تلفزيون الخبر في منزل قائد حامية مشفى الكندي ” آخر مرة رأيناه كان منذ نحو عام تقريباً، زارنا مدة ثمانية أيام وعاد إلى حلب، ليستشهد هناك”، تقول السيدة “خديجة درويش” زوجة الشهيد العميد الركن ياسر سليم، قائد حامية مشفى الكندي في حلب، الذي استشهد خلال اقتحام مسلحين متشددين المشفى بعد تفجيرين انتحاريين تسببا بانهيار المشفى، في العشرين من الشهر الفائت (كانون الأول 2013).

في منزل بسيط مستأجر في حمص، لا تقوى جدرانه على مقاومة برد الشتاء، تعيش السيدة “خديجة” مع أطفالها الثلاثة. صورة زوجها الشهيد تتصدر غرفة المعيشة غير المطلية، والمفروشة بأثاث بسيط يخلو من أية وسيلة تدفئة، والتي تجاورها غرفة نوم بسيطة لأطفالها الثلاثة.

تتابع السيدة “خديجة” حديثها بابتسامة حزينة: ” لمك، غفران، ووجد ، هو كل ما تركه لي زوجي”، تطلب من أبنائها الثلاثة مغادرة الغرفة، وتضيف ” طلب والدهم قبل استشهاده أن أقوم بتحديد طول أطفاله الثلاثة على الجدار ليعرف كم صار طولهم بغيابه، أرسلت له الصورة ولكن لم يصلني منه أي رد إلى أن فارق الحياة، ولا أعرف إن كان رأى الصورة أم لا”.

تشرح السيدة “خديجة” لمراسل تلفزيون الخبر في حمص : ” كان زوجي وحيدا لأمه، لكنه اختار أن يتطوع في الجيش العربي السوري، وخلال خدمته العسكرية درس الأدب الإنكليزي وتخرج من الجامعة حاملا شهادة في الترجمة، أمضى سنوات طويلة من خدمته في مدينة حلب” . وتتابع “لم نره منذ عام تقريبا حيث كان في إجازة في حمص لمدة 8 أيام, وأثناء إجازته سقطت مدرسة المشاة بيد المسلحين فقطع إجازته وسافر إلى حلب عبر مطار اللاذقية ليلتحق بعمله حيث تم نقله إلى مشفى الكندي ليكون قائد الحامية العسكرية في المشفى ومنذ ذلك التاريخ لم ير أولاده”، وتضيف “كنا نتحدث فقط عبر الهاتف وأحيانا نتبادل الرسائل القصيرة”. وخلال حديثها عن زوجها لا تخفي فخرها به” فقد حوصر وعناصره لمدة 10 أشهر تقريبا، عانوا خلالها من نقص الذخيرة والطعام وحتى الماء، ولم يسقط المشفى إلا بتفجيره، لم ينسحب ، وقاوم حتى النهاية، قاوم حتى استشهاده”.

وتتابع” روى لي زوجي خلال فترة حصاره أنهم كانوا يأكلون كل 4 أيام عندما تتمكن الطائرة من إلقاء الطعام لهم وأحيانا يسقط الطعام في المنطقة التي يسيطر عليها المسلحون فينتظروا لـ 8 أيام ليأتي الطعام من جديد”، وتضيف شارحة ” استشهد 12 عنصر بقناصات المسلحين أثناء قيامهم بجلب الطعام الذي ترميه الطائرة “.

تضيف وهي تسكب بعض القهوة العربية الساخنة” قال لنا عبر الهاتف خلال العاصفة الثلجية أنهم استفادوا من الثلج فخزنوه في بعض الأواني والبراميل ليشربوا الماء بعد ذوبانه”. تضع ركوة القهوة على طاولة تحتوي بعض الكتب، وتتابع ” كانوا مصرين على حماية المشفى ومنعه من السقوط في أيدي المسلحين الذين فجروا عربة بي أم بي مفخخة قبل ثمانية أشهر حيث أصيب زوجي ولكنه بقي على قيد الحياة، لم يتمكنوا حينها من دخول المشفى “.

وتضيف ” أصيب عدد من العسكريين خلال التفجير وبسبب عدم وجود طبيب قام زوجي بنفسه بالأعمال الجراحية الإسعافية لعناصره بعد استشارات عبر الهاتف مع طبيب موجود في السجن المركزي القريب من المشفى، حيث أخبرني زوجي أن بعض العمليات نجحت”.

وتروي زوجة الشهيد أنها حصلت من زوجها على أرقام هواتف بعض عناصره لكي تتصل بهم عندما يفرغ شحن هاتف زوجها، وتشرح ” في كل اتصال كان يقول لي : لا تتصلي بفلان فقد استشهد ودفناه وفلان أيضا استشهد ودفناه “.

وأصيب العميد الركن مرة أخرى إثر سقوط جدار عليه أصيب بقذيفة دبابة يسيطر عليها المسلحون، لكنه قام بإجراء بعض الاسعافات الأولية بمساعدة بعض عناصره. بتاريخ 20-12-2013 فجر المسلحون المتشددون الذين كانوا يحاصرون المشفى عربتي بي ام بي كان يقودهما انتحاريان حيث تمكنوا من فتح ثغرة في السور قبل أن يقتحم انتحاري يقود شاحنة مفخخة المشفى، ما تسبب بتدميره بشكل شبه كامل، ليودع العميد الركن الحياة متأثراً بالتفجير، هو وعدد من عناصره، في حين تمكن آخرون من الخروج سالمين ، وصل بعضهم إلى السجن المركزي، وسقط آخرون بيد المسلحين.

وتقول السيدة “خديجة” : “روى لي أحد الجنود الذين استطاعوا الخروج من المشفى باتجاه السجن المركزي أن آخر ما قاله زوجي له كانت عندما أراد إنقاذه : اذهب يا عسكري واتركني فلا أمل لي بالنجاة “.

وتتابع ” لم نتمكن من الحصول على جثمانه رغم مناشداتي للهلال الأحمر الذي دخل قبل مرة وسحب جثامين الشهداء من السجن المركزي الذي يبعد أقل من (1) كم من المشفى المدمر وقاموا أيضا بنقل جثامين الشهداء من مدرسة المشاة بعد سقوطها، كما أن المسؤولين في حلب لم يقدموا لنا كأسرة شهيد أية مساعدة”.

تخرج هاتفها المحمول، وتقرأ منه آخر رسالة وصلتها من زوجها : ” يوم آخر يمر ببطء كأنه الدهر ..ونفق مظلم ينبثق في نهايته بقعة ضوء ,مابرأت أنظر إليها ممعنا ,خيال يغطي الضوء مثلما تغطي غيمة ضوء القمر , فأدقق خائفاً أن يخبو ذاك النور ,فأرى وجهك باسما ومشرقا لينبعث من نهاية النفق, ضوء الشمس الذي يؤكد بشكل لا لبس فيه بأنني وصلت إلى نهاية النفق”.

وتضيف ” أطلب من الحكومة السورية كزوجة شهيد ورفيقة عذابه أن يسمى مشفى الكندي باسمه .. فزوجي قاتل وصمد مع الجنود الأبطال لمدة 10 أشهر ثم استشهد من أجل هذا الوطن, كل الوطن “.

يذكر أن عائلة الشهيد العميد الركن تعيش في منزل بسيط مستأجر في حمص بعد أن تدمر منزلهم في حي كرم شمشم وسرقت محتوياته، و تقول السيدة “خديجة” : ” أحد الأشخاص قال للصوص : هذا منزل ضابط يقاتل في صفوف الجيش في حلب أتمنى أن تبتعدوا عنه فأجابوه : فليأتي وينقذ منزله إن استطاع..

  • فريق ماسة
  • 2014-01-08
  • 13449
  • من الأرشيف

وحيد لأمه لكنه تطوع في الجيش..زوجة العميد الركن قائد حامية مشفى الكندي تتحدث عن بطولاته و لحظات استشهاده

تلفزيون الخبر في منزل قائد حامية مشفى الكندي ” آخر مرة رأيناه كان منذ نحو عام تقريباً، زارنا مدة ثمانية أيام وعاد إلى حلب، ليستشهد هناك”، تقول السيدة “خديجة درويش” زوجة الشهيد العميد الركن ياسر سليم، قائد حامية مشفى الكندي في حلب، الذي استشهد خلال اقتحام مسلحين متشددين المشفى بعد تفجيرين انتحاريين تسببا بانهيار المشفى، في العشرين من الشهر الفائت (كانون الأول 2013). في منزل بسيط مستأجر في حمص، لا تقوى جدرانه على مقاومة برد الشتاء، تعيش السيدة “خديجة” مع أطفالها الثلاثة. صورة زوجها الشهيد تتصدر غرفة المعيشة غير المطلية، والمفروشة بأثاث بسيط يخلو من أية وسيلة تدفئة، والتي تجاورها غرفة نوم بسيطة لأطفالها الثلاثة. تتابع السيدة “خديجة” حديثها بابتسامة حزينة: ” لمك، غفران، ووجد ، هو كل ما تركه لي زوجي”، تطلب من أبنائها الثلاثة مغادرة الغرفة، وتضيف ” طلب والدهم قبل استشهاده أن أقوم بتحديد طول أطفاله الثلاثة على الجدار ليعرف كم صار طولهم بغيابه، أرسلت له الصورة ولكن لم يصلني منه أي رد إلى أن فارق الحياة، ولا أعرف إن كان رأى الصورة أم لا”. تشرح السيدة “خديجة” لمراسل تلفزيون الخبر في حمص : ” كان زوجي وحيدا لأمه، لكنه اختار أن يتطوع في الجيش العربي السوري، وخلال خدمته العسكرية درس الأدب الإنكليزي وتخرج من الجامعة حاملا شهادة في الترجمة، أمضى سنوات طويلة من خدمته في مدينة حلب” . وتتابع “لم نره منذ عام تقريبا حيث كان في إجازة في حمص لمدة 8 أيام, وأثناء إجازته سقطت مدرسة المشاة بيد المسلحين فقطع إجازته وسافر إلى حلب عبر مطار اللاذقية ليلتحق بعمله حيث تم نقله إلى مشفى الكندي ليكون قائد الحامية العسكرية في المشفى ومنذ ذلك التاريخ لم ير أولاده”، وتضيف “كنا نتحدث فقط عبر الهاتف وأحيانا نتبادل الرسائل القصيرة”. وخلال حديثها عن زوجها لا تخفي فخرها به” فقد حوصر وعناصره لمدة 10 أشهر تقريبا، عانوا خلالها من نقص الذخيرة والطعام وحتى الماء، ولم يسقط المشفى إلا بتفجيره، لم ينسحب ، وقاوم حتى النهاية، قاوم حتى استشهاده”. وتتابع” روى لي زوجي خلال فترة حصاره أنهم كانوا يأكلون كل 4 أيام عندما تتمكن الطائرة من إلقاء الطعام لهم وأحيانا يسقط الطعام في المنطقة التي يسيطر عليها المسلحون فينتظروا لـ 8 أيام ليأتي الطعام من جديد”، وتضيف شارحة ” استشهد 12 عنصر بقناصات المسلحين أثناء قيامهم بجلب الطعام الذي ترميه الطائرة “. تضيف وهي تسكب بعض القهوة العربية الساخنة” قال لنا عبر الهاتف خلال العاصفة الثلجية أنهم استفادوا من الثلج فخزنوه في بعض الأواني والبراميل ليشربوا الماء بعد ذوبانه”. تضع ركوة القهوة على طاولة تحتوي بعض الكتب، وتتابع ” كانوا مصرين على حماية المشفى ومنعه من السقوط في أيدي المسلحين الذين فجروا عربة بي أم بي مفخخة قبل ثمانية أشهر حيث أصيب زوجي ولكنه بقي على قيد الحياة، لم يتمكنوا حينها من دخول المشفى “. وتضيف ” أصيب عدد من العسكريين خلال التفجير وبسبب عدم وجود طبيب قام زوجي بنفسه بالأعمال الجراحية الإسعافية لعناصره بعد استشارات عبر الهاتف مع طبيب موجود في السجن المركزي القريب من المشفى، حيث أخبرني زوجي أن بعض العمليات نجحت”. وتروي زوجة الشهيد أنها حصلت من زوجها على أرقام هواتف بعض عناصره لكي تتصل بهم عندما يفرغ شحن هاتف زوجها، وتشرح ” في كل اتصال كان يقول لي : لا تتصلي بفلان فقد استشهد ودفناه وفلان أيضا استشهد ودفناه “. وأصيب العميد الركن مرة أخرى إثر سقوط جدار عليه أصيب بقذيفة دبابة يسيطر عليها المسلحون، لكنه قام بإجراء بعض الاسعافات الأولية بمساعدة بعض عناصره. بتاريخ 20-12-2013 فجر المسلحون المتشددون الذين كانوا يحاصرون المشفى عربتي بي ام بي كان يقودهما انتحاريان حيث تمكنوا من فتح ثغرة في السور قبل أن يقتحم انتحاري يقود شاحنة مفخخة المشفى، ما تسبب بتدميره بشكل شبه كامل، ليودع العميد الركن الحياة متأثراً بالتفجير، هو وعدد من عناصره، في حين تمكن آخرون من الخروج سالمين ، وصل بعضهم إلى السجن المركزي، وسقط آخرون بيد المسلحين. وتقول السيدة “خديجة” : “روى لي أحد الجنود الذين استطاعوا الخروج من المشفى باتجاه السجن المركزي أن آخر ما قاله زوجي له كانت عندما أراد إنقاذه : اذهب يا عسكري واتركني فلا أمل لي بالنجاة “. وتتابع ” لم نتمكن من الحصول على جثمانه رغم مناشداتي للهلال الأحمر الذي دخل قبل مرة وسحب جثامين الشهداء من السجن المركزي الذي يبعد أقل من (1) كم من المشفى المدمر وقاموا أيضا بنقل جثامين الشهداء من مدرسة المشاة بعد سقوطها، كما أن المسؤولين في حلب لم يقدموا لنا كأسرة شهيد أية مساعدة”. تخرج هاتفها المحمول، وتقرأ منه آخر رسالة وصلتها من زوجها : ” يوم آخر يمر ببطء كأنه الدهر ..ونفق مظلم ينبثق في نهايته بقعة ضوء ,مابرأت أنظر إليها ممعنا ,خيال يغطي الضوء مثلما تغطي غيمة ضوء القمر , فأدقق خائفاً أن يخبو ذاك النور ,فأرى وجهك باسما ومشرقا لينبعث من نهاية النفق, ضوء الشمس الذي يؤكد بشكل لا لبس فيه بأنني وصلت إلى نهاية النفق”. وتضيف ” أطلب من الحكومة السورية كزوجة شهيد ورفيقة عذابه أن يسمى مشفى الكندي باسمه .. فزوجي قاتل وصمد مع الجنود الأبطال لمدة 10 أشهر ثم استشهد من أجل هذا الوطن, كل الوطن “. يذكر أن عائلة الشهيد العميد الركن تعيش في منزل بسيط مستأجر في حمص بعد أن تدمر منزلهم في حي كرم شمشم وسرقت محتوياته، و تقول السيدة “خديجة” : ” أحد الأشخاص قال للصوص : هذا منزل ضابط يقاتل في صفوف الجيش في حلب أتمنى أن تبتعدوا عنه فأجابوه : فليأتي وينقذ منزله إن استطاع..

المصدر : الماسة السورية/ تلفزيون الخبر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة