تصطدم واقعية التكيف مع التوازنات الجديدة الناشئة في المنطقة والعالم بعقدة سعودية مركبة تعود إلى تكوين النظام الاستبدادي الذي أقامه آل سعود تحت رعاية الاستعمار الغربي وتولوا بواسطته حماية الهيمنة الاستعمارية الصهيونية على المنطقة ناهيك عن ديمومة إمداد الاقتصاد الغربي بالطاقة وحراسة وجود إسرائيل بالتصدي الشرس والمثابر لأي قوة تحررية عربية قد تشكل تهديدا لمنظومة الهيمنة الغربية.

أولا يؤكد جميع الباحثين الذين درسوا المملكة من الداخل على ثبات مستمر في العلاقة العضوية بين حكم العائلة السعودية والمؤسسة الدينية الوهابية التي تستند إلى قاعدة واسعة من المعاهد والمؤسسات والجمعيات المنتشرة في نجد والحجاز وقد شرعت التغييرات تغزو هذه المؤسسة الدينية منذ السبعينيات وبالذات منذ حركة جهيمان العتيبي وثورته التي أبيدت بالغازات السامة التي استحضرت خصيصا من فرنسا إلى قلب الحرم المكي الشريف.

ثمة في جمهور الوهابيين المتدين قاعدة عريضة تعتبر جهيمان رمزا جهاديا لتجديد أصولية المذهب الوهابي وهذه القاعدة هي الركيزة التي قامت عليها دعوة أسامة بن لادن في وجه القيادة التقليدية للوهابية ويؤرخ الباحثون مذاك انقساما ظاهرا في المؤسسة الدينية السعودية بين جناح تقليدي يحقق الغطاء الشرعي والفقهي للنظام ويصدر الفتاوى لخدمة سياسة المملكة وجناح أصولي متطرف يقوم على مبدأ التكفير تنامى بصورة نوعية وانتشر في صفوف الشباب الساخط في نجد والحجاز امتدادا إلى اليمن بفعل الترابط المجتمعي العضوي بين الأقاليم الثلاثة التاريخية لشبه الجزيرة العربية وتحت تأثير التزايد المستمر في حجم المهاجرين اليمنيين إلى قلب الجزيرة لإشباع حاجات سوق العمل التي توسعت مع تضخم عائدات النفط.

ثانيا منذ حركة جهيمان العتيبي شكل انخراط السعودية في حروب الغرب تحت راية مكافحة الشيوعية فرصة لتوحيد جناحي المؤسسة الدينية وبلغت تلك الحملة ذروتها في حروب أفغانستان والشيشان ومن ثم في الصومال والبوسنة والهرسك وغيرها حيث حشد آلاف الشباب الساخط من نجد والحجاز ضمن حملة لقيادة “الجهاد العالمي” في خدمة الاستراتيجيات الأميركية والغربية للسيطرة على العالم ولوراثة التركة السوفيتية بعد انهيار جدار برلين وتحت شعارات الدفاع عن المسلمين واحتضان حقوقهم .

تصدير الإرهاب التكفيري إلى العالم شكل متنفسا للاحتقان داخل المملكة ومخرجا لتلافي انفجارات داخلية متلاحقة ووشيكة وللحؤول دون اندلاع انتفاضات في قلب المؤسسة الوهابية يحركها التناقض بين التبشير باعتناق إسلام أصولي وحراسة الطاعة العمياء لنظام يستورد قيم الاستهلاك الغربي وتقوده حلقة من آلاف الأمراء الباذخين والغارقين في المجون المتربعين على بركان من المظالم الاجتماعية تشهد به الاحصاءات والدراسات عن معدلات الفاقة والبطالة وعيش الملايين تحت خط الفقر وتدني مؤشرات التعليم والصحة في صفوف ملايين الفقراء في قاع المجتمع المدعو للانصياع الأعمى بسياط المطاوعين وتحت رهبة السيافيين قاطعي الرؤوس في الساحات العامة وبفعل الخشية من مهالك سجون الربع الخالي.

ثالثا تمثل الحرب على سوريا ساحة مناسبة لتصدير الساخطين ولإشغالهم عن هموم الداخل الملكي الصاخب حيث تنذر المؤشرات جميعا بغليان القاع الاجتماعي وبسخط الطبقة الوسطى الليبرالية الراغبة في تغيير حده الأدنى قيام ملكية دستورية تنزع عن العائلة المالكة حصانتها التيوقراطية المستمدة من المؤسسة الوهابية وحيث المناداة بالإصلاح الديني تقترن بالدعوة للإصلاح السياسي ومن عناصر التأزم الشديد تزامن ذلك كله مع الشيخوخة الفاضحة لأمراء الصف الأول من أبناء عبد العزيز واندلاع صراعات الوراثة المستحكمة داخل الصف الثاني من الأمراء في السنوات الأخيرة لعهد الملك عبدالله بن عبد العزيز .

إن رقم ثلاثة آلاف قتيل سعودي في سوريا يمثل مؤشرا خطيرا وبالغ الدلالة على هذه الحقيقة إذا ما أضيف لآلاف أخرى من المحاربين في صفوف الجماعات التكفيرية ومئات المعتقلين لدى الدولة السورية وفي عدادهم ضباط وجنود من الأسلاك العسكرية والأمنية السعودية الرسمية .

وقف العدوان على سوريا يعني للمملكة خطرا داهما بارتداد فصائل التكفير إلى الداخل وهذه المرة بصورة أشد وأعنف أثرا من عودة بعض المجموعات القاعدية التي لم تشملها عمليات التوطين المنسقة مع طالبان الأفغانية والحكومة الباكستانية اللتين أغدقت عليهما المملكة المليارات النفطية في التسعينيات لاستيعاب آلاف السعوديين الذين كونوا عائلاتهم هناك في زمن “الجهاد العالمي” ضد الشيوعية.

رابعا بندر بن سلطان الذي يقود العمليات ضد سوريا له وظيفة أخرى في التوازنات السعودية هي حماية المملكة من خطر الانفجار الداخلي عبر إدامة حرائق الإرهاب التكفيري في الإقليم حيث تستنفذ طاقة الجموع الساخطة وتصرف عن الداخل المشحون بعناصر الانفجار وهذه معضلة لا يمكن التصدي لها بالرهان على مناشدة النظام السعودي ودعوته للتعقل كما يتخيل كثيرون بسذاجة في المنطقة والعالم بل إن الحل الفعلي لابد وأن ينطلق بإلزام اممي تحت طائلة العقوبات المشددة بالكف عن تصدير الإرهاب الذي يخشى الغرب مجتمعا من ارتداده إليه إثر الهزيمة والفشل في سوريا قد باشرت دول عديدة بإبداء ليونة امام الدعوة الروسية لمجابهة هذا الخطر باتحاد عالمي عبر انقلاب المواقف من الدولة الوطنية السورية التي اكدت ثباتها وتماسكها وقدرتها على التصدي للإرهاب التكفيري في اجياله الجديدة .

جنيف 2 سيكون محطة اولى في إحياء دعوة الاتحاد ضد الإرهاب التكفيري التي اطلقها الرئيس بوتين والممانعة والعرقلة السعوديان ناتجان عن حقيقة ان إطفاء الحرائق وتعافي الدولة السورية بعد اتخاذ التدابير المحكمة على حدودها مع الجوار سيكون نذيرا بتداعيات غير سعيدة داخل المملكة التي ستتذوق السم الذي حقنت به شرايين المنطقة والعالم .
  • فريق ماسة
  • 2013-12-14
  • 13065
  • من الأرشيف

السعودية تصدر أزمتها بالإرهاب .....

تصطدم واقعية التكيف مع التوازنات الجديدة الناشئة في المنطقة والعالم بعقدة سعودية مركبة تعود إلى تكوين النظام الاستبدادي الذي أقامه آل سعود تحت رعاية الاستعمار الغربي وتولوا بواسطته حماية الهيمنة الاستعمارية الصهيونية على المنطقة ناهيك عن ديمومة إمداد الاقتصاد الغربي بالطاقة وحراسة وجود إسرائيل بالتصدي الشرس والمثابر لأي قوة تحررية عربية قد تشكل تهديدا لمنظومة الهيمنة الغربية. أولا يؤكد جميع الباحثين الذين درسوا المملكة من الداخل على ثبات مستمر في العلاقة العضوية بين حكم العائلة السعودية والمؤسسة الدينية الوهابية التي تستند إلى قاعدة واسعة من المعاهد والمؤسسات والجمعيات المنتشرة في نجد والحجاز وقد شرعت التغييرات تغزو هذه المؤسسة الدينية منذ السبعينيات وبالذات منذ حركة جهيمان العتيبي وثورته التي أبيدت بالغازات السامة التي استحضرت خصيصا من فرنسا إلى قلب الحرم المكي الشريف. ثمة في جمهور الوهابيين المتدين قاعدة عريضة تعتبر جهيمان رمزا جهاديا لتجديد أصولية المذهب الوهابي وهذه القاعدة هي الركيزة التي قامت عليها دعوة أسامة بن لادن في وجه القيادة التقليدية للوهابية ويؤرخ الباحثون مذاك انقساما ظاهرا في المؤسسة الدينية السعودية بين جناح تقليدي يحقق الغطاء الشرعي والفقهي للنظام ويصدر الفتاوى لخدمة سياسة المملكة وجناح أصولي متطرف يقوم على مبدأ التكفير تنامى بصورة نوعية وانتشر في صفوف الشباب الساخط في نجد والحجاز امتدادا إلى اليمن بفعل الترابط المجتمعي العضوي بين الأقاليم الثلاثة التاريخية لشبه الجزيرة العربية وتحت تأثير التزايد المستمر في حجم المهاجرين اليمنيين إلى قلب الجزيرة لإشباع حاجات سوق العمل التي توسعت مع تضخم عائدات النفط. ثانيا منذ حركة جهيمان العتيبي شكل انخراط السعودية في حروب الغرب تحت راية مكافحة الشيوعية فرصة لتوحيد جناحي المؤسسة الدينية وبلغت تلك الحملة ذروتها في حروب أفغانستان والشيشان ومن ثم في الصومال والبوسنة والهرسك وغيرها حيث حشد آلاف الشباب الساخط من نجد والحجاز ضمن حملة لقيادة “الجهاد العالمي” في خدمة الاستراتيجيات الأميركية والغربية للسيطرة على العالم ولوراثة التركة السوفيتية بعد انهيار جدار برلين وتحت شعارات الدفاع عن المسلمين واحتضان حقوقهم . تصدير الإرهاب التكفيري إلى العالم شكل متنفسا للاحتقان داخل المملكة ومخرجا لتلافي انفجارات داخلية متلاحقة ووشيكة وللحؤول دون اندلاع انتفاضات في قلب المؤسسة الوهابية يحركها التناقض بين التبشير باعتناق إسلام أصولي وحراسة الطاعة العمياء لنظام يستورد قيم الاستهلاك الغربي وتقوده حلقة من آلاف الأمراء الباذخين والغارقين في المجون المتربعين على بركان من المظالم الاجتماعية تشهد به الاحصاءات والدراسات عن معدلات الفاقة والبطالة وعيش الملايين تحت خط الفقر وتدني مؤشرات التعليم والصحة في صفوف ملايين الفقراء في قاع المجتمع المدعو للانصياع الأعمى بسياط المطاوعين وتحت رهبة السيافيين قاطعي الرؤوس في الساحات العامة وبفعل الخشية من مهالك سجون الربع الخالي. ثالثا تمثل الحرب على سوريا ساحة مناسبة لتصدير الساخطين ولإشغالهم عن هموم الداخل الملكي الصاخب حيث تنذر المؤشرات جميعا بغليان القاع الاجتماعي وبسخط الطبقة الوسطى الليبرالية الراغبة في تغيير حده الأدنى قيام ملكية دستورية تنزع عن العائلة المالكة حصانتها التيوقراطية المستمدة من المؤسسة الوهابية وحيث المناداة بالإصلاح الديني تقترن بالدعوة للإصلاح السياسي ومن عناصر التأزم الشديد تزامن ذلك كله مع الشيخوخة الفاضحة لأمراء الصف الأول من أبناء عبد العزيز واندلاع صراعات الوراثة المستحكمة داخل الصف الثاني من الأمراء في السنوات الأخيرة لعهد الملك عبدالله بن عبد العزيز . إن رقم ثلاثة آلاف قتيل سعودي في سوريا يمثل مؤشرا خطيرا وبالغ الدلالة على هذه الحقيقة إذا ما أضيف لآلاف أخرى من المحاربين في صفوف الجماعات التكفيرية ومئات المعتقلين لدى الدولة السورية وفي عدادهم ضباط وجنود من الأسلاك العسكرية والأمنية السعودية الرسمية . وقف العدوان على سوريا يعني للمملكة خطرا داهما بارتداد فصائل التكفير إلى الداخل وهذه المرة بصورة أشد وأعنف أثرا من عودة بعض المجموعات القاعدية التي لم تشملها عمليات التوطين المنسقة مع طالبان الأفغانية والحكومة الباكستانية اللتين أغدقت عليهما المملكة المليارات النفطية في التسعينيات لاستيعاب آلاف السعوديين الذين كونوا عائلاتهم هناك في زمن “الجهاد العالمي” ضد الشيوعية. رابعا بندر بن سلطان الذي يقود العمليات ضد سوريا له وظيفة أخرى في التوازنات السعودية هي حماية المملكة من خطر الانفجار الداخلي عبر إدامة حرائق الإرهاب التكفيري في الإقليم حيث تستنفذ طاقة الجموع الساخطة وتصرف عن الداخل المشحون بعناصر الانفجار وهذه معضلة لا يمكن التصدي لها بالرهان على مناشدة النظام السعودي ودعوته للتعقل كما يتخيل كثيرون بسذاجة في المنطقة والعالم بل إن الحل الفعلي لابد وأن ينطلق بإلزام اممي تحت طائلة العقوبات المشددة بالكف عن تصدير الإرهاب الذي يخشى الغرب مجتمعا من ارتداده إليه إثر الهزيمة والفشل في سوريا قد باشرت دول عديدة بإبداء ليونة امام الدعوة الروسية لمجابهة هذا الخطر باتحاد عالمي عبر انقلاب المواقف من الدولة الوطنية السورية التي اكدت ثباتها وتماسكها وقدرتها على التصدي للإرهاب التكفيري في اجياله الجديدة . جنيف 2 سيكون محطة اولى في إحياء دعوة الاتحاد ضد الإرهاب التكفيري التي اطلقها الرئيس بوتين والممانعة والعرقلة السعوديان ناتجان عن حقيقة ان إطفاء الحرائق وتعافي الدولة السورية بعد اتخاذ التدابير المحكمة على حدودها مع الجوار سيكون نذيرا بتداعيات غير سعيدة داخل المملكة التي ستتذوق السم الذي حقنت به شرايين المنطقة والعالم .

المصدر : الشرق الجديد / غالب قنديل


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة