لم يعد تمدد العصابات المسلحة من سورية إلى تركيا مجرد مخاوف وتكهنات، بل أصبحت الدولة التركية مؤهلة لتكون الهدف التالي لموجة التخريب والتفتيت المتوافقة مع الهجمة الصهيونية - الأميركية المستجدة ضد بلدان المنطقة وشعوبها،

وأدركت حكومة رجب طيب أردوغان، بصورة متأخرة، أنها وقعت ضحية تورطها حتى الغرق في تدمير الكيان السوري، وبدأت اليوم، بعد ما يقارب ثلاث سنوات، تحصد شرور ما زرعته بيديها على حدودها.

إبان غزو العراق عام 2003، مُنعت تركيا من لعب أي دور رئيسي، واليوم، لا تسمح الولايات المتحدة الأميركية ودولة الكيان الصهيوني بأن تلعب تركيا أي دور إقليمي يعود عليها بالنفع، أو يساهم، ولو قليلاً، في تحقيق طموحات وأحلام أردوغان وحزبه بقيادة المنطقة، بل أعطيت دوراً لا يليق بدولة إقليمية ذات شأن، واقتصر على فتح الحدود على مصراعيها، دون أدنى مراعاة لأمنها الخاص أو لسيادتها على أراضيها، فأنشأ حلف الناتو مراكز مستقلة عن سيادة الدولة المضيفة، لتدريب المسلحين، وتخزين الذخائر، والمؤن، والمعدات الحربية.

لقد توهمت الحكومة التركية بولاء "الجهاديين الإسلاميين" لرؤيتها الخاصة للإسلام، فسخّرت جهودها لاستقبالهم، وتسهيل عبورهم إلى سورية بهدف تغيير النظام بما يتلاءم مع تمدد نفوذها في المنطقة، غير أن المحصلة الأخيرة جاءت على شكل مغاير، فتم تخريب البنية التحتية للاقتصاد السوري، وتعطيل دورة الإنتاج، وتفكيك مؤسسات الدولة، وتدمير المدن والأرياف، وتشريد الأهالي، فتحملت تركيا حصة كبيرة من الخسائر مقارنة مع الامتيازات التي تمتعت بها في علاقاتها السياسية والتجارية والثقافية السابقة مع حكومة الرئيس السوري بشار الأسد.

وبعد أن أدت الصراعات الأخيرة بين أجنحة المعارضة السورية المسلحة إلى غلبة "الجبهة الإسلامية" التي لا تخضع جماعاتها لإرادة الحكومة التركية، تحولت المناطق الحدودية، بين ليلة وضحاها، إلى معاقل مسلحة تهدد عمق الأراضي التركية، تضاف إلى المعاقل الأخرى في المناطق الشمالية المتاخمة للحدود التركية - السورية، والتي تتنامى فيها قوة التنظيمات الكردية المتصلة بمناطق وجود الجزء الأكبر من المواطنين الأتراك من العرق الكردي.

يرى المراقبون أن تقرب تركيا من العراق، وإقليم كردستان، ومن إيران بشكل خاص، يأتي في سياق ندم الحكومة التركية على تعجلها في اتخاذ الموقف الخاطئ تجاه ما يجري في سورية، وخشيتها بالتالي "من تسرب الجماعات المتطرفة في سورية إلى الداخل التركي، خصوصاً بعد المناوشات الأخيرة بين الجيش التركي و"داعش"، على الحدود التركية - السورية.

غير أن المخاوف التركية لا تقتصر على احتمال انتقال المسلحين إلى تركيا فحسب، بل إن الحكومة التركية يتحسب أيضاً لمئات الأتراك الذين انضموا، بغير إرادة النظام وتدبيره، إلى المقاتلين الأجانب في صفوف المعارضة المسلحة، ويخشى بعض السياسيين الأتراك من خطر عودتهم يوماً لشن هجمات على الأراضي التركية حين يصبحون أكثر تشدداً وتمرساً في القتال، وتأتي هذه المواقف ضمن المآخذ التي تستخدمها المعارضة التركية لإزاحة حزب "العدالة والتنمية" عن الحكم في الانتخابات الرئاسية في العام المقبل.

إن إطالة أمد الأزمة السورية قد سمح بتهيئة الظروف الملائمة لانتقال نار الحرب إلى الدول المجاورة، وبالتحديد إلى تركيا، ذلك أن الوضع الهش في العراق ولبنان والأردن ناضج بما فيه الكفاية منذ سنوات للانفجار مع إطلاق الشرارة الأولى، واليوم، بعد نجاح الهجمة ضد سورية بوضع البلاد على حافة التقسيم والتفتيت، بلغت الأوضاع في تركيا مرتبة حرجة أصبح ممكناً معها العمل على توظيف مكوناتها العرقية والمذهبية، لتصل إلى مستوى الأوضاع السائدة في سورية والعراق ولبنان.

يستبعد الكثير من المحللين والمراقبين هذا السيناريو لأنهم لا يعتقدون أن للحركة الصهيونية أهدافاً توسعية قابلة للتحقيق، ويتناسون أنها ممكنة على أنقاض الكيانات العربية والإسلامية التي تقع ضمن المجال الحيوي لدولة "إسرائيل"، إن تدمير الدول الإقليمية الكبرى، كمصر، وتركيا، وإيران، شرط ضروري لنجاح المخطط التوسعي، شرط يساهم بتوفيره عدم إدراك القيادات السياسية لهذه الحقيقة، وتسابقهم على الأدوار المشبوهة في لعبة الخداع الإستراتيجي.

  • فريق ماسة
  • 2013-12-18
  • 13082
  • من الأرشيف

تركيا.. الهدف التالي بعد سورية في مسلسل التخريب والتفتيت

لم يعد تمدد العصابات المسلحة من سورية إلى تركيا مجرد مخاوف وتكهنات، بل أصبحت الدولة التركية مؤهلة لتكون الهدف التالي لموجة التخريب والتفتيت المتوافقة مع الهجمة الصهيونية - الأميركية المستجدة ضد بلدان المنطقة وشعوبها، وأدركت حكومة رجب طيب أردوغان، بصورة متأخرة، أنها وقعت ضحية تورطها حتى الغرق في تدمير الكيان السوري، وبدأت اليوم، بعد ما يقارب ثلاث سنوات، تحصد شرور ما زرعته بيديها على حدودها. إبان غزو العراق عام 2003، مُنعت تركيا من لعب أي دور رئيسي، واليوم، لا تسمح الولايات المتحدة الأميركية ودولة الكيان الصهيوني بأن تلعب تركيا أي دور إقليمي يعود عليها بالنفع، أو يساهم، ولو قليلاً، في تحقيق طموحات وأحلام أردوغان وحزبه بقيادة المنطقة، بل أعطيت دوراً لا يليق بدولة إقليمية ذات شأن، واقتصر على فتح الحدود على مصراعيها، دون أدنى مراعاة لأمنها الخاص أو لسيادتها على أراضيها، فأنشأ حلف الناتو مراكز مستقلة عن سيادة الدولة المضيفة، لتدريب المسلحين، وتخزين الذخائر، والمؤن، والمعدات الحربية. لقد توهمت الحكومة التركية بولاء "الجهاديين الإسلاميين" لرؤيتها الخاصة للإسلام، فسخّرت جهودها لاستقبالهم، وتسهيل عبورهم إلى سورية بهدف تغيير النظام بما يتلاءم مع تمدد نفوذها في المنطقة، غير أن المحصلة الأخيرة جاءت على شكل مغاير، فتم تخريب البنية التحتية للاقتصاد السوري، وتعطيل دورة الإنتاج، وتفكيك مؤسسات الدولة، وتدمير المدن والأرياف، وتشريد الأهالي، فتحملت تركيا حصة كبيرة من الخسائر مقارنة مع الامتيازات التي تمتعت بها في علاقاتها السياسية والتجارية والثقافية السابقة مع حكومة الرئيس السوري بشار الأسد. وبعد أن أدت الصراعات الأخيرة بين أجنحة المعارضة السورية المسلحة إلى غلبة "الجبهة الإسلامية" التي لا تخضع جماعاتها لإرادة الحكومة التركية، تحولت المناطق الحدودية، بين ليلة وضحاها، إلى معاقل مسلحة تهدد عمق الأراضي التركية، تضاف إلى المعاقل الأخرى في المناطق الشمالية المتاخمة للحدود التركية - السورية، والتي تتنامى فيها قوة التنظيمات الكردية المتصلة بمناطق وجود الجزء الأكبر من المواطنين الأتراك من العرق الكردي. يرى المراقبون أن تقرب تركيا من العراق، وإقليم كردستان، ومن إيران بشكل خاص، يأتي في سياق ندم الحكومة التركية على تعجلها في اتخاذ الموقف الخاطئ تجاه ما يجري في سورية، وخشيتها بالتالي "من تسرب الجماعات المتطرفة في سورية إلى الداخل التركي، خصوصاً بعد المناوشات الأخيرة بين الجيش التركي و"داعش"، على الحدود التركية - السورية. غير أن المخاوف التركية لا تقتصر على احتمال انتقال المسلحين إلى تركيا فحسب، بل إن الحكومة التركية يتحسب أيضاً لمئات الأتراك الذين انضموا، بغير إرادة النظام وتدبيره، إلى المقاتلين الأجانب في صفوف المعارضة المسلحة، ويخشى بعض السياسيين الأتراك من خطر عودتهم يوماً لشن هجمات على الأراضي التركية حين يصبحون أكثر تشدداً وتمرساً في القتال، وتأتي هذه المواقف ضمن المآخذ التي تستخدمها المعارضة التركية لإزاحة حزب "العدالة والتنمية" عن الحكم في الانتخابات الرئاسية في العام المقبل. إن إطالة أمد الأزمة السورية قد سمح بتهيئة الظروف الملائمة لانتقال نار الحرب إلى الدول المجاورة، وبالتحديد إلى تركيا، ذلك أن الوضع الهش في العراق ولبنان والأردن ناضج بما فيه الكفاية منذ سنوات للانفجار مع إطلاق الشرارة الأولى، واليوم، بعد نجاح الهجمة ضد سورية بوضع البلاد على حافة التقسيم والتفتيت، بلغت الأوضاع في تركيا مرتبة حرجة أصبح ممكناً معها العمل على توظيف مكوناتها العرقية والمذهبية، لتصل إلى مستوى الأوضاع السائدة في سورية والعراق ولبنان. يستبعد الكثير من المحللين والمراقبين هذا السيناريو لأنهم لا يعتقدون أن للحركة الصهيونية أهدافاً توسعية قابلة للتحقيق، ويتناسون أنها ممكنة على أنقاض الكيانات العربية والإسلامية التي تقع ضمن المجال الحيوي لدولة "إسرائيل"، إن تدمير الدول الإقليمية الكبرى، كمصر، وتركيا، وإيران، شرط ضروري لنجاح المخطط التوسعي، شرط يساهم بتوفيره عدم إدراك القيادات السياسية لهذه الحقيقة، وتسابقهم على الأدوار المشبوهة في لعبة الخداع الإستراتيجي.

المصدر : عدنان محمد العربي- الثبات


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة