دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
الدفع الذي اخذه عقد مؤتمر جنيف ـ2، بعد المبادرة الروسية لتدمير السلاح الكيميائي السوري، وقبول اميركا بها، وتحريك الحل السياسي للازمة السورية، بدأ يتلاشى، والموعد الذي ضرب في 23 تشرين الثاني الحالي،
سيذهب كما غيره من المواعيد التي حددت وارجئت، لاسباب تتعلق وما زالت بهيكلية المؤتمر، حيث لم يتوصل المندوب الاممي ـ العربي الاخضر الابراهيمي الى تكوين صورة نهائية حول المشاركين في المؤتمر سواء على مستوى المتحاورين السوريين، او الدول التي ستحضره.
فمنذ حزيران 2012، حيث انعقد مؤتمر جنيف ـ1 بين الدول المعنية بحل النزاع في سوريا، والمؤتمر الثاني له يتأجل، بسبب الشروط والشروط المضادة من الاطراف السورية المتصارعة، الى آلية تنفيذ البنود الستة لجنيف ـ1، لجهة بقاء الرئيس السوري بشار الاسد، في السلطة او تنحيه لصالح حكومة انتقالية، متروك امر الاتفاق على شكلها وممن تتألف طاولة الحوار للدول التي ستدعى للمشاركة، والنقطة الاهم هم المشاركون السوريون في المؤتمر، حيث لم تتمكن الدول الداعمة للمعارضة السورية، من ان تؤلف وفداً موحداً، او ان يتفق المعارضون على من يمثلهم على الطاولة.
وبين كل هذه المعطيات، فان مصادر ديبلوماسية واخرى سياسية متابعة لمؤتمر جنيف ـ2، تشير الى ان احد الاسباب التي منعت انعقاده هو ان الدول الداعمة للمعارضة المسلحة، كانت تطلب «فترة سماح» لها من الادارة الاميركية لتحقيق انتصار عسكري يفرض تنحي الاسد عن السلطة بالقوة، وعندها يصبح انعقاد مؤتمر جنيف ـ2، هو لاعلان استسلام النظام السوري، وبدء تركيب السلطة الجديدة.
لهذه الاسباب ما زال مؤتمر جنيف يتعثر، اذ ان دولاً خليجية كالسعودية وقطر واقليمية كتركيا حاولت منذ حوالى 16 شهراً تبديل موازين القوى العسكرية في سوريا لصالح المعارضة، لتحقيق مكاسب سياسية، فلم تنجح، اذ فشلت كل العمليات العسكرية لاسقاط العاصمة دمشق، كما تقول المصادر، وقد حددت مواعيد لذلك منها شهر رمضان في العام الماضي، ثم عيد الاضحى بعده، الى مطلع العام الجديد 2013، ثم اذار من العام نفسه، لكن المفاجأة كانت ليس في استرجاع الجيش السوري لاجزاء كبيرة ومساحات واسعة من الغوطة الشرقية المحاذية لدمشق، بل في سقوط القصير في ريف حمص التي تعتبر في العلم العسكري نقطة استراتيجية قطعت التواصل بين حمص وبعض بلدات لبنانية متاخمة للحدود السورية من عكار الى عرسال التي ما زالت «الخاصرة الرخوة» التي منها تنطلق عمليات التسليح وعبور المسلحين، وهي مرتبطة بمعركة القلمون.
فبعد معركة القصير، اصيبت دول «اصدقاء سوريا» بالاحباط، وبات النظام في موقع المفاوض القوي، فلم تعد مسألة تنحي الرئيس الاسد مطروحة كما كانت في السابق، مما خزل الدول التي كانت تطالب باخراجه من الحكم، وهو ما ادى الى انكفاء قطر وتركيا عن الساحة السورية، لتتقدم السعودية بقوة اكثر، فطرح استخدام النظام السوري للسلاح الكيميائي، وبدأ الاعداد لعمل عسكري دولي ضد سوريا، لكن روسيا التي تدافع عن امنها القومي من سوريا التي تعتبرها خط دفاعها الاول، وفق ما تصف المصادر، عطّلت الضربة العسكرية التي توعد بها الرئىس الاميركي باراك اوباما، بان ازالت ذريعة السلاح الكيميائي الذي وافق النظام على تدميره، في وقت كانت المفاوضات الاميركية ـ الايرانية، تتم تحت الطاولة، تظهر الى العلن مع الاتصال الهاتفي بين الرئيس اوباما والرئيس حسن روحاني الذي انتخب لفك الحصار عن ايران وتخفيف العقوبات الاقتصادية عليها، والاعتراف ببرنامجها النووي السلمي وفق ما تسمح القوانين الدولية، ثم ببروز دورها كقوة اقليمية نافذة وفاعلة ودونها لا حلول للملفات في المنطقة.
وهكذا أسقطت من يد السعودية ودول اخرى، الضربة العسكرية على سوريا، لفرض الاستسلام على الرئيس الاسد، وطرح بقوة الحل السياسي بتطبيق جنيف ـ1، وبغطاء اميركي ـ روسي وتحريك الابراهيمي للتحضير للمؤتمر، لكن لا يبدو انه سينجح في عقده خلال هذا الشهر، لان مهمته ما زالت تراوح مكانها، وان العقدة هي في تأمين وفد موحد من المعارضة، ومدى مقدار امكانياتها في الالتزام بوقف اطلاق النار، وهي لا تسيطر على الارض، لا بل ان «الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش)»، هي من يمتلك الميدان بعد ان تم طرد «الجيش السوري الحر» من عدد كبير من المدن والبلدات، ولم يعد شريكاً مفاوضاً، وكذلك التشكيك الحاصل، داخل «الائتلاف الوطني السوري» وبين اعضاء فيه و«المجلس الوطني السوري» الذي يسيطر عليه «الاخوان المسلمون».
فالكرة الآن هي في ملعب الدول الداعمة للمعارضة المسلحة، لا سيما منها التي تنتمي الى «القاعدة» كـ«داعش» و«جبهة النصرة»، وهما اعنلتا انهما غير معنيتين «بجنيف -2»، لانهما لا يتفقان مع بنوده، لاعادة هيكلة الدولة السورية دستورياً، وقد اعلنت «داعش» و«النصرة» دولتهما الاسلامية واستعادة «الخلافة الاسلامية» لبلاد الشام والعراق ومن ضمنها لبنان، وهو ما احرج دولاً ترفض جنيف -2، ومشاركة النظام الحالي فيه وتطالب بتنحي الاسد، لان ما يتم طرحه، هو اسقاط حكم حزب البعث وحلفائه في «الجبهة الوطنية» التقدمية، لصالح «القاعدة» والاحزاب الدينية، وتنحي الاسد ليتقدم «ابو بكر البغدادي» الذي بويع اميراً «لدولة الاسلام في العراق والشام».
فهل هذه هي «سوريا الجديدة» التي يريدها المجتمع الدولي، فتحكمها «القاعدة»، التي باتت الاقوى تنظيما وتسليحا وتدريبا وتمويلا اذ تبلغ موازنتها السنوية عشرين مليار دولار، تتأمن مواردها بطرق شتى، اذ ما اعلنته اميركا حرباً على ما سمته «الارهاب» بعد احداث 11 ايلول 2001، وخاضت حربين عليه في افغانستان والعراق، وانسحبت من العراق وتستعد للانسحاب من افغانستان دون تحقيق اهدافها، لا بل ان تنظيم «القاعدة» بات اقوى من اميركا وتواجده في اكثر الدول حتى في الولايات المتحدة نفسها، وهو يخوض حرب هجوم ليثبت اقدامه، بدءاً من اليمن الى الخليج والعراق وسوريا ولبنان والسودان والصومال، والى افريقيا من شمالها الى غربها ووسطها وجنوبها، الى اسيا وشرقها ودول اوروبا، وعن هذه الدول جميعا تخوض سوريا حرباً ضد الارهاب.
المصدر :
كمال ذبيان -الديار
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة