المخاض الدولي والإقليمي الذي شهدته سنة 2013 انطوى على تحولات كبرى واستراتيجية تتبلور نتائجها تباعا ويرتسم عبرها توازن عالمي جديد ارتكز في تكونه إلى محور الاستقطاب السوري حيث ظهرت القوى الصاعدة الجديدة المنافسة للإمبراطورية الأميركية التي أرغمت على الاعتراف بانتهاء عهد هيمنتها الأحادية على العالم.

أولاً: في أواخر ثمانينات القرن الماضي أصدر مجلس الأمن القومي الأميركي تقريرا استراتيجيا تضمن خطة الإمبراطورية الأميركية لمنع قيام قوى دولية منافسة وأوصى بتعبئة الموارد الاقتصادية والعسكرية والقدرات التكنولوجية المتفوقة في مجابهات وحروب شاملة اقتصادية وإيديولوجية وعسكرية تحت هذا العنوان لضمان سيادة العصر الأميركي في القرن الواحد والعشرين.

طبقت النخبة الأميركية الحاكمة تلك التوصيات وخاضت الولايات المتحدة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي حروبها التجارية والعسكرية بوصفها القائدة الوحيدة للعالم وكيفت لضرورات الهيمنة الأحادية جميع المنظمات والمؤسسات الدولية بدءا من إخضاع الأمم المتحدة وآليات عملها ويمكن القول إن العام 2000 شكل بداية المسار الصعب للفشل الأميركي انطلاقا من هزيمة إسرائيل امام المقاومة اللبنانية التي حظيت باحتضان قوتين إقليميتين مناهضتين للهيمنة الأميركية هما سوريا وإيران في حين شرعت تظهر حقيقة ادهشت المنظرين الاقتصاديين هي ما سموه بانتقال مركز الثروة الكوني من الغرب إلى الشرق وهو ما ترسخ في ما بعد مع إشهار مجموعة البريكس وتبلور نادي شنغهاي.

تنقضي اليوم ثلاثة عشر عاما من الحروب والمخططات والمشاريع الأميركية الفاشلة التي تمحورت حول تثبيت الهيمنة الأحادية وتركزت في الشرق وشملت كلا من أفغانستان والعراق ولبنان وفلسطين وحشدت فيها قدرات مالية وعسكرية وسياسية هائلة وتوجت بالحرب الكونية على سوريا التي شكل صمودها الأسطوري في وجه حرب ضارية وفريدة من نوعها فرصة لإعادة رسم الخرائط والمحاور والتحولات العالمية التي تكونت في رحم الأحداث الكونية خلال عقدين من الزمن ومع فشل المخطط الأميركي لتدمير سوريا بدأت ترتسم الحقائق الكونية الوليدة.

ثانياً: في قلب الحدث السوري خلال العام الماضي ومنذ ما عرف بضربة أوباما تم التسليم الأميركي بانتهاء عصر الهيمنة الأحادية امام إرادة المقاومة السورية وبفضل ثبات المحور العالمي والإقليمي الداعم للدولة الوطنية السورية وبصورة خاصة كل من روسيا وإيران والصين والمقاومة اللبنانية وقد شرعت النتائج الناجمة عن ذلك التحول النوعي تتبلور وكان الاعتراف بالقوة الإيرانية العظمى في اتفاق جنيف النووي أبرز المعالم التاريخية المميزة للعام المنصرم .

أسقط الصمود السوري خطة اميركية وقائية لاحتواء الفشل في الشرق ولحماية إسرائيل وضعت بالشراكة مع دول الناتو والحكومات العميلة للغرب في المنطقة وخصوصا مع حكومة أردوغان في تركيا كانت تقضي بتسليم السلطة للأخوان المسلمين في سوريا ومصر وما عرف بدول الربيع العربي تمهيدا لصفقة شاملة تنهي قضية فلسطين وتتكفل بتصفية قوى المقاومة في سوريا ولبنان وبمحاصرة إيران وخنقها داخل مجالها الحيوي في الشرق ووسط آسيا عبر تجنيد القدرات المالية الهائلة لحكام الخليج في تحريك الصراع المذهبي على مدى العالم الإسلامي.

ينغلق عام 2013 على حقائق صادمة للمخططين الأميركيين مع الصمود السوري فقد سقط حكم الإخوان في مصر وهو يتحلل في غيرها من البلدان الغارقة في أزمات خطيرة بينما يغرق في دوامة الأزمات النموذج التركي الذي كان وصفة أميركية جاهزة للتعميم  من خلال السلطة العميلة للغرب التي تستخدم قناعا دينيا وتعتنق موقع الحامي لإسرائيل ولهيمنتها في المنطقة.

ثالثاً: تكرست في العام المنصرم ومن بوابة الصمود السوري حقيقة صعود القوى المنافسة للإمبراطورية الأميركية في العالم المعاصر من خلال مجموعة البريكس التي أرغمت كبار المنظرين في الغرب على تثبيت الاستنتاج التاريخي عن انتقال مركز الثروة الكونية من الغرب إلى الشرق لأول مرة منذ ثلاثة قرون وهو تحول نهائي لا يمكن رده أو الحد من اندفاعته ومن نتائجه لكونه يرتبط بعناصر ثابتة وراسخة وتراكمية سوف ترسم مآلات التوازنات والعلاقات في العالم الجديد الذي يتغير.

مجموعة البركس الناهضة ومعها إيران تقرع الأبواب الدولية طلبا لدور سياسي حاسم من خلال إعادة تشكيل الأمم المتحدة وقواعد عملها بدءا من إعادة توزيع العضوية الدائمة بضم دول جديدة هي الهند وجنوب أفريقيا والبرازيل ولاحقا إيران مرورا بمراجعة قسرية لتكوين البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تحت طائلة المبادرة لتأسيس كيانات عالمية منافسة انطلقت المبادرة إليها من قمة دربن في جنوب أفريقيا التي عقدتها البريكس خلال العام الماضي.

سوف يسجل التاريخ لسوريا ولشعبها ولجيشها وزعيمها الرئيس بشار الأسد انها الدولة التي تكفلت بمقاومتها للعدوان الاستعماري الكوني بتغيير وجه العالم ورسمت بدايات توازن عالمي جديد ينتقل من نظام الهيمنة الأحادية إلى واقع متحول سمته الحروب الباردة المتشعبة في العالم والمنطقة والأكيد أن سوريا الناهضة ستحظى بمقعد الشرف إلى جانب حلفائها الكبار في التوازنات الجديدة لاسيما أن تطلعات الرئيس بشار الأسد للتكتل العربي (مصر) والمشرقي (العراق وإيران وتركيا) هي الإطار الذي ينظر من خلاله لمستقبل سوريا القوة الإقليمية العائدة التي لايمكن لأمنها القومي أن يتحقق خارج دورها الإقليمي الفاعل والحاسم في محيطها الطبيعي وقلبه فلسطين والعام الجديد 2014 سيتكفل بتظهير هذه الصورة.

  • فريق ماسة
  • 2013-12-31
  • 11271
  • من الأرشيف

سورية قابلة العالم الجديد ....بقلم غالب قنديل

المخاض الدولي والإقليمي الذي شهدته سنة 2013 انطوى على تحولات كبرى واستراتيجية تتبلور نتائجها تباعا ويرتسم عبرها توازن عالمي جديد ارتكز في تكونه إلى محور الاستقطاب السوري حيث ظهرت القوى الصاعدة الجديدة المنافسة للإمبراطورية الأميركية التي أرغمت على الاعتراف بانتهاء عهد هيمنتها الأحادية على العالم. أولاً: في أواخر ثمانينات القرن الماضي أصدر مجلس الأمن القومي الأميركي تقريرا استراتيجيا تضمن خطة الإمبراطورية الأميركية لمنع قيام قوى دولية منافسة وأوصى بتعبئة الموارد الاقتصادية والعسكرية والقدرات التكنولوجية المتفوقة في مجابهات وحروب شاملة اقتصادية وإيديولوجية وعسكرية تحت هذا العنوان لضمان سيادة العصر الأميركي في القرن الواحد والعشرين. طبقت النخبة الأميركية الحاكمة تلك التوصيات وخاضت الولايات المتحدة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي حروبها التجارية والعسكرية بوصفها القائدة الوحيدة للعالم وكيفت لضرورات الهيمنة الأحادية جميع المنظمات والمؤسسات الدولية بدءا من إخضاع الأمم المتحدة وآليات عملها ويمكن القول إن العام 2000 شكل بداية المسار الصعب للفشل الأميركي انطلاقا من هزيمة إسرائيل امام المقاومة اللبنانية التي حظيت باحتضان قوتين إقليميتين مناهضتين للهيمنة الأميركية هما سوريا وإيران في حين شرعت تظهر حقيقة ادهشت المنظرين الاقتصاديين هي ما سموه بانتقال مركز الثروة الكوني من الغرب إلى الشرق وهو ما ترسخ في ما بعد مع إشهار مجموعة البريكس وتبلور نادي شنغهاي. تنقضي اليوم ثلاثة عشر عاما من الحروب والمخططات والمشاريع الأميركية الفاشلة التي تمحورت حول تثبيت الهيمنة الأحادية وتركزت في الشرق وشملت كلا من أفغانستان والعراق ولبنان وفلسطين وحشدت فيها قدرات مالية وعسكرية وسياسية هائلة وتوجت بالحرب الكونية على سوريا التي شكل صمودها الأسطوري في وجه حرب ضارية وفريدة من نوعها فرصة لإعادة رسم الخرائط والمحاور والتحولات العالمية التي تكونت في رحم الأحداث الكونية خلال عقدين من الزمن ومع فشل المخطط الأميركي لتدمير سوريا بدأت ترتسم الحقائق الكونية الوليدة. ثانياً: في قلب الحدث السوري خلال العام الماضي ومنذ ما عرف بضربة أوباما تم التسليم الأميركي بانتهاء عصر الهيمنة الأحادية امام إرادة المقاومة السورية وبفضل ثبات المحور العالمي والإقليمي الداعم للدولة الوطنية السورية وبصورة خاصة كل من روسيا وإيران والصين والمقاومة اللبنانية وقد شرعت النتائج الناجمة عن ذلك التحول النوعي تتبلور وكان الاعتراف بالقوة الإيرانية العظمى في اتفاق جنيف النووي أبرز المعالم التاريخية المميزة للعام المنصرم . أسقط الصمود السوري خطة اميركية وقائية لاحتواء الفشل في الشرق ولحماية إسرائيل وضعت بالشراكة مع دول الناتو والحكومات العميلة للغرب في المنطقة وخصوصا مع حكومة أردوغان في تركيا كانت تقضي بتسليم السلطة للأخوان المسلمين في سوريا ومصر وما عرف بدول الربيع العربي تمهيدا لصفقة شاملة تنهي قضية فلسطين وتتكفل بتصفية قوى المقاومة في سوريا ولبنان وبمحاصرة إيران وخنقها داخل مجالها الحيوي في الشرق ووسط آسيا عبر تجنيد القدرات المالية الهائلة لحكام الخليج في تحريك الصراع المذهبي على مدى العالم الإسلامي. ينغلق عام 2013 على حقائق صادمة للمخططين الأميركيين مع الصمود السوري فقد سقط حكم الإخوان في مصر وهو يتحلل في غيرها من البلدان الغارقة في أزمات خطيرة بينما يغرق في دوامة الأزمات النموذج التركي الذي كان وصفة أميركية جاهزة للتعميم  من خلال السلطة العميلة للغرب التي تستخدم قناعا دينيا وتعتنق موقع الحامي لإسرائيل ولهيمنتها في المنطقة. ثالثاً: تكرست في العام المنصرم ومن بوابة الصمود السوري حقيقة صعود القوى المنافسة للإمبراطورية الأميركية في العالم المعاصر من خلال مجموعة البريكس التي أرغمت كبار المنظرين في الغرب على تثبيت الاستنتاج التاريخي عن انتقال مركز الثروة الكونية من الغرب إلى الشرق لأول مرة منذ ثلاثة قرون وهو تحول نهائي لا يمكن رده أو الحد من اندفاعته ومن نتائجه لكونه يرتبط بعناصر ثابتة وراسخة وتراكمية سوف ترسم مآلات التوازنات والعلاقات في العالم الجديد الذي يتغير. مجموعة البركس الناهضة ومعها إيران تقرع الأبواب الدولية طلبا لدور سياسي حاسم من خلال إعادة تشكيل الأمم المتحدة وقواعد عملها بدءا من إعادة توزيع العضوية الدائمة بضم دول جديدة هي الهند وجنوب أفريقيا والبرازيل ولاحقا إيران مرورا بمراجعة قسرية لتكوين البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تحت طائلة المبادرة لتأسيس كيانات عالمية منافسة انطلقت المبادرة إليها من قمة دربن في جنوب أفريقيا التي عقدتها البريكس خلال العام الماضي. سوف يسجل التاريخ لسوريا ولشعبها ولجيشها وزعيمها الرئيس بشار الأسد انها الدولة التي تكفلت بمقاومتها للعدوان الاستعماري الكوني بتغيير وجه العالم ورسمت بدايات توازن عالمي جديد ينتقل من نظام الهيمنة الأحادية إلى واقع متحول سمته الحروب الباردة المتشعبة في العالم والمنطقة والأكيد أن سوريا الناهضة ستحظى بمقعد الشرف إلى جانب حلفائها الكبار في التوازنات الجديدة لاسيما أن تطلعات الرئيس بشار الأسد للتكتل العربي (مصر) والمشرقي (العراق وإيران وتركيا) هي الإطار الذي ينظر من خلاله لمستقبل سوريا القوة الإقليمية العائدة التي لايمكن لأمنها القومي أن يتحقق خارج دورها الإقليمي الفاعل والحاسم في محيطها الطبيعي وقلبه فلسطين والعام الجديد 2014 سيتكفل بتظهير هذه الصورة.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة