طفت الخلافات بين دول الخليج على السطح من جديد، وكما هي العادة كانت المملكة العربية السعودية طرفا في هذا الخلاف، على خلفية اعلان وزير الشؤون الخارجية في سلطنة عُمان يوسف بن علوي بن عبد الله، أن بلاده تعارض مشروع إقامة اتحاد بين دول مجلس التعاون الخليجي، حيث قال ‘نحن ضد الاتحاد’، مما فجر الغضب السعودي متمثلا في تصريحات رسمية ‘تستخف’ بالقرار العماني، او غير رسمية متمثلة في ‘الاستهزاء’ بسلطنة عمان الدولة التي طالما كانت هادئة في تصريحاتها، عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

الا ان التصريحات الاخيرة للوزير العماني، خاصة تهديده بأنه إذا قررت الدول الخمس الأخرى الأعضاء في المجلس (السعودية والكويت وقطر والبحرين والإمارات العربية المتحدة) إقامة هذا الاتحاد ‘فسننسحب ببساطة من مجلس التعاون الخليجي’، هذا التهديد جعل السعودية تشعر بغضب شديد، خاصة بعد ان علمت أن الاتفاق الايراني الغربي الاخير كان نتاج مفاوضات ماراثونية في مسقط، من دون أن تعلم بها الرياض. كما أن التقارب الايراني الاماراتي أغضب المملكة أيضاً خاصة مما عمق من خلافات الرياض مع ابوظبي، فيما تشعر دولة مثل قطر بان الرياض تتعامل مع شقيقاتها في المجلس الخليجي بتعال لا مبرر له، خاصة ان إعادة إحياء الاتحاد الخليجي يمثل محاولة سعودية لإعادة السيطرة على دول الخليج التي باتت تفلت من زمام النفوذ السعودي.

الغضب السعودي هذا غير مبرر، ولا بـــــد ان نشـــير هنا الى ان اقتراح الاتحاد هذا تقدم به العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العـــــزيز اثناء انعقاد القـــــمة الخليجية 2011، وطالب فيه بنـــقل المجلس من صيغة التعاون بين اعضائه الى صيغة اكثر شمولا، اي الاتحاد على غرار النموذج الاوروبي.

والاقتراح جيد من دون ادنى شك، ولكنه تأخر كثيرا، وجاء في ظل ظروف صعبة يمر بها مجلس التعاون الخليجي والمنطقة برمتها، فالاواصر بين الدول الاعضاء باتت اضعف مما كانت عليه عندما تأسس المجلس قبل ثلاثين عاما على الاقل، اضافة الى ابعاد الاتفاق الغربي الايراني الاخير، ورؤية دول بالمجلس بان الخطر الشيعي ليس تهديدا لها، فيما ترى دول اخرى هذا التهديد اولوية وضرورة لهذا الاتحاد.

هناك قضايا عديدة يجب بحثها بصراحة ووضوح قبل الاقدام على هذه النقلة الكبيرة، واعداد الدراسات العلمية المتعمقة، لان النوايا الطيبة وحدها، وعلى اهميتها، ليست كافية، والمخاوف التي ساقها الوزير العماني بان بلاده لا تريد ان تدخل في صراعات اقليمية، وان السلطنة ضد عسكرة المنطقة، تجعل الهدف من هذا الاتحاد هو اقامة اتحاد فيدرالي او كونفيدرالي بين المملكة العربية السعودية والبحرين خاصة، لإنقاذ الثانية من الاحتجاجات المتصاعدة التي تواجهها من قبل المعارضة وغالبيتها العظمى من ابناء الطائفة الشيعية.

والمملكة العربية السعودية عبرت عن اعتقادها بان مملكة البحرين تواجه خطرا ايرانيا، واستندت الى تصريحات لمسؤولين ايرانيين تعتبر البحرين محافظة ايرانية، ووجدت ان الرد الامثل على هذا الخطر هو اقامة وحدة تلحقها بالدولة السعودية المترامية الاطراف بحيث تذوب فيها الاغلبية الشيعية البحرينية، اضافة الى توحد دول الخليج في اي صراع عسكري محتمل مع ايران.

فمن غير المنطقي القفز من التعاون الى الاتحاد دفعة واحدة واتفاقية التعرفة الجمركية والسوق الخليجية المشتركة بين دول المجلس، وهي من اسهل القضايا، ما زالت موضع خلاف، ولم تحظ بالتطبيق حتى الآن، رغم التوصل اليها قبل سنوات.

ولا زالت العملة الخليجية الموحدة محور خلافات عميقة ايضا، وهناك دولتان ما زالتا ترفضان الالتزام بها، وهما الامارات وسلطنة عمان، الامر الذي بدد الآمال في هذا المضمار، خاصة بعد رفض المملكة العربية السعودية طلبا تقدمت به دولة الامارات لاستضافة مقر البنك المركزي الخليجي، الذي رأت فيه ابو ظبي استحواذا من الشقيقة الكبرى على جميع مؤسسات المجلس.

ولا يمكن نسيان الخلافات الحدودية بين الدول الاعضاء في المجلس، وهي الخلافات التي عطلت مشاريع كبرى يمكن ان تلعب دورا في التقريب بين الشعوب وتسهيل تنقل المواطنين، وابرزها الجسر البحري الذي كان من المفترض ان يربط دولة قطر بدولة الامارات العربية المتحدة.

وربما يفيد التذكير بالازمات الحدودية بين الامارات والسعودية، التي ادت الى اغلاق الحدود، وامتداد طابور الشاحنات الى اكثر من عشرين كيلومترا، او منع مواطني الامارات من دخول الاراضي السعودية بالبطاقة الشخصية، بسبب ما رأته الرياض خللا في البطاقة الشخصية تضمن حدودا تؤكد على سيادة الامارات على شريط العيديد الحدودي.

كما ان الشرخ السعودي القطري كبير في ملفي مصر وسورية، والعلاقات بين قطر والامارات سيئة بسبب اتهام قطر بدعم الاخوان المسلمين، بما في ذلك داخل دول الخليج. لذلك فان محاولة الصاق التهم جزافا بسلطنة عمان على انها المعطل لقيام هذا الاتحاد غير واقعية، اضافة الى ان السلطنة عرضت عدة مشاريع على دول مجلس التعاون الخليجي بما فيها انشاء جيش خليجي في عام 1999 وتم رفض ذلك من قبل السعودية.

اما تهمة تقارب مسقط مع طهران خاصة مؤخرا، التي تحاول الرياض التعويل عليها كسبب للرفض العماني للاتحاد، فهي لا تمت لواقع سلطنة عمان، خاصة ان السلطنة ذات الاغلبية الاباضية لم تكن يوما في معزل عن ايران، بل بالعكس لطالما تمتعت بعلاقات طيبة مع ايران حتى في ظل مقاطعة خليجية وعربية، وهو موقف ليس بجديد ومشروع، بل وحكيم الا توتر علاقتها بطهران تبعا لاهواء شقيقاتها في دول الخليج.

من الصعب قيام التعاون، ناهيـــــك عن الاتحـــــاد، بين دول الخليج التي تعتبر الاكثر تجانسا في المنطقة العربية اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، في ظل وجود مثل هذه الخلافات.

لا اريد ان اكون متشائما تجاه اي تقارب عربي ـ عربي ولكن اطلاق الوعود شيء والتطبيق شيء آخر تماما، وفكرة الاتحاد هذه بين دول الخليج ربما سيكون مصيرها التأجيل مثل اغلب مشاريع مجلس التعاون الخليجي التي كساها الغبار على الرفوف، وربما قبل التوجه الى الاتحاد مع دول اخرى يجب على القيادات في دول الخليج الاقتراب من شعوبها واشراكها في القرارات المصيرية، او ربما وضع هذه القرارات في استفتاء شعبي قبل ان تقرر هذه القيادات التقارب مع دول اخرى.

  • فريق ماسة
  • 2013-12-09
  • 9233
  • من الأرشيف

سياسات السعودية المتعالية ومجلس التعاون والاتحاد والخطر الشيعي

طفت الخلافات بين دول الخليج على السطح من جديد، وكما هي العادة كانت المملكة العربية السعودية طرفا في هذا الخلاف، على خلفية اعلان وزير الشؤون الخارجية في سلطنة عُمان يوسف بن علوي بن عبد الله، أن بلاده تعارض مشروع إقامة اتحاد بين دول مجلس التعاون الخليجي، حيث قال ‘نحن ضد الاتحاد’، مما فجر الغضب السعودي متمثلا في تصريحات رسمية ‘تستخف’ بالقرار العماني، او غير رسمية متمثلة في ‘الاستهزاء’ بسلطنة عمان الدولة التي طالما كانت هادئة في تصريحاتها، عبر مواقع التواصل الاجتماعي. الا ان التصريحات الاخيرة للوزير العماني، خاصة تهديده بأنه إذا قررت الدول الخمس الأخرى الأعضاء في المجلس (السعودية والكويت وقطر والبحرين والإمارات العربية المتحدة) إقامة هذا الاتحاد ‘فسننسحب ببساطة من مجلس التعاون الخليجي’، هذا التهديد جعل السعودية تشعر بغضب شديد، خاصة بعد ان علمت أن الاتفاق الايراني الغربي الاخير كان نتاج مفاوضات ماراثونية في مسقط، من دون أن تعلم بها الرياض. كما أن التقارب الايراني الاماراتي أغضب المملكة أيضاً خاصة مما عمق من خلافات الرياض مع ابوظبي، فيما تشعر دولة مثل قطر بان الرياض تتعامل مع شقيقاتها في المجلس الخليجي بتعال لا مبرر له، خاصة ان إعادة إحياء الاتحاد الخليجي يمثل محاولة سعودية لإعادة السيطرة على دول الخليج التي باتت تفلت من زمام النفوذ السعودي. الغضب السعودي هذا غير مبرر، ولا بـــــد ان نشـــير هنا الى ان اقتراح الاتحاد هذا تقدم به العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العـــــزيز اثناء انعقاد القـــــمة الخليجية 2011، وطالب فيه بنـــقل المجلس من صيغة التعاون بين اعضائه الى صيغة اكثر شمولا، اي الاتحاد على غرار النموذج الاوروبي. والاقتراح جيد من دون ادنى شك، ولكنه تأخر كثيرا، وجاء في ظل ظروف صعبة يمر بها مجلس التعاون الخليجي والمنطقة برمتها، فالاواصر بين الدول الاعضاء باتت اضعف مما كانت عليه عندما تأسس المجلس قبل ثلاثين عاما على الاقل، اضافة الى ابعاد الاتفاق الغربي الايراني الاخير، ورؤية دول بالمجلس بان الخطر الشيعي ليس تهديدا لها، فيما ترى دول اخرى هذا التهديد اولوية وضرورة لهذا الاتحاد. هناك قضايا عديدة يجب بحثها بصراحة ووضوح قبل الاقدام على هذه النقلة الكبيرة، واعداد الدراسات العلمية المتعمقة، لان النوايا الطيبة وحدها، وعلى اهميتها، ليست كافية، والمخاوف التي ساقها الوزير العماني بان بلاده لا تريد ان تدخل في صراعات اقليمية، وان السلطنة ضد عسكرة المنطقة، تجعل الهدف من هذا الاتحاد هو اقامة اتحاد فيدرالي او كونفيدرالي بين المملكة العربية السعودية والبحرين خاصة، لإنقاذ الثانية من الاحتجاجات المتصاعدة التي تواجهها من قبل المعارضة وغالبيتها العظمى من ابناء الطائفة الشيعية. والمملكة العربية السعودية عبرت عن اعتقادها بان مملكة البحرين تواجه خطرا ايرانيا، واستندت الى تصريحات لمسؤولين ايرانيين تعتبر البحرين محافظة ايرانية، ووجدت ان الرد الامثل على هذا الخطر هو اقامة وحدة تلحقها بالدولة السعودية المترامية الاطراف بحيث تذوب فيها الاغلبية الشيعية البحرينية، اضافة الى توحد دول الخليج في اي صراع عسكري محتمل مع ايران. فمن غير المنطقي القفز من التعاون الى الاتحاد دفعة واحدة واتفاقية التعرفة الجمركية والسوق الخليجية المشتركة بين دول المجلس، وهي من اسهل القضايا، ما زالت موضع خلاف، ولم تحظ بالتطبيق حتى الآن، رغم التوصل اليها قبل سنوات. ولا زالت العملة الخليجية الموحدة محور خلافات عميقة ايضا، وهناك دولتان ما زالتا ترفضان الالتزام بها، وهما الامارات وسلطنة عمان، الامر الذي بدد الآمال في هذا المضمار، خاصة بعد رفض المملكة العربية السعودية طلبا تقدمت به دولة الامارات لاستضافة مقر البنك المركزي الخليجي، الذي رأت فيه ابو ظبي استحواذا من الشقيقة الكبرى على جميع مؤسسات المجلس. ولا يمكن نسيان الخلافات الحدودية بين الدول الاعضاء في المجلس، وهي الخلافات التي عطلت مشاريع كبرى يمكن ان تلعب دورا في التقريب بين الشعوب وتسهيل تنقل المواطنين، وابرزها الجسر البحري الذي كان من المفترض ان يربط دولة قطر بدولة الامارات العربية المتحدة. وربما يفيد التذكير بالازمات الحدودية بين الامارات والسعودية، التي ادت الى اغلاق الحدود، وامتداد طابور الشاحنات الى اكثر من عشرين كيلومترا، او منع مواطني الامارات من دخول الاراضي السعودية بالبطاقة الشخصية، بسبب ما رأته الرياض خللا في البطاقة الشخصية تضمن حدودا تؤكد على سيادة الامارات على شريط العيديد الحدودي. كما ان الشرخ السعودي القطري كبير في ملفي مصر وسورية، والعلاقات بين قطر والامارات سيئة بسبب اتهام قطر بدعم الاخوان المسلمين، بما في ذلك داخل دول الخليج. لذلك فان محاولة الصاق التهم جزافا بسلطنة عمان على انها المعطل لقيام هذا الاتحاد غير واقعية، اضافة الى ان السلطنة عرضت عدة مشاريع على دول مجلس التعاون الخليجي بما فيها انشاء جيش خليجي في عام 1999 وتم رفض ذلك من قبل السعودية. اما تهمة تقارب مسقط مع طهران خاصة مؤخرا، التي تحاول الرياض التعويل عليها كسبب للرفض العماني للاتحاد، فهي لا تمت لواقع سلطنة عمان، خاصة ان السلطنة ذات الاغلبية الاباضية لم تكن يوما في معزل عن ايران، بل بالعكس لطالما تمتعت بعلاقات طيبة مع ايران حتى في ظل مقاطعة خليجية وعربية، وهو موقف ليس بجديد ومشروع، بل وحكيم الا توتر علاقتها بطهران تبعا لاهواء شقيقاتها في دول الخليج. من الصعب قيام التعاون، ناهيـــــك عن الاتحـــــاد، بين دول الخليج التي تعتبر الاكثر تجانسا في المنطقة العربية اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، في ظل وجود مثل هذه الخلافات. لا اريد ان اكون متشائما تجاه اي تقارب عربي ـ عربي ولكن اطلاق الوعود شيء والتطبيق شيء آخر تماما، وفكرة الاتحاد هذه بين دول الخليج ربما سيكون مصيرها التأجيل مثل اغلب مشاريع مجلس التعاون الخليجي التي كساها الغبار على الرفوف، وربما قبل التوجه الى الاتحاد مع دول اخرى يجب على القيادات في دول الخليج الاقتراب من شعوبها واشراكها في القرارات المصيرية، او ربما وضع هذه القرارات في استفتاء شعبي قبل ان تقرر هذه القيادات التقارب مع دول اخرى.

المصدر : القدس العربي / أحمد المصري


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة