لا تشبه نتائج وذيول انفجاري السفارة الإيرانية في منطقة الجناح في بيروت سابقاتها، سوى بالضحايا والدمار وكل ما ينتج عن الإرهاب من أضرار، لأن الموقع المستهدف هو "خط أحمر"،  ومن خطّط لشطب "الأحمر" من المعادلة الداخلية والإقليمية فتح على نفسه باختصار "جهنم الحمراء"، لأنها ليست مجرد سفارة لإيران في أي بلد ما، بل لأنها السفارة الإيرانية في بيروت؛ الحاضنة للمقاومة والمحتضنة بها من جهة، ومن جهة أخرى كون العملية جاءت انتحارية، وحتى لو كان المنفذان لبنانييْن، فهما نتاج مدارس التكفير الإقليمية، التي تخرّج منها الإرهابي أحمد الأسير وسواه، وبالتالي هي غير لبنانية حكماً، تخطيطاً وإعداداً، ومدرسة الثقافة الانتحارية لا مكان لها في المجتمع اللبناني على اختلاف الطوائف والمذاهب، لكن الأعداء الإقليميين لإيران، والمعترضين على تدخّل "حزب الله" في سورية، أرادوها ضربة موجعة في "عقر الدار".

تسرّع البعض من المحللين عندما توقّعوا "العرقنة" في لبنان، لكن "العمليات الانتحارية" ليست من فكر أو شيَم المسلمين "السُنة" في لبنان، ولا هي مقبولة في الشرع الذي تحتكم إليه المقاومة، ولا في الشارع عندما تُفرض عليها المواجهة، فهي لا تربّي انتحاريين، بل مجاهدين على خطوط المواجهة.

انفجار السفارة الإيرانية لم يفتح معركة القلمون، المفتوحة أصلاً، لكنه في دوائر القرار الإيراني حتّم "تقليم القلمون"، وفرض الحسم قبل الأوان في مواجهة تيارات التكفير على امتداد سورية، في معركة ستكون كبيرة وإن طالت، كما أن هذا الانفجار ومن بعده السيارة المضبوطة المعروفة المصدر، جعلا دوائر القرار المقاوم في لبنان تعتبر الحسم حتمياً في القلمون، لقطع اليد التي، عبر القلمون أو سواها من الحدود الفالتة مع سورية، تفلت حالياً وقد تفلت مستقبلاً هذه الفئة من الإرهابيين الانتحاريين "حملة مفاتيح الجنة" والسيارات المفخخة بالموت، بل إن الأمر سيذهب إلى أبعد من ذلك بالنسبة للمقاومة؛ بإقفال أي منفذ سوري - لبناني قد "يعرقن" الوضع من طرف واحد معروف إقليمياً، ليس طبعاً بأن تكون المقاومة حرس حدود على النقاط السورية - اللبنانية، بل في الداخل السوري فيما يشبه الحسم الذي تم في القصير، والقلمون لا تقل خطورة عن القصير، مادام الإرهابيون "ينتجعون" في شبعا بدلاً من عرسال، مع ما لشبعا من خطورة في أن تكون بؤرة إيواء في الجنوب.

قضي الأمر، وكل المؤشرات تؤكد أن مسألة سحق المرتزقة وداعميهم الدوليين والإقليميين باتت مسألة أشهر، والكل دخل بيت طاعة "محور الشر"، بدءاً من هولاند الذي ذهب إلى "إسرائيل" معطياً لفرنسا ولنفسه حجماً مبالغاً فيه في التشدد بالنسبة للملف الإيراني، وما كاد نتانياهو ينهي تصفيقه لعنتريات هولاند، حتى عاد الرئيس الفرنسي أقل تشدداً إلى بلاده، وأبلغ موقف فرنسا إلى المؤتمرين في جنيف، وسافر نتانياهو إلى روسيا يستعطي تخفيف الصفعة التي سيتلقاها بجعل الاتفاق بين إيران والدول الخمس زائداً واحدة أقل سوءاً بالنسبة لـ"إسرائيل"، وفشل في استدرار العطف من روسيا التي تحقق الانتصارات، والتي "فتحت" مصر مؤخراً عبر اتفاقات تعاون عسكرية ونووية واقتصادية بعد انكفاء "الإخوان"، وطأطأ أردوغان رأسه لها بعد انهيار رهاناته على أميركا و"الإخوة الخليجيين" في القضاء على الأسد.

الاتفاق مع إيران في جنيف تحصيل حاصل، والتشدد الفرنسي مردّه غايات تجارية ترمي إليها فرنسا منذ أكثر من سنتين ونصف السَّنة؛ عندما عرضت على إيران أن تتسلم منها اليورانيوم مخصباً بنسبة 20% وتعيده إليها مخصباً جاهزاً للاستخدام السلمي المرتبط بإنتاج الطاقة وغايات الأبحاث العلمية، وذلك بهدف فرنسي نفعي تجاري بحت.. وأميركا أفرجت عن بعض الأموال الإيرانية المجمَّدة، وبريطانيا معتدلة في مواقفها في هذا المجال، وأكدت حسن نيتها تجاه إيران رمزياً، عبر مسارعة سفيرها في لبنان للتبرع بدمه لجرحى تفجير السفارة، وألمانيا من البداية مواقفها "عاقلة"، واعترفت الدول الست بحق إيران في التخصيب.

وبالانتقال إلى جنيف السوري، الذي ينتظر جهود أميركا لإقناع شراذم المعارضة السورية في الخارج للمشاركة في "جنيف-2"، فإنه لا في جنيف اثنين ولا في جنيف المئتين ستكون للمعارضة الخارجية السورية المفككة كلمة أو قراراً في التسوية، لأن لا وزن لها في الداخل السوري على الإطلاق، ولا "مونة" لها لا على أصحاب الحقوق المطلبية من جهة، ولا على الإرهابيين المرتزقة من جهة أخرى، والقرار في جنيف سيكون للنظام السوري والمعارضة السلمية الداخلية.

ختاماً، "جنيف-2" لا يحدده الإبراهيمي، ولا تلك المومياء التي اسمها نبيل العربي، ولا انعقاد لـ"جنيف-2" قبل الحسم النهائي والكامل بتطهير الأرض السورية من المرتزقة، أو على الأقل حشر الجماعات الإرهابية الغريبة في زوايا محددة ليتم القضاء عليها لاحقاً، والمعركة الإقليمية في القلمون على الأبواب، وسيكون لإيران الدور الفاعل المعلن فيها بدعم روسي، مع انكفاء أميركا وأدواتها عن معركة خاسرة سلفاً، في حرب بين كل من يقاوم ويتحمل تبعات المقاومة، وبين من ترتبط مصالحه بالصهيونية ويسجد أمام طواغيتها في الداخل والخارج.

  • فريق ماسة
  • 2013-11-27
  • 9987
  • من الأرشيف

تفجيرا "السفارة" يستعجلان "تقليم" القلمون....باختصار "جهنم الحمراء"

لا تشبه نتائج وذيول انفجاري السفارة الإيرانية في منطقة الجناح في بيروت سابقاتها، سوى بالضحايا والدمار وكل ما ينتج عن الإرهاب من أضرار، لأن الموقع المستهدف هو "خط أحمر"،  ومن خطّط لشطب "الأحمر" من المعادلة الداخلية والإقليمية فتح على نفسه باختصار "جهنم الحمراء"، لأنها ليست مجرد سفارة لإيران في أي بلد ما، بل لأنها السفارة الإيرانية في بيروت؛ الحاضنة للمقاومة والمحتضنة بها من جهة، ومن جهة أخرى كون العملية جاءت انتحارية، وحتى لو كان المنفذان لبنانييْن، فهما نتاج مدارس التكفير الإقليمية، التي تخرّج منها الإرهابي أحمد الأسير وسواه، وبالتالي هي غير لبنانية حكماً، تخطيطاً وإعداداً، ومدرسة الثقافة الانتحارية لا مكان لها في المجتمع اللبناني على اختلاف الطوائف والمذاهب، لكن الأعداء الإقليميين لإيران، والمعترضين على تدخّل "حزب الله" في سورية، أرادوها ضربة موجعة في "عقر الدار". تسرّع البعض من المحللين عندما توقّعوا "العرقنة" في لبنان، لكن "العمليات الانتحارية" ليست من فكر أو شيَم المسلمين "السُنة" في لبنان، ولا هي مقبولة في الشرع الذي تحتكم إليه المقاومة، ولا في الشارع عندما تُفرض عليها المواجهة، فهي لا تربّي انتحاريين، بل مجاهدين على خطوط المواجهة. انفجار السفارة الإيرانية لم يفتح معركة القلمون، المفتوحة أصلاً، لكنه في دوائر القرار الإيراني حتّم "تقليم القلمون"، وفرض الحسم قبل الأوان في مواجهة تيارات التكفير على امتداد سورية، في معركة ستكون كبيرة وإن طالت، كما أن هذا الانفجار ومن بعده السيارة المضبوطة المعروفة المصدر، جعلا دوائر القرار المقاوم في لبنان تعتبر الحسم حتمياً في القلمون، لقطع اليد التي، عبر القلمون أو سواها من الحدود الفالتة مع سورية، تفلت حالياً وقد تفلت مستقبلاً هذه الفئة من الإرهابيين الانتحاريين "حملة مفاتيح الجنة" والسيارات المفخخة بالموت، بل إن الأمر سيذهب إلى أبعد من ذلك بالنسبة للمقاومة؛ بإقفال أي منفذ سوري - لبناني قد "يعرقن" الوضع من طرف واحد معروف إقليمياً، ليس طبعاً بأن تكون المقاومة حرس حدود على النقاط السورية - اللبنانية، بل في الداخل السوري فيما يشبه الحسم الذي تم في القصير، والقلمون لا تقل خطورة عن القصير، مادام الإرهابيون "ينتجعون" في شبعا بدلاً من عرسال، مع ما لشبعا من خطورة في أن تكون بؤرة إيواء في الجنوب. قضي الأمر، وكل المؤشرات تؤكد أن مسألة سحق المرتزقة وداعميهم الدوليين والإقليميين باتت مسألة أشهر، والكل دخل بيت طاعة "محور الشر"، بدءاً من هولاند الذي ذهب إلى "إسرائيل" معطياً لفرنسا ولنفسه حجماً مبالغاً فيه في التشدد بالنسبة للملف الإيراني، وما كاد نتانياهو ينهي تصفيقه لعنتريات هولاند، حتى عاد الرئيس الفرنسي أقل تشدداً إلى بلاده، وأبلغ موقف فرنسا إلى المؤتمرين في جنيف، وسافر نتانياهو إلى روسيا يستعطي تخفيف الصفعة التي سيتلقاها بجعل الاتفاق بين إيران والدول الخمس زائداً واحدة أقل سوءاً بالنسبة لـ"إسرائيل"، وفشل في استدرار العطف من روسيا التي تحقق الانتصارات، والتي "فتحت" مصر مؤخراً عبر اتفاقات تعاون عسكرية ونووية واقتصادية بعد انكفاء "الإخوان"، وطأطأ أردوغان رأسه لها بعد انهيار رهاناته على أميركا و"الإخوة الخليجيين" في القضاء على الأسد. الاتفاق مع إيران في جنيف تحصيل حاصل، والتشدد الفرنسي مردّه غايات تجارية ترمي إليها فرنسا منذ أكثر من سنتين ونصف السَّنة؛ عندما عرضت على إيران أن تتسلم منها اليورانيوم مخصباً بنسبة 20% وتعيده إليها مخصباً جاهزاً للاستخدام السلمي المرتبط بإنتاج الطاقة وغايات الأبحاث العلمية، وذلك بهدف فرنسي نفعي تجاري بحت.. وأميركا أفرجت عن بعض الأموال الإيرانية المجمَّدة، وبريطانيا معتدلة في مواقفها في هذا المجال، وأكدت حسن نيتها تجاه إيران رمزياً، عبر مسارعة سفيرها في لبنان للتبرع بدمه لجرحى تفجير السفارة، وألمانيا من البداية مواقفها "عاقلة"، واعترفت الدول الست بحق إيران في التخصيب. وبالانتقال إلى جنيف السوري، الذي ينتظر جهود أميركا لإقناع شراذم المعارضة السورية في الخارج للمشاركة في "جنيف-2"، فإنه لا في جنيف اثنين ولا في جنيف المئتين ستكون للمعارضة الخارجية السورية المفككة كلمة أو قراراً في التسوية، لأن لا وزن لها في الداخل السوري على الإطلاق، ولا "مونة" لها لا على أصحاب الحقوق المطلبية من جهة، ولا على الإرهابيين المرتزقة من جهة أخرى، والقرار في جنيف سيكون للنظام السوري والمعارضة السلمية الداخلية. ختاماً، "جنيف-2" لا يحدده الإبراهيمي، ولا تلك المومياء التي اسمها نبيل العربي، ولا انعقاد لـ"جنيف-2" قبل الحسم النهائي والكامل بتطهير الأرض السورية من المرتزقة، أو على الأقل حشر الجماعات الإرهابية الغريبة في زوايا محددة ليتم القضاء عليها لاحقاً، والمعركة الإقليمية في القلمون على الأبواب، وسيكون لإيران الدور الفاعل المعلن فيها بدعم روسي، مع انكفاء أميركا وأدواتها عن معركة خاسرة سلفاً، في حرب بين كل من يقاوم ويتحمل تبعات المقاومة، وبين من ترتبط مصالحه بالصهيونية ويسجد أمام طواغيتها في الداخل والخارج.

المصدر : أمين أبو راشد- الثبات


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة