أثار بيان القوات المسلحة التركية حول قصفها مواقع لـ«الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)، رداً على انطلاق قذائف وقعت على الأرض التركية، تساؤلات عما إذا كانت هناك من متغيرات في طبيعة الموقف التركي من المنظمات «الجهادية» المتحاربة في سورية.

ومعروف أن ثمة مذكرة استحصلت عليها الحكومة التركية من البرلمان تجيز لها، عبر القوات المسلحة، أن تردّ على مصادر النيران. وفي الأساس، فإنّ هذه المذكرة هي عملياً تجديد لمذكرة صدرت في العام الماضي، بعدما سقطت قذائف للجيش السوري على مدينة آقتشاكالي التركية، وذهب ضحيتها بعض المواطنين الأتراك.

مذكرة البرلمان كانت تهدف إلى الردّ على الجيش السوري، أي أنه سيكون بمثابة «تأديب» للنظام ورئيسه بشار الأسد.

اليوم، وفي ظل متغيّرات السيطرة على الحدود السورية مع تركيا بين «الجيش السوري الحر» و«داعش» والقوات الكردية، بالإضافة إلى القوات السورية، بات تحديد استراتيجية للرد العسكري التركي يشكل معضلة لحكومة رجب طيب أردوغان.

وللإيضاح، فإن الرد سابقاً كان تلقائياً، باعتبار أن مصدر النيران من الجانب السوري هو القوات النظامية، أما اليوم فإن تحديد مصدر النيران لم يعُد واضحاً.

وبات على الحكومة التركية أن تصدر أوامر، إما بالرد التلقائي بغض النظر عن الجهة التي تطلق القذائف - وهذا قد يجر إلى ارتدادات قد لا ترغب الحكومة التركية بها - أو أن تتحقق أولاً من مصدر النيران وبناء عليه ترد أو لا ترد.

ومع المتغيرات الميدانية وسيطرة «داعش» و«الجيش الحر» على الحدود مع تركيا، ينتفي غرض تفويض البرلمان الردّ العسكري، إذ أن القذائف التي تطلقها القوات التركية تصيب الجميع، ما عدا الجهة التي تريد تركيا أن تصيبها وهو الجيش السوري. وهذا يجعل من إطلاق تركيا قذيفة رداً على مواقع لـ«داعش» مجرد مسرحية تهدف الى مواجهة الانتقادات الغربية المتتالية لأنقرة، بسبب دعمها لـ«جبهة النصرة» والمنظمات المتطرفة الأخرى التابعة لتنظيم «القاعدة».

ويتبدّى الجانب المسرحي من الرد، في أن السياسة التركية تجاه سورية يتحكم بها عاملان أساسيان: العداء للنظام السوري والعداء للأكراد السوريين، وهي من اجل إضعاف هذين العدوّين لم تترك وسيلة ضغط إلا استخدمتها. وكل التقارير والتحقيقات، كما الادعاء الذي تقدّم به مدّعي عام أضنة، تؤكد أن «جهاديي» سورية جاؤوا إلى سورية إما من تركيا (أي شبان أتراك) أو عبر سورية من مختلف أصقاع الأرض. وهم جاؤوا لمحاربة النظام السوري والأكراد، كما ظهر من المعارك خلال الأسابيع الأخيرة. فكيف يمكن لتركيا التي أرسلت هؤلاء أو سهّلت لبعضهم المرور والدعم أن تحاربهم الآن، من دون اتضاح أي أفق لما يمكن أن تكون عليه التسوية السياسية للأزمة السورية في «جنيف 2»؟

أما الحديث عن أن تنظيم «داعش» وغيره من الأصوليين يشكل خطراً مستقبلياً على تركيا، عبر انتقال «القاعدة» إلى الداخل التركي، فهو صحيح بشكل كامل، وقادة تركيا يعرفون ذلك. لكن الخوف من أن يدفع أحد في تركيا الثمن لمتغيرات مستقبلية في الأزمة السورية، يجعل من حكومة «حزب العدالة والتنمية» تواصل سياسة الهروب إلى الأمام، فلا تجد سوى استمرار دعم التنظيمات المختلفة، سواء «الجهادية» منها أو غير «الجهادية». وهذا يأتي في سياق مسار استمرار الرهان على فشل التوصل إلى تسوية في «جنيف 2»، وبالتالي عودة الحديث عن الحسم العسكري بشكل أو بآخر.

حتى إذا لم يتحقق هذا الأمر، كانت تركيا أمام ورطة كبيرة، وهي إما المشاركة بتصفية هذه المنظمات التي رعتها وربّتها أو رؤيتها تندثر أمام عينيها من دون أن يكون لها قدرة على فعل أي شيء لها. وهو ما يدفع تركيا إلى التحضير لمسار آخر يهدف إلى حفظ ماء الوجه عبر التواصل مع إيران والإعلان أنها ستستورد النفط منها بكميات كبيرة خلال العام 2014، وأنها ستوقع صفقة صواريخ بالستية بعيدة المدى مع الصين، كما المساهمة في إطلاق مخطوفي اعزاز من اللبنانيين (رغم أن خطف الطيارين التركيين كان العامل الأكثر حسماً في حل هذه القضية)، فتضمن بذلك، كما تعتقد، خط الرجعة مع القوى المؤيدة للنظام في سورية، من إيران إلى الصين إلى «حزب الله».

  • فريق ماسة
  • 2013-10-18
  • 12465
  • من الأرشيف

تركيا وهدفها من استهداف «داعش»

أثار بيان القوات المسلحة التركية حول قصفها مواقع لـ«الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)، رداً على انطلاق قذائف وقعت على الأرض التركية، تساؤلات عما إذا كانت هناك من متغيرات في طبيعة الموقف التركي من المنظمات «الجهادية» المتحاربة في سورية. ومعروف أن ثمة مذكرة استحصلت عليها الحكومة التركية من البرلمان تجيز لها، عبر القوات المسلحة، أن تردّ على مصادر النيران. وفي الأساس، فإنّ هذه المذكرة هي عملياً تجديد لمذكرة صدرت في العام الماضي، بعدما سقطت قذائف للجيش السوري على مدينة آقتشاكالي التركية، وذهب ضحيتها بعض المواطنين الأتراك. مذكرة البرلمان كانت تهدف إلى الردّ على الجيش السوري، أي أنه سيكون بمثابة «تأديب» للنظام ورئيسه بشار الأسد. اليوم، وفي ظل متغيّرات السيطرة على الحدود السورية مع تركيا بين «الجيش السوري الحر» و«داعش» والقوات الكردية، بالإضافة إلى القوات السورية، بات تحديد استراتيجية للرد العسكري التركي يشكل معضلة لحكومة رجب طيب أردوغان. وللإيضاح، فإن الرد سابقاً كان تلقائياً، باعتبار أن مصدر النيران من الجانب السوري هو القوات النظامية، أما اليوم فإن تحديد مصدر النيران لم يعُد واضحاً. وبات على الحكومة التركية أن تصدر أوامر، إما بالرد التلقائي بغض النظر عن الجهة التي تطلق القذائف - وهذا قد يجر إلى ارتدادات قد لا ترغب الحكومة التركية بها - أو أن تتحقق أولاً من مصدر النيران وبناء عليه ترد أو لا ترد. ومع المتغيرات الميدانية وسيطرة «داعش» و«الجيش الحر» على الحدود مع تركيا، ينتفي غرض تفويض البرلمان الردّ العسكري، إذ أن القذائف التي تطلقها القوات التركية تصيب الجميع، ما عدا الجهة التي تريد تركيا أن تصيبها وهو الجيش السوري. وهذا يجعل من إطلاق تركيا قذيفة رداً على مواقع لـ«داعش» مجرد مسرحية تهدف الى مواجهة الانتقادات الغربية المتتالية لأنقرة، بسبب دعمها لـ«جبهة النصرة» والمنظمات المتطرفة الأخرى التابعة لتنظيم «القاعدة». ويتبدّى الجانب المسرحي من الرد، في أن السياسة التركية تجاه سورية يتحكم بها عاملان أساسيان: العداء للنظام السوري والعداء للأكراد السوريين، وهي من اجل إضعاف هذين العدوّين لم تترك وسيلة ضغط إلا استخدمتها. وكل التقارير والتحقيقات، كما الادعاء الذي تقدّم به مدّعي عام أضنة، تؤكد أن «جهاديي» سورية جاؤوا إلى سورية إما من تركيا (أي شبان أتراك) أو عبر سورية من مختلف أصقاع الأرض. وهم جاؤوا لمحاربة النظام السوري والأكراد، كما ظهر من المعارك خلال الأسابيع الأخيرة. فكيف يمكن لتركيا التي أرسلت هؤلاء أو سهّلت لبعضهم المرور والدعم أن تحاربهم الآن، من دون اتضاح أي أفق لما يمكن أن تكون عليه التسوية السياسية للأزمة السورية في «جنيف 2»؟ أما الحديث عن أن تنظيم «داعش» وغيره من الأصوليين يشكل خطراً مستقبلياً على تركيا، عبر انتقال «القاعدة» إلى الداخل التركي، فهو صحيح بشكل كامل، وقادة تركيا يعرفون ذلك. لكن الخوف من أن يدفع أحد في تركيا الثمن لمتغيرات مستقبلية في الأزمة السورية، يجعل من حكومة «حزب العدالة والتنمية» تواصل سياسة الهروب إلى الأمام، فلا تجد سوى استمرار دعم التنظيمات المختلفة، سواء «الجهادية» منها أو غير «الجهادية». وهذا يأتي في سياق مسار استمرار الرهان على فشل التوصل إلى تسوية في «جنيف 2»، وبالتالي عودة الحديث عن الحسم العسكري بشكل أو بآخر. حتى إذا لم يتحقق هذا الأمر، كانت تركيا أمام ورطة كبيرة، وهي إما المشاركة بتصفية هذه المنظمات التي رعتها وربّتها أو رؤيتها تندثر أمام عينيها من دون أن يكون لها قدرة على فعل أي شيء لها. وهو ما يدفع تركيا إلى التحضير لمسار آخر يهدف إلى حفظ ماء الوجه عبر التواصل مع إيران والإعلان أنها ستستورد النفط منها بكميات كبيرة خلال العام 2014، وأنها ستوقع صفقة صواريخ بالستية بعيدة المدى مع الصين، كما المساهمة في إطلاق مخطوفي اعزاز من اللبنانيين (رغم أن خطف الطيارين التركيين كان العامل الأكثر حسماً في حل هذه القضية)، فتضمن بذلك، كما تعتقد، خط الرجعة مع القوى المؤيدة للنظام في سورية، من إيران إلى الصين إلى «حزب الله».

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة