أصبحت ظاهرة الإختطاف قي مناطق المقاتلين ظاهرة لا يسلم منها السوريون ولا الأجانب، ففي هذه المناطق الواسعة التي تتنازع سلطتها فصائل مسلحة متعددة يستخدم الإختطاف كوسيلة لتأكيد السلطة وجمع المال والإنتقام. وفي يوم الثلاثاء الماضى خرجت زوجة الصحافي خافيير اسبنوزا عن صمتها عندما كشفت عن قيام القاعدة باختطافه مع ريكاردو غارسيا فيلانوفا ومصور سوري ليس بعيدا عن الأراضي السورية، وكشف في اليوم نفسه عن اختفاء ناشطة ومحامية معروفة في الإنتفاضة رزان زيتونة وثلاثة من زملائها، حيث اختفت في مناطق يسيطر عليها المقاتلون قرب العاصمة دمشق. وكشفت تصريحات مونيكا بريتو، زوجة الصحافي الإسباني عن حالة يتم فيها استهداف الصحافيين الأجانب من قبل الجماعات المرتبطة بالقاعدة، حيث اختطف 34 صحافيا وعامل إغاثة اجنبي فيما قتل 55، مما يجعل سورية من أخطر مناطق العالم على الصحافيين ورجال الإعلام.

وتقول صحيفة ‘غارديان’ إن النداء الذي وجهته بريتو والتي عملت نفسها في تغطية الأحداث السورية، يضع تساؤلات حول فعاليته وامكانية استجابة الخاطفين لها،خاصة أن عائلتي صحافيين آخرين تتجنبا الكشف عن الموضوع خشية أن لا يؤثر على محاولات تأمين إطلاق سراحهما، وخشية أن يزيد الخاطفون من قيمة الفدية المطلوبة بعد خروج الموضوع للإعلام.

وقد حاولت بريتو التوصل لمكان زوجها من خلال وسطاء بدون فائدة. وتنبع المشكلة من ان الجهاديين على خلاف الخاطفين المحترفين لا يطالبون بفدية، ويتجنبون الحوار ويعزلون رهائنهم عن العالم الخارجي أي يحولون الثورة السورية من حركة للمطالبة بالحقوق والعدالة إلى مركز للجهادالعالمي حسب الصحيفة.

أفرجوا عنهم

ونقلت عن جويل سايمون، المدير التنفيذي لمنظمة حماية الصحافيين دعوته للإفراج عن الصحافيين المعتلقين ضد رغبتهم، مشيرا إلى أن ريكاردو دخل سورية وغطى أحداثها على الرغم من كل المخاطر التي كان يواجهها. ويلاحظ أن موجة الإختطافات قد زادت منذ أيار / مايو الماضي، والجهة التي قامت بمعظم حالات الإختطاف هي الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).

ويعتقد ان كلا من اسبينوزا وفيلانوفا معتقلون في مدينة الرقة التي تسيطر الدولة عليها وتدير شؤونها منذ أن أخرجت القوات السورية منها والجماعات المنافسة لها. وهناك سبعة صحافيين أجانب آخرين وعدد آخر من السوريين.

ويقول تقرير ‘غارديان’ إن الصحافيين أجبروا منذ بداية الإنتفاضة على لعب ‘القط والفأر’ أولا مع النظام الذي راقبهم وحظر عليهم دخول البلاد لتغطية التظاهرات السلمية ولاحق بشراسة من دخلوا البلاد بطريقة غير قانونية.

وبعد سقوط عدد من المعابر الحدودية بيد المقاتلين خاصة في الشمال كان بإمكان الصحافيين التحرك من وإلى سوريا بحرية، حيث غطوا الأوضاع في حلب وإدلب والرقة ودير الزور.

داعش وصلت

وكان الصحافيون يتحركون بحماية من المقاتلين. وبالإضافة للصحافيين تدفق عبر هذه الحدود آلاف من المقاتلين الأجانب الذين انضم معظمهم للجماعات الجهادية، حيث كان بإمكان داعش وجبهة النصرة تأكيد وجودهما في المناطق وفرض سلطتهم على المجتمعات المحلية. وأصبح الإختطاف شائعا على الرغم من تراجع عدد المراسلين الأجانب. ومع ذلك ارتفعت قائمة الصحافيين الذين اختفوا، أربعة فرنسيين هم ديدي فرانسوا، و والمصور ادوارد الياس، والصحافي نيكولاس هنين وبيير توري.

وهناك كل من جيمس فولي وأوستن تايس الأمريكيان اللذان لا يعرف مكان وجودهما. وكان فولي قد اختفى في الشمال في 22 تشرين الثاني (نوفمبر) العام الماضي. فيما اختفى الصحافي الإسباني مارك ماركينداس قرب مدينة حماة في 4 أيلول/سبتمبر الماضي.

في منتصف تشرين الأول/أكتوبر تعرض فريق قناة ‘سكاي نيوز العربية’ لهجوم قرب حلب والقي القبض عليهم. فيما ألقي القبض على السويدين ماغنوس فولكيهد، والمصور نيكلاس هامرستروم في جبال القلمون، وكانا من ضمن قلة من الصحافيين اجتازوا الحدود من لبنان إلى سوريا.

ويظل اسبينوزا الذي يكتب بشكل دوري في ‘الموندو’ من أكثر الصحافيين الذين ظلوا يترددون على سوريا على الرغم من زيادة المخاطر.

ماذا حصل للثورة

وترى صحيفة ‘لوس انجليس تايمز′ أن زيادة الإختطاف مرتبط بالجماعات ذات العلاقة مع القاعدة، وأشارت إلى اختطاف راهبات معلولا والصحافيين، لكن حادثة اختفاء زيتونة تظل غير مفسرة فقد تمت مهاجمة المركز الذي تعمل فيه وهو مركز توثيق الإنتهاكات واعتقلوا زوجها وائل حمادة واثنين من زملائه حسب اللجان التنسيقية، وبحسب التقارير المحلية فقد تم اختطاف الأربعة من دوما قرب دمشق، مشيرة إلى أن رزان حازت على العديد من جوائز منظمات حقوق الإنسان وتتصل بها وسائل الإعلام الخارجية. وبحسب مصادر صحافية لبنانية نقلت عن زملاء للأربعة فقد تم أخذهم إلى منطقة يسيطر عليها المقاتلون الإسلاميون في منطقة دوما. ونقلت صحيفة لبنانية ما قالوا إن رزان تلقت تهديدات من الإسلاميين بسبب ‘آرائها العلمانية’.

وكانت زيتونة قد شجبت الإختطافات في مقال لها نشر في الأول من كانون الأول / ديسمبر الحالي.

وجاء في المقال أن الجماعات التي تخطف تقوم بإكمال ما بدأه النظام من ملاحقة للناشطين ودفع الذين قرروا البقاء على مغادرة البلاد للمنفى. ونقلت ‘واشنطن بوست’ عن ناشط في التنسيقيات قوله إن اختطاف رزان هو ‘صفعة وهو اشارة تحذير للجميع لما وصلت إليه الثورة’، مضيفا ‘لقد أصبحت حربا طائفية إقليمية تستخدم كغطاء المطالب العادلة للديمقراطية، وحش دموي’.

الخلافة تبدأ من الرقة

وفي الوقت الذي نفت فيه الفصائل الأخرى مثل الجبهة الإسلامية مسؤوليتها عن الإختطاف ينظر للقاعدة وأخواتها في سورية باعتبارها المتهم الرئيسي، وقد استطاعت الجبهة التوسع منذ أيار/مايو بفعل القدرات البشرية التي وصلت إليها من الخارج.

وترى مجلة ‘تايم’ في تقرير لها عن تطور الدولة الإسلامية وتوسع ساحتها في شمال العراق وسوريا إلى أن الاخيرة مثلت لداعش فرصة لإرسال قوات ومسلحين مدربين وذوي خبرة عملياتية واسعة.

وتحدثت المجلة في عددها الأخير عن قائد الدولة أبو بكر البغدادي، الرجل الغامض الذي وصفه مسؤول أمني في حزب الله بـ ‘الشبح’، فقد أصبح البغدادي ينافس زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري على الزعامة، ولم ينفذ أوامر الزعيم الذي ينتقل في مناطق القبائل في الباكستان عدم التدخل في سورية. فقد اعترف الظواهري بأبي محمد الجولاني، زعيم النصرة كممثل في سوريا لكن البغدادي قال إنه كان أمام الإختيار بين ‘حكم الله وحكم الظواهري، واخترت طاعة أوامر الله’.

وتنقل المجلة عن سيث جونز، الخبير في شؤون مكافحة الإرهاب في مؤسسة ‘راند’ قوله إن ‘حقيقة عصيان البغدادي لأوامر الظواهري تقترح أنه ينظر لنفسه كقائد أهم من الظواهري’.

ويعترف التقرير إن غياب الظواهري وانشغاله بأمنه قد فتح الباب أمام التنوعات الإقليمية للقاعدة كي تتنافس على القيادة، سواء في اليمن، الصومال، المغرب العربي أو العراق. ويرى جونز أن البغدادي ‘هو الولد المشاكس في القاعدة، ولا يزال على علاقة مع عائلته (التنظيم) في باكستان لكنه يسبب لهم وجع الرأس′.

ونظرت الإدارة الأمريكية للخلافات كفرصة لحدوث انشقاقات داخل التنظيم.

سيطرنا على مناطق

وفي الوقت الحالي يعترف الظواهري بموهبة البغدادي ولا يريد التخلي عنه. والسبب راجع كما تقول المجلة إلى الإنجازات التي حققتها القاعدة في سوريا وأجزاء من العراق. فقد استطاع البغدادي السيطرة على مناطق ويدير مدنا وتجمعات سكانية وهو ما لم يفعله أسامة بن لادن على الرغم من كل العمليات التي نفذها حول العالم. وقد جعل هذا القاعدة في سوريا والعراق من أقوى الفروع، مما يمنح التنظيم فرصة لتغيير خريطة المنطقة. وتقول جيسكا لويس، مديرة البحث في مركز دراسات الحرب بواشنطن إن البغدادي يملك دافعية ‘وسيطر على مناطق وأقام نوعا من الحكم’.

وتضيف أن البغدادي هو الذي ‘يدير الحرب التي يبحث عنها المقاتلون الأجانب، ويصدر الأوامر مما يجعله لاعبا رئيسيا في تنظيم القاعدة التي تتقدم للأمام’.

ويساعد البغدادي في تحقيق أهدافه تدفق أعداد من المقاتلين المجربين بطريقة لم تشهدها أية ساحة من قبل، فبحسب مسؤول في إدارة أوباما، فقد جذبت سوريا أعدادا من المقاتلين لم تجذبه أفغانستان طوال الحرب ضد السوفييت. ومعظم الجهاديين القادمين يقدمون قسم الولاء للبغدادي.

وتقول المجلة إن البغدادي ‘لا يقاتل فقط ولكن يدير مناطق’ خاصة الرقة التي زاد عدد سكانها بسبب تدفق اللاجئين من مناطق الحرب عن المليون، والموصل التي يعيش فيها مليوني نسمة ومناطق في الأنبار.

وتسيطر القاعدة أيضا على معابر حدودية قريبة من تركيا مما جعل من القدوم لسوريا أسهل مما كان عليه الأمر في أفغانستان في الماضي، وفي مناطقها تقوم القاعدة بجمع الضرائب والسيطرة على آبار نفط تشكل مصدرا للمال، وتدير مدارس ومحاكم شرعية.

وتقول المجلة إن ‘البغدادي لم يوجه بصره نحو الغرب كما فعل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، ولكن لو استمر تنظيم القاعدة بدون تحد، او استمرت الحرب الأهلية في سورية واستمر معها تدفق الجهاديين الأجانب، فالمسألة مسألة وقت قبل أن يوجه انتباهه للغرب’. ونقلت ما قاله مايك روجرز، رئيس لجنة الأمن في الكونغرس ‘إنهم يتحدثون عن عمليات في الخارج، وهو بالضبط ما فعلوه في أفغانستان والذي قاد لـ 9/11′. وكان روجرز يتحدث أمام منبر السياسة الخارجية بواشنطن حيث قال ‘الشيء الوحيد الذي يمنعهم من القيام بعمل خارجي هو الخلاف الحادث في داخل التنظيم’.

ويقول ماثيو أولسين، من المركز الوطني الأمريكي لمكافحة الإرهاب ‘إنهم يقولون إصبر لم يحن الوقت بعد’، مضيفا أن ‘الكادر الكبير من المقاتلين الأجانب يعزز الجانب العملياتي للتنظيم في الخارج والذين يمكن استخدامهم في الغرب’.

الرجل الغامض

ويتحدث التقرير عن صعود البغدادي واسمه إبراهيم بن عوض بن إبراهيم البدري الرضوي الحسيني، المولود في سامراء والذي درس في جامعة بغداد حيث حصل على شهادة الدكتوراة منها في الشريعة الإسلامية. وعمل مع أبو مصعب الزرقاي الذي قتل عام 2006، ثم أصبح زعيما لما يعرف بالدولة الإسلامية عام 2010 بعد مقتل ابو أيوب المصري وخلفه. وتنقل عن أبو عبد الرحمن حمد، وهو مقاتل من داعش في حمص يتلقى العلاج في طرابلس بعد إصابته في المعارك قوله إنه التقى بابي بكر في ديالا عام 2004 عندما سافر هو ومجموعة من المتطوعين السوريين لمواجهة الأمريكيين، ويتذكر حمد أبو بكر بقوله ‘كان قليل الكلام وإن تكلم أقنع وبهدوء’ حتى وإن كان وسط قصف وهجمات، وكان يخطط ويشارك في المعارك ويأخذ بعين الإعتبار خطط التراجع. وبدأ يخفي نفسه ويغطي وجهه بشكل جعله غامضا ورواغ من كان يحاول استهدافه، وقد ساعدته قدرته على التحدث بأكثر من لهجة على المرور دون أن يثير أي شبهة.

وقد أدى توسع تنظيم البغدادي لوصول المتطوعين إليه كما أنه يقوم بتمويل عملياته عبر الإختطاف وتبرعات من الداعمين لأيديولوجيته من دول الخليج.

وتمنح الرقة التي سيطر المقاتلون عليها في 15 آذار/ مارس العام الماضي صورة عن حلم البغدادي في بناء دولة وحكم حيث أقامت فيها داعش محاكم وسيطرت على توزيع المساعدات الإنسانية، وتحكمت بآبار النفط، ومصافيه حيث وزعت حصصه على المواطنين واستخدمته لابقاء التيار الكهربائي.

العصا والجزرة

وفتحت داعش مدارس في المدينة. ولم تكن هذه الخدمات بدون ثمن فقد انتشرت في المدينة إعلانات تدعو النساء للإلتزام بالحجاب، وقام المقاتلون بملاحقة من يقوم بالتدخين، وقاموا بمنع استخدام التعويذات وتعليقها على مرآة السيارة. وفي النهاية تمثل الرقة بداية طموح البغدادي لدولة تمتد من حدود إيران حتى تخوم الجزيرة العربية إلى شمال إفريقيا، اي إعادة حلم الإمبراطورية الإسلامية في العصر العباسي كما تقول. ولأن الرقة كانت من مدن الخلافة العريقة فقد دعا هذا عدد من أتباع البغدادي للأمل في إحياء الخلافة ويقولون حسب عامل إغاثة غربي في تركيا ‘نسيطر على مناطق ونحن أقرب للخلافة’.

ومع أن عدد مقاتلي داعش يتراوح ما بين 5-6 آلاف مقاتل لكنهم في المعظم محاربين أشداء قاتلوا في أفغانستان والعراق وليبيا.

وتقول لويس إن القاعدة قد تطورت فهي ‘ليست العدو الذي قاتلناه في العراق والذي اعتمد على التفجيرات الضخمة، لقد تطورت القاعدة والرجل الذي جعل هذا ممكنا هو وريث بن لادن’ ابو بكر البغدادي الذي تضع الولايات المتحدة على رأسه 10 ملايين دولار لمن يقتله او يبلغ عنه.

وكانت نجاحات سوريا جزءا من نجاحات حملة ‘كسر الجدران’ والتي أعلن عنها البغدادي منذ بداية العام الحالي وداهم فيها أكثر من 8 سجون منها سجن بغداد المركزي (أبو غريب سابقا) وحرر مئات من معتقلي القاعدة وأرسلهم لسوريا.

وفي دراسة للباحث النرويجي توماس هيغهامر نشرتها مجلة ‘فورين بوليسي’ لخص فيها أسباب تدفق الجهاديين بصورة كبيرة بسهولة وصولهم وغض الغرب نظره عنهم لأن الغرب عمليا يدعم ‘المقاتلين’، مقارنة مع الذين يفكرون مثلا بالإنضمام لحركة الشباب حيث يجدون أنفسهم في السجن حالة عودتهم للدول الغربية.

ولان المعارضة تسيطر على مناطق بخلاف ما كان عليه الأمر في العراق، حيث يمكن للجهادي الشاب الباحث عن مغامرة الذهاب لسوريا والعودة منها والزعم أنه قاتل فيها، يضاف إلى هذا الطابع الطائفي الذي اتخذته الحرب.

الأجانب في سوريا

وقد أدت سهولة التحرك بين سوريا والغرب بالكثيرين لقضاء اشهر في ساحات القتل ثم العودة والعودة من جديد.

وهناك ملمح لاحظه الكاتب هي طبيعة الجهاديين التي ضمت شبانا في العشرينات ونساء ورجالا في منتصف العمر على خلاف العراق أو أفغانستان.

ويختم هيغهامر دراسته بالقول إن ‘تجمع أعداد كبيرة من المقاتلين في سوريا ليس جيدا، فبعيدا عن الآثار المستقبلية على الإرهاب العالمي، فوجودهم ليس جيدا لمستقبل سوريا، وحتى لو آمنا ‘كما أؤمن أن القتال في سوريا عمل عادل وأن من بين المقاتلين صادق في نواياه، فليس من مصلحة أي شخص أن يكون هناك جيش دولي من المتطوعين في سوريا، فالجهة الوحيدة التي ستستفيد من وجودهم هي الجماعات المتطرفة التي لا تمثل حقيقة الشعب السوري والتي تخبئ في طياتها نوايا غير طيبة لسوريا، وللمنطقة والغرب بشكل عام’.

  • فريق ماسة
  • 2013-12-11
  • 11260
  • من الأرشيف

أبو بكر البغدادي ينشئ في الرقة خلافة إسلامية ستغير شكل المنطقة وظاهرة اختطاف الصحافيين في سورية مرتبطة بوصول ‘داعش’

أصبحت ظاهرة الإختطاف قي مناطق المقاتلين ظاهرة لا يسلم منها السوريون ولا الأجانب، ففي هذه المناطق الواسعة التي تتنازع سلطتها فصائل مسلحة متعددة يستخدم الإختطاف كوسيلة لتأكيد السلطة وجمع المال والإنتقام. وفي يوم الثلاثاء الماضى خرجت زوجة الصحافي خافيير اسبنوزا عن صمتها عندما كشفت عن قيام القاعدة باختطافه مع ريكاردو غارسيا فيلانوفا ومصور سوري ليس بعيدا عن الأراضي السورية، وكشف في اليوم نفسه عن اختفاء ناشطة ومحامية معروفة في الإنتفاضة رزان زيتونة وثلاثة من زملائها، حيث اختفت في مناطق يسيطر عليها المقاتلون قرب العاصمة دمشق. وكشفت تصريحات مونيكا بريتو، زوجة الصحافي الإسباني عن حالة يتم فيها استهداف الصحافيين الأجانب من قبل الجماعات المرتبطة بالقاعدة، حيث اختطف 34 صحافيا وعامل إغاثة اجنبي فيما قتل 55، مما يجعل سورية من أخطر مناطق العالم على الصحافيين ورجال الإعلام. وتقول صحيفة ‘غارديان’ إن النداء الذي وجهته بريتو والتي عملت نفسها في تغطية الأحداث السورية، يضع تساؤلات حول فعاليته وامكانية استجابة الخاطفين لها،خاصة أن عائلتي صحافيين آخرين تتجنبا الكشف عن الموضوع خشية أن لا يؤثر على محاولات تأمين إطلاق سراحهما، وخشية أن يزيد الخاطفون من قيمة الفدية المطلوبة بعد خروج الموضوع للإعلام. وقد حاولت بريتو التوصل لمكان زوجها من خلال وسطاء بدون فائدة. وتنبع المشكلة من ان الجهاديين على خلاف الخاطفين المحترفين لا يطالبون بفدية، ويتجنبون الحوار ويعزلون رهائنهم عن العالم الخارجي أي يحولون الثورة السورية من حركة للمطالبة بالحقوق والعدالة إلى مركز للجهادالعالمي حسب الصحيفة. أفرجوا عنهم ونقلت عن جويل سايمون، المدير التنفيذي لمنظمة حماية الصحافيين دعوته للإفراج عن الصحافيين المعتلقين ضد رغبتهم، مشيرا إلى أن ريكاردو دخل سورية وغطى أحداثها على الرغم من كل المخاطر التي كان يواجهها. ويلاحظ أن موجة الإختطافات قد زادت منذ أيار / مايو الماضي، والجهة التي قامت بمعظم حالات الإختطاف هي الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). ويعتقد ان كلا من اسبينوزا وفيلانوفا معتقلون في مدينة الرقة التي تسيطر الدولة عليها وتدير شؤونها منذ أن أخرجت القوات السورية منها والجماعات المنافسة لها. وهناك سبعة صحافيين أجانب آخرين وعدد آخر من السوريين. ويقول تقرير ‘غارديان’ إن الصحافيين أجبروا منذ بداية الإنتفاضة على لعب ‘القط والفأر’ أولا مع النظام الذي راقبهم وحظر عليهم دخول البلاد لتغطية التظاهرات السلمية ولاحق بشراسة من دخلوا البلاد بطريقة غير قانونية. وبعد سقوط عدد من المعابر الحدودية بيد المقاتلين خاصة في الشمال كان بإمكان الصحافيين التحرك من وإلى سوريا بحرية، حيث غطوا الأوضاع في حلب وإدلب والرقة ودير الزور. داعش وصلت وكان الصحافيون يتحركون بحماية من المقاتلين. وبالإضافة للصحافيين تدفق عبر هذه الحدود آلاف من المقاتلين الأجانب الذين انضم معظمهم للجماعات الجهادية، حيث كان بإمكان داعش وجبهة النصرة تأكيد وجودهما في المناطق وفرض سلطتهم على المجتمعات المحلية. وأصبح الإختطاف شائعا على الرغم من تراجع عدد المراسلين الأجانب. ومع ذلك ارتفعت قائمة الصحافيين الذين اختفوا، أربعة فرنسيين هم ديدي فرانسوا، و والمصور ادوارد الياس، والصحافي نيكولاس هنين وبيير توري. وهناك كل من جيمس فولي وأوستن تايس الأمريكيان اللذان لا يعرف مكان وجودهما. وكان فولي قد اختفى في الشمال في 22 تشرين الثاني (نوفمبر) العام الماضي. فيما اختفى الصحافي الإسباني مارك ماركينداس قرب مدينة حماة في 4 أيلول/سبتمبر الماضي. في منتصف تشرين الأول/أكتوبر تعرض فريق قناة ‘سكاي نيوز العربية’ لهجوم قرب حلب والقي القبض عليهم. فيما ألقي القبض على السويدين ماغنوس فولكيهد، والمصور نيكلاس هامرستروم في جبال القلمون، وكانا من ضمن قلة من الصحافيين اجتازوا الحدود من لبنان إلى سوريا. ويظل اسبينوزا الذي يكتب بشكل دوري في ‘الموندو’ من أكثر الصحافيين الذين ظلوا يترددون على سوريا على الرغم من زيادة المخاطر. ماذا حصل للثورة وترى صحيفة ‘لوس انجليس تايمز′ أن زيادة الإختطاف مرتبط بالجماعات ذات العلاقة مع القاعدة، وأشارت إلى اختطاف راهبات معلولا والصحافيين، لكن حادثة اختفاء زيتونة تظل غير مفسرة فقد تمت مهاجمة المركز الذي تعمل فيه وهو مركز توثيق الإنتهاكات واعتقلوا زوجها وائل حمادة واثنين من زملائه حسب اللجان التنسيقية، وبحسب التقارير المحلية فقد تم اختطاف الأربعة من دوما قرب دمشق، مشيرة إلى أن رزان حازت على العديد من جوائز منظمات حقوق الإنسان وتتصل بها وسائل الإعلام الخارجية. وبحسب مصادر صحافية لبنانية نقلت عن زملاء للأربعة فقد تم أخذهم إلى منطقة يسيطر عليها المقاتلون الإسلاميون في منطقة دوما. ونقلت صحيفة لبنانية ما قالوا إن رزان تلقت تهديدات من الإسلاميين بسبب ‘آرائها العلمانية’. وكانت زيتونة قد شجبت الإختطافات في مقال لها نشر في الأول من كانون الأول / ديسمبر الحالي. وجاء في المقال أن الجماعات التي تخطف تقوم بإكمال ما بدأه النظام من ملاحقة للناشطين ودفع الذين قرروا البقاء على مغادرة البلاد للمنفى. ونقلت ‘واشنطن بوست’ عن ناشط في التنسيقيات قوله إن اختطاف رزان هو ‘صفعة وهو اشارة تحذير للجميع لما وصلت إليه الثورة’، مضيفا ‘لقد أصبحت حربا طائفية إقليمية تستخدم كغطاء المطالب العادلة للديمقراطية، وحش دموي’. الخلافة تبدأ من الرقة وفي الوقت الذي نفت فيه الفصائل الأخرى مثل الجبهة الإسلامية مسؤوليتها عن الإختطاف ينظر للقاعدة وأخواتها في سورية باعتبارها المتهم الرئيسي، وقد استطاعت الجبهة التوسع منذ أيار/مايو بفعل القدرات البشرية التي وصلت إليها من الخارج. وترى مجلة ‘تايم’ في تقرير لها عن تطور الدولة الإسلامية وتوسع ساحتها في شمال العراق وسوريا إلى أن الاخيرة مثلت لداعش فرصة لإرسال قوات ومسلحين مدربين وذوي خبرة عملياتية واسعة. وتحدثت المجلة في عددها الأخير عن قائد الدولة أبو بكر البغدادي، الرجل الغامض الذي وصفه مسؤول أمني في حزب الله بـ ‘الشبح’، فقد أصبح البغدادي ينافس زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري على الزعامة، ولم ينفذ أوامر الزعيم الذي ينتقل في مناطق القبائل في الباكستان عدم التدخل في سورية. فقد اعترف الظواهري بأبي محمد الجولاني، زعيم النصرة كممثل في سوريا لكن البغدادي قال إنه كان أمام الإختيار بين ‘حكم الله وحكم الظواهري، واخترت طاعة أوامر الله’. وتنقل المجلة عن سيث جونز، الخبير في شؤون مكافحة الإرهاب في مؤسسة ‘راند’ قوله إن ‘حقيقة عصيان البغدادي لأوامر الظواهري تقترح أنه ينظر لنفسه كقائد أهم من الظواهري’. ويعترف التقرير إن غياب الظواهري وانشغاله بأمنه قد فتح الباب أمام التنوعات الإقليمية للقاعدة كي تتنافس على القيادة، سواء في اليمن، الصومال، المغرب العربي أو العراق. ويرى جونز أن البغدادي ‘هو الولد المشاكس في القاعدة، ولا يزال على علاقة مع عائلته (التنظيم) في باكستان لكنه يسبب لهم وجع الرأس′. ونظرت الإدارة الأمريكية للخلافات كفرصة لحدوث انشقاقات داخل التنظيم. سيطرنا على مناطق وفي الوقت الحالي يعترف الظواهري بموهبة البغدادي ولا يريد التخلي عنه. والسبب راجع كما تقول المجلة إلى الإنجازات التي حققتها القاعدة في سوريا وأجزاء من العراق. فقد استطاع البغدادي السيطرة على مناطق ويدير مدنا وتجمعات سكانية وهو ما لم يفعله أسامة بن لادن على الرغم من كل العمليات التي نفذها حول العالم. وقد جعل هذا القاعدة في سوريا والعراق من أقوى الفروع، مما يمنح التنظيم فرصة لتغيير خريطة المنطقة. وتقول جيسكا لويس، مديرة البحث في مركز دراسات الحرب بواشنطن إن البغدادي يملك دافعية ‘وسيطر على مناطق وأقام نوعا من الحكم’. وتضيف أن البغدادي هو الذي ‘يدير الحرب التي يبحث عنها المقاتلون الأجانب، ويصدر الأوامر مما يجعله لاعبا رئيسيا في تنظيم القاعدة التي تتقدم للأمام’. ويساعد البغدادي في تحقيق أهدافه تدفق أعداد من المقاتلين المجربين بطريقة لم تشهدها أية ساحة من قبل، فبحسب مسؤول في إدارة أوباما، فقد جذبت سوريا أعدادا من المقاتلين لم تجذبه أفغانستان طوال الحرب ضد السوفييت. ومعظم الجهاديين القادمين يقدمون قسم الولاء للبغدادي. وتقول المجلة إن البغدادي ‘لا يقاتل فقط ولكن يدير مناطق’ خاصة الرقة التي زاد عدد سكانها بسبب تدفق اللاجئين من مناطق الحرب عن المليون، والموصل التي يعيش فيها مليوني نسمة ومناطق في الأنبار. وتسيطر القاعدة أيضا على معابر حدودية قريبة من تركيا مما جعل من القدوم لسوريا أسهل مما كان عليه الأمر في أفغانستان في الماضي، وفي مناطقها تقوم القاعدة بجمع الضرائب والسيطرة على آبار نفط تشكل مصدرا للمال، وتدير مدارس ومحاكم شرعية. وتقول المجلة إن ‘البغدادي لم يوجه بصره نحو الغرب كما فعل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، ولكن لو استمر تنظيم القاعدة بدون تحد، او استمرت الحرب الأهلية في سورية واستمر معها تدفق الجهاديين الأجانب، فالمسألة مسألة وقت قبل أن يوجه انتباهه للغرب’. ونقلت ما قاله مايك روجرز، رئيس لجنة الأمن في الكونغرس ‘إنهم يتحدثون عن عمليات في الخارج، وهو بالضبط ما فعلوه في أفغانستان والذي قاد لـ 9/11′. وكان روجرز يتحدث أمام منبر السياسة الخارجية بواشنطن حيث قال ‘الشيء الوحيد الذي يمنعهم من القيام بعمل خارجي هو الخلاف الحادث في داخل التنظيم’. ويقول ماثيو أولسين، من المركز الوطني الأمريكي لمكافحة الإرهاب ‘إنهم يقولون إصبر لم يحن الوقت بعد’، مضيفا أن ‘الكادر الكبير من المقاتلين الأجانب يعزز الجانب العملياتي للتنظيم في الخارج والذين يمكن استخدامهم في الغرب’. الرجل الغامض ويتحدث التقرير عن صعود البغدادي واسمه إبراهيم بن عوض بن إبراهيم البدري الرضوي الحسيني، المولود في سامراء والذي درس في جامعة بغداد حيث حصل على شهادة الدكتوراة منها في الشريعة الإسلامية. وعمل مع أبو مصعب الزرقاي الذي قتل عام 2006، ثم أصبح زعيما لما يعرف بالدولة الإسلامية عام 2010 بعد مقتل ابو أيوب المصري وخلفه. وتنقل عن أبو عبد الرحمن حمد، وهو مقاتل من داعش في حمص يتلقى العلاج في طرابلس بعد إصابته في المعارك قوله إنه التقى بابي بكر في ديالا عام 2004 عندما سافر هو ومجموعة من المتطوعين السوريين لمواجهة الأمريكيين، ويتذكر حمد أبو بكر بقوله ‘كان قليل الكلام وإن تكلم أقنع وبهدوء’ حتى وإن كان وسط قصف وهجمات، وكان يخطط ويشارك في المعارك ويأخذ بعين الإعتبار خطط التراجع. وبدأ يخفي نفسه ويغطي وجهه بشكل جعله غامضا ورواغ من كان يحاول استهدافه، وقد ساعدته قدرته على التحدث بأكثر من لهجة على المرور دون أن يثير أي شبهة. وقد أدى توسع تنظيم البغدادي لوصول المتطوعين إليه كما أنه يقوم بتمويل عملياته عبر الإختطاف وتبرعات من الداعمين لأيديولوجيته من دول الخليج. وتمنح الرقة التي سيطر المقاتلون عليها في 15 آذار/ مارس العام الماضي صورة عن حلم البغدادي في بناء دولة وحكم حيث أقامت فيها داعش محاكم وسيطرت على توزيع المساعدات الإنسانية، وتحكمت بآبار النفط، ومصافيه حيث وزعت حصصه على المواطنين واستخدمته لابقاء التيار الكهربائي. العصا والجزرة وفتحت داعش مدارس في المدينة. ولم تكن هذه الخدمات بدون ثمن فقد انتشرت في المدينة إعلانات تدعو النساء للإلتزام بالحجاب، وقام المقاتلون بملاحقة من يقوم بالتدخين، وقاموا بمنع استخدام التعويذات وتعليقها على مرآة السيارة. وفي النهاية تمثل الرقة بداية طموح البغدادي لدولة تمتد من حدود إيران حتى تخوم الجزيرة العربية إلى شمال إفريقيا، اي إعادة حلم الإمبراطورية الإسلامية في العصر العباسي كما تقول. ولأن الرقة كانت من مدن الخلافة العريقة فقد دعا هذا عدد من أتباع البغدادي للأمل في إحياء الخلافة ويقولون حسب عامل إغاثة غربي في تركيا ‘نسيطر على مناطق ونحن أقرب للخلافة’. ومع أن عدد مقاتلي داعش يتراوح ما بين 5-6 آلاف مقاتل لكنهم في المعظم محاربين أشداء قاتلوا في أفغانستان والعراق وليبيا. وتقول لويس إن القاعدة قد تطورت فهي ‘ليست العدو الذي قاتلناه في العراق والذي اعتمد على التفجيرات الضخمة، لقد تطورت القاعدة والرجل الذي جعل هذا ممكنا هو وريث بن لادن’ ابو بكر البغدادي الذي تضع الولايات المتحدة على رأسه 10 ملايين دولار لمن يقتله او يبلغ عنه. وكانت نجاحات سوريا جزءا من نجاحات حملة ‘كسر الجدران’ والتي أعلن عنها البغدادي منذ بداية العام الحالي وداهم فيها أكثر من 8 سجون منها سجن بغداد المركزي (أبو غريب سابقا) وحرر مئات من معتقلي القاعدة وأرسلهم لسوريا. وفي دراسة للباحث النرويجي توماس هيغهامر نشرتها مجلة ‘فورين بوليسي’ لخص فيها أسباب تدفق الجهاديين بصورة كبيرة بسهولة وصولهم وغض الغرب نظره عنهم لأن الغرب عمليا يدعم ‘المقاتلين’، مقارنة مع الذين يفكرون مثلا بالإنضمام لحركة الشباب حيث يجدون أنفسهم في السجن حالة عودتهم للدول الغربية. ولان المعارضة تسيطر على مناطق بخلاف ما كان عليه الأمر في العراق، حيث يمكن للجهادي الشاب الباحث عن مغامرة الذهاب لسوريا والعودة منها والزعم أنه قاتل فيها، يضاف إلى هذا الطابع الطائفي الذي اتخذته الحرب. الأجانب في سوريا وقد أدت سهولة التحرك بين سوريا والغرب بالكثيرين لقضاء اشهر في ساحات القتل ثم العودة والعودة من جديد. وهناك ملمح لاحظه الكاتب هي طبيعة الجهاديين التي ضمت شبانا في العشرينات ونساء ورجالا في منتصف العمر على خلاف العراق أو أفغانستان. ويختم هيغهامر دراسته بالقول إن ‘تجمع أعداد كبيرة من المقاتلين في سوريا ليس جيدا، فبعيدا عن الآثار المستقبلية على الإرهاب العالمي، فوجودهم ليس جيدا لمستقبل سوريا، وحتى لو آمنا ‘كما أؤمن أن القتال في سوريا عمل عادل وأن من بين المقاتلين صادق في نواياه، فليس من مصلحة أي شخص أن يكون هناك جيش دولي من المتطوعين في سوريا، فالجهة الوحيدة التي ستستفيد من وجودهم هي الجماعات المتطرفة التي لا تمثل حقيقة الشعب السوري والتي تخبئ في طياتها نوايا غير طيبة لسوريا، وللمنطقة والغرب بشكل عام’.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة