زراعة الحشيش في المغرب كان يعتبر من المحرمات التي لا يمكن الحديث عنها، بات الآن ولأول مرة موضوعا يُناقش تحت قبة البرلمان المغربي، بل تُطرح مبادرة لترخيص زراعة الحشيش في البلاد وسن قانون لاستخداماته الطبية والصناعية.

لطالما ورد اسم المغرب ضمن لائحة الدول الأكثر تصديرا للحشيش في العالم، تصنيف كان يزعج السلطات المغربية التي كانت تعتمد على النهج الأمني كوسيلة للحد من زراعة الحشيش وخاصة في منطقة الريف(شمال البلاد)، لكن النهج الأمني لم يعطي أكله ولم يؤد سوى إلى تقليص ضئيل للمساحات المزروعة. ومن هذا المنطلق قررت مجموعة من الأحزاب وعلى رأسها حزب الأصالة والمعاصرة(معارضة) تقديم مشروع قانون حول الاستفادة من زراعة الحشيش في المجال الطبي والصناعي وإخراج هذه الزراعة من قائمة الممنوعات.

الاقتراح أثار الكثير من الجدل وحفيظة البعض وخاصة بعد علماء الدين الذين اعتبروا أن الهدف من القانون هو نشر الحشيش في أوساط الشباب المغربي، لكن حكيم بن شماس عضو أمانة حزب الأصالة والمعاصرة برر هذا المشروع بكونه “سيتخلص من حالة النفاق الاجتماعي السائدة في المغرب حيث الجميع يعلم بهذه الزراعة ولكن الجميع يخاف من الحديث عنها علانية”، وهو نفس ما أكد عليه شكيب الخياري الناشط الحقوقي وصاحب أول مبادرة من أجل وضع قانون ينظم زراعة الكيف في المغرب، في حوار مع DW عربية “يجب أن يخرج هذا النقاش إلى العلن لأن هذا أمر واقع ويجب معرفة كيفية التصرف إزاءه والاستفادة من هذه الثروة”.

ومن المفارقات ان زراعة الحشيش أو الكيف كما يطلق عليه في المغرب، كانت خلال حقبة الاستعمار الفرنسي خاضعة لقانون يعرف بالظهير الملكي الذي صدر سنة 1919الذي رخص، وخصوصا لسكان منطقة الريف(شمال البلاد) زراعة الحشيش أو القنب الهندي، شرط إبلاغ السلطات، لكن بعد الاستقلال اصدرت السلطات قانونا يمنع زراعة الحشيش وترويجه.

كسر المحرمات

عندما قام الناشط الحقوقي شكيب الخياري سنة 2007 بإطلاق مبادرة من أجل سن قانون يجيز زراعة الحشيش في المغرب فإن هذه الدعوة لم يتم التعامل معها بجدية، لكن اليوم يبدو أن هذه المبادرة وجدت صداها لدى الطبقة السياسية التي أصبحت تتسابق على تقديم مشاريع قوانين خاصة بالحشيش،.

وكانت ندوة قد نظمت في البرلمان المغربي بحضور خبراء أجانب قدوا خلالها تجارب دولهم في هذا المجال، أظهرت أن “فكرة تقنين زراعة واستغلال الكيف لأغراض طبية وصناعية، هي بديل واقعي للاتجار غير المشروع في هذه النبتة ومشتقاتها، بعد ثبوت عدم جدوى الحرب عليها من لدن الدول بتوجيه من الأمم المتحدة و الإتحاد الأوروبي، وهي الحرب التي ثبت لاحقا، حتى بالنسبة لعدد مهم من دعاتها، أنها كانت حربا خاطئة من أساسها، حيث لم تزد سوى في معاناة مزارعي الكيف وأسرهم” يقول شكيب الخياري.

معاناة مزارعي الكيف في منطقة الريف هي التي دفعت أيضا حزب الأصالة والمعاصرة، كما يقول مسؤولو الحزب، للإسراع في تنظيم هذه الندوة من أجل “تكسير الطابوه(المحرم) وإزالة الأوهام التي تحوم حول نبتة الحشيش، ويجب الحديث بصراحة عنها لأنها نبتة حبانا الله بها، كما يجب وضع حد للمآسي التي يكابدها آلاف الفلاحين الذين يقتاتون من زراعة الكيف في مناطق معروفة من المغرب،” حسب حكيم بن شماس. ومن جهته يؤكد شكيب الخياري أنه “منذ سنة 2007 ونحن نناقش الأمر مع المواطنين وعقدنا لقاءات وسط حقول الكيف، وعلى مرأى ومسمع السلطة، والسكان تجاوبوا مع الفكرة”، لتصبح الكرة الآن في ملعب الدولة والأحزاب السياسية لإنقاذ المزارعين، كما يقول الناشط المغربي.

مقترحات “جريئة”

لعل ما يحسب لقانون الاستعمال الطبي والصناعي الذي كان تقدم به شكيب الخياري هو “جرأته في العديد من النقاط” كما يقول بعض الخبراء، حيث ينص مقترح القانون على “أن الفلاحين سيقومون بزراعة الكيف في شكل تعاونيات ثم بيعه للدولة التي ستقوم ببيعه للشركات والصناعية وشركات الأدوية”، المسألة الثانية التي يقترحها شكيب الخياري في القانون الذي قدم نسخة منه لكافة الأحزاب الممثلة في البرلمان المغربي، ان “لا يكون بيع الكيف محتكرا من طرف الصيدليات ولكن يمكن للأفراد عن طريق رخص طبية أن يقوموا بزراعته في بيوتهم وذلك بغرض الاستشفاء وتجنبا لارتفاع الأسعار، خصوصا أن علاج الكيف يستعمل في الأمراض المستعصية كالسيدا والسرطان في مراحله المتأخرة إضافة إلى إحداث مؤسسة عمومية للإشراف على زراعة وتسويق هذا المنتوج”.

من جهته يرى الخبير ناصر أزداي عضو الائتلاف المغربي من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للكيف، أن “قانون تنظيم زراعة الكيف يجب أن يتضمن أيضا بندا حول العفو عن الأشخاص المتابعين بتهمة زارعة الكيف أو الترويج له”. وأشار الخبير المغربي في حوار مع DW ان فريق الخبراء معه أنجز دراسة أفادت بأن سكان منطقة كتامة والريف يعانون من الاضطهاد بسبب بطاقتهم هويتهم، موضحا “أن كل من يرى أن الشخص ينتمي لهذه المنطقة إلا ويرتبط في ذهنه بأنه تاجر للحشيش لذلك يجب التوقف عن متابعة الناس إن نحن أردنا بدء صفحة جديدة”.

وتعتبر منطقة كتامة المركز الأساسي لزراعة الحشيش في المغرب حيث أظهر التقرير السنوي للمكتب الأمريكي الخاص بتتبع ومكافحة المخدرات بأن إنتاج المغرب من الحشيش يصل إلى 2000 طن منها 1500 طن توجه إلى الدول الأوروبية، واعتبر التقرير أن المساحة المزروعة في المغرب بنبتة القنب الهندي وصلت إلى 47 ألف هكتار.

هل تقف الخلافات السياسية حجر عثرة أمام القانون

 

على الرغم من أن تقنين زراعة الكيف خرج من دائرة المسكوت عنه في المغرب، وأصبح موضوع نقاش عمومي بل تتنافس عليه عديد الأحزاب السياسية ذات التوجهات المتباينة، فإن ما يخشاه صاحب المبادرة شكيب الخياري هو “الخلاف حول تفاصيل القانون التي من الممكن أن تعيق مروره في البرلمان، لأن الجميع متفق حول المبدأ، حيث اتصلت بنا جميع الكتل البرلمانية بما حزب العدالة والتنمية الإسلامي(متزعم الائتلاف الحاكم) وعبروا عن ترحيبهم بالفكرة”.

لذلك يقترح شكيب الخياري أن “تقوم الكتل البرلمانية بتقديم مشاريع قوانين بطريقة مجتمعة أي أن تقدم المعارضة مشروعا والأغلبية مشروعا آخر حتى لا نضيع في كثرة الاقتراحات”. لكن الخلافات السياسية ما تزال تهيمن على أجواء مناقشات هذا الموضوع، ولا يبدو أنه سيتم حلها بطريقة سهلة.

وهذا ما عبر عنه حكيم بن شماس عضو حزب الأصالة والمعاصرة بقوله “هناك العديد من القراءات المتسرعة لمبادرة الحزب والهدف منها هو التسابق من أجل المواقع الانتخابية”، لذلك فإن ناصر أزداي يحذر من التوظيف السياسي والانتخابي للموضوع قائلا: “في السابق الجميع كان يخاف من هذا القانون والآن الأحزاب تتسابق عليه وهذا أمر جيد المهم ألا يتم استغلاله سياسيا”

 

  • فريق ماسة
  • 2013-12-18
  • 8793
  • من الأرشيف

المغرب: زراعة الحشيش من دائرة المحرمات إلى قبة البرلمان

 زراعة الحشيش في المغرب كان يعتبر من المحرمات التي لا يمكن الحديث عنها، بات الآن ولأول مرة موضوعا يُناقش تحت قبة البرلمان المغربي، بل تُطرح مبادرة لترخيص زراعة الحشيش في البلاد وسن قانون لاستخداماته الطبية والصناعية. لطالما ورد اسم المغرب ضمن لائحة الدول الأكثر تصديرا للحشيش في العالم، تصنيف كان يزعج السلطات المغربية التي كانت تعتمد على النهج الأمني كوسيلة للحد من زراعة الحشيش وخاصة في منطقة الريف(شمال البلاد)، لكن النهج الأمني لم يعطي أكله ولم يؤد سوى إلى تقليص ضئيل للمساحات المزروعة. ومن هذا المنطلق قررت مجموعة من الأحزاب وعلى رأسها حزب الأصالة والمعاصرة(معارضة) تقديم مشروع قانون حول الاستفادة من زراعة الحشيش في المجال الطبي والصناعي وإخراج هذه الزراعة من قائمة الممنوعات. الاقتراح أثار الكثير من الجدل وحفيظة البعض وخاصة بعد علماء الدين الذين اعتبروا أن الهدف من القانون هو نشر الحشيش في أوساط الشباب المغربي، لكن حكيم بن شماس عضو أمانة حزب الأصالة والمعاصرة برر هذا المشروع بكونه “سيتخلص من حالة النفاق الاجتماعي السائدة في المغرب حيث الجميع يعلم بهذه الزراعة ولكن الجميع يخاف من الحديث عنها علانية”، وهو نفس ما أكد عليه شكيب الخياري الناشط الحقوقي وصاحب أول مبادرة من أجل وضع قانون ينظم زراعة الكيف في المغرب، في حوار مع DW عربية “يجب أن يخرج هذا النقاش إلى العلن لأن هذا أمر واقع ويجب معرفة كيفية التصرف إزاءه والاستفادة من هذه الثروة”. ومن المفارقات ان زراعة الحشيش أو الكيف كما يطلق عليه في المغرب، كانت خلال حقبة الاستعمار الفرنسي خاضعة لقانون يعرف بالظهير الملكي الذي صدر سنة 1919الذي رخص، وخصوصا لسكان منطقة الريف(شمال البلاد) زراعة الحشيش أو القنب الهندي، شرط إبلاغ السلطات، لكن بعد الاستقلال اصدرت السلطات قانونا يمنع زراعة الحشيش وترويجه. كسر المحرمات عندما قام الناشط الحقوقي شكيب الخياري سنة 2007 بإطلاق مبادرة من أجل سن قانون يجيز زراعة الحشيش في المغرب فإن هذه الدعوة لم يتم التعامل معها بجدية، لكن اليوم يبدو أن هذه المبادرة وجدت صداها لدى الطبقة السياسية التي أصبحت تتسابق على تقديم مشاريع قوانين خاصة بالحشيش،. وكانت ندوة قد نظمت في البرلمان المغربي بحضور خبراء أجانب قدوا خلالها تجارب دولهم في هذا المجال، أظهرت أن “فكرة تقنين زراعة واستغلال الكيف لأغراض طبية وصناعية، هي بديل واقعي للاتجار غير المشروع في هذه النبتة ومشتقاتها، بعد ثبوت عدم جدوى الحرب عليها من لدن الدول بتوجيه من الأمم المتحدة و الإتحاد الأوروبي، وهي الحرب التي ثبت لاحقا، حتى بالنسبة لعدد مهم من دعاتها، أنها كانت حربا خاطئة من أساسها، حيث لم تزد سوى في معاناة مزارعي الكيف وأسرهم” يقول شكيب الخياري. معاناة مزارعي الكيف في منطقة الريف هي التي دفعت أيضا حزب الأصالة والمعاصرة، كما يقول مسؤولو الحزب، للإسراع في تنظيم هذه الندوة من أجل “تكسير الطابوه(المحرم) وإزالة الأوهام التي تحوم حول نبتة الحشيش، ويجب الحديث بصراحة عنها لأنها نبتة حبانا الله بها، كما يجب وضع حد للمآسي التي يكابدها آلاف الفلاحين الذين يقتاتون من زراعة الكيف في مناطق معروفة من المغرب،” حسب حكيم بن شماس. ومن جهته يؤكد شكيب الخياري أنه “منذ سنة 2007 ونحن نناقش الأمر مع المواطنين وعقدنا لقاءات وسط حقول الكيف، وعلى مرأى ومسمع السلطة، والسكان تجاوبوا مع الفكرة”، لتصبح الكرة الآن في ملعب الدولة والأحزاب السياسية لإنقاذ المزارعين، كما يقول الناشط المغربي. مقترحات “جريئة” لعل ما يحسب لقانون الاستعمال الطبي والصناعي الذي كان تقدم به شكيب الخياري هو “جرأته في العديد من النقاط” كما يقول بعض الخبراء، حيث ينص مقترح القانون على “أن الفلاحين سيقومون بزراعة الكيف في شكل تعاونيات ثم بيعه للدولة التي ستقوم ببيعه للشركات والصناعية وشركات الأدوية”، المسألة الثانية التي يقترحها شكيب الخياري في القانون الذي قدم نسخة منه لكافة الأحزاب الممثلة في البرلمان المغربي، ان “لا يكون بيع الكيف محتكرا من طرف الصيدليات ولكن يمكن للأفراد عن طريق رخص طبية أن يقوموا بزراعته في بيوتهم وذلك بغرض الاستشفاء وتجنبا لارتفاع الأسعار، خصوصا أن علاج الكيف يستعمل في الأمراض المستعصية كالسيدا والسرطان في مراحله المتأخرة إضافة إلى إحداث مؤسسة عمومية للإشراف على زراعة وتسويق هذا المنتوج”. من جهته يرى الخبير ناصر أزداي عضو الائتلاف المغربي من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للكيف، أن “قانون تنظيم زراعة الكيف يجب أن يتضمن أيضا بندا حول العفو عن الأشخاص المتابعين بتهمة زارعة الكيف أو الترويج له”. وأشار الخبير المغربي في حوار مع DW ان فريق الخبراء معه أنجز دراسة أفادت بأن سكان منطقة كتامة والريف يعانون من الاضطهاد بسبب بطاقتهم هويتهم، موضحا “أن كل من يرى أن الشخص ينتمي لهذه المنطقة إلا ويرتبط في ذهنه بأنه تاجر للحشيش لذلك يجب التوقف عن متابعة الناس إن نحن أردنا بدء صفحة جديدة”. وتعتبر منطقة كتامة المركز الأساسي لزراعة الحشيش في المغرب حيث أظهر التقرير السنوي للمكتب الأمريكي الخاص بتتبع ومكافحة المخدرات بأن إنتاج المغرب من الحشيش يصل إلى 2000 طن منها 1500 طن توجه إلى الدول الأوروبية، واعتبر التقرير أن المساحة المزروعة في المغرب بنبتة القنب الهندي وصلت إلى 47 ألف هكتار. هل تقف الخلافات السياسية حجر عثرة أمام القانون   على الرغم من أن تقنين زراعة الكيف خرج من دائرة المسكوت عنه في المغرب، وأصبح موضوع نقاش عمومي بل تتنافس عليه عديد الأحزاب السياسية ذات التوجهات المتباينة، فإن ما يخشاه صاحب المبادرة شكيب الخياري هو “الخلاف حول تفاصيل القانون التي من الممكن أن تعيق مروره في البرلمان، لأن الجميع متفق حول المبدأ، حيث اتصلت بنا جميع الكتل البرلمانية بما حزب العدالة والتنمية الإسلامي(متزعم الائتلاف الحاكم) وعبروا عن ترحيبهم بالفكرة”. لذلك يقترح شكيب الخياري أن “تقوم الكتل البرلمانية بتقديم مشاريع قوانين بطريقة مجتمعة أي أن تقدم المعارضة مشروعا والأغلبية مشروعا آخر حتى لا نضيع في كثرة الاقتراحات”. لكن الخلافات السياسية ما تزال تهيمن على أجواء مناقشات هذا الموضوع، ولا يبدو أنه سيتم حلها بطريقة سهلة. وهذا ما عبر عنه حكيم بن شماس عضو حزب الأصالة والمعاصرة بقوله “هناك العديد من القراءات المتسرعة لمبادرة الحزب والهدف منها هو التسابق من أجل المواقع الانتخابية”، لذلك فإن ناصر أزداي يحذر من التوظيف السياسي والانتخابي للموضوع قائلا: “في السابق الجميع كان يخاف من هذا القانون والآن الأحزاب تتسابق عليه وهذا أمر جيد المهم ألا يتم استغلاله سياسيا”  

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة