرير قيادتهم وحكومتهم وبرلمانهم ودستورهم. وكل ما عدا ذلك كلام لا محلّ له من الإعراب». كنتُ مثل ملايين السوريين المتسمّرين أمام أجهزة التلفزيون أنظر في وجوه أعداء سورية في القاعة وهم واجمون صامتون مذهولون، ينظرون إلى المعلّم تارةً، وإلى بان كي مون تارة أخرى، ثم ينظرون إلى وزير خارجيتهم وعرّابهم جون كيري، وبعد ذلك ينظرون في وجوه بعضهم متمنّين لو يجرؤ أحد على إسكات هذا الآتي من سورية، فيتنطح رجلهم المرتبك بان كي مون طالباً إليه الاختصار فكانت كلماته الموجهة إلى هذا المسؤول الأممي الأول تعبيراً عن إرادة الأحرار من أبناء أمته الذين وضعوا كل ثقتهم به وبرفقائه في الوفد السوري، وعن هزيمة لأعداء سورية المعلنين والمقنّعين الذين يريدون خطف الحقيقة السورية بجعجعتهم وكلماتهم المنمقة والمنسقة بالعربية والعبرية والإنكليزية والفرنسية والكورية. ثلاثون دقيقة مرّت على أعداء سورية كأنها ثلاثة قرون أو ثلاثون قرناً. فنّد المعلّم أدلّتهم وكذّب ادعاءاتهم وأظهر ضعفهم وهم يقاطعونه بإسم أمينهم العام الذي يحاسبه على عدد الدقائق التي يحتاج إليها في كلمته لشرح موقف بلاده وأمته، والتي رغم قصرها كانت كافية بشهادة الكثير من المحللين الصحافيين والسياسيين لأن يعرّي حملات التشويه والتضليل والفبركة الإعلامية التي صاغوها على مدى سنوات ثلاث ووضعوا لها تجمّعاً أسموه «الإئتلاف السوري» ووضعوا على رأسه دمية «جربا» لا تعرف حتى الكلام. المعلّم كان خير ممثّل لآمال الشعب السوري، متحدثاً باسم كل شهيد سقط يدافع عن تراب سورية، وباسم كل طفل يحلم بأن يذهب آمنا إلى مدرسته، وكل امرأة تودّ الخروج من منزلها ولا تخشى الخطف أو القتل أو التملك والاغتصاب، وباسم كل شاب يحلم بأن يبني مستقبله كما يريد، وكل رجل يريد أن يعود إلى قريته ومدينته وبيته آمناً مطمئناً، وباسم الأجيال المقبل التي لها الحق في الحياة. أظهر المعلّم في كلمته التاريخية سخافة أنظمة عربية تتحكّم في شعوبها بإصدارها صكوك الغفران، وتسبغ شرعية دينية وسياسية على قطّاع الطرق وخرّيجي السجون ومهرّبي المخدرات باسم الدين الحنيف، وتفرّغ وتفرّخ لهم عشرات بل مئات المشايخ الجاهزين لإصدار الفتاوى تبعاً للحاجة الزمنية والمكانية. علّمهم المعلم في كلمته أن الحصار والتجويع والتخريب والتدمير والنهب لم ولن ينفع في تطويع سورية، بل سيزيد من صمود شعبها وصلابته، وأرسل رسالة سورية إلى العالم أن من فجّر الطائرات وقتل ألوف الأميركيين في نيويورك وفرجينيا لم يكونوا إرهابيين من سورية بل كانوا مواطنين من مملكة الظلام ولدوا ونشأوا وترعرعوا و»تعقدنوا» وتدرّبوا في مساجد آل سعود، وأن الفكر نفسه والعقيدة ذاتها يقتلان السوريين منذ سنوات ثلاث. سعادة وليد المعلّم، كلمتك النابعة من القلب، المؤكد أن لا مكان للإرهاب القادم من السعودية وأفغانستان وتركيا وفرنسا، أرسلت إلى العالم رسالة أن السوريين وحدهم المعنيون بالقضية السورية، وأن السوريين هم الذين سيحققون تطلعات الشعب السوري إلى دولة مدنية تعطي الحقوق لجميع السوريين بلا تمييز. ختاماً، قال الزعيم أنطون سعاده قبل أكثر من ثمانين عاماً لمن يريد تقسيم سورية الذين يشبهون أعداء اليوم كثيراً: «حقّ الصراع هو حقّ التقدّم فلسنا بمتنازلين عن هذا الحقّ للذين يبشّروننا بالسلام ويهيّئون للحرب»، «ليس من حق جمعية الأمم المتحدة كلها أن تفرض على الأمة السورية مقرّرات تنزع سيادة الأمة السورية عن وطنها أو حقها في أرضها»، «إنّ كل مقررات إنترنسيونية تخالف إرادة الأمة السورية وحقها في تقرير مصيرها ومصير وطنها بملء حريتها هي مقررات باطلة». «إن القوة هي القول الفصل في إثبات الحق القومي أوإنكاره و….إن الحياة وقفة عز فقط»… و»العبد الذليل لا يمكنه أن يمثل أمة حرة لأنه يذلّها». وليد المعلّم، أثبتّ في كلمتك باسم سورية ورئيسها وشعبها وحماة ديارها كيف يكون الإنتماء إلى سورية، وأن الحياة حقاً هي وقفة عز.

المصدر : البناء/ علي البقاعي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة