لم تُسوَّ الخلافات بين «جبهة النصرة» و«الدولة الإسلامية في العراق والشام» لحدّ الآن. قوّة «داعش»، عدةً عديداً، تنمو في مقابل انكماش «الجبهة»، لكنّ خلافات التنظيمين لم تنسحب على الساحة اللبنانية بعد. جهاديو لبنان ينأون بنفسهم في انتظار توحيد الصفّ

«داعش» أم «الجبهة»؟ أيُّ التنظيمين يُمنح البيعة؟ تساؤلٌ حار جهاديو سوريا في الإجابة عنه، فانقسموا على أنفسهم بين من ثبت على بيعته لـ«جبهة النصرة» وآخر فضّل اللحاق بركب «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، لكونها الأكبر شأناً والأعلى مقاماً. التساؤل نفسه أعاد جهاديو لبنان طرحه، فاختاروا النأي بالنفس سبيلاً وسطاً، ولا سيّما أن خلافات التنظيمين لم تستحل مواجهة عسكرية، بل استبقها علماء التنظيمين بإصدار فتاوى تقول بحرمة القتال وسفك الدم بين أتباع المنهج الواحد.

ورغم ذلك، شهد تنظيم «جبهة النصرة» نزفاً في كوادره الذين تركوه لأجل الالتحاق بـ«الدولة الإسلامية» من باب توحيد الصف. وزادت وتيرة هذا النزف بنحو ملحوظ، فبرزت آثاره واضحة في الميدان، إذ خفت وهج «الجبهة» على حساب سطوع نجم «الدولة» التي أثبتت حضورها بقوّة على مسرح العمليات القتالية، فضلاً عن أنّ معظم المجاهدين الغرباء يقاتلون تحت راية «الدولة» أيضاً.

إزاء ذلك، تموضع قادة المجموعات الإسلامية المتشدِّدة ذات الهوى القاعدي في مكان وسط. فاختار الشيخ أسامة الشهابي، أمير تنظيم فتح الإسلام، «الدعوة إلى وحدة الصف والتعالي على الخلافات»، مطالباً بالعمل على «التقليل من الخلاف بين الموحدين، لأنّ الخلاف طارئ والاجتماع أصل». كذلك تقدّم الشهابي، على حد تأكيد مصادر قريبة من جهاديي لبنان، باقتراح على أمراء المجموعات، مفاده أنّ «أي أخ من الدولة يتكلم على الجبهة بالتجريح والذم يُعاقب بالسجن، وأي أخ من الجبهة يتكلم على الدولة بالتجريح يُعاقب». وبعيداً عن الشهابي، تكشف مصادر لـ«الأخبار» أن القيادات الإسلامية الأصولية في مخيم عين الحلوة كانت تعيش حيرة بشأن الخلاف المستجدّ بين «داعش» و«الجبهة»، لكونها تجد نفسها أقرب إلى التنظيم الثاني، ولا سيما أن خمسة من أبرز قياداتهم (أسامة الشهابي ومحمد العارفي وهيثم الشعبي ونعيم عباس وزياد أبو النعاج)، كانوا قد هاجروا للجهاد في سوريا في أيار ٢٠١٢ حيث بايعوا أمير «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني، قبل أن يعودوا أدراجهم. وتستند المصادر إلى هذه البيعة لتتحدث عن إحراجٍ مُعيّن، لكنها تكشف أن خيار النأي بالنفس كان أفضل الخيارات المتاحة بالنسبة إليهم. وبشأن ما يتردد عن تشدّد «الدولة» مقابل إظهار «الجبهة» ليناً في تطبيق الشريعة، يميل بعضهم إلى القول بموافقة التشدّد المعتمد من قبل «داعش» لـ«الشرع الإسلامي»، لكنهم يرون أنّه استناداً إلى «فقه الواقع»، فإن «تطبيق الشريعة على أمور شكلية لا يجوز توقيتاً، ما دامت الغاية توحيد الجهود لقتال نظام ظالم».

ورغم ذلك، تكشف معلومات أمنية لـ«الأخبار» أنّ بقايا تنظيم «جُند الشام» و«فتح الإسلام» لم يُحددوا وجهتهم، مشيرة إلى أنّ بعض هؤلاء قدّموا الولاء لتنظيم «جُند الشام» الذي أعلن الشيخ خالد المحمود المعروف بـ«أبو سليمان المهاجر» ولادته مجدداً في سوريا. وبحسب المصادر نفسها، الأمر ينسحب على أتباع كتائب عبد الله عزّام في لبنان؛ إذ تُفيد المعلومات بأن هؤلاء يمارسون أيضاً سياسة الترقّب والنأي بالنفس بانتظار كشف المستور، علماً بأن هذا التنظم الذي أصدر تسجيلاً صوتياً في حزيران ٢٠١٢، نُسِب إلى الشيخ ماجد بن محمد الماجد بوصفه «أمير كتائب عبد الله عزّام في بلاد الشام»، كان يُقدِّم نفسه متمايزاً عن «جبهة النصرة». وفي هذا السياق، تكشف المعلومات أن بعض أتباع «الكتائب» يكادون يكونون في موقعٍ أقرب إلى «الدولة» منهم إلى «الجبهة»، في مقابل آخرين يتعاطفون مع «جبهة النصرة»، أمثال زياد العارفي ومحمد الدوخي، على ذمّة المصادر نفسها.

تنظيمان يتّبعان المنهج السلفي نفسه، لكنّ أتباعهما ضائعون في البيعة. وقد برز لافتاً اختيار معظم الذين انشقّوا عن «الجبهة»، الالتحاق والقتال تحت راية «الدولة»، لكونهم يرونها أكثر شمولاً من «الجبهة» التي لا تعدو كونها تنظيماً. وفي المنهج السلفي، أمير التنظيم على الأرض أصغر من أمير الدولة. فضلاً عن وجود ما يُسمّى «وجوب البيعة»، باعتبار أنّ البغدادي قُرشي النسب. وبالتالي، يُعدّ أمير التنظيم أقل شأناً ويتبع لـ«أمير المؤمنين» الذي له الأولوية والأحقية بالاتباع والإمرة، علماً بأنّ هذا اللقب يحمله أمير الدولة الإسلامية في العراق والشام «أبو بكر البغدادي» فله الأولوية والأحقية. كذلك تجدر الإشارة إلى أنّ «داعش» تتفوّق في العامل المادي على «جبهة النصرة» بأشواط؛ إذ إنّ «الدولة» تملك في العراق آبار نفط تخضع لسيطرتها. الأمر نفسه ينسحب على سوريا. فمسلّحو «الدولة» يُسيطرون على آبار النفط في الرقّة أيضاً. ويخوض هؤلاء معارك ضارية في أرياف دير الزور التي تحتوي على كميات كبيرة من حقول النفط أيضاً. وتسمح الإمكانات المادية لـ«الدولة» في توفير كافة متطلبات الجهاديين الذين يلتحقون بها. وفضلاً عن أنّها تزوّد مقاتليها بأحدث أنواع الأسلحة، تقوم في بعض الأحيان بدفع إيجارات منازل لأهالي الذين يقاتلون تحت لوائها، سواء في لبنان أو في تركيا أو غيرهما من البلدان.

يذكر أن تقارير أمنية أوردت معلومات عن وصول موفدين من «داعش» إلى لبنان لأخذ البيعة من أفراد يحملون الفكر نفسه. وأشارت المعلومات إلى أن هؤلاء الموفدين جاؤوا بخريطة طريق لإقامة مجموعات تتبع لـ«الدولة» مباشرة، لكن هذه المعلومات لم تخرج من كونها معلومات مخبرين، إذ لم تؤكدها أيٌّ من المجموعات الجهادية.

  • فريق ماسة
  • 2013-10-02
  • 9289
  • من الأرشيف

جهاديو لبنان: النأي بالنفس أفضل الحلال

لم تُسوَّ الخلافات بين «جبهة النصرة» و«الدولة الإسلامية في العراق والشام» لحدّ الآن. قوّة «داعش»، عدةً عديداً، تنمو في مقابل انكماش «الجبهة»، لكنّ خلافات التنظيمين لم تنسحب على الساحة اللبنانية بعد. جهاديو لبنان ينأون بنفسهم في انتظار توحيد الصفّ «داعش» أم «الجبهة»؟ أيُّ التنظيمين يُمنح البيعة؟ تساؤلٌ حار جهاديو سوريا في الإجابة عنه، فانقسموا على أنفسهم بين من ثبت على بيعته لـ«جبهة النصرة» وآخر فضّل اللحاق بركب «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، لكونها الأكبر شأناً والأعلى مقاماً. التساؤل نفسه أعاد جهاديو لبنان طرحه، فاختاروا النأي بالنفس سبيلاً وسطاً، ولا سيّما أن خلافات التنظيمين لم تستحل مواجهة عسكرية، بل استبقها علماء التنظيمين بإصدار فتاوى تقول بحرمة القتال وسفك الدم بين أتباع المنهج الواحد. ورغم ذلك، شهد تنظيم «جبهة النصرة» نزفاً في كوادره الذين تركوه لأجل الالتحاق بـ«الدولة الإسلامية» من باب توحيد الصف. وزادت وتيرة هذا النزف بنحو ملحوظ، فبرزت آثاره واضحة في الميدان، إذ خفت وهج «الجبهة» على حساب سطوع نجم «الدولة» التي أثبتت حضورها بقوّة على مسرح العمليات القتالية، فضلاً عن أنّ معظم المجاهدين الغرباء يقاتلون تحت راية «الدولة» أيضاً. إزاء ذلك، تموضع قادة المجموعات الإسلامية المتشدِّدة ذات الهوى القاعدي في مكان وسط. فاختار الشيخ أسامة الشهابي، أمير تنظيم فتح الإسلام، «الدعوة إلى وحدة الصف والتعالي على الخلافات»، مطالباً بالعمل على «التقليل من الخلاف بين الموحدين، لأنّ الخلاف طارئ والاجتماع أصل». كذلك تقدّم الشهابي، على حد تأكيد مصادر قريبة من جهاديي لبنان، باقتراح على أمراء المجموعات، مفاده أنّ «أي أخ من الدولة يتكلم على الجبهة بالتجريح والذم يُعاقب بالسجن، وأي أخ من الجبهة يتكلم على الدولة بالتجريح يُعاقب». وبعيداً عن الشهابي، تكشف مصادر لـ«الأخبار» أن القيادات الإسلامية الأصولية في مخيم عين الحلوة كانت تعيش حيرة بشأن الخلاف المستجدّ بين «داعش» و«الجبهة»، لكونها تجد نفسها أقرب إلى التنظيم الثاني، ولا سيما أن خمسة من أبرز قياداتهم (أسامة الشهابي ومحمد العارفي وهيثم الشعبي ونعيم عباس وزياد أبو النعاج)، كانوا قد هاجروا للجهاد في سوريا في أيار ٢٠١٢ حيث بايعوا أمير «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني، قبل أن يعودوا أدراجهم. وتستند المصادر إلى هذه البيعة لتتحدث عن إحراجٍ مُعيّن، لكنها تكشف أن خيار النأي بالنفس كان أفضل الخيارات المتاحة بالنسبة إليهم. وبشأن ما يتردد عن تشدّد «الدولة» مقابل إظهار «الجبهة» ليناً في تطبيق الشريعة، يميل بعضهم إلى القول بموافقة التشدّد المعتمد من قبل «داعش» لـ«الشرع الإسلامي»، لكنهم يرون أنّه استناداً إلى «فقه الواقع»، فإن «تطبيق الشريعة على أمور شكلية لا يجوز توقيتاً، ما دامت الغاية توحيد الجهود لقتال نظام ظالم». ورغم ذلك، تكشف معلومات أمنية لـ«الأخبار» أنّ بقايا تنظيم «جُند الشام» و«فتح الإسلام» لم يُحددوا وجهتهم، مشيرة إلى أنّ بعض هؤلاء قدّموا الولاء لتنظيم «جُند الشام» الذي أعلن الشيخ خالد المحمود المعروف بـ«أبو سليمان المهاجر» ولادته مجدداً في سوريا. وبحسب المصادر نفسها، الأمر ينسحب على أتباع كتائب عبد الله عزّام في لبنان؛ إذ تُفيد المعلومات بأن هؤلاء يمارسون أيضاً سياسة الترقّب والنأي بالنفس بانتظار كشف المستور، علماً بأن هذا التنظم الذي أصدر تسجيلاً صوتياً في حزيران ٢٠١٢، نُسِب إلى الشيخ ماجد بن محمد الماجد بوصفه «أمير كتائب عبد الله عزّام في بلاد الشام»، كان يُقدِّم نفسه متمايزاً عن «جبهة النصرة». وفي هذا السياق، تكشف المعلومات أن بعض أتباع «الكتائب» يكادون يكونون في موقعٍ أقرب إلى «الدولة» منهم إلى «الجبهة»، في مقابل آخرين يتعاطفون مع «جبهة النصرة»، أمثال زياد العارفي ومحمد الدوخي، على ذمّة المصادر نفسها. تنظيمان يتّبعان المنهج السلفي نفسه، لكنّ أتباعهما ضائعون في البيعة. وقد برز لافتاً اختيار معظم الذين انشقّوا عن «الجبهة»، الالتحاق والقتال تحت راية «الدولة»، لكونهم يرونها أكثر شمولاً من «الجبهة» التي لا تعدو كونها تنظيماً. وفي المنهج السلفي، أمير التنظيم على الأرض أصغر من أمير الدولة. فضلاً عن وجود ما يُسمّى «وجوب البيعة»، باعتبار أنّ البغدادي قُرشي النسب. وبالتالي، يُعدّ أمير التنظيم أقل شأناً ويتبع لـ«أمير المؤمنين» الذي له الأولوية والأحقية بالاتباع والإمرة، علماً بأنّ هذا اللقب يحمله أمير الدولة الإسلامية في العراق والشام «أبو بكر البغدادي» فله الأولوية والأحقية. كذلك تجدر الإشارة إلى أنّ «داعش» تتفوّق في العامل المادي على «جبهة النصرة» بأشواط؛ إذ إنّ «الدولة» تملك في العراق آبار نفط تخضع لسيطرتها. الأمر نفسه ينسحب على سوريا. فمسلّحو «الدولة» يُسيطرون على آبار النفط في الرقّة أيضاً. ويخوض هؤلاء معارك ضارية في أرياف دير الزور التي تحتوي على كميات كبيرة من حقول النفط أيضاً. وتسمح الإمكانات المادية لـ«الدولة» في توفير كافة متطلبات الجهاديين الذين يلتحقون بها. وفضلاً عن أنّها تزوّد مقاتليها بأحدث أنواع الأسلحة، تقوم في بعض الأحيان بدفع إيجارات منازل لأهالي الذين يقاتلون تحت لوائها، سواء في لبنان أو في تركيا أو غيرهما من البلدان. يذكر أن تقارير أمنية أوردت معلومات عن وصول موفدين من «داعش» إلى لبنان لأخذ البيعة من أفراد يحملون الفكر نفسه. وأشارت المعلومات إلى أن هؤلاء الموفدين جاؤوا بخريطة طريق لإقامة مجموعات تتبع لـ«الدولة» مباشرة، لكن هذه المعلومات لم تخرج من كونها معلومات مخبرين، إذ لم تؤكدها أيٌّ من المجموعات الجهادية.

المصدر : رضوان مرتضى/ الاخبار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة