أجساد الدببة لايتضوع منها العطر بل الزنخ .. وفي وجارها لن ينام الا من كانت له أنفاس الدببة .. فلا ينفع الدببة ان تستحم في ماء الورد وأن تنقع فراءها في ورق الليمون .. ولاأن تشرب الرحيق ولا أن تنام وتتمرغ على مروج الزهر .. فالدب دب ورائحته تفوح منه ولو رضع من أثداء العطور .. ومضغ في أشداقه البخور ..هذا هو حال ثوار الناتو الذين زكمت روائحهم الوهابية ومجازرهم أنوف الشرق .. لن تتطهر راياتهم بعد اليوم ولاشعاراتهم ولابنادقهم لأنها بنادق الدببة التي لوثها دم الأبرياء ولوثتها الخيانات .. وشعارات الدببة ورائحتها ..

ولكن ماذا عن حمير السياسة التي تقود الدببة؟؟ اليوم سأحدثكم عن حمير السياسة ..الذين حدثنا عنهم الكاتب التركي العبقري عزيز نيسين ..

عند الحديث في السياسة أحب الرصانة والجدية ولا أميل الى أحاديث الأهواء والرغبات والأمنيات والانفعالات .. وأمسك قلبي وعواطفي وأربطهما بالسلاسل والأصفاد .. وفوق ذلك فانني أفرض حظر التجول على الدعابات والابتسامات في كل شوارع عقلي الذي تحكمه قوانين صارمة .. وحده أردوغان من السياسيين الذين صاروا يخرجونني هذه الأيام عن طوري الرصين ويكسرون حظر التجول الصارم .. وأعترف أنني صرت أفقد السيطرة على مظاهر السخرية على شفاهي كلما مر اسمه على حواجز أذني وفمي ذهابا وايابا .. لأن الرجل صار مثيرا للضحك والشفقة .. وصرت أرثي لحاله لأنني صرت أراه ديكا بلا ريش .. وطاووسا عاريا .. وذئبا له صوت المواء .. وتمثالا من الثلج يذوب ويضمحل وهو يتحدى الشمس .. ولكن رغم أن رائحته تذكرني برائحة الدببة الثورية فانه يذكرني بحمار من حمير الكاتب التركي الساخر الشهير عزيز نيسين .. وأرجو ألا تتعجلوا لومي واستنتاج أنني قد غلبتني العواطف والأهواء لأنني أكره الرجل .. وتريثوا لتعرفوا أني لست فقط على صواب .. بل انني أعطيت الرجل حقه بمثقال الخردل دون زيادة أو نقصان ..

في لقاء الرئيس الأسد مع الصحفيين التركيين كان من الواضح أن الرئيس الأسد يعلن صراحة أن زمن أردوغان قد انتهى .. وأن أسطورته التي صنعها من الأكاذيب قد تلاشت كما تنتهي أساطير ألف ليلة وليلة وأوهامها .. وكما تنتهي قصص عزيز نيسين عن الحمير .. وأن جارنا الشمالي القبضاي انما صار يرئس حكومة تصريف الأعمال التركية في مرحلة انتقالية في تركيا قد تطول أو تقصر .. حكومة تصريف أعمال مثل الحكومات اللبنانية التي تشكل فترة تصريفها للأعمال اضعاف مدة الحكم الفعلية حتى صار لبنان هو بلد الحكومات التي تصرف الأعمال فقط .. وربما يستفيد أردوغان من تجربة خليفه سعدو الحريري في تصريف الأعمال وفن الانتظار .. فليس تصريف الأعمال فقط هو مايجمع الطرفين بل طول انتظارهما لأن يفتح مطار دمشق لهما طريق العودة الى ماض مجيد .. ومطار دمشق الذي كان يوصلهما الى كل محطات الدنيا أقفل الآن الى الأبد في وجهيهما .. فسعدو الحريري لن يمر بمطار دمشق الا عند نقل نعشه عبر دمشق الى عاصمة "صحراوية" حيث يدفن في مثواه الأخير ..أما أردوغان فلن يمر في مطار دمشق لاحيا ولاميتا ..

السياسيون لايولدون ولا ينتهون كما الناس العاديون .. فهناك يوم ميلاد لهم ويوم وفاة مختلفان عما يكتب في شهادة ميلاد الجسد وشهادة وفاته .. فقد ولد عبد الناصر مثلا في السويس 56 وتوفي في سيناء 67 .. ونابوليون بونابرت ولد في مصر وتوفي في ووترلو .. وأما أردوغان فقد ولد مع اسطورته في دافوس وكبر امام شواطئ غزة لكن وفاته كسياسي أعلنت بالأمس في حديث الرئيس الأسد ..

السياسيون الذين يصنعون ميلاد عصور ووفاة عصور هم من يكنّي التاريح نفسه بأسمائهم .. فترى عصر الاسكندر الذي ماتت في عصره الدول وولدت أخرى .. وعصر يوليوس قيصر .. وعصر صلاح الدين .. وعصر لينين .. وعصر غاندي .. هؤلاء هم الذين يولدون أكثر من مرة ولايموتون

عندما يتحدث الأسد أصغي اليه جيدا لما يقوله هذا الرجل فهو ينقل لنا رأي المستقبل بالحاضر .. ليس لأنني منحاز الى موقفه أو كما يحب المجانين تصنيفه على أنه انحياز المنحبكجية والشبيحة بل لأن المنطق يقول بأنه رجل جعله الحدث السياسي الخطير يجلس في قلب العالم ليتحلق العالم كله من حوله .. ولتنقسم الدنيا بشأنه .. فهو بسبب الاستقطاب العالمي حوله صار مركز ثقل العالم ومعه ستميل الجغرافيا وخطوط الزمن كرهنا ذلك أم أحببنا .. رجل كهذا سيصغي اليه الواقعيون والباحثون عن مفاصل الزمن الكبيرة ليسمعوا صوت المستقبل وصوت مفاتيحه وهي تدور في أقفال الحاضر.. المستقبل الذي صارت مفاتيحه في دمشق وأقفاله في دمشق ..

 

وعندما لايتحدث الأسد عن شيء بعينه أعرف أن كل الكلام الذي لديه أسرار ثقيلة لاتقال الا للمستقبل ..وليس للحاضر وعلينا انتظار الافراج عنها ..

من يقرأ حديث الأسد يدرك أن أردوغان في أقصى حالات الضعف وأن الزمن قد جار عليه وأن السلطان يهتز على عرشه .. ومن يتابع تاريخ الزعامات التركية منذ مصطفى كمال وحتى اليوم فان أكثر رئيس وزراء تركي لحقت به الاهانة والاذلال والتحدي هو أردوغان نفسه بعد هذه الصفعات المتلاحقة على وجه مشروعه الذي انتهى .. ولو كنت في مكان أردوغان فان كرامتي لن تسمح لي الا بأن أرتمي علي سيفي منتحرا كما يفعل محاربو الساموراي عندما يهزمون .. ولكن اين أردوغان من أخلاق فارس الساموراي واخلاصه لفروسيته وكرامته ؟؟ .. هذا رجل جبان لايرمي نفسه حتى على وسادة ..

لفتني أن الأسد أمعن هذه المرة ودون أي تحفظ في تحقير اردوغان وكانت في لهجته لغة الاستهتار به والاستخفاف .. ولكن هذا الاستهتار هو استهتار العارف بأن أردوغان يعزف لحن النهاية وأنه بالفعل دخل المرحلة الانتقالية التي قد تطول أو تقصر دون الاعلان عن ذلك .. وأن عصره قد انتهى ودخل مرحلة الموت السياسي البطيء وأن تأثيره في الأحداث صار مضطربا جدا لأنه محدود جدا ..

السياسة السورية الهادئة كانت تمتص أردوغان تدريجيا .. .. في هدوء الأسد وتصويباته الدقيقة على الاضطراب النفسي والسلوكي لأردوغان يطرح أحدنا سؤالا هو: كيف يمكن لرجل مثل أردوغان الرجل المضطرب في سلوكه والذي يبدو غير مستقر نفسيا ان يقود دولة قلقة مثل تركيا هذه الأيام .. سلوك قلق من رجل قلق وضع تركيا في هذه الهزة السياسية العنيفة التي كلفته دمار كل مستقبل تركيا في الشرق .. وبداية نهاية حقبتها الاسلامية بلا شك ..

المفارقة الملفتة للنظر أن الأحداث السورية بدأت على ايقاع تهديدات أردوغان وصراخه وصبره المحدود والذي أراد اجتياح الجنوب لاعادته الى السلطنة التي ضاعت .. ولكن اليوم تدخل الازمة السورية مراحل النهايات على ايقاع صوت الرئيس الاسد الذي ترك أردوغان يأكل من الوهم حتى امتلأ بطنه .. وصار أردوغان مثل الثعلب الذي دخل بستانا من فتحة ضيقة وعندما أكل والتهم مااشتهت نفسه النهمة حتى اصابته التخمة وانتفخ بطنه لم يعد قادرا على الخروج من الفتحة التي دخل منها .. فجاءه صاحب البستان وأجهز عليه ببرود ..

أردوغان كما يفهم من حديث الاسد صار اليوم محاصرا ولايعرف كيف يتخلص من الورطة الكبرى التي وقع فيها .. فكل الجنوب صار مغلقا أمام ناظريه وهو يستخير ويستشير ويستجير .. فمرة ينتظر الناتو ومرة ينتظر مجلس الأمن ومرة المناطق العازلة ومرة يتحرش بالسوريين عل الجيش التركي ينقذه من باب الحمية الطورانية الأتاتوركية ..

بغض النظر عن أي عاطفة تجاه الرئيس الأسد وأي شعور مناوئ له فان الرجل كان يتحدث بمنطق رجل الدولة الكبير .. وكان البعض يرى في احجامه عن تلقين الأتراك درسا في الأمن والتفجيرات في مدنهم تراجعا في قدرة اللعب بالأوراق السورية لكن الحقيقة هي قراءة في منتهى الدقة للوضع التركي .. فالقيادة السورية كانت تدرك حقائق لم ينتبه اليها الكثيرون .. منها أن الجيش التركي لايزال علمانيا في مجمله لأن عقيدته وتركيبته ونهجه لايزال يقدس مبادئ الجمهورية الأتاتوركية .. ولذلك فان عملية أخونته وتحويله لن يمكن تنفيذها بسرعة والا وقع الصدام الكبير بين الجيش والاسلاميين كما حدث عندما حاول اخوان مصر تنفيذ (الأخونة) بسذاجة فاقعة كجياع وقعوا على وليمة .. واعتقدوا أن كل ما في الأطباق لهم .. فانهمكوا في سباق مع الزمن لابتلاع الدولة ومؤسساتها دون تأن ودون تحضير الرأي العام وتبريد مخاوفه .. فاستبد القلق بالشعب والجيش من هذا الجوع للسلطة .. فكانت نهايتهم المفجعة ..الى الأبد ..

كان هناك ادراك لدى القيادة السورية عبر اتصالات وثيقة بعسكريين اتراك ان الجيش التركي لم يكن متحمسا للمشروع الاسلامي من باب أن الاندفاعة الاسلامية نحو سورية ان نجحت فستليها هجمة اسلامية مرتدة نحو الجيش التركي نفسه لتصفية اهم معاقل العلمانية .. وقال أحد الجنرالات الأتراك الكبار معبرا عن هذا الرأي في اتصال مع قياديين سوريين عند تأجج تهديدات أردوغان بالحرب بأن الجيش التركي غير مرتاح للحقبة الاسلامية التركية .. وهناك مخاوف من نجاح اردوغان عسكريا في الجنوب لأن ذلك قد يجعله بطلا في تركيا وستكون له سلطة معنوية هائلة لاتواجهها أية قوة داخلية لأنه سيحيي الشعور التركي بعودة الامبراطورية التي كانت بدايتها في سورية في مرج دابق .. ولن يتوقف الاسلاميون الأتراك عندها عن عملية تدمير الاتاتوركية العلمانية بسرعة قياسية والتخلص من آلاف الضباط دفعة واحدة وتطعيم الجيش بالاسلاميين .. وتغيير عقيدته الى الأبد .. ولذلك كان معروفا لدى السوريين أن الجيش التركي ليس بوارد أن ينجح الاسلاميون في حروبهم لأن نصرهم يعني انطلاق مجزرة تسريح بحق الضباط اللااسلاميين ..

وكذلك كانت تقارير ترد الى القيادة السورية ان النخبة التجارية والاقتصادية التركية متخوفة جدا من قيام حرب لاتعرف كيف ستتجه وهي معارضة لها .. وكذلك فان الاستخبارات التركية لم تكن قادرة على التنبؤ ان كان الأكراد والعلويون سيبقون صامتين أمام هزة الحرب .. وكان واضحا أن الناتو قال صراحة ان الحرب قرار تركي بحت ولاشأن للناتو به ان قامت به تركيا دون تفويض ..

وأمام هذه المعطيات الدقيقة قرر السوريون المحافظة على هذه المعادلة التركية التي تقتل أردوغان ببطء .. فلم يمنحوا اردوغان فرصة الظهور كبطل رغم استماتته باستعراض القوة والظهور بمظهر الحامي لشرف تركيا من اعتداءات الأسد ..لكنهم كانوا يكسرون له أنفه وشوكته كلما بالغ في الاقتراب .. وكان أردوغان يريد حدثا داخليا مصنعا باتقان شبيها بأحداث سبتمبر الأميريكية ليحرض الشعب والجيش .. لكن الاستخبارات التركية تخوفت من أن "بعض" الجيش الذي يرصد الاسلاميين له عيونه أيضا وسيعرف ان كان الحدث مفبركا وقد يقوم بتمرد عنيف لأنه ليس متحمسا للحرب .. كان أردوغان ينتظر أن تنكسر المعادلة وقد نقل عنه أنه في احدى زياراته نحو الحدود السورية نظر نحو الجنوب الى اتجاه سورية وقال مزمجرا بحسرة غاضبة: لماذا لم تأت؟؟ ..لماذا لم تأت؟ !! وفهم انه يعني الأسد الذي لم يهاجم الحدود ولم يرسل السيارات المفخخة .. لأن ذلك كان هو ماسيكسر المعادلة الشعبية والعسكرية التي ستحمل أردوغان الى مشروع السيطرة على كل تركيا .. جيشا وشعبا وتاريخا ومستقبلا .. ولكن الأسد تركه يموت بالتدريج مع مشروعه الذي يذوب .. لأن الحرب قد تحطم البلدين ولكنها ستحول الحمار التركي الى بطل ..

لو كان أردوغان سياسيا عبقريا لانتهز فرصة تاريخية بالتحالف مع الجنوب السوري العراقي الايراني وحاول أن يلعب دور الوسيط في الأزمة السورية (ولو بالتمثيل) ليكون زعيما كما جعلته وساطته بين السوريين والاسرائيليين زعيما ذا شأن في الشرق الأوسط والعالم .. كان التحالف مع الجنوب هو مدخله الى العصر الأردوغاني لتركيا .. لأن العصر ليس عصر الامبراطوريات بل عصر الكتل السياسية الكبرى (اتحاد أوروبي - بريكس - شانغهاي .. الخ) وكان امله الوحيد هو المشروع الذي طرحه الرئيس الأسد (البحار الخمسة) .. وبه ستكون المنطقة من أقوى مناطق العالم على الاطلاق .. فقد كانت ترتبط بها منظمة بريكس وتحالف شانغهاي مباشرة .. فهي أهم نقطة طاقة في الكون .. وأهم نقطة تواصل بين أربع رياح الدنيا .. ونقطة تلاقي الشرق بالغرب .. ولو كان سياسيا عبقريا لابتعد عن المشروع التقسيمي لسورية لأن التقسيم قد يعني ان له نفوذا على بعض سورية الشمالي ولكن سيخسر كل شيء آخر في العراق وايران وباقي سورية الذي سيتوزع نفوذه على الشركاء .. والأخطر أن ذلك التشقق سيكون له امتداد تحت جبال طوروس نحو تركيا .. استعجل اردوغان الانقلاب على أصدقائه السوريين وكان من الحكمة أن ينتظر الى ان تنجلي الصورة ويظهر توازن القوى الحقيقي الذي كان كل العقلاء يرونه في صالح الدولة الوطنية السورية .. لكنه مثل كل الانفعاليين والثورجيين كان مستعجلا للحسم العسكري في سورية لأن النجاح التونسي الليبي المصري أثمله وأفقده صوابه وعقله وجعله بلا اي قدرة على التحليل والقراءة ..ولكن غريزة الحمار السياسي غلبت عليه ..

ولو كان لأردوغان عقل استراتيجي فعال لأدرك أن الدويلات الاسلامية التي يتسلى بانشائها سيسيل لعابها على ارض الخلافة العثمانية وستلتف افاعيها حول عنق تركيا .. لكن هذا الرجل الذي كان ينظر اليه على أنه عبقري يعتقد أن السياسة الدولية تشبه ادارة بلدية استانبول حيث تنظيف الشوارع وزرع الزهور واشارات المرور ..وتبين أنه رجل فارغ ومغامر أحمق وغر في السياسة والاستراتيجيا لأن العالم ليس بلدية تعنى بمقالب القمامة وهندسة الحدائق .. وصار رجل الشارع لايجد توصيفا له الا بالقول انه رئيس بلدية ناجح في ادارة مقالب القمامة ولكنه حمار في السياسة .. ولكن لهذا التوصيف جذورا حقيقية في اللاوعي الذي زرعه عزيز نيسين بقصص عن الحمير التركية ..

بالفعل كلما ذكر أردوغان لي تذكرت الكاتب التركي الساخر الشهير عزيز نيسين .. وكأن عزيز نيسين كان في قصصه يكتب عن أردوغان تحديدا كما لو أنه يراه اليوم .. وقد يتهمني البعض أنني قد بالغت في اطلاق العنان لعواطفي التي تكره أردوغان ويرون أنني أتسلى به وأتشفى كلما سئمت الرصانة ..وأنا لاأنكر أنني أجد ضالتي من العبث واللهو الذي يكسر الملل والضجر في مناجم الثورجيين حيث كنوز لاتنضب للكوميديا والسخرية .. فيصل القاسم وحده منجم للنكتة .. وآل خليفة وآل سعود حقول بلانهاية لوقود النكتة وفن الامتاع والاضحاك .. ولكن لأردوغان نكهة خاصة ومذاقا لايمكنني أن أتركه دون أن أدغدغ له شنباته بوجهه العابس المتشائم التمثيلي .. ولكن هذه المرة لن أتدخل بكلمة واحدة بل سأدعوكم الى قراءة القصص التي كتبها عزيز نيسين عن الحمير التركية لتعرفوا أنني في الحقيقة لم اتحامل على الرجل ولكن الواقع يقول ان عزيز نيسين كتب عنه وتنبأ به كما لم يتنبأ كاتب بقدوم شخصية مطابقة لكتاباته .. ولربما قلتم لي في نهاية المقال بأنني قد ظلمت الحمير لأن مستوى التطابق والتشابه العائلي والوراثي بينه وبين قصص حمير نيسين مذهل وبأن أردوغان هو استنساخ مذهل عن هذه الحمير .. وهذا ليس مبالغة لأن الكاتب اللماح يرى مجتمعه عندما يكتب ويصور ابطاله من شخصيات مجتمعه .. فعندما يكتب نجيب محفوظ مثلا عن "أولاد حارتنا" أو عن "السيد أحمد عبد الجواد" في ثلاثيته الشهيرة فانك لاتقدر على أن ترى ملامح انكليزية أو هندية أو ثقافة فرنسية لأبطال فيكتور هوغو .. بل ملامح لشخصية شرقية مصرية رآها بنفسه ملايين المرات في المقاهي والحارات والأزقة والأرياف .. ولذلك فان عزيز نيسين كتب عن المجتمع التركي وشخصياته وطريقة تعاطيها مع الأشياء .. فاذا اردت أن تعرف أردوغان فعليك بقصص عزيز نيسين الذي ربما كتب عن السياسي التركي بمهارة لاتبارى

ففي مجموعة قصص "مزحة حمار" يتحدث نيسين عن السفاح "جيلو" الذي كثرت جرائمه كقاطع طريق ..فقد ذبح زوجين وقطعهما بالفأس .. ثم قتل ثلاثة سائقين ابرياء وعلقهم على الأشجار على قارعة الطريق .. وفي مرة اخرى امتص دم سيدة وهو يخنقها ..وبالرغم من هذه الجرائم فان جيلو الذي كان يخضع لمحاكمة كان يعتقد أن هذه المحاكمات وطقوسها واجراءاتها ماهي الا تمهيد للافراج عنه والعفو عنه ..ورأى ان نقله الى حجرة انفرادية (التي كانت عمليا تمهيدا لاعدامه) هي تكريم له ومعاملة خاصة قبل الافراج عنه .. ولكن عندما أخرج من زنزانته الى حبل المشنقة لم يصدق .. وعندما التف الحبل على عنقه صرخ بغضب وهو جادّ: "ولك" .. انا لاأحب المزاح .. ماهذا المزاح الثقيل؟ .. وانتهت القصة بعبارة ( راح الحمار في الصباح ولكن صوته تجمد في حنجرته) ..عبارات سيقولها الحمار اردوغان يوما وهو على حبل المشنقة ..

واما في قصة عزيز نيسين (آه منا معشر الحمير) فان القصة مطابقة بشكل مذهل لأردوغان .. فتقول هذه القصة: في غابر الزمان كان هناك حمار هرم وحده في الغابة، يغني بعض الأغاني بلغة الحمير ويأكل الأعشاب الغضة الطرية .. وفي يوم من الأيام فيما كان يلهو ويأكل جاءت له نسمات الهواء برائحة ذئب يقترب .. لكنه أقنع نفسه ان الرائحة ليست لذئب .. وكلما اقتربت الرائحة وجد تفسيرا يطمئنه .. فمرة يقول أنه انه ليس صوت أقدام ذئب ولاريحه .. ومرة بأنه يحلم ويرى كوابيس .. وبأنه صار يرى القطط ذئابا .. وعندما صار الذئب قريبا جدا منه قال: حتى لو كان ذئبا فهو ان شاء الله ليس كذلك .. وعندما أمسك به الذئب وصار يحس بأنفاسه ولعابه أغمض عينيه وقال: أعرف انك لست ذئبا .. ولكن عندما انغرزت انياب الذئب في ظهر الحمار صرخ متألما: آه .. آه انه ذئب ..انه فعلا ذئب ..ولم يبق منه سوى النهيق عبر الزمن ..هل هناك قصة اكثر تطابقا مع حمار تركيا الكبير أردوغان؟؟ السوريون قالوا له ان التطرف ذئب فلا تستقبله في بيتك والطائفية عقرب فلا تضعه في جيبك .. ولكنه قال ان التطرف ليس ذئبا والطائفية ليست عقربا .. والسوريون قالوا له: النار ستصل الى بيتك فلا تنفخ فيها ولاتصب الزيت عليها .. ولكنه ضحك وقال : ان شاء الله لن تصل .. والسوريون قالوا له: الطوائف التي تثيرها في سورية ستثور عليك في تركيا رد قائلا: ان عيونكم ترى القطط ذئابا .. وعندما قالوا له: ان تصادم الأكراد والاسلاميين ليس في صالح تركيا .. أصر على أن الذئب الذي اعتلى ظهره هو خروف .. وهاهي حدود تركيا تتخردق بداعش وماعش وداحس والنصرة والقاعدة والمهربين للسلاح والحشيش والدعارة ومجاهدات النكاح .. والأنياب تنغرز في جسد تركيا الذي يرتجف بالحمى ويتعرق .. وأردوغان يستيقظ مذعورا ليقول: هل هو فعلا ذئب؟؟ .. آه .. آه .. انه ذئب .. ياالهي ان العقرب دخل سروالي الداخلي ..

والأسد الذي كان مهذبا جدا كان يريد أن يقول ان في تركيا ثلاثة حمير .. غول .. واوغلو .. واردوغان .. آه منهم معشر الحمير .. وكان الله في عون تركيا على قطيع حمير حزب العدالة والتنمية ..

  • فريق ماسة
  • 2013-10-05
  • 11078
  • من الأرشيف

حمير تركيا ورائحة الذئب .. خذوها من فم عزيز نيسين

أجساد الدببة لايتضوع منها العطر بل الزنخ .. وفي وجارها لن ينام الا من كانت له أنفاس الدببة .. فلا ينفع الدببة ان تستحم في ماء الورد وأن تنقع فراءها في ورق الليمون .. ولاأن تشرب الرحيق ولا أن تنام وتتمرغ على مروج الزهر .. فالدب دب ورائحته تفوح منه ولو رضع من أثداء العطور .. ومضغ في أشداقه البخور ..هذا هو حال ثوار الناتو الذين زكمت روائحهم الوهابية ومجازرهم أنوف الشرق .. لن تتطهر راياتهم بعد اليوم ولاشعاراتهم ولابنادقهم لأنها بنادق الدببة التي لوثها دم الأبرياء ولوثتها الخيانات .. وشعارات الدببة ورائحتها .. ولكن ماذا عن حمير السياسة التي تقود الدببة؟؟ اليوم سأحدثكم عن حمير السياسة ..الذين حدثنا عنهم الكاتب التركي العبقري عزيز نيسين .. عند الحديث في السياسة أحب الرصانة والجدية ولا أميل الى أحاديث الأهواء والرغبات والأمنيات والانفعالات .. وأمسك قلبي وعواطفي وأربطهما بالسلاسل والأصفاد .. وفوق ذلك فانني أفرض حظر التجول على الدعابات والابتسامات في كل شوارع عقلي الذي تحكمه قوانين صارمة .. وحده أردوغان من السياسيين الذين صاروا يخرجونني هذه الأيام عن طوري الرصين ويكسرون حظر التجول الصارم .. وأعترف أنني صرت أفقد السيطرة على مظاهر السخرية على شفاهي كلما مر اسمه على حواجز أذني وفمي ذهابا وايابا .. لأن الرجل صار مثيرا للضحك والشفقة .. وصرت أرثي لحاله لأنني صرت أراه ديكا بلا ريش .. وطاووسا عاريا .. وذئبا له صوت المواء .. وتمثالا من الثلج يذوب ويضمحل وهو يتحدى الشمس .. ولكن رغم أن رائحته تذكرني برائحة الدببة الثورية فانه يذكرني بحمار من حمير الكاتب التركي الساخر الشهير عزيز نيسين .. وأرجو ألا تتعجلوا لومي واستنتاج أنني قد غلبتني العواطف والأهواء لأنني أكره الرجل .. وتريثوا لتعرفوا أني لست فقط على صواب .. بل انني أعطيت الرجل حقه بمثقال الخردل دون زيادة أو نقصان .. في لقاء الرئيس الأسد مع الصحفيين التركيين كان من الواضح أن الرئيس الأسد يعلن صراحة أن زمن أردوغان قد انتهى .. وأن أسطورته التي صنعها من الأكاذيب قد تلاشت كما تنتهي أساطير ألف ليلة وليلة وأوهامها .. وكما تنتهي قصص عزيز نيسين عن الحمير .. وأن جارنا الشمالي القبضاي انما صار يرئس حكومة تصريف الأعمال التركية في مرحلة انتقالية في تركيا قد تطول أو تقصر .. حكومة تصريف أعمال مثل الحكومات اللبنانية التي تشكل فترة تصريفها للأعمال اضعاف مدة الحكم الفعلية حتى صار لبنان هو بلد الحكومات التي تصرف الأعمال فقط .. وربما يستفيد أردوغان من تجربة خليفه سعدو الحريري في تصريف الأعمال وفن الانتظار .. فليس تصريف الأعمال فقط هو مايجمع الطرفين بل طول انتظارهما لأن يفتح مطار دمشق لهما طريق العودة الى ماض مجيد .. ومطار دمشق الذي كان يوصلهما الى كل محطات الدنيا أقفل الآن الى الأبد في وجهيهما .. فسعدو الحريري لن يمر بمطار دمشق الا عند نقل نعشه عبر دمشق الى عاصمة "صحراوية" حيث يدفن في مثواه الأخير ..أما أردوغان فلن يمر في مطار دمشق لاحيا ولاميتا .. السياسيون لايولدون ولا ينتهون كما الناس العاديون .. فهناك يوم ميلاد لهم ويوم وفاة مختلفان عما يكتب في شهادة ميلاد الجسد وشهادة وفاته .. فقد ولد عبد الناصر مثلا في السويس 56 وتوفي في سيناء 67 .. ونابوليون بونابرت ولد في مصر وتوفي في ووترلو .. وأما أردوغان فقد ولد مع اسطورته في دافوس وكبر امام شواطئ غزة لكن وفاته كسياسي أعلنت بالأمس في حديث الرئيس الأسد .. السياسيون الذين يصنعون ميلاد عصور ووفاة عصور هم من يكنّي التاريح نفسه بأسمائهم .. فترى عصر الاسكندر الذي ماتت في عصره الدول وولدت أخرى .. وعصر يوليوس قيصر .. وعصر صلاح الدين .. وعصر لينين .. وعصر غاندي .. هؤلاء هم الذين يولدون أكثر من مرة ولايموتون عندما يتحدث الأسد أصغي اليه جيدا لما يقوله هذا الرجل فهو ينقل لنا رأي المستقبل بالحاضر .. ليس لأنني منحاز الى موقفه أو كما يحب المجانين تصنيفه على أنه انحياز المنحبكجية والشبيحة بل لأن المنطق يقول بأنه رجل جعله الحدث السياسي الخطير يجلس في قلب العالم ليتحلق العالم كله من حوله .. ولتنقسم الدنيا بشأنه .. فهو بسبب الاستقطاب العالمي حوله صار مركز ثقل العالم ومعه ستميل الجغرافيا وخطوط الزمن كرهنا ذلك أم أحببنا .. رجل كهذا سيصغي اليه الواقعيون والباحثون عن مفاصل الزمن الكبيرة ليسمعوا صوت المستقبل وصوت مفاتيحه وهي تدور في أقفال الحاضر.. المستقبل الذي صارت مفاتيحه في دمشق وأقفاله في دمشق ..   وعندما لايتحدث الأسد عن شيء بعينه أعرف أن كل الكلام الذي لديه أسرار ثقيلة لاتقال الا للمستقبل ..وليس للحاضر وعلينا انتظار الافراج عنها .. من يقرأ حديث الأسد يدرك أن أردوغان في أقصى حالات الضعف وأن الزمن قد جار عليه وأن السلطان يهتز على عرشه .. ومن يتابع تاريخ الزعامات التركية منذ مصطفى كمال وحتى اليوم فان أكثر رئيس وزراء تركي لحقت به الاهانة والاذلال والتحدي هو أردوغان نفسه بعد هذه الصفعات المتلاحقة على وجه مشروعه الذي انتهى .. ولو كنت في مكان أردوغان فان كرامتي لن تسمح لي الا بأن أرتمي علي سيفي منتحرا كما يفعل محاربو الساموراي عندما يهزمون .. ولكن اين أردوغان من أخلاق فارس الساموراي واخلاصه لفروسيته وكرامته ؟؟ .. هذا رجل جبان لايرمي نفسه حتى على وسادة .. لفتني أن الأسد أمعن هذه المرة ودون أي تحفظ في تحقير اردوغان وكانت في لهجته لغة الاستهتار به والاستخفاف .. ولكن هذا الاستهتار هو استهتار العارف بأن أردوغان يعزف لحن النهاية وأنه بالفعل دخل المرحلة الانتقالية التي قد تطول أو تقصر دون الاعلان عن ذلك .. وأن عصره قد انتهى ودخل مرحلة الموت السياسي البطيء وأن تأثيره في الأحداث صار مضطربا جدا لأنه محدود جدا .. السياسة السورية الهادئة كانت تمتص أردوغان تدريجيا .. .. في هدوء الأسد وتصويباته الدقيقة على الاضطراب النفسي والسلوكي لأردوغان يطرح أحدنا سؤالا هو: كيف يمكن لرجل مثل أردوغان الرجل المضطرب في سلوكه والذي يبدو غير مستقر نفسيا ان يقود دولة قلقة مثل تركيا هذه الأيام .. سلوك قلق من رجل قلق وضع تركيا في هذه الهزة السياسية العنيفة التي كلفته دمار كل مستقبل تركيا في الشرق .. وبداية نهاية حقبتها الاسلامية بلا شك .. المفارقة الملفتة للنظر أن الأحداث السورية بدأت على ايقاع تهديدات أردوغان وصراخه وصبره المحدود والذي أراد اجتياح الجنوب لاعادته الى السلطنة التي ضاعت .. ولكن اليوم تدخل الازمة السورية مراحل النهايات على ايقاع صوت الرئيس الاسد الذي ترك أردوغان يأكل من الوهم حتى امتلأ بطنه .. وصار أردوغان مثل الثعلب الذي دخل بستانا من فتحة ضيقة وعندما أكل والتهم مااشتهت نفسه النهمة حتى اصابته التخمة وانتفخ بطنه لم يعد قادرا على الخروج من الفتحة التي دخل منها .. فجاءه صاحب البستان وأجهز عليه ببرود .. أردوغان كما يفهم من حديث الاسد صار اليوم محاصرا ولايعرف كيف يتخلص من الورطة الكبرى التي وقع فيها .. فكل الجنوب صار مغلقا أمام ناظريه وهو يستخير ويستشير ويستجير .. فمرة ينتظر الناتو ومرة ينتظر مجلس الأمن ومرة المناطق العازلة ومرة يتحرش بالسوريين عل الجيش التركي ينقذه من باب الحمية الطورانية الأتاتوركية .. بغض النظر عن أي عاطفة تجاه الرئيس الأسد وأي شعور مناوئ له فان الرجل كان يتحدث بمنطق رجل الدولة الكبير .. وكان البعض يرى في احجامه عن تلقين الأتراك درسا في الأمن والتفجيرات في مدنهم تراجعا في قدرة اللعب بالأوراق السورية لكن الحقيقة هي قراءة في منتهى الدقة للوضع التركي .. فالقيادة السورية كانت تدرك حقائق لم ينتبه اليها الكثيرون .. منها أن الجيش التركي لايزال علمانيا في مجمله لأن عقيدته وتركيبته ونهجه لايزال يقدس مبادئ الجمهورية الأتاتوركية .. ولذلك فان عملية أخونته وتحويله لن يمكن تنفيذها بسرعة والا وقع الصدام الكبير بين الجيش والاسلاميين كما حدث عندما حاول اخوان مصر تنفيذ (الأخونة) بسذاجة فاقعة كجياع وقعوا على وليمة .. واعتقدوا أن كل ما في الأطباق لهم .. فانهمكوا في سباق مع الزمن لابتلاع الدولة ومؤسساتها دون تأن ودون تحضير الرأي العام وتبريد مخاوفه .. فاستبد القلق بالشعب والجيش من هذا الجوع للسلطة .. فكانت نهايتهم المفجعة ..الى الأبد .. كان هناك ادراك لدى القيادة السورية عبر اتصالات وثيقة بعسكريين اتراك ان الجيش التركي لم يكن متحمسا للمشروع الاسلامي من باب أن الاندفاعة الاسلامية نحو سورية ان نجحت فستليها هجمة اسلامية مرتدة نحو الجيش التركي نفسه لتصفية اهم معاقل العلمانية .. وقال أحد الجنرالات الأتراك الكبار معبرا عن هذا الرأي في اتصال مع قياديين سوريين عند تأجج تهديدات أردوغان بالحرب بأن الجيش التركي غير مرتاح للحقبة الاسلامية التركية .. وهناك مخاوف من نجاح اردوغان عسكريا في الجنوب لأن ذلك قد يجعله بطلا في تركيا وستكون له سلطة معنوية هائلة لاتواجهها أية قوة داخلية لأنه سيحيي الشعور التركي بعودة الامبراطورية التي كانت بدايتها في سورية في مرج دابق .. ولن يتوقف الاسلاميون الأتراك عندها عن عملية تدمير الاتاتوركية العلمانية بسرعة قياسية والتخلص من آلاف الضباط دفعة واحدة وتطعيم الجيش بالاسلاميين .. وتغيير عقيدته الى الأبد .. ولذلك كان معروفا لدى السوريين أن الجيش التركي ليس بوارد أن ينجح الاسلاميون في حروبهم لأن نصرهم يعني انطلاق مجزرة تسريح بحق الضباط اللااسلاميين .. وكذلك كانت تقارير ترد الى القيادة السورية ان النخبة التجارية والاقتصادية التركية متخوفة جدا من قيام حرب لاتعرف كيف ستتجه وهي معارضة لها .. وكذلك فان الاستخبارات التركية لم تكن قادرة على التنبؤ ان كان الأكراد والعلويون سيبقون صامتين أمام هزة الحرب .. وكان واضحا أن الناتو قال صراحة ان الحرب قرار تركي بحت ولاشأن للناتو به ان قامت به تركيا دون تفويض .. وأمام هذه المعطيات الدقيقة قرر السوريون المحافظة على هذه المعادلة التركية التي تقتل أردوغان ببطء .. فلم يمنحوا اردوغان فرصة الظهور كبطل رغم استماتته باستعراض القوة والظهور بمظهر الحامي لشرف تركيا من اعتداءات الأسد ..لكنهم كانوا يكسرون له أنفه وشوكته كلما بالغ في الاقتراب .. وكان أردوغان يريد حدثا داخليا مصنعا باتقان شبيها بأحداث سبتمبر الأميريكية ليحرض الشعب والجيش .. لكن الاستخبارات التركية تخوفت من أن "بعض" الجيش الذي يرصد الاسلاميين له عيونه أيضا وسيعرف ان كان الحدث مفبركا وقد يقوم بتمرد عنيف لأنه ليس متحمسا للحرب .. كان أردوغان ينتظر أن تنكسر المعادلة وقد نقل عنه أنه في احدى زياراته نحو الحدود السورية نظر نحو الجنوب الى اتجاه سورية وقال مزمجرا بحسرة غاضبة: لماذا لم تأت؟؟ ..لماذا لم تأت؟ !! وفهم انه يعني الأسد الذي لم يهاجم الحدود ولم يرسل السيارات المفخخة .. لأن ذلك كان هو ماسيكسر المعادلة الشعبية والعسكرية التي ستحمل أردوغان الى مشروع السيطرة على كل تركيا .. جيشا وشعبا وتاريخا ومستقبلا .. ولكن الأسد تركه يموت بالتدريج مع مشروعه الذي يذوب .. لأن الحرب قد تحطم البلدين ولكنها ستحول الحمار التركي الى بطل .. لو كان أردوغان سياسيا عبقريا لانتهز فرصة تاريخية بالتحالف مع الجنوب السوري العراقي الايراني وحاول أن يلعب دور الوسيط في الأزمة السورية (ولو بالتمثيل) ليكون زعيما كما جعلته وساطته بين السوريين والاسرائيليين زعيما ذا شأن في الشرق الأوسط والعالم .. كان التحالف مع الجنوب هو مدخله الى العصر الأردوغاني لتركيا .. لأن العصر ليس عصر الامبراطوريات بل عصر الكتل السياسية الكبرى (اتحاد أوروبي - بريكس - شانغهاي .. الخ) وكان امله الوحيد هو المشروع الذي طرحه الرئيس الأسد (البحار الخمسة) .. وبه ستكون المنطقة من أقوى مناطق العالم على الاطلاق .. فقد كانت ترتبط بها منظمة بريكس وتحالف شانغهاي مباشرة .. فهي أهم نقطة طاقة في الكون .. وأهم نقطة تواصل بين أربع رياح الدنيا .. ونقطة تلاقي الشرق بالغرب .. ولو كان سياسيا عبقريا لابتعد عن المشروع التقسيمي لسورية لأن التقسيم قد يعني ان له نفوذا على بعض سورية الشمالي ولكن سيخسر كل شيء آخر في العراق وايران وباقي سورية الذي سيتوزع نفوذه على الشركاء .. والأخطر أن ذلك التشقق سيكون له امتداد تحت جبال طوروس نحو تركيا .. استعجل اردوغان الانقلاب على أصدقائه السوريين وكان من الحكمة أن ينتظر الى ان تنجلي الصورة ويظهر توازن القوى الحقيقي الذي كان كل العقلاء يرونه في صالح الدولة الوطنية السورية .. لكنه مثل كل الانفعاليين والثورجيين كان مستعجلا للحسم العسكري في سورية لأن النجاح التونسي الليبي المصري أثمله وأفقده صوابه وعقله وجعله بلا اي قدرة على التحليل والقراءة ..ولكن غريزة الحمار السياسي غلبت عليه .. ولو كان لأردوغان عقل استراتيجي فعال لأدرك أن الدويلات الاسلامية التي يتسلى بانشائها سيسيل لعابها على ارض الخلافة العثمانية وستلتف افاعيها حول عنق تركيا .. لكن هذا الرجل الذي كان ينظر اليه على أنه عبقري يعتقد أن السياسة الدولية تشبه ادارة بلدية استانبول حيث تنظيف الشوارع وزرع الزهور واشارات المرور ..وتبين أنه رجل فارغ ومغامر أحمق وغر في السياسة والاستراتيجيا لأن العالم ليس بلدية تعنى بمقالب القمامة وهندسة الحدائق .. وصار رجل الشارع لايجد توصيفا له الا بالقول انه رئيس بلدية ناجح في ادارة مقالب القمامة ولكنه حمار في السياسة .. ولكن لهذا التوصيف جذورا حقيقية في اللاوعي الذي زرعه عزيز نيسين بقصص عن الحمير التركية .. بالفعل كلما ذكر أردوغان لي تذكرت الكاتب التركي الساخر الشهير عزيز نيسين .. وكأن عزيز نيسين كان في قصصه يكتب عن أردوغان تحديدا كما لو أنه يراه اليوم .. وقد يتهمني البعض أنني قد بالغت في اطلاق العنان لعواطفي التي تكره أردوغان ويرون أنني أتسلى به وأتشفى كلما سئمت الرصانة ..وأنا لاأنكر أنني أجد ضالتي من العبث واللهو الذي يكسر الملل والضجر في مناجم الثورجيين حيث كنوز لاتنضب للكوميديا والسخرية .. فيصل القاسم وحده منجم للنكتة .. وآل خليفة وآل سعود حقول بلانهاية لوقود النكتة وفن الامتاع والاضحاك .. ولكن لأردوغان نكهة خاصة ومذاقا لايمكنني أن أتركه دون أن أدغدغ له شنباته بوجهه العابس المتشائم التمثيلي .. ولكن هذه المرة لن أتدخل بكلمة واحدة بل سأدعوكم الى قراءة القصص التي كتبها عزيز نيسين عن الحمير التركية لتعرفوا أنني في الحقيقة لم اتحامل على الرجل ولكن الواقع يقول ان عزيز نيسين كتب عنه وتنبأ به كما لم يتنبأ كاتب بقدوم شخصية مطابقة لكتاباته .. ولربما قلتم لي في نهاية المقال بأنني قد ظلمت الحمير لأن مستوى التطابق والتشابه العائلي والوراثي بينه وبين قصص حمير نيسين مذهل وبأن أردوغان هو استنساخ مذهل عن هذه الحمير .. وهذا ليس مبالغة لأن الكاتب اللماح يرى مجتمعه عندما يكتب ويصور ابطاله من شخصيات مجتمعه .. فعندما يكتب نجيب محفوظ مثلا عن "أولاد حارتنا" أو عن "السيد أحمد عبد الجواد" في ثلاثيته الشهيرة فانك لاتقدر على أن ترى ملامح انكليزية أو هندية أو ثقافة فرنسية لأبطال فيكتور هوغو .. بل ملامح لشخصية شرقية مصرية رآها بنفسه ملايين المرات في المقاهي والحارات والأزقة والأرياف .. ولذلك فان عزيز نيسين كتب عن المجتمع التركي وشخصياته وطريقة تعاطيها مع الأشياء .. فاذا اردت أن تعرف أردوغان فعليك بقصص عزيز نيسين الذي ربما كتب عن السياسي التركي بمهارة لاتبارى ففي مجموعة قصص "مزحة حمار" يتحدث نيسين عن السفاح "جيلو" الذي كثرت جرائمه كقاطع طريق ..فقد ذبح زوجين وقطعهما بالفأس .. ثم قتل ثلاثة سائقين ابرياء وعلقهم على الأشجار على قارعة الطريق .. وفي مرة اخرى امتص دم سيدة وهو يخنقها ..وبالرغم من هذه الجرائم فان جيلو الذي كان يخضع لمحاكمة كان يعتقد أن هذه المحاكمات وطقوسها واجراءاتها ماهي الا تمهيد للافراج عنه والعفو عنه ..ورأى ان نقله الى حجرة انفرادية (التي كانت عمليا تمهيدا لاعدامه) هي تكريم له ومعاملة خاصة قبل الافراج عنه .. ولكن عندما أخرج من زنزانته الى حبل المشنقة لم يصدق .. وعندما التف الحبل على عنقه صرخ بغضب وهو جادّ: "ولك" .. انا لاأحب المزاح .. ماهذا المزاح الثقيل؟ .. وانتهت القصة بعبارة ( راح الحمار في الصباح ولكن صوته تجمد في حنجرته) ..عبارات سيقولها الحمار اردوغان يوما وهو على حبل المشنقة .. واما في قصة عزيز نيسين (آه منا معشر الحمير) فان القصة مطابقة بشكل مذهل لأردوغان .. فتقول هذه القصة: في غابر الزمان كان هناك حمار هرم وحده في الغابة، يغني بعض الأغاني بلغة الحمير ويأكل الأعشاب الغضة الطرية .. وفي يوم من الأيام فيما كان يلهو ويأكل جاءت له نسمات الهواء برائحة ذئب يقترب .. لكنه أقنع نفسه ان الرائحة ليست لذئب .. وكلما اقتربت الرائحة وجد تفسيرا يطمئنه .. فمرة يقول أنه انه ليس صوت أقدام ذئب ولاريحه .. ومرة بأنه يحلم ويرى كوابيس .. وبأنه صار يرى القطط ذئابا .. وعندما صار الذئب قريبا جدا منه قال: حتى لو كان ذئبا فهو ان شاء الله ليس كذلك .. وعندما أمسك به الذئب وصار يحس بأنفاسه ولعابه أغمض عينيه وقال: أعرف انك لست ذئبا .. ولكن عندما انغرزت انياب الذئب في ظهر الحمار صرخ متألما: آه .. آه انه ذئب ..انه فعلا ذئب ..ولم يبق منه سوى النهيق عبر الزمن ..هل هناك قصة اكثر تطابقا مع حمار تركيا الكبير أردوغان؟؟ السوريون قالوا له ان التطرف ذئب فلا تستقبله في بيتك والطائفية عقرب فلا تضعه في جيبك .. ولكنه قال ان التطرف ليس ذئبا والطائفية ليست عقربا .. والسوريون قالوا له: النار ستصل الى بيتك فلا تنفخ فيها ولاتصب الزيت عليها .. ولكنه ضحك وقال : ان شاء الله لن تصل .. والسوريون قالوا له: الطوائف التي تثيرها في سورية ستثور عليك في تركيا رد قائلا: ان عيونكم ترى القطط ذئابا .. وعندما قالوا له: ان تصادم الأكراد والاسلاميين ليس في صالح تركيا .. أصر على أن الذئب الذي اعتلى ظهره هو خروف .. وهاهي حدود تركيا تتخردق بداعش وماعش وداحس والنصرة والقاعدة والمهربين للسلاح والحشيش والدعارة ومجاهدات النكاح .. والأنياب تنغرز في جسد تركيا الذي يرتجف بالحمى ويتعرق .. وأردوغان يستيقظ مذعورا ليقول: هل هو فعلا ذئب؟؟ .. آه .. آه .. انه ذئب .. ياالهي ان العقرب دخل سروالي الداخلي .. والأسد الذي كان مهذبا جدا كان يريد أن يقول ان في تركيا ثلاثة حمير .. غول .. واوغلو .. واردوغان .. آه منهم معشر الحمير .. وكان الله في عون تركيا على قطيع حمير حزب العدالة والتنمية ..

المصدر : نارام سرجون


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة