تتواصل «حفلة الاستعراض» التركي في المنطقة بنجاح. فبين بغداد وطهران يتنقل وزير الخارجية احمد داود اوغلو وفي موسكو يحط رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان.

داود اوغلو يدعو مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف إلى حل سلمي في سورية ودعم «جنيف 2» بل إلى وقف للنار في سورية قبل انعقاد المؤتمر والبحث بأسماء الحكومة الانتقالية منذ الآن.

وفي موسكو يتوسل أردوغان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لكي يضم تركيا إلى منظمة شنغهاي التي تضم أيضا الصين وبعض دول آسيا الوسطى، لكي «تتحرر» أنقرة من ابتزازات الاتحاد الأوروبي، بتعبير اردوغان حرفيا، فيما كان داود اوغلو يقدم قبل عشرة أيام جردة حساب للإدارة الأميركية يعلن فيها توبته عن دعم المنظمات الإرهابية في سورية ونية تركيا شراء صواريخ من الصين و«لا يصير سوى ما تريدون»، وفقا لما نقلته حرفيا صحيفة «حرييت» حينها. وفي مصر يواصل اردوغان معارضة «الإنقلاب» على جماعة «الإخوان المسلمين»، ويعتبر أن ما يجمع تركيا ومصر ليس السفراء بل القلوب.

تتخبط السياسة التركية اليوم، والأدهى أنها تحاول التعاطي مع قضايا المنطقة كما لو انه ليس لشعوب المنطقة ذاكرة، وكما لو أن شيئا لم يحصل خلال السنوات الثلاث الماضية.

ولعل أهم تصدع أصاب السياسة الخارجية التركية هو انعدام عامل الثقة، حيث ظهر أن قادة «العدالة والتنمية» على استعداد للطعن بالحلفاء والأصدقاء والتخلي عنهم إذا ما كان ذلك يساعد على ترجمة مشروعهم في الاستئثار والتسلط الإقليمي. ولقد أخطأ الأتراك عندما غلبوا «الايديولوجيا» المذهبية على أي شيء آخر، فخسروا الجميع في منطقة متنوعة الأديان والمذاهب والاتنيات.

لا يستطيع حلفاء وأصدقاء الأمس أن يغلقوا الأبواب أمام «الإبن العائد» من ضلالته. لكنها لعبة لا يمكن الاستمرار فيها. أولا لأن الثقة المكسورة لا يمكن أن ترمم بسهولة، وثانيا لأن تركيا نفسها باتت فاقدة لأوراق التأثير السياسية والعسكرية، سواء في الملف السوري، حيث لا تمون على أحد سياسيا وعسكريا بعد انتقال التأثير إلى السعودية، أو في العراق أو فلسطين أو في المنطقة العربية ككل. وثالثا لأن تركيا باتت بلا أي صديق أو حليف، أي معزولة.

العودة إلى سياسة «تصفير المشكلات» متعذرة، ولعل مراقبة الوضع في تركيا قد تفضي إلى متغيرات تخلق ديناميات وسياسات جديدة، عندما يصبح رجب طيب اردوغان رئيسا للجمهورية، محدود الصلاحيات، في آب المقبل ويخرج من أن يكون، كرئيس للحكومة، الرجل الأول والأقوى في تركيا، ولتحل محله شخصية تواكب المرحلة الجديدة من التسويات في المنطقة، بعدما بات اردوغان عبئا على هذه التسويات، وتعيد تصحيح مسار السياسة الخارجية والداخلية أيضا، وتعيد تموضع تركيا وفقا لحقائق التاريخ والجغرافيا التي لم يفهمها منظرو «العمق الاستراتيجي» ولم يستطيعوا قراءتها ورؤيتها. ذلك أن تغيير قواعد اللعبة، كما في كرة القدم، لا يستقيم مع المدرب القديم نفسه ولا مساعده وبخطة اللعب نفسها. ومن الآن وحتى الصيف المقبل ستواصل تركيا اللعب في الوقت الضائع، والمهدور من تاريخها ومن تقدمها، وفقا" لصحيفة السفير .

  • فريق ماسة
  • 2013-11-29
  • 8508
  • من الأرشيف

توسل للرئيس الروسي لضم تركيا لـ«شانغهاي»..أردوغان يلعب في الوقت الضائع

تتواصل «حفلة الاستعراض» التركي في المنطقة بنجاح. فبين بغداد وطهران يتنقل وزير الخارجية احمد داود اوغلو وفي موسكو يحط رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان. داود اوغلو يدعو مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف إلى حل سلمي في سورية ودعم «جنيف 2» بل إلى وقف للنار في سورية قبل انعقاد المؤتمر والبحث بأسماء الحكومة الانتقالية منذ الآن. وفي موسكو يتوسل أردوغان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لكي يضم تركيا إلى منظمة شنغهاي التي تضم أيضا الصين وبعض دول آسيا الوسطى، لكي «تتحرر» أنقرة من ابتزازات الاتحاد الأوروبي، بتعبير اردوغان حرفيا، فيما كان داود اوغلو يقدم قبل عشرة أيام جردة حساب للإدارة الأميركية يعلن فيها توبته عن دعم المنظمات الإرهابية في سورية ونية تركيا شراء صواريخ من الصين و«لا يصير سوى ما تريدون»، وفقا لما نقلته حرفيا صحيفة «حرييت» حينها. وفي مصر يواصل اردوغان معارضة «الإنقلاب» على جماعة «الإخوان المسلمين»، ويعتبر أن ما يجمع تركيا ومصر ليس السفراء بل القلوب. تتخبط السياسة التركية اليوم، والأدهى أنها تحاول التعاطي مع قضايا المنطقة كما لو انه ليس لشعوب المنطقة ذاكرة، وكما لو أن شيئا لم يحصل خلال السنوات الثلاث الماضية. ولعل أهم تصدع أصاب السياسة الخارجية التركية هو انعدام عامل الثقة، حيث ظهر أن قادة «العدالة والتنمية» على استعداد للطعن بالحلفاء والأصدقاء والتخلي عنهم إذا ما كان ذلك يساعد على ترجمة مشروعهم في الاستئثار والتسلط الإقليمي. ولقد أخطأ الأتراك عندما غلبوا «الايديولوجيا» المذهبية على أي شيء آخر، فخسروا الجميع في منطقة متنوعة الأديان والمذاهب والاتنيات. لا يستطيع حلفاء وأصدقاء الأمس أن يغلقوا الأبواب أمام «الإبن العائد» من ضلالته. لكنها لعبة لا يمكن الاستمرار فيها. أولا لأن الثقة المكسورة لا يمكن أن ترمم بسهولة، وثانيا لأن تركيا نفسها باتت فاقدة لأوراق التأثير السياسية والعسكرية، سواء في الملف السوري، حيث لا تمون على أحد سياسيا وعسكريا بعد انتقال التأثير إلى السعودية، أو في العراق أو فلسطين أو في المنطقة العربية ككل. وثالثا لأن تركيا باتت بلا أي صديق أو حليف، أي معزولة. العودة إلى سياسة «تصفير المشكلات» متعذرة، ولعل مراقبة الوضع في تركيا قد تفضي إلى متغيرات تخلق ديناميات وسياسات جديدة، عندما يصبح رجب طيب اردوغان رئيسا للجمهورية، محدود الصلاحيات، في آب المقبل ويخرج من أن يكون، كرئيس للحكومة، الرجل الأول والأقوى في تركيا، ولتحل محله شخصية تواكب المرحلة الجديدة من التسويات في المنطقة، بعدما بات اردوغان عبئا على هذه التسويات، وتعيد تصحيح مسار السياسة الخارجية والداخلية أيضا، وتعيد تموضع تركيا وفقا لحقائق التاريخ والجغرافيا التي لم يفهمها منظرو «العمق الاستراتيجي» ولم يستطيعوا قراءتها ورؤيتها. ذلك أن تغيير قواعد اللعبة، كما في كرة القدم، لا يستقيم مع المدرب القديم نفسه ولا مساعده وبخطة اللعب نفسها. ومن الآن وحتى الصيف المقبل ستواصل تركيا اللعب في الوقت الضائع، والمهدور من تاريخها ومن تقدمها، وفقا" لصحيفة السفير .

المصدر : السفير/ محمد نور الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة