دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
بدا روبرت فورد شاحبا، وخائر القوى، وهو يعلن ان» الجبهة الاسلامية» رفضت اللقاء مع ديبلوماسيين اميركيين للتنسيق السياسي والعملاني حول تقويض النظام السوري ونقل السلطة الى الجبهة،
وهي مزيج عشوائي من التيارات الاسلامية التي هي على تماس ايديولوجي إما مع تنظيم القاعدة او مع بعض المرجعيات الدينية والاستخباراتية في المشرق العربي.
فورد هو، رسميا، سفير الولايات المتحدة في دمشق، قبل ان يناط به ملف ادارة المعارضة السورية، لا سيما لجهة ابتداع الائتلاف الوطني على انه الهيئة التي تختزل مكونات الشعب السوري قبل ان يتبين انه ذلك الموازييك العجيب الذي ينضوي في اطاره ممثلو الدول والجماعات الخارجية التي تسعى الى ازالة الرئيس بشار الاسد واحلال نظام بديل او انظمة بديلة محله.
اما مشكلة الرجل فهي انه صاحب فكرة وضع السيناريو الخاص بتركيب «الجبهة الاسلامية» التي اذ تحل محل «الجيش السوري الحر» الذي آل الى الاضمحلال لاكثر من سبب، فإنها تستطيع ان تواجه تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) من خلال التنسيق اللامرئي مع «جبهة النصرة»، خصوصا وان ايمن الظواهري انتزع الولاية على بلاد الشام، نظريا، من ابي بكر البغدادي وعهد بها الى ابي محمد الجولاني.
فورد استنفد في الاسبوع الاخير كل امكاناته، وكل علاقاته، وكل اغراءاته لاجتذاب الجبهة، وبالتالي شق الطريق امام السيناريو الآخر، ليجد ان عاصمة عربية ترفع الصوت في وجهه، وتنتقد التخلخل في الموقف الاميركي الذي بلغ ذروته الدرامية مع التراجع عن الضربة العسكرية بعدما كان كل شيء جاهزا لتلك اللحظة التي تتغير فيها اشياء كثيرة، ومعادلات كثيرة، في الشرق الاوسط وامتداداته.
مراسلون اميركيون يؤكدون ان فورد كان يعد العدة ليضطلع بالدور إياه الذي اضطلع به بول بريمر في العراق، وهو الذي طالما اعلن عن شغفه بالشرق والى حد الانكباب على تعلم اللغة العربية واتقانها. لكن الرجل فوجىء بذلك المسؤول العربي الذي يشغل منصبا حساسا والذي طالما تعاون معه، يبلغه أن لا تأثير له على الجبهة الاسلامية مع ان كل التقارير الديبلوماسية تؤكد انه هو من جمع الفصائل الستة واغدق عليها الاموال والوعود، كما اعد هيكليتها القيادية، ووضع الاستراتيجية الخاصة بادائها الميداني بديناميكية مختلفة، وتزويد الكتائب المقاتلة بأسلحة قادرة على مواجهة طائرات ودبابات النظام، فضلا عن الصواريخ التي تستطيع الوصول الى اهداف حساسة في دمشق..
معلومات ديبلوماسية تشير الى ان فورد الذي حاول اغراء الجبهة بالتشديد على انه لن يكون هناك مكان للرئيس الاسد في الدولة الجديدة، وباعلان رفض مشاركة ايران في جنيف-2 ، سمع كلاما من قبيل ان ضبابية السياسة الاميركية بل وهشاشتها هي التي افضت الى استمرار النظام، وفي الوقت نفسه الى دفع «الجيش السوري الحر» اما نحو التقهقر او نحو التحلل بعدما تذرعت بعدم تسليحه لمنع انتقال السلاح الى «جماعات متطرفة» لا يبدو انها بحاجة الى اي سلاح اضافي لان تجار السلاح الاسرائيليين ،بوجه خاص، وهم معروفون بالاسماء، يؤمنون لها كل ما يلزمها من اعتدة.
المعلومات تقول ايضا ان الجهات العربية التي تساند الجبهة على انها الرهان الاخير لانهاء النظام، لم تعد تثق بالولايات المتحدة، والى حد اتهامها بأنها لعبت طويلا بالورقة السورية قبل ان تبيعها الى موسكو…
هذه التطورات جعلت روبرت فورد يبدو خائر القوى، موحيا بأن موقف الجبهة يعني امرا واحدا وهو انه لم يعد هناك اي مكان ولا اي دور لادارة الرئيس باراك اوباما على الارض السورية.
وراء الستار ثمة كلام كثير ومثير حول هذه المسألة، فثمة دول عربية تقف منذ البداية الى جانب المعارضة السورية تعتبر ان ادارة الظهر لواشنطن مجازفة يمكن ان تأتي بعواقب كارثية، فالمعطيات الميدانية على الارض السورية تبدو معقدة للغاية، خصوصا وان المفاجأة الكبرى هي ان مجموعات سكانية كبيرة في دير الزور ودرعا وحتى في ادلب كانت تشكل البيئة الحاضنة لـ"الثورة" بدأت في تغيير مواقفها بعدما تبين ما هو البديل، وكذلك التكلفة الباهظة لحرب لا بد ان تفضي، في نهاية المطاف الى تسوية، فلماذا لا تكون التسوية الآن؟
يضاف الى ذلك ان الجبهة الاسلامية قد تنحو، بدورها، الى التطرف بفعل ما وصفها ديفيد اغناثيوس بـ«حماوة الارض»، فيما التنسيق مع الولايات المتحدة، التنسيق الاوركسترالي تحديدا، يمكن ان يدفع بهذه الجبهة نحو الاعتدال، وبالتالي الذهاب الى جنيف باوراق قوية، حتى ان اغناثيوس يسأل ما اذا كان الوفد الاميركي سيذهب الى جنيف -2 ومعه جثث ضباط "الجيش السوري الحر" او احذيتهم التي خلعوها وهم يهرولون في كل الاتجاهات…
ليس اغناثيوس وحده هو الذي يقول ان اللعبة الدموية انما تلعب ضد الجميع، خصوصا وان احدا لا يملك تصورا محددا حول كيفية التعاطي مع» جبهة النصرة» او «داعش»، حتى اذا ما حاولت الجبهة الاسلامية تطوير عملياتها لا بد ان ترتطم بقوة مع تلك التنظيمات، وبالتالي الانتقال من حلقة جهنمية الى حلقة جهنمية اخرى…
ولنقرأ ما يقوله فريد زكريا، وهو المعلق الاميركي البارع (من اصل هندي) من ان تفاهما تركيا – سعوديا -ايرانيا، وبطبيعة الحال بالتنسيق مع واشنطن وموسكو، هو الخيار الوحيد لوقف هيستيريا الدم في سوريا، اما ان تعتزم جهة ما الدفع في اتجاه الجراحة العسكرية، فهذا خيار انتحاري وبكل معنى الكلمة لان ثمة لاعبين آخرين على المسرح، وهم جاهزون للدفاع عن النظام حتى الرمق الاخير، لا وبل ما بعد الرمق الاخير..
حقا ما هي الاوراق التي يحملها الاميركيون الى جنيف-2؟ يبيعون جثثا ويشترون جثثا. فلسفة وول ستريت حتى في..ادارة الثورات.
المصدر :
الديار /نبيه البرجي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة