يجب أن يكفّ العالم، لبعض الوقت، عن توجيه أصابع الاتهام ضد مجهول عقب أي نشاط إرهابي يقع في العراق ولبنان وباكستان واليمن، فقد بات للإرهاب دولة ترعاه...

 وحتى لا نكون على تماس مباشر مع المقولات المضلّلة، من قبيل أن الإرهاب لا دين له، والتي اعتبرها أهل الحكم في السعودية مقولة إنقاذية، طبّلوا لها كثيراً بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ومن الضروري تصويب الأمور، فالتفسيرات الدينية المنتجة سعودياً كفيلة بصنع إرهابيين على استعداد لاستخدام أجسادهم مفخخات عشوائية.

حسناً، المفتي العام عبد العزيز آل الشيخ وبعد سقوط عشرات الآلاف من الضحايا الأبرياء في العراق ولبنان وأخيراً اليمن، حكم في 12 كانون الأول الجاري بأن ذوي الأحزمة الناسفة مجرمون ومأواهم النار. هل يمتلك المزيد من الشجاعة ويخبر عن المدرسة الفكرية التي تخرّج فيها هؤلاء، ومن الراعي الرسمي الذي يدفع من مال الشعب لكي يتحول برك دم في أماكن لا يعرف الانتحاريون هوية أهلها، سوى تلبية لأجندة لورد الحرب بندر بن سلطان.

ليس من قبيل الصدفة أن تكون السعودية حاضرة في عاصفة الإرهاب التي تضرب وعلى مدار الساعة العراق وسوريا، كما تضرب بين حين وآخر اليمن ولبنان. لا تصدر الاتهامات للسعودية من خصومها كما يردّد المدرجون على قوائم (الشرهات) السعودية، فالضالعون في العمليات الإرهابية يتباهون بالكشف عن جنسياتهم، أما الحلفاء فتكفّلوا بالكشف عن الأدلة. في آب الماضي، كشفت برقيات أميركية سرية تعود الى عام 2009، وتتحدث عن علاقة العراق بجيرانه، ووصفت إحدى البرقيات بأن السعودية هي «التحدي الأكبر والمشكلة الأكثر تعقيداً للعراق». وفي برقية سرية بعث بها السفير الأميركي السابق في العراق (كريستوفر هيل)، إلى وزارة الخارجية الأميركية، ونشرتها صحيفة «ذي غارديان» البريطانية في 9 أغسطس/ آب الماضي، تفيد بأن عدم استقرار واستقلال الحكومة العراقية هو «المال السعودي ومواقفها المعادية ـــ أي السعودية ـــ للطوائف الأخرى، وهواجس تعزيز نفوذ بعض بلدان المنطقة إقليمياً». وكشفت برقية أخرى أن السعودية كانت «ترعى التحريض الطائفي، وتسمح لشيوخها بإصدار فتاوى تحريضية على قتل أتباع الطوائف الأخرى». وقال هيل في برقيته: «سماح القيادة السعودية بصورة دورية لرجال الدين السعوديين بصبّ جام غضبهم الطائفي على طائفة معينة والتحريض ضدها».

رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، تقدّم بطلب علني وعبر وسائل الإعلام عقب عودته من واشنطن، بزيارة المملكة لحل مشكلة بلاده مع آل سعود من أجل تجنيب شعبه ويلات العنف المتنامي، وكان الصمت السعودي حيال الطلب رداً كافياً، وكأن الجنون السعودي بات اليوم يحصد أرواح الأبرياء دون هوادة، إرضاء لمرضى الاستخبارات السعودية أو أمراء الدماء والكراهية...

ما يظهر، أن خطة بندر ـــ بترايوس أفضت إلى تحويل المنطقة إلى مرتع للإرهاب، وبات العالم بأسره مكاناً غير آمن... وعاد الثالوث الوهابي المسؤول عن نشأة الدولة السعودية للاستعمال مجدداً: التكفير، الهجرة، الجهاد. أي بكلمات أخرى، تكفير المجتمعات، والانفصال عنها، ومن ثم إعلان الجهاد عليها، وهي تختصر الرؤية الكونية للوهابية.

تيار الصحوة الذي تبلور في التسعينيات من القرن الماضي إبان أزمة الخليج الثانية ولّد فروعاً ضدّية ووفّر بيئة ثقافية واجتماعية لنشأة القاعدة، ولا يزال يخرج ضدّيات متناسلة منه تعود في جذورها ومبرراتها الى ضدّية المشروع السعودي الوهابي نفسه.

لقد سبق أن بدأت مجموعات قاعدية مرتبطة بالأمير بندر بن سلطان العمل داخل الأراضي السورية، وشارك بعضها في معارك نهر البارد تحت لواء تنظيم «فتح الإسلام» في العام 2007. حينذاك أيضاً، وعد بندر قادة أوروبيين، بحسب مقابلة سيمور هيرش مع شبكة «سي إن إن» الأميركية في 23 أيار 2007 كشف فيها عن وعد من الأمير بندر، بناء على اتفاق مع إليوت برامز وديك تشيني بالسيطرة على الجهاديين من تنظيم «فتح الإسلام». وذكّر هيرش بوعد سعودي سابق بالسيطرة على المجاهدين المتشدّدين في أفغانستان بعد إخراج القوات السوفياتية. علّق هيرش حينذاك: «كأننا لم نتعلم شيئاً من الدروس السابقة، فعدنا واستعملنا السعوديين للمرة الثانية لدعم الجهاديين، والسعوديون يؤكّدون أنهم يستطيعون السيطرة على مختلف هذه المجموعات مثل فتح الإسلام».

ما زال تعليق هيرش صالحاً حتى الآن، بل ربما يكون بوتيرة أعلى، لأنّ بندر بن سلطان قدّم وعداً جديداً للغرب قبل أن يطلق خطته المشتركة مع مدير السي آي إيه السابق ديفيد بترايوس، والتي فتحت الحدود على مصراعيها أمام عناصر القاعدة بأعداد كبيرة للقتال في سوريا، إلى حد لم يعد هناك إمكانية للسيطرة عليهم، وباتت الدول المحيطة مثل تركيا والأردن ولبنان والعراق ساحات مرشّحة للدخول في دوامة العنف على نطاق واسع، بما يؤدي إلى سقوط الدول.

كتائب عبد الله عزام، التي تأسست على يد السعودي صالح بن عبد الله القرعاوي عقب معارك نهر البارد في الشمال اللبناني، واحد من التنظيمات القاعدية التي كانت تعمل تحت إمرة الاستخبارات السعودية منذ عودة قائدها القرعاوي للعلاج في مستشفيات الداخلية بعد إصابته بطلقات نارية أدت إلى إصابته بالشلل، وتولى بعده ماجد الماجد قيادة التنظيم، ويعمل لدى الاستخبارات السعودية.

إن مجرد قراءة عابرة في بيانات التنظيم سوف تظهر الرؤية الجهادية الوهابية. في مقابلة أجراها «مركز الفجر للإعلام» التابع لـ«كتائب عبد الله عزام» مع القرعاوي في شهر نيسان 2010، حول «رؤيته للصراع في بلاد الشام»، جرى الحديث عن ساحتين: الجزيرة العربية _ جزيرة محمد صلى الله عليه وسلم، وبلاد الشام _ معقل الطائفة المنصورة أرض الشام.

ويتم ترجمة محتويات البيانات التي كتبها القرعاوي بعنوان «ولتستبين سبيل المجرمين» حرفياً في سوريا ولبنان. ما يلفت في البيان الأول لكتائب عبد الله عزّام والصادر في 13 تشرين الأول 2010 أنّ ثمة نبوءة ذات طبيعة إيحائية بأن مواجهة حتمية بين "السنّة والشيعة" «وإننا في كتائب عبد الله عزام نتوقع أن المعركة قادمة لا محالة...»، حيث يرسم البيان صورة طائفية للمعركة، تكون فيها إيران وسوريا وحزب الله طرفاً في مقابل "أهل السنة"، فيما يخرج العاملان الأميركي والإسرائيلي من المعادلة، في إيحاء واضح بأن المعركة يراد لها أن تكون طائفية محض.

اللجنة السياسية التابعة لتنظيم «فتح الإسلام» قدّمت في 29 كانون الثاني 2012 ما سمته «قراءة سياسية في الثورة السورية وصراع الأيدي الخفيّة»، ترسم فيه مسار حرب طائفية بذيولها الدولية التي ستكون سوريا قاعدة لها. وفي بيان آخر للتنظيم نفسه بعنوان «نصرة لإخواننا في سوريا الإسلام»، يؤكد على العلاقة العضوية بين «فتح الإسلام» و«كتائب عبد الله عزام»، حيث ينادي بـ«القيام على إحياء سنّة الجهاد في بلاد الشام وعون ونصرة أهل الجهاد في فتح الإسلام وكتائب عبد الله عزام وكل الصادقين ودعمهم بالمال وتكثير سوادهم...». ومن الطريف أنّ البيان يدعو الشباب «إلى نشر ترددات قناة صفا وقناة وصال على عموم أهل السنّة»! فهل ثمة علاقة بين «فتح الإسلام» والأمير عبد العزيز بن فهد الذي بشّر متابعيه في «تويتر» ذات تغريدة بقرب انطلاق «وصال 2» باللغة الفارسية؟!

البيان دعا أيضاً وفي جملة حصرية وهابية الجمهور العام بما نصّه «فأعينوا إخوانكم المجاهدين الموحدين وانشروا عقيدة أهل التوحيد».

ليست رؤية قاعدية، بل هي رؤية الوهابية بامتياز، ولن تجد من يختلف مع رؤية القرعاوي في المجتمع الوهابي ولا حتى من الطبقة السياسية المتطيّفة في العائلة المالكة، فالعمل جار على أساس أنّ ثمة حرباً طائفية قائمة الآن. وأن كل ما يظهر اليوم على الشاشة من قتل وقطع الرقاب، وهدم الأضرحة، وتفجير القبور، وتدمير الكنائس، وتعليق رايات الفتح عليها هي من صميم المشروع الدعوي الجهادي للوهابية الذي يقوده حالياً بندر بن سلطان، ولكن على طريقته الخاصة.

أصبحت الأعمال الانتحارية لدى بعض شباب المملكة، الذين ينتمون إلى شريحة العاطلين من العمل (ويمثلون 1 من كل 4 أشخاص في المملكة)، مشروعاً خلاصياً، وبدلاً من توفير فرص عمل لنحو مليوني عاطل من العمل في المملكة، تصبح دوامة العنف في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وحدها الوظيفة الشاغرة في مملكة الفساد التي تأكل ثلثين من دخل المواطن، بحسب تقرير صدر السنة الماضية عن الغرف التجارية السعودية.

إن دوامة العنف التي تقودها السعودية والتي انتقلت إلى عدد من البلدان العربية (ليبيا، مصر، اليمن، لبنان، العراق وسوريا)، والتي تنذر باندلاع حروب أهلية، يهدد كل المنطقة بالفوضى لمنع أي تسوية سياسية توقف مسلسل الموت الرخيص والدمار المنتشر، فيما تهدد السعودية بوضع بلدان محدّدة مثل العراق ولبنان ضمن دائرة مواجهة داخلية واسعة، عبر السيارات المفخخة التي تدبّرها الاستخبارات السعودية. ولكن، لا يخلو هذا الأمر من أخطار، بدأ الغرب يعبر عنها بصورة علنية.

في التقرير الصادر عن لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم البريطاني حول العلاقات البريطانية مع السعودية والبحرين في 12 تشرين الثاني الماضي جاء ما نصّه: «لا تولي السلطات السعودية اهتماماً كافياً للآثار الخطيرة للتمويل والتعاليم الدينية التي يتم تصديرها من قبل مواطنين سعوديين للجماعات المتطرّفة في المنطقة والعالم».

باتت السعودية موغلة في سفك الدماء، وترفض مجرد الإصغاء لنداءات العقل والحلول الدبلوماسية، وترى بأن لا خيار أمامها سوى اقتراف المزيد من الجرائم الإرهابية في البلدان المجاورة مثل اليمن، والعراق، أو خلف البحار مثل ليبيا والسودان، أو بلدان عربية اختلفت معها بعد حلف طويل فقررت الانتقام منها على قاعدة: الدم الدم الهدم الهدم، على طريقة الجماعات التكفيرية التي خرجت من عباءة شيوخها ومؤسساتها الدينية.

ما يظهر اليوم، أنّ العالم لم يعد آمناً، وأن الضمانات التي قطعها بندر بن سلطان على نفسه أمام قادة أوروبيين بأنه سوف يمنع انتقال الإرهاب إلى دولهم عقب الفراغ من مهمة إسقاط النظام في سوريا عن طريق الجماعات القاعدية، تبدّدت وأعلنت أجهزة الاستخبارات في كل أرجاء أوروبا استنفاراً عاماً لملاحقة المقاتلين من رعاياها التي باتت تعلن عن أعدادهم في سوريا، وترصد تحركاتهم قبل العودة إلى الديار.

يأتي في السياق نفسه، إصرار قادة أوروبيين على إدراج الإرهاب على قائمة القضايا التي سوف تتم مناقشتها في «جنيف 2» في حال انعقاده في 22 كانون الثاني من السنة الجديدة.

اليوم، يشهد المشروع الوهابي السعودي أسوأ حالاته من خلال قيادة مشروع الفوضى التدميرية، والتي من المرشّح لها في حال إصرار لورد الحرب أن تهدد الاستقرار في العالم.

  • فريق ماسة
  • 2013-12-16
  • 11432
  • من الأرشيف

بندر خدع الغرب مجدداً

يجب أن يكفّ العالم، لبعض الوقت، عن توجيه أصابع الاتهام ضد مجهول عقب أي نشاط إرهابي يقع في العراق ولبنان وباكستان واليمن، فقد بات للإرهاب دولة ترعاه...  وحتى لا نكون على تماس مباشر مع المقولات المضلّلة، من قبيل أن الإرهاب لا دين له، والتي اعتبرها أهل الحكم في السعودية مقولة إنقاذية، طبّلوا لها كثيراً بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ومن الضروري تصويب الأمور، فالتفسيرات الدينية المنتجة سعودياً كفيلة بصنع إرهابيين على استعداد لاستخدام أجسادهم مفخخات عشوائية. حسناً، المفتي العام عبد العزيز آل الشيخ وبعد سقوط عشرات الآلاف من الضحايا الأبرياء في العراق ولبنان وأخيراً اليمن، حكم في 12 كانون الأول الجاري بأن ذوي الأحزمة الناسفة مجرمون ومأواهم النار. هل يمتلك المزيد من الشجاعة ويخبر عن المدرسة الفكرية التي تخرّج فيها هؤلاء، ومن الراعي الرسمي الذي يدفع من مال الشعب لكي يتحول برك دم في أماكن لا يعرف الانتحاريون هوية أهلها، سوى تلبية لأجندة لورد الحرب بندر بن سلطان. ليس من قبيل الصدفة أن تكون السعودية حاضرة في عاصفة الإرهاب التي تضرب وعلى مدار الساعة العراق وسوريا، كما تضرب بين حين وآخر اليمن ولبنان. لا تصدر الاتهامات للسعودية من خصومها كما يردّد المدرجون على قوائم (الشرهات) السعودية، فالضالعون في العمليات الإرهابية يتباهون بالكشف عن جنسياتهم، أما الحلفاء فتكفّلوا بالكشف عن الأدلة. في آب الماضي، كشفت برقيات أميركية سرية تعود الى عام 2009، وتتحدث عن علاقة العراق بجيرانه، ووصفت إحدى البرقيات بأن السعودية هي «التحدي الأكبر والمشكلة الأكثر تعقيداً للعراق». وفي برقية سرية بعث بها السفير الأميركي السابق في العراق (كريستوفر هيل)، إلى وزارة الخارجية الأميركية، ونشرتها صحيفة «ذي غارديان» البريطانية في 9 أغسطس/ آب الماضي، تفيد بأن عدم استقرار واستقلال الحكومة العراقية هو «المال السعودي ومواقفها المعادية ـــ أي السعودية ـــ للطوائف الأخرى، وهواجس تعزيز نفوذ بعض بلدان المنطقة إقليمياً». وكشفت برقية أخرى أن السعودية كانت «ترعى التحريض الطائفي، وتسمح لشيوخها بإصدار فتاوى تحريضية على قتل أتباع الطوائف الأخرى». وقال هيل في برقيته: «سماح القيادة السعودية بصورة دورية لرجال الدين السعوديين بصبّ جام غضبهم الطائفي على طائفة معينة والتحريض ضدها». رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، تقدّم بطلب علني وعبر وسائل الإعلام عقب عودته من واشنطن، بزيارة المملكة لحل مشكلة بلاده مع آل سعود من أجل تجنيب شعبه ويلات العنف المتنامي، وكان الصمت السعودي حيال الطلب رداً كافياً، وكأن الجنون السعودي بات اليوم يحصد أرواح الأبرياء دون هوادة، إرضاء لمرضى الاستخبارات السعودية أو أمراء الدماء والكراهية... ما يظهر، أن خطة بندر ـــ بترايوس أفضت إلى تحويل المنطقة إلى مرتع للإرهاب، وبات العالم بأسره مكاناً غير آمن... وعاد الثالوث الوهابي المسؤول عن نشأة الدولة السعودية للاستعمال مجدداً: التكفير، الهجرة، الجهاد. أي بكلمات أخرى، تكفير المجتمعات، والانفصال عنها، ومن ثم إعلان الجهاد عليها، وهي تختصر الرؤية الكونية للوهابية. تيار الصحوة الذي تبلور في التسعينيات من القرن الماضي إبان أزمة الخليج الثانية ولّد فروعاً ضدّية ووفّر بيئة ثقافية واجتماعية لنشأة القاعدة، ولا يزال يخرج ضدّيات متناسلة منه تعود في جذورها ومبرراتها الى ضدّية المشروع السعودي الوهابي نفسه. لقد سبق أن بدأت مجموعات قاعدية مرتبطة بالأمير بندر بن سلطان العمل داخل الأراضي السورية، وشارك بعضها في معارك نهر البارد تحت لواء تنظيم «فتح الإسلام» في العام 2007. حينذاك أيضاً، وعد بندر قادة أوروبيين، بحسب مقابلة سيمور هيرش مع شبكة «سي إن إن» الأميركية في 23 أيار 2007 كشف فيها عن وعد من الأمير بندر، بناء على اتفاق مع إليوت برامز وديك تشيني بالسيطرة على الجهاديين من تنظيم «فتح الإسلام». وذكّر هيرش بوعد سعودي سابق بالسيطرة على المجاهدين المتشدّدين في أفغانستان بعد إخراج القوات السوفياتية. علّق هيرش حينذاك: «كأننا لم نتعلم شيئاً من الدروس السابقة، فعدنا واستعملنا السعوديين للمرة الثانية لدعم الجهاديين، والسعوديون يؤكّدون أنهم يستطيعون السيطرة على مختلف هذه المجموعات مثل فتح الإسلام». ما زال تعليق هيرش صالحاً حتى الآن، بل ربما يكون بوتيرة أعلى، لأنّ بندر بن سلطان قدّم وعداً جديداً للغرب قبل أن يطلق خطته المشتركة مع مدير السي آي إيه السابق ديفيد بترايوس، والتي فتحت الحدود على مصراعيها أمام عناصر القاعدة بأعداد كبيرة للقتال في سوريا، إلى حد لم يعد هناك إمكانية للسيطرة عليهم، وباتت الدول المحيطة مثل تركيا والأردن ولبنان والعراق ساحات مرشّحة للدخول في دوامة العنف على نطاق واسع، بما يؤدي إلى سقوط الدول. كتائب عبد الله عزام، التي تأسست على يد السعودي صالح بن عبد الله القرعاوي عقب معارك نهر البارد في الشمال اللبناني، واحد من التنظيمات القاعدية التي كانت تعمل تحت إمرة الاستخبارات السعودية منذ عودة قائدها القرعاوي للعلاج في مستشفيات الداخلية بعد إصابته بطلقات نارية أدت إلى إصابته بالشلل، وتولى بعده ماجد الماجد قيادة التنظيم، ويعمل لدى الاستخبارات السعودية. إن مجرد قراءة عابرة في بيانات التنظيم سوف تظهر الرؤية الجهادية الوهابية. في مقابلة أجراها «مركز الفجر للإعلام» التابع لـ«كتائب عبد الله عزام» مع القرعاوي في شهر نيسان 2010، حول «رؤيته للصراع في بلاد الشام»، جرى الحديث عن ساحتين: الجزيرة العربية _ جزيرة محمد صلى الله عليه وسلم، وبلاد الشام _ معقل الطائفة المنصورة أرض الشام. ويتم ترجمة محتويات البيانات التي كتبها القرعاوي بعنوان «ولتستبين سبيل المجرمين» حرفياً في سوريا ولبنان. ما يلفت في البيان الأول لكتائب عبد الله عزّام والصادر في 13 تشرين الأول 2010 أنّ ثمة نبوءة ذات طبيعة إيحائية بأن مواجهة حتمية بين "السنّة والشيعة" «وإننا في كتائب عبد الله عزام نتوقع أن المعركة قادمة لا محالة...»، حيث يرسم البيان صورة طائفية للمعركة، تكون فيها إيران وسوريا وحزب الله طرفاً في مقابل "أهل السنة"، فيما يخرج العاملان الأميركي والإسرائيلي من المعادلة، في إيحاء واضح بأن المعركة يراد لها أن تكون طائفية محض. اللجنة السياسية التابعة لتنظيم «فتح الإسلام» قدّمت في 29 كانون الثاني 2012 ما سمته «قراءة سياسية في الثورة السورية وصراع الأيدي الخفيّة»، ترسم فيه مسار حرب طائفية بذيولها الدولية التي ستكون سوريا قاعدة لها. وفي بيان آخر للتنظيم نفسه بعنوان «نصرة لإخواننا في سوريا الإسلام»، يؤكد على العلاقة العضوية بين «فتح الإسلام» و«كتائب عبد الله عزام»، حيث ينادي بـ«القيام على إحياء سنّة الجهاد في بلاد الشام وعون ونصرة أهل الجهاد في فتح الإسلام وكتائب عبد الله عزام وكل الصادقين ودعمهم بالمال وتكثير سوادهم...». ومن الطريف أنّ البيان يدعو الشباب «إلى نشر ترددات قناة صفا وقناة وصال على عموم أهل السنّة»! فهل ثمة علاقة بين «فتح الإسلام» والأمير عبد العزيز بن فهد الذي بشّر متابعيه في «تويتر» ذات تغريدة بقرب انطلاق «وصال 2» باللغة الفارسية؟! البيان دعا أيضاً وفي جملة حصرية وهابية الجمهور العام بما نصّه «فأعينوا إخوانكم المجاهدين الموحدين وانشروا عقيدة أهل التوحيد». ليست رؤية قاعدية، بل هي رؤية الوهابية بامتياز، ولن تجد من يختلف مع رؤية القرعاوي في المجتمع الوهابي ولا حتى من الطبقة السياسية المتطيّفة في العائلة المالكة، فالعمل جار على أساس أنّ ثمة حرباً طائفية قائمة الآن. وأن كل ما يظهر اليوم على الشاشة من قتل وقطع الرقاب، وهدم الأضرحة، وتفجير القبور، وتدمير الكنائس، وتعليق رايات الفتح عليها هي من صميم المشروع الدعوي الجهادي للوهابية الذي يقوده حالياً بندر بن سلطان، ولكن على طريقته الخاصة. أصبحت الأعمال الانتحارية لدى بعض شباب المملكة، الذين ينتمون إلى شريحة العاطلين من العمل (ويمثلون 1 من كل 4 أشخاص في المملكة)، مشروعاً خلاصياً، وبدلاً من توفير فرص عمل لنحو مليوني عاطل من العمل في المملكة، تصبح دوامة العنف في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وحدها الوظيفة الشاغرة في مملكة الفساد التي تأكل ثلثين من دخل المواطن، بحسب تقرير صدر السنة الماضية عن الغرف التجارية السعودية. إن دوامة العنف التي تقودها السعودية والتي انتقلت إلى عدد من البلدان العربية (ليبيا، مصر، اليمن، لبنان، العراق وسوريا)، والتي تنذر باندلاع حروب أهلية، يهدد كل المنطقة بالفوضى لمنع أي تسوية سياسية توقف مسلسل الموت الرخيص والدمار المنتشر، فيما تهدد السعودية بوضع بلدان محدّدة مثل العراق ولبنان ضمن دائرة مواجهة داخلية واسعة، عبر السيارات المفخخة التي تدبّرها الاستخبارات السعودية. ولكن، لا يخلو هذا الأمر من أخطار، بدأ الغرب يعبر عنها بصورة علنية. في التقرير الصادر عن لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم البريطاني حول العلاقات البريطانية مع السعودية والبحرين في 12 تشرين الثاني الماضي جاء ما نصّه: «لا تولي السلطات السعودية اهتماماً كافياً للآثار الخطيرة للتمويل والتعاليم الدينية التي يتم تصديرها من قبل مواطنين سعوديين للجماعات المتطرّفة في المنطقة والعالم». باتت السعودية موغلة في سفك الدماء، وترفض مجرد الإصغاء لنداءات العقل والحلول الدبلوماسية، وترى بأن لا خيار أمامها سوى اقتراف المزيد من الجرائم الإرهابية في البلدان المجاورة مثل اليمن، والعراق، أو خلف البحار مثل ليبيا والسودان، أو بلدان عربية اختلفت معها بعد حلف طويل فقررت الانتقام منها على قاعدة: الدم الدم الهدم الهدم، على طريقة الجماعات التكفيرية التي خرجت من عباءة شيوخها ومؤسساتها الدينية. ما يظهر اليوم، أنّ العالم لم يعد آمناً، وأن الضمانات التي قطعها بندر بن سلطان على نفسه أمام قادة أوروبيين بأنه سوف يمنع انتقال الإرهاب إلى دولهم عقب الفراغ من مهمة إسقاط النظام في سوريا عن طريق الجماعات القاعدية، تبدّدت وأعلنت أجهزة الاستخبارات في كل أرجاء أوروبا استنفاراً عاماً لملاحقة المقاتلين من رعاياها التي باتت تعلن عن أعدادهم في سوريا، وترصد تحركاتهم قبل العودة إلى الديار. يأتي في السياق نفسه، إصرار قادة أوروبيين على إدراج الإرهاب على قائمة القضايا التي سوف تتم مناقشتها في «جنيف 2» في حال انعقاده في 22 كانون الثاني من السنة الجديدة. اليوم، يشهد المشروع الوهابي السعودي أسوأ حالاته من خلال قيادة مشروع الفوضى التدميرية، والتي من المرشّح لها في حال إصرار لورد الحرب أن تهدد الاستقرار في العالم.

المصدر : فؤاد إبراهيم


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة