العواطف الجياشة ــ والملتوية ــ التي عبّر عنها وزير الخارجية القطري خالد العطية أمام مؤتمر مونترو امس، أسبابها مفهومة، لكن ما قاله، يستحق وقفة.

من المفهوم أن يحاول العطية الخروج من تحت عباءة سلفه الشيخ حمد بن جاسم بن جبر الذي هيمن طويلاً على المشهد السياسي للإمارة ــ المملكة.

يفتقر العطية إلى الدهاء والدراية والحنكة التي ميزت سنوات حمد بن جاسم في وزارة الخارجية ثم في رئاسة الحكومة إلى جانبها. ولهذا، فإن مؤتمراً مثل مونترو لتناول الملف السوري الذي أصاب السياسة القطرية بالقنوط طوال ثلاثة أعوام، يشكل مناسبة مهمة لتقديم نفسه كصاحب رؤية أو نهج، ولو كان شكليا، أمام مثل هذا المنبر الدولي.

الأزمة السورية التي تسببت في تعجيل الأمير السابق حمد بن خليفة آل ثاني قراره التنحي مبكرا وتسليم مقاليد الحكم إلى ابنه الأمير تميم في صيف العام 2013، لا تزال فرصة مناسبة للوزير القطري الجديد، ليؤكد استمرار حضور دولة قطر كلاعب في المشهد الإقليمي، ولو كان هذا الدور سلبياً.

فبينما كان العطية يتفوق على عواطف المعارضين في «الائتلاف» السوري بالتعبير عن مشاعره الإنسانية إزاء الأزمة السورية، كان يقدم في ما بين السطور كلاماً واضحاً عن مرامي السياسة القطرية التي جلبت عليها الكثير من الانتقادات خلال العامين الماضيين، حتى من أقرب الحلفاء في الغرب، ما شوّه صورة الدوحة حتى في شوارع «الثورات العربية» التي ناصرتها كما في مصر وتونس.

وبعدما حدد أولويات قطر باعتبارها من الداعمين الأساسيين للفوضى العسكرية في سوريا، كمطالبة دمشق بتنفيذ «جنيف 1» وبيانات «أصدقاء سوريا» وفتح «ممرات آمنة»، تأكيدا على أن قطر من حماة الديموقراطية والحرية للشعوب، رمى الوزير القطري الجديد أفكاره الفذة: «لا يمكن بحال من الأحوال أن تعود عقارب الساعة إلى الوراء... ولا يجوز أخذ الشعب السوري رهينة ظرف دولي، أو انتهازية سياسية».

وكادت إشارة العطية إلى رفضه «عودة عقارب الساعة إلى الوراء»، أن تكون مقنعة لولا أنه أتبعها بالدفاع المستميت عن «الوهابية»، بما تجسده من عودة إلى البدايات الأولى والأشكال الأولى للتفسير الديني المجتزأ للإسلام، والمتهم الآن بإباحة الدم في أنحاء المنطقة.

فبينما كان العطية يحاول درء فكرة «محاربة الإرهاب» عن جدول اهتمامات الجالسين في قصر مونترو قال حرفيا: «إن القضية ليست قضية إرهابيين، فالنظام في سورية لم يتحمّل في الماضي، ولا يتحمّل حاليا ولا حتى رأيا أو تياراً مختلفا، الوهابية التي يتحدث عنها النظام جاءت بأجيال تتمتع بأفضل مستوى تعليمي وصحي وأطلقت الأقمار إلى الفضاء، الوهابية لم تضرب البشر والحجر بكل ما هو فتاك كما يفعل النظام السوري وأعوانه. أيضاً الوهابية لم تحاصر وتجوّع الشعب إلى أن اضطر لأن يتخذ لحم القطط والكلاب طعاماً له».

لماذا اختار العطية بصفته الممثل للسياسة القطرية التي عرفت في السنوات الأخيرة بارتباطها العلني مع تيارات «الإخوان المسلمين» في المنطقة كلها، من الخليج وصولا إلى المغرب، الدفاع عن «الوهابية» الآن؟

صحيح أن الأمير القطري المتقاعد افتتح قبل نحو عام المسجد الوهابي الأكبر في الإمارة، وأطلق عليه اسم «الإمام محمد بن عبد الوهاب»، لكن المتعارف عليه، أن «الوهابية» المتحدرة من بعض أنحاء الجارة السعودية، و«الإخوانية»، تياران لا يلتقيان على وئام.

وصحيح أيضا أن قطر لم تعد تخجل من التباهي بتمويل تيارات «السلفية الجهادية» في المنطقة وفي سورية تحديدا.

وصحيح أيضا أن قطر وهي تدعم حريات الشعوب، تستضيف «قاعدة السيلية» التي «حررت» العراق، ولم تحرر قطر، وتموّل «الجهاديين» في شمال مالي وتضخ ما تضخ من استثمارات في جيوب فرنسا التي تقاتلهم، وصحيح أيضا أنها اختارت مونترو، وسويسرا عموما، جمهورية الحياد السياسي ومؤتمرات السلام العالمي، لمطالعة الدفاع عن الوهابية المتآخية مع مملكة التناقضات مثلها، ولم ينتفض أحد، بمن في ذلك جون كيري. ولهذا نقول قولنا هذا ونستغفر الله لي ولكم.

  • فريق ماسة
  • 2014-01-22
  • 10091
  • من الأرشيف

صوت الوهابية في مونترو!

العواطف الجياشة ــ والملتوية ــ التي عبّر عنها وزير الخارجية القطري خالد العطية أمام مؤتمر مونترو امس، أسبابها مفهومة، لكن ما قاله، يستحق وقفة. من المفهوم أن يحاول العطية الخروج من تحت عباءة سلفه الشيخ حمد بن جاسم بن جبر الذي هيمن طويلاً على المشهد السياسي للإمارة ــ المملكة. يفتقر العطية إلى الدهاء والدراية والحنكة التي ميزت سنوات حمد بن جاسم في وزارة الخارجية ثم في رئاسة الحكومة إلى جانبها. ولهذا، فإن مؤتمراً مثل مونترو لتناول الملف السوري الذي أصاب السياسة القطرية بالقنوط طوال ثلاثة أعوام، يشكل مناسبة مهمة لتقديم نفسه كصاحب رؤية أو نهج، ولو كان شكليا، أمام مثل هذا المنبر الدولي. الأزمة السورية التي تسببت في تعجيل الأمير السابق حمد بن خليفة آل ثاني قراره التنحي مبكرا وتسليم مقاليد الحكم إلى ابنه الأمير تميم في صيف العام 2013، لا تزال فرصة مناسبة للوزير القطري الجديد، ليؤكد استمرار حضور دولة قطر كلاعب في المشهد الإقليمي، ولو كان هذا الدور سلبياً. فبينما كان العطية يتفوق على عواطف المعارضين في «الائتلاف» السوري بالتعبير عن مشاعره الإنسانية إزاء الأزمة السورية، كان يقدم في ما بين السطور كلاماً واضحاً عن مرامي السياسة القطرية التي جلبت عليها الكثير من الانتقادات خلال العامين الماضيين، حتى من أقرب الحلفاء في الغرب، ما شوّه صورة الدوحة حتى في شوارع «الثورات العربية» التي ناصرتها كما في مصر وتونس. وبعدما حدد أولويات قطر باعتبارها من الداعمين الأساسيين للفوضى العسكرية في سوريا، كمطالبة دمشق بتنفيذ «جنيف 1» وبيانات «أصدقاء سوريا» وفتح «ممرات آمنة»، تأكيدا على أن قطر من حماة الديموقراطية والحرية للشعوب، رمى الوزير القطري الجديد أفكاره الفذة: «لا يمكن بحال من الأحوال أن تعود عقارب الساعة إلى الوراء... ولا يجوز أخذ الشعب السوري رهينة ظرف دولي، أو انتهازية سياسية». وكادت إشارة العطية إلى رفضه «عودة عقارب الساعة إلى الوراء»، أن تكون مقنعة لولا أنه أتبعها بالدفاع المستميت عن «الوهابية»، بما تجسده من عودة إلى البدايات الأولى والأشكال الأولى للتفسير الديني المجتزأ للإسلام، والمتهم الآن بإباحة الدم في أنحاء المنطقة. فبينما كان العطية يحاول درء فكرة «محاربة الإرهاب» عن جدول اهتمامات الجالسين في قصر مونترو قال حرفيا: «إن القضية ليست قضية إرهابيين، فالنظام في سورية لم يتحمّل في الماضي، ولا يتحمّل حاليا ولا حتى رأيا أو تياراً مختلفا، الوهابية التي يتحدث عنها النظام جاءت بأجيال تتمتع بأفضل مستوى تعليمي وصحي وأطلقت الأقمار إلى الفضاء، الوهابية لم تضرب البشر والحجر بكل ما هو فتاك كما يفعل النظام السوري وأعوانه. أيضاً الوهابية لم تحاصر وتجوّع الشعب إلى أن اضطر لأن يتخذ لحم القطط والكلاب طعاماً له». لماذا اختار العطية بصفته الممثل للسياسة القطرية التي عرفت في السنوات الأخيرة بارتباطها العلني مع تيارات «الإخوان المسلمين» في المنطقة كلها، من الخليج وصولا إلى المغرب، الدفاع عن «الوهابية» الآن؟ صحيح أن الأمير القطري المتقاعد افتتح قبل نحو عام المسجد الوهابي الأكبر في الإمارة، وأطلق عليه اسم «الإمام محمد بن عبد الوهاب»، لكن المتعارف عليه، أن «الوهابية» المتحدرة من بعض أنحاء الجارة السعودية، و«الإخوانية»، تياران لا يلتقيان على وئام. وصحيح أيضا أن قطر لم تعد تخجل من التباهي بتمويل تيارات «السلفية الجهادية» في المنطقة وفي سورية تحديدا. وصحيح أيضا أن قطر وهي تدعم حريات الشعوب، تستضيف «قاعدة السيلية» التي «حررت» العراق، ولم تحرر قطر، وتموّل «الجهاديين» في شمال مالي وتضخ ما تضخ من استثمارات في جيوب فرنسا التي تقاتلهم، وصحيح أيضا أنها اختارت مونترو، وسويسرا عموما، جمهورية الحياد السياسي ومؤتمرات السلام العالمي، لمطالعة الدفاع عن الوهابية المتآخية مع مملكة التناقضات مثلها، ولم ينتفض أحد، بمن في ذلك جون كيري. ولهذا نقول قولنا هذا ونستغفر الله لي ولكم.

المصدر : السفير/ خليل حرب


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة