دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
صعدت دمشق من لهجتها اتجاه المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي، بمجرد مغادرته أراضيها، في الوقت الذي واصل الجيش السوري تحركه الميداني على ثلاث جبهات رئيسية، متبعا تكتيكا بطيئا يقوم على التقدم التدريجي، في كل من القلمون وريف حلب وبادية تدمر.
ويرتبط التطوران، من نواح عدة، إذ صعدت الماكينة الإعلامية الرسمية من انتقاداتها للإبراهيمي بسبب إغفاله أية إشارة ديبلوماسية أو إعلامية لعملية «الحرب على الإرهاب الدولي» التي يخوضها الجيش السوري، باعتبارها «أمرا واقعا»، ولأسباب أخرى مرتبطة بتحضير الأجواء السياسية لاحتمالات فشل أو نجاح «جنيف 2».
ووفقا لمصدر واسع الإطلاع في القيادة السورية، فإن تغاضي الإبراهيمي عن ذكر قضية «الإرهاب الدولي القائم في سوريا» أو مواجهته أزعج السلطات السورية، رغم توصيفها للقاء الإبراهيمي بالرئيس السوري بشار الأسد باعتباره «إيجابيا».
وكان الأسد شدد، خلال اللقاء مع الإبراهيمي الأربعاء الماضي، «على أن نجاح أي حل سياسي يرتبط بوقف دعم المجموعات الإرهابية، والضغط على الدول الراعية لها، والتي تقوم بتسهيل دخول الإرهابيين والمرتزقة إلى الأراضي السورية، وتقدم لهم المال والسلاح ومختلف أشكال الدعم اللوجستي»، موضحاً أن هذا الأمر هو «الخطوة الأهم لتهيئة الظروف المؤاتية للحوار ووضع آليات واضحة لتحقيق الأهداف المرجوة منه».
إلا أن الإبراهيمي، في يومين متلاحقين من اللقاءات في دمشق، بعد اجتماعه والأسد، وفي مؤتمرين صحافيين أحدهما في لبنان، تجاهل الإشارة إلى «الإرهاب» باعتباره «معضلة مركبة ذات أبعاد إقليمية ودولية في سوريا».
كما انتقدت دمشق ضمنيا تعامل الإبراهيمي مع هذه القضية، باعتبارها «نتيجة للفوضى الحاصلة، لا بنية متكاملة من التعاون الاستخباراتي الغربي والإقليمي». وتعتبر دمشق كلا من تركيا والسعودية وقطر، مسؤولين عن تأمين الدعم اللوجستي لمجموعات تنظيم «القاعدة» والمنظمات المتفرعة عنها في سوريا، وأبرزها تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) و«جبهة النصرة».
رغم ذلك، لا تنفي المصادر ذاتها، أن يكون انتقاد الإبراهيمي، أيضا كنوع من التذكير بأن الطرفين ليسا على اتفاق تام على كل القضايا، وأن ثمة حاجة دائمة لتذكير المبعوث الأممي بأجندة مهمته، وهي «التأسيس لحوار بين السوريين يمهد لعملية تفاوض».
ولا تبدو دمشق مستعجلة، لغير ذلك، فهي مستفيدة من الوقت لتغيير شروط اللعبة الميدانية، وخلق توازنات عسكرية جديدة. وأمس احتفل محافظ حلب محمد وحيد عقاد، بنجاح قوات الجيش في تأمين عشرات الكيلومترات الإضافية في محيط الطريق إلى حلب، وزار على رأس وفد رسمي وحزبي سوري بلدة الواحة التابعة لمدينة السفيرة، فيما كانت قوافل عسكرية وأخرى مدنية محملة بالمؤن، تشق طريقها باتجاه حلب وريفها الشرقي.
ووفقا لمصادر مطلعة على سير العمليات العسكرية في معظم أنحاء البلاد، فقد بدأ الجيش تحركه باتجاه مطاري كويرس والنيرب، اللذين يقاومان حصارا للكتائب المسلحة في ريف حلب منذ ما يقارب العامين، ومن المتوقع ان يستكمل تحركه باتجاه محيط سجن حلب المركزي المحاصر أيضا، ومدينة الشيخ نجار الصناعية، وصولا لتكوين طوق عسكري جديد في تلك المنطقة.
ويفضل المصدر عدم الحديث عن معارك كبرى، كتلك التي تشير إليها وسائل الإعلام المعارضة والموالية، ولا سيما معركة القلمون، مشيرا إلى أن خطط تحركات الجيش تبقى سرية، أما التحليل فلا يمكن حصره. ووفقا للمعطيات ذاتها، يواصل الجيش تحركه في مجموعات، تعتمد تكتيك «قضم» يمهد له في غالبية الأوقات بعمليات استخباراتية أو عمليات كوماندوس مترافقة مع قصف مدفعي وجوي.
وفي ما يتعلق بالقلمون، تشكل الطبيعة الجغرافية مشكلة بالنسبة لأي تقدم بري عسكري، الأمر الذي يترك الاعتماد على القصف من بعيد أساسيا. وتشكل خطة قطع خطوط الإمداد، وعزل مناطق المسلحين عن بعضها البعض «قاعدة الهرم» في هذه العملية.
ويبقى القسم الأكبر من المهمة الأولى، متعلقا بتأمين الحدود اللبنانية – السورية في منطقة جرود عرسال، وذلك بالاعتماد على «حزب الله» والطيران، بالإضافة على المعلومات الاستخباراتية التي يؤمنها المهربون متعددي الولاءات في تلك المنطقة، فيما تقوم وحدات الجيش بقطع طرق الإيصال والإمداد الداخلية، خصوصا عبر استهداف التجمعات الكبيرة والمعروفة.
وبالأمس قصفت وحدات الجيش مناطق متفرقة في الزبداني والنبك ويبرود، كما حركت وحدات عسكرية ثقيلة باتجاه تلك المناطق، ولاسيما السهول المتاخمة لطريق دمشق – حمص – اللاذقية الدولي، أو تلك المشرفة على بعض التجمعات العسكرية للمعارضة.
ومن المتوقع أن تستمر حالة الاشتباك والتقدم البطيء قائمة في تلك المنطقة، طوال فترة الشتاء، الذي يصيب بقسوته مناطق وسط سوريا، وسلسلتها الجبلية المتاخمة للبنان.
أما المعركة الثالثة، فذات طبيعة مختلفة، وتدور في بادية تدمر، قوامها وحدات من قوى «الدفاع الوطني»، ومجموعات استخباراتية، يساندها سلاح الطيران. وتواجه قوى الجيش في تلك المناطق، القريبة من الحدود العراقية، تحالفات بدوية عربية، غالبية مقاتليها عرب من جنسيات مختلفة، وتقيم خطوط تنسيق بين مناطق ريف تدمر وريف دير الزور والرقة، كما تستفيد من وديان وكهوف المنطقة الصحراوية في التسلل والهجوم.
عدا ذلك يتابع الجيش معركته في محيط دمشق، بعد سيطرته على القسم الأكبر من بلدة السبينة التابعة للغوطة الشرقية. وأمس الأول كثفت المدفعية من استهدافها لمناطق تجمع المسلحين في جنوب العاصمة وريفها، في محاولة جديدة لقطع طرق الإمداد الميداني لتلك الفرق جنوبا، باتجاه طريق درعا الدولي، والذي يشهد تهديدا يوميا نتيجة كثافة المسلحين في ريف محافظة درعا، وقربهم من الحدود الأردنية، وقواعد إمدادهم اللوجستي.
وتعتبر مناطق الحجر الأسود ومخيم اليرموك والتضامن والقدم كما بلدة بيبيلا هدفا لوجستيا مستعجلا الآن، فيما لا تختلف المعارك التي تخوضها مجموعات «الدفاع الوطني» وألوية «أبا الفضل العباس» العربية، إلى يمين تلك المناطق في هدفها عن عمليات الجيش، إلا أنها تكتسب طابع الاشتباك الميداني القريب أكثر، ولاسيما في محيط منطقة السيدة زينب وحجيرة.
المصدر :
السفير /زياد حيدر
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة