في لبنان يظهر أن كل المجموعات الجهادية التي بايعت القاعدة، المتمركزة في المخيمات الفلسطينية قرب صيدا وطرابلس، تتلقى تمويلها بشكل أساسي من الأمير بندر بن سلطان.

« (رئيس الاستخبارات السعودية) الذي يقود سياسته الإقليمية منفرداً ومستقلاً عن أشقائه وأبناء عمومته».

غيض من فيض من كتاب «الاستخبارات الفرنسية: الرهانات الجديدة» الصادر قبل أيام. كاتبه ليس رجلاً عادياً. برنار سكاوارسيني انتظر انصراف نيف وعام على مغادرته رأس الإدارة المركزية للاستخبارات الفرنسية الداخلية، كي يخلع قفازات التحفظ والصمت الذي يفرضه المنصب، ويجاهر تحت الضوء بما كان الجواسيس يهمسون به في الظل ضد السياسة الفرنسية في سوريا والتحالف مع قطر والسعودية، وتعرجات الأليزيه الخطرة في تسليح المعارضة السورية. سكاوارسيني «يروي حرب الجميع ضد الجميع»، في أجهزة الاستخبارات الغربية من اجل الأسواق والصفقات الكبيرة، لكنه يتناول هواجس الاستخبارات بعودة المئات من الأوروبيين المقاتلين في سوريا أحياءً.

وأيضا يأتي على الأدوار السعودية والقطرية، حيث يحضر بندر بن سلطان في دعم الجماعات «الجهادية»، في قوس الأزمات الممتد من أفغانستان فالمتوسط السوري اللبناني، فمصر، فشمال أفريقيا: «فقطر الشريك التجاري والسياسي الكبير لفرنسا متهمة بتمويل إذا لم نقل بتسليح الجماعات الإسلامية المقاتلة في أفريقيا، ضد الجيش الفرنسي». وتستخدم قطر الجمعيات غير الحكومية، لإخفاء وتمرير الدعم اللوجستي وتجنيد وتدريب الجماعات «الجهادية».

وأبعد من المعسكرات التركية والأردنية تعمل هذه الإستراتيجية على رفد جبهات «الجهاد» العالمي بالمقاتلين، الأكثر انضباطاً وحماساً، وخصوصاً سوريا «نعلم جيداً اليوم أن الجنوب الليبي، قرب مدينة سبها، أصبح عمقاً إستراتيجياً للجماعات الجهادية، يحتضن معسكرات تدريب يشرف عليها باكستانيون ومصريون ويمنيون، وقد تحولت إلى حصن لجماعات لا تقاتل في أفريقيا وحدها، وإنما في سوريا والعراق».

السعوديون لهم دورهم تمويلاً وتدريباً. ولتنظيم «الجهاد» السوري عاد السعوديون إلى وصفاتهم القديمة التي استخدموها في أفغانستان والبوسنة «ففي 22 آذار العام 2013 نظمت الاستخبارات الهولندية والبريطانية والبلجيكية والفرنسية اجتماعاً في دبلن لإطلاق صافرة الإنذار. ورأى المجتمعون أن أعداد مواطنيهم المقاتلين في سوريا يعد بالمئات في صفوف الجماعات الأكثر تطرفاً. في لندن وفي بروكسل بعثت الشبكات نفسها التي استخدمت في الجهاد الأفغاني والبوسني والشيشاني. إن مخاوف الاستخبارات تنبعث من احتمال عودة هؤلاء إلى أوروبا. في هذا السياق كيف يمكن تقييم ما تقوم به قطر والسعودية، وممالك نفطية أخرى، اعتادت هي الأخرى تمويل الإرهاب؟ هل يمكن وصف هذه البلدان بالصديقة، بينما تعمل موضوعياً ضد المصالح الفرنسية؟».

ويضيف «نحن نعلم منذ 20 عاماً أن مصارف سعودية ومصرية وكويتية مولت الجماعات الإسلامية في مصر والجزائر. وكانت حقائب الأوراق النقدية تمر بجنيف ولوغانو وميلان عبر منظمات غير حكومية إنسانية وشركات تجارية وهمية. ولكننا نشهد اليوم إعادة تشكيل شبكات التمويل بشكل أكثر تعقيداً وكمالاً. البعض منها يأتي من السعودية والبعض الآخر من قطر الأكثر حماساً. وقد تحولت قطر إلى معلمة كبيرة في أساليب الهندسة المالية العالمية التي تمر عبر صناديق مالية أو استثمارات، لكنها تصب كلها في النهاية في خدمة شبكات من الجمعيات التي تتصل بجماعات مسلحة».

يظهر سكاوارسيني، في كتابه، عمق الخلافات بين وزارة الخارجية الفرنسية والأجهزة الأمنية الفرنسية. وتتضح الآن أسباب التعرجات التي سلكتها الديبلوماسية الفرنسية خلال الربيع الماضي. قدم الرئيس فرنسوا هولاند تعهدات بتسليح المعارضة، أقواها في آذار الماضي، ثم تراجع عنها لاحقاً، تحت ضغط الأجهزة الأمنية التي حذرت من تركيبة المعارضة السورية وهيمنة الجماعات «الجهادية» مبكراً على العمل العسكري وعلاقة نواتها «الجهادية» بشبكة عابرة للقارات، تهدد المصالح الفرنسية.

سكاوارسيني عمل على تفكيك الديبلوماسية الفرنسية إزاء سوريا والرهانات الخطأ على سقوط النظام، وتفسير الاندفاعة الكبيرة التي قام بها وزير الخارجية لوران فابيوس نحو قطع أي اتصال ديبلوماسي وأمني بدمشق، وحرمان الأجهزة الفرنسية من تفقد الأرض ومتابعة الأحداث، والتعاون مع الاستخبارات السورية ضد الإرهاب في فرنسا. ويقول «منذ وصول لوران فابيوس إلى الخارجية قطعت كل الجسور مع دمشق، لأن باريس كانت تراهن على سقوط سريع للنظام. كانت تلك حسابات محفوفة بالمخاطر، لم يبق الرئيس بشار الأسد في موقعه فحسب بل إنه خرج أقوى من السابق، بعد أزمة الكيميائي، بمعية حليفه الروسي. إن إدارة الديبلوماسية الفرنسية للأزمة السورية، يتناقض مع كل منطق، لم نتمكن من فهم الدوافع التي تعمل من خلالها ديبلوماسيتنا، وخصوصا ما الفائدة منها».

ويغامر سكاوارسيني بتقديم إجابة «فالسياسة الخارجية اليوم ما عادت حكراً على الدولة والحكومة، إذ تعبرها كلها الجمعيات غير الحكومية والمجموعات الإعلامية الكبرى، وهي مجموعات لم يعد محور عملها الإعلام، وإنما التأثير الإيديولوجي والإستراتيجي».

ويبدو أن سكاوارسيني يشير إلى الدور الكبير الذي لعبته صحيفة «اللوموند» في التحريض على الحرب ضد سوريا وفي دفعها الخارجية الفرنسية إلى تبني تحقيق صحافي عن استخدام الكيميائي في ريف دمشق، وتحويل «ريبورتاج» إلى مادة مرافعة قانونية ضد النظام السوري ودلائل تضاف إلى الملف الاتهامي، ورفعه إلى الأمم المتحدة. ولعبت الصحيفة الفرنسية دوراً بارزاً في الضغط لتسليح المعارضة. ويروي سكاوارسيني مأزق الجواسيس الفرنسيين في التفتيش عن الإبرة العلمانية السورية المعارضة، في تلة القش «الجهادية» و«القاعدية» لكي يتاح لهولاند تسليحها.

ويعيد رئيس الاستخبارات الفرنسية الفضل لجهازه في عودة الديبلوماسية الفرنسية وهولاند عن قرار تسليح المعارضة. ويقول «إنه لا يوجد جهاز أمني، فرنسي أو أجنبي، في هذه المنطقة الرمادية والصفيقة، قادر على تحديد من هو علماني أو ديموقراطي في المعارضة لكي نقوم بتسليحه أو تمويله. علينا أن نتحلى بوضوح الرؤية وبالشجاعة لكي نعترف بأننا أخطأنا كثيراً في الملف السوري، وبأن الحرب الأهلية الإقليمية المستعرة تسمح للقاعدة والجماعات التي تندرج في تيارها بأن تتوسع وتنتشر بطريقة ممنهجة ومتواصلة في الشرق الأوسط. ففي مواجهة الأزمة السورية ينبغي على الاستخبارات الفرنسية أن تستخدم كل معجزاتها. ونحن نعلم تماماً أن بين من يعارضون بشار الأسد بالسلاح يوجد إسلاميون من المغرب، ليبيا، العراق، مصر، أفغانستان، باكستان، والشيشان وداغستان، ومن الممكن أن نحصي بينهم المئات من الفرنسيين. هؤلاء المحاربون المجربون يخوضون حرباً دينية، لاستئصال نظام لا يعجبهم. هل أن دورنا ومصلحتنا هو أن نسلح هؤلاء الناس الذين لا يبدون كبير إعجاب بقيمنا الديموقراطية والعلمانية أيضا؟».

ويروي المأزق الفرنسي خلال زيارة هولاند إلى الجزائر، العام الماضي، ولقائه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة حيث «تحدث هولاند مطولا عن ضرورة التعاون لاحتواء اندفاعة الجهاديين في مالي، وتهديدها منطقة الساحل الأفريقي، فرد عليه بوتفليقة نحن متفقون على مكافحة الجهاديين في الساحل لكن لماذا تحرصون على مساعدتهم وحتى تسليحهم في سوريا؟».

ويبدو أن النصائح لم تمر من دون مقاومة في الخارجية الفرنسية «تعهد اريك شوفالييه، مدير الملف السوري، لعدة مرات بالإشراف على تسليم الأسلحة، لتصل إلى معارضين معتدلين. بوسعنا أن نسلم أكياس أرز، أرجوكم، لكن لا تخلطوا بين العمل الإنساني الذي يمكن التوسع في الكلام عنه هو أيضاً وبين تسليح جماعات لا يمكن التنبؤ اليوم، بمآلاتها. إن الخلط بينهما يفضي إلى مضاعفة الأخطار في قوس من الأزمات، يكفيه ما فيه من تعقيدات، وفي مناطق مشبعة بالسلاح من كل نوع. فكروا بجنودنا في مالي وفي جنوب لبنان، وبقواعدنا في أبو ظبي، جيبوتي، وأفريقيا السوداء، وبمصالحنا في مصر وليبيا وتونس. إن خطر اشتعال المنطقة واقعي، وينبغي استباقه».

ولفهم التشديد على إبقاء التعاون الأمني مع النظام السوري الحالي ينبغي النظر إلى سوريا كعنصر تقليدي في منظومة الأمن الداخلي الفرنسي. يقول سكاوارسيني «تمثل سوريا تقليدياً، ليس ركناً مركزياً في نظامنا الأمني في المنطقة بل في إدارة التهديدات الداخلية. فبفضل التعاون المتواصل مع الاستخبارات السورية استطعنا إحباط الكثير من الهجمات التي كانت تستهدف فرنسا، ليس في لبنان فحسب وإنما على الأراضي الفرنسية أيضاً».

ويروي سكاوارسيني «بناءً على طلب رئيس هيئة الأركان لدى الرئاسة الفرنسية الجنرال بنوا بوغا وللمساعدة على تفادي عدد من الهجمات التقيت مسؤولين كبار في حزب الله، بوساطة من الاستخبارات السورية، ينبغي أن نتذكر على الدوام أن رجال الاستخبارات كالفيلة يتمتعون بذاكرة قوية».

ما الخطر الإرهابي الذي تواجهه فرنسا، يقول سكاوارسيني «حالياً يأتي التهديد الكبير من الإسلام الرادياكالي السني، من دون أن نهمل البعد الشيعي طبعاً، وحزب الله. لكن الإشارات الإنذارية الأقوى تأتي من حركة متنوعة، جذعها الإيديولوجي حركة الإخوان المسلمين. هل بوسعنا أن نتصدى للظاهرة كفرنسيين؟ بوسعنا أن نشك بذلك، ولكن بمساعدة أجهزة الاستخبارات الأخرى تعلمنا أن نحيط باتساع ذلك التهديد» ومنها طبعا الاستخبارات السورية.

  • فريق ماسة
  • 2013-12-08
  • 10985
  • من الأرشيف

رئيس الاستخبارات الفرنسية السابق: بندر يسلح «الجهاديين» في لبنان

في لبنان يظهر أن كل المجموعات الجهادية التي بايعت القاعدة، المتمركزة في المخيمات الفلسطينية قرب صيدا وطرابلس، تتلقى تمويلها بشكل أساسي من الأمير بندر بن سلطان. « (رئيس الاستخبارات السعودية) الذي يقود سياسته الإقليمية منفرداً ومستقلاً عن أشقائه وأبناء عمومته». غيض من فيض من كتاب «الاستخبارات الفرنسية: الرهانات الجديدة» الصادر قبل أيام. كاتبه ليس رجلاً عادياً. برنار سكاوارسيني انتظر انصراف نيف وعام على مغادرته رأس الإدارة المركزية للاستخبارات الفرنسية الداخلية، كي يخلع قفازات التحفظ والصمت الذي يفرضه المنصب، ويجاهر تحت الضوء بما كان الجواسيس يهمسون به في الظل ضد السياسة الفرنسية في سوريا والتحالف مع قطر والسعودية، وتعرجات الأليزيه الخطرة في تسليح المعارضة السورية. سكاوارسيني «يروي حرب الجميع ضد الجميع»، في أجهزة الاستخبارات الغربية من اجل الأسواق والصفقات الكبيرة، لكنه يتناول هواجس الاستخبارات بعودة المئات من الأوروبيين المقاتلين في سوريا أحياءً. وأيضا يأتي على الأدوار السعودية والقطرية، حيث يحضر بندر بن سلطان في دعم الجماعات «الجهادية»، في قوس الأزمات الممتد من أفغانستان فالمتوسط السوري اللبناني، فمصر، فشمال أفريقيا: «فقطر الشريك التجاري والسياسي الكبير لفرنسا متهمة بتمويل إذا لم نقل بتسليح الجماعات الإسلامية المقاتلة في أفريقيا، ضد الجيش الفرنسي». وتستخدم قطر الجمعيات غير الحكومية، لإخفاء وتمرير الدعم اللوجستي وتجنيد وتدريب الجماعات «الجهادية». وأبعد من المعسكرات التركية والأردنية تعمل هذه الإستراتيجية على رفد جبهات «الجهاد» العالمي بالمقاتلين، الأكثر انضباطاً وحماساً، وخصوصاً سوريا «نعلم جيداً اليوم أن الجنوب الليبي، قرب مدينة سبها، أصبح عمقاً إستراتيجياً للجماعات الجهادية، يحتضن معسكرات تدريب يشرف عليها باكستانيون ومصريون ويمنيون، وقد تحولت إلى حصن لجماعات لا تقاتل في أفريقيا وحدها، وإنما في سوريا والعراق». السعوديون لهم دورهم تمويلاً وتدريباً. ولتنظيم «الجهاد» السوري عاد السعوديون إلى وصفاتهم القديمة التي استخدموها في أفغانستان والبوسنة «ففي 22 آذار العام 2013 نظمت الاستخبارات الهولندية والبريطانية والبلجيكية والفرنسية اجتماعاً في دبلن لإطلاق صافرة الإنذار. ورأى المجتمعون أن أعداد مواطنيهم المقاتلين في سوريا يعد بالمئات في صفوف الجماعات الأكثر تطرفاً. في لندن وفي بروكسل بعثت الشبكات نفسها التي استخدمت في الجهاد الأفغاني والبوسني والشيشاني. إن مخاوف الاستخبارات تنبعث من احتمال عودة هؤلاء إلى أوروبا. في هذا السياق كيف يمكن تقييم ما تقوم به قطر والسعودية، وممالك نفطية أخرى، اعتادت هي الأخرى تمويل الإرهاب؟ هل يمكن وصف هذه البلدان بالصديقة، بينما تعمل موضوعياً ضد المصالح الفرنسية؟». ويضيف «نحن نعلم منذ 20 عاماً أن مصارف سعودية ومصرية وكويتية مولت الجماعات الإسلامية في مصر والجزائر. وكانت حقائب الأوراق النقدية تمر بجنيف ولوغانو وميلان عبر منظمات غير حكومية إنسانية وشركات تجارية وهمية. ولكننا نشهد اليوم إعادة تشكيل شبكات التمويل بشكل أكثر تعقيداً وكمالاً. البعض منها يأتي من السعودية والبعض الآخر من قطر الأكثر حماساً. وقد تحولت قطر إلى معلمة كبيرة في أساليب الهندسة المالية العالمية التي تمر عبر صناديق مالية أو استثمارات، لكنها تصب كلها في النهاية في خدمة شبكات من الجمعيات التي تتصل بجماعات مسلحة». يظهر سكاوارسيني، في كتابه، عمق الخلافات بين وزارة الخارجية الفرنسية والأجهزة الأمنية الفرنسية. وتتضح الآن أسباب التعرجات التي سلكتها الديبلوماسية الفرنسية خلال الربيع الماضي. قدم الرئيس فرنسوا هولاند تعهدات بتسليح المعارضة، أقواها في آذار الماضي، ثم تراجع عنها لاحقاً، تحت ضغط الأجهزة الأمنية التي حذرت من تركيبة المعارضة السورية وهيمنة الجماعات «الجهادية» مبكراً على العمل العسكري وعلاقة نواتها «الجهادية» بشبكة عابرة للقارات، تهدد المصالح الفرنسية. سكاوارسيني عمل على تفكيك الديبلوماسية الفرنسية إزاء سوريا والرهانات الخطأ على سقوط النظام، وتفسير الاندفاعة الكبيرة التي قام بها وزير الخارجية لوران فابيوس نحو قطع أي اتصال ديبلوماسي وأمني بدمشق، وحرمان الأجهزة الفرنسية من تفقد الأرض ومتابعة الأحداث، والتعاون مع الاستخبارات السورية ضد الإرهاب في فرنسا. ويقول «منذ وصول لوران فابيوس إلى الخارجية قطعت كل الجسور مع دمشق، لأن باريس كانت تراهن على سقوط سريع للنظام. كانت تلك حسابات محفوفة بالمخاطر، لم يبق الرئيس بشار الأسد في موقعه فحسب بل إنه خرج أقوى من السابق، بعد أزمة الكيميائي، بمعية حليفه الروسي. إن إدارة الديبلوماسية الفرنسية للأزمة السورية، يتناقض مع كل منطق، لم نتمكن من فهم الدوافع التي تعمل من خلالها ديبلوماسيتنا، وخصوصا ما الفائدة منها». ويغامر سكاوارسيني بتقديم إجابة «فالسياسة الخارجية اليوم ما عادت حكراً على الدولة والحكومة، إذ تعبرها كلها الجمعيات غير الحكومية والمجموعات الإعلامية الكبرى، وهي مجموعات لم يعد محور عملها الإعلام، وإنما التأثير الإيديولوجي والإستراتيجي». ويبدو أن سكاوارسيني يشير إلى الدور الكبير الذي لعبته صحيفة «اللوموند» في التحريض على الحرب ضد سوريا وفي دفعها الخارجية الفرنسية إلى تبني تحقيق صحافي عن استخدام الكيميائي في ريف دمشق، وتحويل «ريبورتاج» إلى مادة مرافعة قانونية ضد النظام السوري ودلائل تضاف إلى الملف الاتهامي، ورفعه إلى الأمم المتحدة. ولعبت الصحيفة الفرنسية دوراً بارزاً في الضغط لتسليح المعارضة. ويروي سكاوارسيني مأزق الجواسيس الفرنسيين في التفتيش عن الإبرة العلمانية السورية المعارضة، في تلة القش «الجهادية» و«القاعدية» لكي يتاح لهولاند تسليحها. ويعيد رئيس الاستخبارات الفرنسية الفضل لجهازه في عودة الديبلوماسية الفرنسية وهولاند عن قرار تسليح المعارضة. ويقول «إنه لا يوجد جهاز أمني، فرنسي أو أجنبي، في هذه المنطقة الرمادية والصفيقة، قادر على تحديد من هو علماني أو ديموقراطي في المعارضة لكي نقوم بتسليحه أو تمويله. علينا أن نتحلى بوضوح الرؤية وبالشجاعة لكي نعترف بأننا أخطأنا كثيراً في الملف السوري، وبأن الحرب الأهلية الإقليمية المستعرة تسمح للقاعدة والجماعات التي تندرج في تيارها بأن تتوسع وتنتشر بطريقة ممنهجة ومتواصلة في الشرق الأوسط. ففي مواجهة الأزمة السورية ينبغي على الاستخبارات الفرنسية أن تستخدم كل معجزاتها. ونحن نعلم تماماً أن بين من يعارضون بشار الأسد بالسلاح يوجد إسلاميون من المغرب، ليبيا، العراق، مصر، أفغانستان، باكستان، والشيشان وداغستان، ومن الممكن أن نحصي بينهم المئات من الفرنسيين. هؤلاء المحاربون المجربون يخوضون حرباً دينية، لاستئصال نظام لا يعجبهم. هل أن دورنا ومصلحتنا هو أن نسلح هؤلاء الناس الذين لا يبدون كبير إعجاب بقيمنا الديموقراطية والعلمانية أيضا؟». ويروي المأزق الفرنسي خلال زيارة هولاند إلى الجزائر، العام الماضي، ولقائه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة حيث «تحدث هولاند مطولا عن ضرورة التعاون لاحتواء اندفاعة الجهاديين في مالي، وتهديدها منطقة الساحل الأفريقي، فرد عليه بوتفليقة نحن متفقون على مكافحة الجهاديين في الساحل لكن لماذا تحرصون على مساعدتهم وحتى تسليحهم في سوريا؟». ويبدو أن النصائح لم تمر من دون مقاومة في الخارجية الفرنسية «تعهد اريك شوفالييه، مدير الملف السوري، لعدة مرات بالإشراف على تسليم الأسلحة، لتصل إلى معارضين معتدلين. بوسعنا أن نسلم أكياس أرز، أرجوكم، لكن لا تخلطوا بين العمل الإنساني الذي يمكن التوسع في الكلام عنه هو أيضاً وبين تسليح جماعات لا يمكن التنبؤ اليوم، بمآلاتها. إن الخلط بينهما يفضي إلى مضاعفة الأخطار في قوس من الأزمات، يكفيه ما فيه من تعقيدات، وفي مناطق مشبعة بالسلاح من كل نوع. فكروا بجنودنا في مالي وفي جنوب لبنان، وبقواعدنا في أبو ظبي، جيبوتي، وأفريقيا السوداء، وبمصالحنا في مصر وليبيا وتونس. إن خطر اشتعال المنطقة واقعي، وينبغي استباقه». ولفهم التشديد على إبقاء التعاون الأمني مع النظام السوري الحالي ينبغي النظر إلى سوريا كعنصر تقليدي في منظومة الأمن الداخلي الفرنسي. يقول سكاوارسيني «تمثل سوريا تقليدياً، ليس ركناً مركزياً في نظامنا الأمني في المنطقة بل في إدارة التهديدات الداخلية. فبفضل التعاون المتواصل مع الاستخبارات السورية استطعنا إحباط الكثير من الهجمات التي كانت تستهدف فرنسا، ليس في لبنان فحسب وإنما على الأراضي الفرنسية أيضاً». ويروي سكاوارسيني «بناءً على طلب رئيس هيئة الأركان لدى الرئاسة الفرنسية الجنرال بنوا بوغا وللمساعدة على تفادي عدد من الهجمات التقيت مسؤولين كبار في حزب الله، بوساطة من الاستخبارات السورية، ينبغي أن نتذكر على الدوام أن رجال الاستخبارات كالفيلة يتمتعون بذاكرة قوية». ما الخطر الإرهابي الذي تواجهه فرنسا، يقول سكاوارسيني «حالياً يأتي التهديد الكبير من الإسلام الرادياكالي السني، من دون أن نهمل البعد الشيعي طبعاً، وحزب الله. لكن الإشارات الإنذارية الأقوى تأتي من حركة متنوعة، جذعها الإيديولوجي حركة الإخوان المسلمين. هل بوسعنا أن نتصدى للظاهرة كفرنسيين؟ بوسعنا أن نشك بذلك، ولكن بمساعدة أجهزة الاستخبارات الأخرى تعلمنا أن نحيط باتساع ذلك التهديد» ومنها طبعا الاستخبارات السورية.

المصدر : السفير / محمد بلوط


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة