الصراع الذي كنا نطلق عليه «الصراع العربي – الإسرائيلي» لا بد ان يكتسب اسماً جديداً مناسباً. وفي الوقت الحاضر ليس هناك ما هو أنسب من تسميته «الصراع الإيراني – الإسرائيلي».

لأن إسرائيل تريد ان تؤكـد نفســها وحــدها في منطقة الشرق الاوســط كقــوة اقليــمية فإنها تسعى بكل السبل لأن يتحول الصراع في المنطقة الى صراع بين العرب وإيران، الى صراع عربي – إيراني. ويبدو ان هذا الواقع عن الصراع العربي – الإيراني يكتسب وضوحاً لم يكن له من قبل حتى قبل الثورة الإيرانية. وأصبح من الواضح ايضاً ان أطرافاً عربية تسير في هذا الطريق وتعتبره مسعاها الرئيسي، حتى وإن بدا بوضوح ان الولايات المتحدة – وضد إرادة إسرائيل – تتبنى بقوة الاتفاق الجديد الذي تم التوقيع عليه بين الدول الاعضاء الدائمة في مجلس الامن، بالإضافة الى ألمانيا مع إيران لإنهاء الأزمة الإيرانية التي افتعلتها اسرائيل من البداية وشاركتها في ذلك الولايات المتحدة.

 

والآن صعدت بعض الاصوات الاميركية في حالة انقسام عميق بين من يدعو اميركا الى التمسك بالاتفاق الجديد مع ايران ومن يدعو الى ضرورة التخلص من هذا الاتفاق، باعتباره نكسة للعلاقات الاميركية – الاسرائيلية. على سبيل المثال فإن زبغنيو برجينسكي، مستشار الرئيس الاسبق جيمي كارتر لشؤون الامن القومي، دعا ادارة الرئيس اوباما لأن تبلغ اسرائيل بأن الولايات المتحدة ستهاجم الطائرات النفاثة الاسرائيلية اذا حاولت هذه الاخيرة ان تشن هجوماً على ايران. في الوقت نفسه فإن أعضاء في الكونغرس الاميركي – خاصة من الجمهوريين – أعلنوا انهم سيعملون بشتى السبل من أجل رفض هذه الاتفاقية مع ايران في الكونغرس الاميركي. وأعلنت منظمة «ايباك»، اقــوى تنظيــمات اللوبي الاسرائيــلي في اميركا، انها ستقف ضــد اوبامــا، فإما ان يــتراجع عن هذه الاتفاقية مع إيـران وإلا فإنها الحرب الاسرائيلية على إيران. بل إن السفير الاميركي لدى اسرائيل دان شابيرو أعرب في حديث مع التلفزيون الاسرائيلي ان مهاجمة ايران لا تزال خياراً عسكرياً مفتوحاً من جانب الولايات المتحدة على الرغم من توقيع هذه الاتفاقية.

ويتضح الآن بجلاء أن الخشية الاسرائيلــية الــتي تعلن بأعلى الاصوات داخل اسرائيل وداخل الولايات المتحدة لا تزال تلــعب دورهــا ضــد الاتفــاق مع ايــران بعد توقيعه، وعلى الرغم من ان هذه الخشية تبدو لكثيرين من المراقبين والمعلقين السياسيين مزيفة ولا اساس لهــا، بينمــا تــبدو لغيرهــم حــقيقية وصــادقة على اساس ان اسرائيل تخشى بالفعــل ان تفــقد تفردها بامتلاك الاسلحة النووية في الشرق الاوسط. غير ان هذه الخشية الاسرائيلية بلــغت حداً توغلــت فيه الى قيام ائتلاف بين اسرائيل والمملكة السعودية.. ائتلاف يسعى أساساً الى محــاصرة إيــران. الامــر الذي يثير مخاوف حقيقية من تخلي اسرائيل عن تحالفها القــوي مـع الولايــات المتحــدة لتــقيم تحالفــاً من نوع آخر ولكنه بديل مع المملكة السعودية وكل من يمكنه ان يسير خلف السعودية. وقد نجحت اسرائيل في دفع المملكة السعودية لفتح الباب أمام قادتها لزيارة السعودية وإجراء محادثات معها في هذا الشأن. وقد جاء ذلك بعد ان نجحت إسرائيل والسعودية في إجراء محادثات بين المسؤولين الكبار فيهما في عواصم خارجية، غربية بطبيعة الحال.

وقد وصل امر العلاقات الخفية بين اسرائيل والمملكة السعودية الى حد ان كتبت صحيــفة «آســيا تايمــز» (في 21 تشرين الثاني/نوفمبر) ان الانفجار الذي استهدف السفارة الإيرانية في بيروت تم نتيجة تنسيق بين المخابرات الاسرائيلية والمخابرات السعودية. ولهذا – أضافت الصحيفة – فإن دول الغرب لم تصف هذا الحــدث أبــداً بأنــه عمــل إرهــابي واكتفت بتسميته بأنه «تفجير»(…) ووصفت «آسيا تايمز» هذا العمل بأنه «عمل أدّاه بيت آل سعود الليكودي»، في اشارة صريحة الى امتزاج «الليكود» الاسرائيلي مع بيت آل ســعود. وبالتــالي فــقد أصــبح من التفسيرات المتاحة للــتقارب السعودي الى اسرائيل بأنه حافز وراء استرضاء إسرائيل للسلطة المصرية، باعتبار أن دوراً لمصر في محاصرة إيران في الشرق الاوسط امر لا مفر منــه. إلا أنــه يــبدو أن مــصر لــم ترضــخ لهــذا الاتجــاه، اذ رحــبت القاهــرة بشــكــل علــني وصريح بالاتفاقية التي وقعت في جنــيف بـين دول مجلس الأمن وألمانيا مع إيــران ضــد رغبــة إسرائيل وإلحاحها في ضرورة معاقبة إيران لا الاتفاق معها.

كذلك لا تزال السعودية تحاول – من دون ان يتطرق اليها اليأس بعد اتفاقية جنيف – ان تحول دون التقاء إيران ومصر تحت مظلة روسيا الاستراتيجية في الشرق الاوسط. والسعودية تحاول اقناع مصر بأن روسيا تعود الى المنطقة من بوابة إيران وتريد ان تنضم مصر الى هذا التحالف. وتعتقد المملكة السعودية إن موقف اميركا الجديد تجاه ايران لن يدوم طويلا، بل إن السعودية تفسر المدة التي حددت لاتفاقية جنيف، وهي ستة أشهر، بأنها مؤشر الى نية اميركا هدم هذه الاتفاقية بعد ان تكون قد حققت هدف إبطال مفعول الأسلحة الكيميائية السورية. إن موقف أميركا الجديد تجاه إيران يعامل من قبل كل من السعودية وإسرائيل باعتباره خدعة، وإن اميركا لن تسمح بأن تتحول الاتفاقية التي وقعت مع ايران الى طريق تسلكه إيران نحو دور إقليمي لها في المنطقة.

في الوقت نفسه فإن المملكة السعودية تريد ان تجنب إسرائيل حالة الغربة التي تشعر بها في الشرق الاوسط. ولهذا لا تحاول السعودية ان تنفي بكل قوتها الاعلامية اقترابها من اسرائيل. بل إنها تؤكده من خلال تصريحات يدلي بها الديبلوماسيون السعودين في العواصم الغربية من دون تحديد لهوياتهم. ولقد لجأت السعودية الى استخدام سلاح المال لمساعدة مصر لإجبارها على اتخاذ موقف ولاء للسعودية، فلا يكون من الصعب على مصر في هذا الموقف ان تناهض إيران وتقاوم دوراً لإيران في الشرق الاوسط. مع ذلك فإن اسرائيل لا تزال تلعب الدور الاساسي في معارضة ومهاجمة اتفاقية جنيف الاخيرة، التي لم يكن من قبيل الصدفة ان اسم اسرائيل لم يرد فيها مطلقاً ولا حتى لمرة واحدة، وهو ما يمكن اعتباره إرضاءً لإيران وحافزاً لها على التوقيع على هذه الاتفاقية.

مع ذلك، فإنه لا يمكن إغفال ما يمكن ان يسفر عنه هجوم اسرائيل غير المحدود على هذه الاتفاقية. لقد وصفها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنها «خطأ تاريخي». ولا تـزال اسرائــيل تبذل اقصى ما بوسعها لمعارضة الاتــفاقية باعتــبارها انتـصاراً إيرانياً على الولايات المتحدة والغرب، وهي بالتالي انتصار لروسيا والصين اللتين اديتا دوراً مرموقاً في التنسيق من اجـل الفــوز بتوقــيع هــذه الاتفــاقية. وهو ما اعتبر انتــصاراً للتيار المؤيد لدعــم العلاقــات الاميركية – الروسية. وقد كان من الواضح ان نتنياهو اخفق في تغيير موقف روسيا خلال زيارته الاخيرة لموسكو ومحادثاته مع الرئيس الروسي بوتين. وإن كان هذا الدعم للعلاقات الاميركية – الروسية يعتبر الاول من نوعه من ناحية كونه جاء على حساب اسرائيل.

عند هذه النقطة يصبح من الضروري التساؤل عما اذا كانت اسرائيل ستتمكن من الحصول على نتيجة من الضغط على اميركا بوسائل اللوبي الاسرائيلي في اميركا، وما اذا كانت الولايات المتحدة ستستدير بزاوية 180 درجة للخروج من، او على، هذه الاتفاقية الدولية مع ايران، إرضاءً لإسرائيل، ام ان الولايات المتحدة ستصمد في موقف تعتبره اسرائــيل مناهضاً لها ولمصالحها. لا يبدو ان هناك إجابــة صريحــة وقاطعة على هذا السؤال. ليس هناك من امر مؤكد إلا أن الأعضاء الجمهوريين في مجلسي الكونغرس الاميركي يملكون فرصة لاحتواء التأييد لإسرائيل. وفي ظل ظروف الرئاسة الاميركية فإن الرئيس الحالي انتخب بالفعل لفترة رئاسة ثانية وبالتــالي لا يعـود يهمه أن يحرص على اصوات اللوبي الصهيوني الى أقصى حد.

إن الفرصة الحقيقية التي تلوح الآن هي فرصة تقوية العلاقات الاميركية – الروسية بصورة لم تتحقق منذ سنوات الحرب العالمية الثانية في القرن الماضي. ومما لا شك فيه ان اوروبا ترحب بهذه الفرصة وتعتبرها انتصاراً لها ولأهدافها. وقد تجد الولايات المتحدة وأوروبا نفسيهما مضطرتين لتقديم تنازلات في بعض المجالات الأخرى لمصلحة إسرائيل على أمل إقناعها بأن تتوافق مع المصالح الاميركية والاوروبية. وتبدو في موقع المقدمة من هذه المصالح رغبة أوروبا غير الخفية في ان تضمن الحصول بلا عوائق على النفط الايراني من دون خشية حرب تشنها اسرائيل على خليج هرمز الحيوي الذي تسيطر عليه إيران إستراتيجياً واقتصادياً.

إن العلاقات الدولية مع إسرائيل ـ وخاصة العلاقات الأمريكية والأوروبية ـ تواجه اختباراً حاسماً في الوقت الحاضر بعد توقيع الاتفاقية مع ايران. ويبقى ان نرى اذا كانت الولايات المتحدة وأوروبا ستستطيعان الصمود في وجه إسرائيل. إن هذا يتطلب إدراكاً بأن الشرق الاوسط يرقب هذه المواجهة باهتمام فائق، حيث يتحول الى منطقة صراع ايراني – إسرائيلي في الاساس.

 

  • فريق ماسة
  • 2013-11-28
  • 8719
  • من الأرشيف

العرب والصراع «الإيراني ـ الإسرائيلي»

الصراع الذي كنا نطلق عليه «الصراع العربي – الإسرائيلي» لا بد ان يكتسب اسماً جديداً مناسباً. وفي الوقت الحاضر ليس هناك ما هو أنسب من تسميته «الصراع الإيراني – الإسرائيلي». لأن إسرائيل تريد ان تؤكـد نفســها وحــدها في منطقة الشرق الاوســط كقــوة اقليــمية فإنها تسعى بكل السبل لأن يتحول الصراع في المنطقة الى صراع بين العرب وإيران، الى صراع عربي – إيراني. ويبدو ان هذا الواقع عن الصراع العربي – الإيراني يكتسب وضوحاً لم يكن له من قبل حتى قبل الثورة الإيرانية. وأصبح من الواضح ايضاً ان أطرافاً عربية تسير في هذا الطريق وتعتبره مسعاها الرئيسي، حتى وإن بدا بوضوح ان الولايات المتحدة – وضد إرادة إسرائيل – تتبنى بقوة الاتفاق الجديد الذي تم التوقيع عليه بين الدول الاعضاء الدائمة في مجلس الامن، بالإضافة الى ألمانيا مع إيران لإنهاء الأزمة الإيرانية التي افتعلتها اسرائيل من البداية وشاركتها في ذلك الولايات المتحدة.   والآن صعدت بعض الاصوات الاميركية في حالة انقسام عميق بين من يدعو اميركا الى التمسك بالاتفاق الجديد مع ايران ومن يدعو الى ضرورة التخلص من هذا الاتفاق، باعتباره نكسة للعلاقات الاميركية – الاسرائيلية. على سبيل المثال فإن زبغنيو برجينسكي، مستشار الرئيس الاسبق جيمي كارتر لشؤون الامن القومي، دعا ادارة الرئيس اوباما لأن تبلغ اسرائيل بأن الولايات المتحدة ستهاجم الطائرات النفاثة الاسرائيلية اذا حاولت هذه الاخيرة ان تشن هجوماً على ايران. في الوقت نفسه فإن أعضاء في الكونغرس الاميركي – خاصة من الجمهوريين – أعلنوا انهم سيعملون بشتى السبل من أجل رفض هذه الاتفاقية مع ايران في الكونغرس الاميركي. وأعلنت منظمة «ايباك»، اقــوى تنظيــمات اللوبي الاسرائيــلي في اميركا، انها ستقف ضــد اوبامــا، فإما ان يــتراجع عن هذه الاتفاقية مع إيـران وإلا فإنها الحرب الاسرائيلية على إيران. بل إن السفير الاميركي لدى اسرائيل دان شابيرو أعرب في حديث مع التلفزيون الاسرائيلي ان مهاجمة ايران لا تزال خياراً عسكرياً مفتوحاً من جانب الولايات المتحدة على الرغم من توقيع هذه الاتفاقية. ويتضح الآن بجلاء أن الخشية الاسرائيلــية الــتي تعلن بأعلى الاصوات داخل اسرائيل وداخل الولايات المتحدة لا تزال تلــعب دورهــا ضــد الاتفــاق مع ايــران بعد توقيعه، وعلى الرغم من ان هذه الخشية تبدو لكثيرين من المراقبين والمعلقين السياسيين مزيفة ولا اساس لهــا، بينمــا تــبدو لغيرهــم حــقيقية وصــادقة على اساس ان اسرائيل تخشى بالفعــل ان تفــقد تفردها بامتلاك الاسلحة النووية في الشرق الاوسط. غير ان هذه الخشية الاسرائيلية بلــغت حداً توغلــت فيه الى قيام ائتلاف بين اسرائيل والمملكة السعودية.. ائتلاف يسعى أساساً الى محــاصرة إيــران. الامــر الذي يثير مخاوف حقيقية من تخلي اسرائيل عن تحالفها القــوي مـع الولايــات المتحــدة لتــقيم تحالفــاً من نوع آخر ولكنه بديل مع المملكة السعودية وكل من يمكنه ان يسير خلف السعودية. وقد نجحت اسرائيل في دفع المملكة السعودية لفتح الباب أمام قادتها لزيارة السعودية وإجراء محادثات معها في هذا الشأن. وقد جاء ذلك بعد ان نجحت إسرائيل والسعودية في إجراء محادثات بين المسؤولين الكبار فيهما في عواصم خارجية، غربية بطبيعة الحال. وقد وصل امر العلاقات الخفية بين اسرائيل والمملكة السعودية الى حد ان كتبت صحيــفة «آســيا تايمــز» (في 21 تشرين الثاني/نوفمبر) ان الانفجار الذي استهدف السفارة الإيرانية في بيروت تم نتيجة تنسيق بين المخابرات الاسرائيلية والمخابرات السعودية. ولهذا – أضافت الصحيفة – فإن دول الغرب لم تصف هذا الحــدث أبــداً بأنــه عمــل إرهــابي واكتفت بتسميته بأنه «تفجير»(…) ووصفت «آسيا تايمز» هذا العمل بأنه «عمل أدّاه بيت آل سعود الليكودي»، في اشارة صريحة الى امتزاج «الليكود» الاسرائيلي مع بيت آل ســعود. وبالتــالي فــقد أصــبح من التفسيرات المتاحة للــتقارب السعودي الى اسرائيل بأنه حافز وراء استرضاء إسرائيل للسلطة المصرية، باعتبار أن دوراً لمصر في محاصرة إيران في الشرق الاوسط امر لا مفر منــه. إلا أنــه يــبدو أن مــصر لــم ترضــخ لهــذا الاتجــاه، اذ رحــبت القاهــرة بشــكــل علــني وصريح بالاتفاقية التي وقعت في جنــيف بـين دول مجلس الأمن وألمانيا مع إيــران ضــد رغبــة إسرائيل وإلحاحها في ضرورة معاقبة إيران لا الاتفاق معها. كذلك لا تزال السعودية تحاول – من دون ان يتطرق اليها اليأس بعد اتفاقية جنيف – ان تحول دون التقاء إيران ومصر تحت مظلة روسيا الاستراتيجية في الشرق الاوسط. والسعودية تحاول اقناع مصر بأن روسيا تعود الى المنطقة من بوابة إيران وتريد ان تنضم مصر الى هذا التحالف. وتعتقد المملكة السعودية إن موقف اميركا الجديد تجاه ايران لن يدوم طويلا، بل إن السعودية تفسر المدة التي حددت لاتفاقية جنيف، وهي ستة أشهر، بأنها مؤشر الى نية اميركا هدم هذه الاتفاقية بعد ان تكون قد حققت هدف إبطال مفعول الأسلحة الكيميائية السورية. إن موقف أميركا الجديد تجاه إيران يعامل من قبل كل من السعودية وإسرائيل باعتباره خدعة، وإن اميركا لن تسمح بأن تتحول الاتفاقية التي وقعت مع ايران الى طريق تسلكه إيران نحو دور إقليمي لها في المنطقة. في الوقت نفسه فإن المملكة السعودية تريد ان تجنب إسرائيل حالة الغربة التي تشعر بها في الشرق الاوسط. ولهذا لا تحاول السعودية ان تنفي بكل قوتها الاعلامية اقترابها من اسرائيل. بل إنها تؤكده من خلال تصريحات يدلي بها الديبلوماسيون السعودين في العواصم الغربية من دون تحديد لهوياتهم. ولقد لجأت السعودية الى استخدام سلاح المال لمساعدة مصر لإجبارها على اتخاذ موقف ولاء للسعودية، فلا يكون من الصعب على مصر في هذا الموقف ان تناهض إيران وتقاوم دوراً لإيران في الشرق الاوسط. مع ذلك فإن اسرائيل لا تزال تلعب الدور الاساسي في معارضة ومهاجمة اتفاقية جنيف الاخيرة، التي لم يكن من قبيل الصدفة ان اسم اسرائيل لم يرد فيها مطلقاً ولا حتى لمرة واحدة، وهو ما يمكن اعتباره إرضاءً لإيران وحافزاً لها على التوقيع على هذه الاتفاقية. مع ذلك، فإنه لا يمكن إغفال ما يمكن ان يسفر عنه هجوم اسرائيل غير المحدود على هذه الاتفاقية. لقد وصفها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنها «خطأ تاريخي». ولا تـزال اسرائــيل تبذل اقصى ما بوسعها لمعارضة الاتــفاقية باعتــبارها انتـصاراً إيرانياً على الولايات المتحدة والغرب، وهي بالتالي انتصار لروسيا والصين اللتين اديتا دوراً مرموقاً في التنسيق من اجـل الفــوز بتوقــيع هــذه الاتفــاقية. وهو ما اعتبر انتــصاراً للتيار المؤيد لدعــم العلاقــات الاميركية – الروسية. وقد كان من الواضح ان نتنياهو اخفق في تغيير موقف روسيا خلال زيارته الاخيرة لموسكو ومحادثاته مع الرئيس الروسي بوتين. وإن كان هذا الدعم للعلاقات الاميركية – الروسية يعتبر الاول من نوعه من ناحية كونه جاء على حساب اسرائيل. عند هذه النقطة يصبح من الضروري التساؤل عما اذا كانت اسرائيل ستتمكن من الحصول على نتيجة من الضغط على اميركا بوسائل اللوبي الاسرائيلي في اميركا، وما اذا كانت الولايات المتحدة ستستدير بزاوية 180 درجة للخروج من، او على، هذه الاتفاقية الدولية مع ايران، إرضاءً لإسرائيل، ام ان الولايات المتحدة ستصمد في موقف تعتبره اسرائــيل مناهضاً لها ولمصالحها. لا يبدو ان هناك إجابــة صريحــة وقاطعة على هذا السؤال. ليس هناك من امر مؤكد إلا أن الأعضاء الجمهوريين في مجلسي الكونغرس الاميركي يملكون فرصة لاحتواء التأييد لإسرائيل. وفي ظل ظروف الرئاسة الاميركية فإن الرئيس الحالي انتخب بالفعل لفترة رئاسة ثانية وبالتــالي لا يعـود يهمه أن يحرص على اصوات اللوبي الصهيوني الى أقصى حد. إن الفرصة الحقيقية التي تلوح الآن هي فرصة تقوية العلاقات الاميركية – الروسية بصورة لم تتحقق منذ سنوات الحرب العالمية الثانية في القرن الماضي. ومما لا شك فيه ان اوروبا ترحب بهذه الفرصة وتعتبرها انتصاراً لها ولأهدافها. وقد تجد الولايات المتحدة وأوروبا نفسيهما مضطرتين لتقديم تنازلات في بعض المجالات الأخرى لمصلحة إسرائيل على أمل إقناعها بأن تتوافق مع المصالح الاميركية والاوروبية. وتبدو في موقع المقدمة من هذه المصالح رغبة أوروبا غير الخفية في ان تضمن الحصول بلا عوائق على النفط الايراني من دون خشية حرب تشنها اسرائيل على خليج هرمز الحيوي الذي تسيطر عليه إيران إستراتيجياً واقتصادياً. إن العلاقات الدولية مع إسرائيل ـ وخاصة العلاقات الأمريكية والأوروبية ـ تواجه اختباراً حاسماً في الوقت الحاضر بعد توقيع الاتفاقية مع ايران. ويبقى ان نرى اذا كانت الولايات المتحدة وأوروبا ستستطيعان الصمود في وجه إسرائيل. إن هذا يتطلب إدراكاً بأن الشرق الاوسط يرقب هذه المواجهة باهتمام فائق، حيث يتحول الى منطقة صراع ايراني – إسرائيلي في الاساس.  

المصدر : السفير /سمير كرم


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة