لم تهدأ هواتف وزير الخارجية السورية وليد المعلم والوفد الذي كان يرافقه إلى نيويورك، بالإضافة إلى مندوب سورية إلى الأمم المتحدة بشار الجعفري، فالكل يريد أن يفتح خطوطاً مع سورية.

من الطبيعي أن يتواصل المعلم في نيويورك مع حلفاء سورية، من روس وصينيين وبرازليين وغيرهم، لكن أن تكون هناك اتصالات من وزراء خارجية وسفراء وممثلي دول كانت دولهم طوال فترة سنتين ونيّف تُظهر العداء للدولة الوطنية السورية، أمر بدا لافتاً ومثيراً للاهتمام، حتى وإن كان البعض يحاول أن تبقى هذه الاتصالات بعيدة عن العين والآذان.

وفي المعلومات من نيويورك أيضاً، أن أطرافاً من المعارضات السورية حاولت بشتى الوسائل والسبل الاتصال بأي واحد من أعضاء الوفد السوري إلى الأمم المتحدة، ليؤكدوا أن حساباتهم كانت خطأ، وأن ما تتعرض له الدولة الوطنية السورية فاق التصوّر، إذ إن المستهدف من هذه الحرب القذرة ليس النظام، بل الدولة الوطنية بما تمثل من دور ومكانة وتاريخ وجغرافيا وحاضر ومستقبل.

وإذ أفادت هذه المعلومات أن أحداً من البعثة السورية لم يقفل هاتفاً، أو يغلق باباً أمام سائل أو طالب للقاء يصب في المصلحة الوطنية السورية، فإن حقيقة حضرت بقوة، وهي أن ثمة متغيرات كبرى فرضها الصمود السوري الأسطوري في وجه تلك المؤامرة الكونية بدأت تنعكس في شتى الاتجاهات، أولاً: على المستوى السوري، حيث تأكد مدى اتساع الانقسام بين أطراف المعارضات السورية، فالبعض قرر ترك هذه المعارضات التي وُصفت بالآفّة والمرض، والبعض التحق بمجموعات متطرفة، فيما بعض أجنحة ما يسمى "الجيش الحر" بدأ يطلب النجدة من الجيش العربي السوري، أمام الهجوم الذي تشنه على مواقعه "جبهة النصرة" أو "داعش"، فصار بين فكيّ كماشة ستعصره حتى الرمق الأخير وتأخذ معها كل ما حققه من مكاسب وامتيازات مالية ومادية، وتحوّله إلى مجرد ملحق لا حول له ولا قوة، في نفس الوقت الذي لقي رئيس ما يدعى "الائتلاف الوطني" أحمد الجربا إهمالاً في نيويورك، فلم يكترث به الأميركي، ولم يجتمع به أي واحد من أفراد البعثات المشاركة دولها في الحرب على سورية، كفرنسا وبريطانيا وغيرهما، وكل ما استطاع عليه هو اجتماع مع أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون، ولم يأخذ منه لا حقاً ولا باطلاً حول شرط التسوية والمشاركة في "جنيف-2".

أما على المستوى الإقليمي والدولي فقد اتضح تماماً لدى الأقربين والأبعدين أنه لا وزن حقيقياً للدول العربية، خصوصاً الخليجية، في أي معادلات، فصمود الدولة الوطنية السورية وتحقيق جيشها لانتصارات نوعية على المجموعات المسلحة في أكثر من مكان وموقع، رغم مليارات الدولارات التي تُصرف، وعشرات آلاف المسلحين والإرهابيين الذين يدفعون إلى الداخل السوري، جعلها في موقع الداعم للإرهاب الدولي أمام العالم، وبالتالي لم يعد لها كلمة مؤثرة في أي حل أو تسوية مرتقبة، رغم إعلان المبعوث الأممي إلى سورية الأخضر الإبراهيمي عن احتمال مشاركة السعودية وقطر وتركيا في مؤتمر "جنيف-2"، حيث تبيّن أن الإبراهيمي عاجز عن القيام بأي دور، حتى على مستوى تبليغ الرسائل، إذ إن دوره يقتصر على مجرد حضور الاجتماعات إذا دعاه لافروف وكيري ليس إلا، في وقت أكد قرار مجلس الأمن بشأن الكيميائي السوري على ضرورة وقف دعم المسلحين.

في نفس الوقت، تأكد أن إيران، الحليف القوي لدمشق، هي في لب أي معادلة أو تسوية، وقد تُرجم ذلك بالسعي الأميركي للقاء الإيرانيين في نيويورك، حيث رفض الرئيس الشيخ حسن روحاني في البداية السيناريوهات التي طُرحت للقاء باراك أوباما، بينما التقى وزيرا الخارجية الإيراني جواد ظريف والأميركي جون كيري، فبدت في هذا اللقاء ملامح بوادر حُسن النية الأميركية حيال طهران، والتي تُرجمت باتصال أوباما بروحاني أثناء مغادرة الأخير نحو المطار عائداً إلى بلاده، وهو ما أثار السعودية، وعبّر عن ذلك مقال في جريدة "الشرق الأوسط" لأحد المقربين من النظام السعودي؛ عبد الرحمن الراشد، يوم الإثنين الماضي في 30 أيلول تحت عنوان "المكالمة التي هزّت الشرق الأوسط"، حيث قال: "الكثيرون الذين انتظروا صواريخ توما هوك، تأديباً للنظام السوري ورسالة للنظام الإيراني الذي يطوّر سلاحه النووي، هزتهم أخبار المكالمة الهاتفية، فهي الأولى بين رئيس أميركي ورئيس إيراني منذ 34 سنة، تلتها التصريحات الاحتفالية في واشنطن وطهران بالتقدم الجديد في كسر الجليد بين البدين، وقد هزت المكالمة "الأوبا - روحانية" دوائر القرار في الخليج والأردن وتركيا و"إسرائيل" وغيرها.."، إلى أن يقول: "ليس هاماً مَن رفع السماعة قبل الآخر، بل كيف اقتنع أوباما أن يكافئ الإيرانيين..".

ثمة حقيقة واضحة هنا، وهي أن الولايات المتحدة تتعامل مع حلفائها كأتباع ليس إلا، وعليهم أن ينفذوا رغباتها وإرادتها، أما طهران التي حاولت مع دول المنطقة توفير الحلول لأزماتها، فلم تلق منهم التجاوب، فحسمتها بإدارة الظهر لهم، والتوجه مباشرة نحو المفاوضات مع سيدهم، وفق دبلوماسيتها المرنة والصعبة وطويلة النفس في ذات الحين، وهكذا بدا العرب والأتراك والخليجيون خارج الحسابات، فالأميركي في لحظة الحلول لا يعيرهم اهتماماً، والروسي يعمل للحل مع شركائه في الغرب والاتفاق التام مع دمشق وطهران، دون أي التفات إلى الأعراب الذين ذهبت جامعتهم في سبات عميق.

هكذا، لم يبق أمام الأعراب والخليجيين، والسعوديين على وجه التحديد، سوى دعم المجموعات الإرهابية المسلحة، وكأنهم في سباق مع الزمن، حيث وسّعوا من حلقات الدم التي تضرب في العراق هذه الأيام بشكل هستيري ويومي، وتحاول أن تخربط في لبنان، فتمنع تشكيل حكومة جديدة إلا وفق المصالح المعادية للبنانيين.

ببساطة، الرياض تدخل السباق في أعمال التفجير الواسعة التي تمتد من سورية إلى العراق إلى كردستان.. لأنها تبحث عن شكل يؤمّن لها مشاركة ما في الحلول المنتظَرة.

 

  • فريق ماسة
  • 2013-10-02
  • 10825
  • من الأرشيف

الغرب وبعض المعارضات تسابقوا للاتصال بالسوريين في نيويورك

لم تهدأ هواتف وزير الخارجية السورية وليد المعلم والوفد الذي كان يرافقه إلى نيويورك، بالإضافة إلى مندوب سورية إلى الأمم المتحدة بشار الجعفري، فالكل يريد أن يفتح خطوطاً مع سورية. من الطبيعي أن يتواصل المعلم في نيويورك مع حلفاء سورية، من روس وصينيين وبرازليين وغيرهم، لكن أن تكون هناك اتصالات من وزراء خارجية وسفراء وممثلي دول كانت دولهم طوال فترة سنتين ونيّف تُظهر العداء للدولة الوطنية السورية، أمر بدا لافتاً ومثيراً للاهتمام، حتى وإن كان البعض يحاول أن تبقى هذه الاتصالات بعيدة عن العين والآذان. وفي المعلومات من نيويورك أيضاً، أن أطرافاً من المعارضات السورية حاولت بشتى الوسائل والسبل الاتصال بأي واحد من أعضاء الوفد السوري إلى الأمم المتحدة، ليؤكدوا أن حساباتهم كانت خطأ، وأن ما تتعرض له الدولة الوطنية السورية فاق التصوّر، إذ إن المستهدف من هذه الحرب القذرة ليس النظام، بل الدولة الوطنية بما تمثل من دور ومكانة وتاريخ وجغرافيا وحاضر ومستقبل. وإذ أفادت هذه المعلومات أن أحداً من البعثة السورية لم يقفل هاتفاً، أو يغلق باباً أمام سائل أو طالب للقاء يصب في المصلحة الوطنية السورية، فإن حقيقة حضرت بقوة، وهي أن ثمة متغيرات كبرى فرضها الصمود السوري الأسطوري في وجه تلك المؤامرة الكونية بدأت تنعكس في شتى الاتجاهات، أولاً: على المستوى السوري، حيث تأكد مدى اتساع الانقسام بين أطراف المعارضات السورية، فالبعض قرر ترك هذه المعارضات التي وُصفت بالآفّة والمرض، والبعض التحق بمجموعات متطرفة، فيما بعض أجنحة ما يسمى "الجيش الحر" بدأ يطلب النجدة من الجيش العربي السوري، أمام الهجوم الذي تشنه على مواقعه "جبهة النصرة" أو "داعش"، فصار بين فكيّ كماشة ستعصره حتى الرمق الأخير وتأخذ معها كل ما حققه من مكاسب وامتيازات مالية ومادية، وتحوّله إلى مجرد ملحق لا حول له ولا قوة، في نفس الوقت الذي لقي رئيس ما يدعى "الائتلاف الوطني" أحمد الجربا إهمالاً في نيويورك، فلم يكترث به الأميركي، ولم يجتمع به أي واحد من أفراد البعثات المشاركة دولها في الحرب على سورية، كفرنسا وبريطانيا وغيرهما، وكل ما استطاع عليه هو اجتماع مع أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون، ولم يأخذ منه لا حقاً ولا باطلاً حول شرط التسوية والمشاركة في "جنيف-2". أما على المستوى الإقليمي والدولي فقد اتضح تماماً لدى الأقربين والأبعدين أنه لا وزن حقيقياً للدول العربية، خصوصاً الخليجية، في أي معادلات، فصمود الدولة الوطنية السورية وتحقيق جيشها لانتصارات نوعية على المجموعات المسلحة في أكثر من مكان وموقع، رغم مليارات الدولارات التي تُصرف، وعشرات آلاف المسلحين والإرهابيين الذين يدفعون إلى الداخل السوري، جعلها في موقع الداعم للإرهاب الدولي أمام العالم، وبالتالي لم يعد لها كلمة مؤثرة في أي حل أو تسوية مرتقبة، رغم إعلان المبعوث الأممي إلى سورية الأخضر الإبراهيمي عن احتمال مشاركة السعودية وقطر وتركيا في مؤتمر "جنيف-2"، حيث تبيّن أن الإبراهيمي عاجز عن القيام بأي دور، حتى على مستوى تبليغ الرسائل، إذ إن دوره يقتصر على مجرد حضور الاجتماعات إذا دعاه لافروف وكيري ليس إلا، في وقت أكد قرار مجلس الأمن بشأن الكيميائي السوري على ضرورة وقف دعم المسلحين. في نفس الوقت، تأكد أن إيران، الحليف القوي لدمشق، هي في لب أي معادلة أو تسوية، وقد تُرجم ذلك بالسعي الأميركي للقاء الإيرانيين في نيويورك، حيث رفض الرئيس الشيخ حسن روحاني في البداية السيناريوهات التي طُرحت للقاء باراك أوباما، بينما التقى وزيرا الخارجية الإيراني جواد ظريف والأميركي جون كيري، فبدت في هذا اللقاء ملامح بوادر حُسن النية الأميركية حيال طهران، والتي تُرجمت باتصال أوباما بروحاني أثناء مغادرة الأخير نحو المطار عائداً إلى بلاده، وهو ما أثار السعودية، وعبّر عن ذلك مقال في جريدة "الشرق الأوسط" لأحد المقربين من النظام السعودي؛ عبد الرحمن الراشد، يوم الإثنين الماضي في 30 أيلول تحت عنوان "المكالمة التي هزّت الشرق الأوسط"، حيث قال: "الكثيرون الذين انتظروا صواريخ توما هوك، تأديباً للنظام السوري ورسالة للنظام الإيراني الذي يطوّر سلاحه النووي، هزتهم أخبار المكالمة الهاتفية، فهي الأولى بين رئيس أميركي ورئيس إيراني منذ 34 سنة، تلتها التصريحات الاحتفالية في واشنطن وطهران بالتقدم الجديد في كسر الجليد بين البدين، وقد هزت المكالمة "الأوبا - روحانية" دوائر القرار في الخليج والأردن وتركيا و"إسرائيل" وغيرها.."، إلى أن يقول: "ليس هاماً مَن رفع السماعة قبل الآخر، بل كيف اقتنع أوباما أن يكافئ الإيرانيين..". ثمة حقيقة واضحة هنا، وهي أن الولايات المتحدة تتعامل مع حلفائها كأتباع ليس إلا، وعليهم أن ينفذوا رغباتها وإرادتها، أما طهران التي حاولت مع دول المنطقة توفير الحلول لأزماتها، فلم تلق منهم التجاوب، فحسمتها بإدارة الظهر لهم، والتوجه مباشرة نحو المفاوضات مع سيدهم، وفق دبلوماسيتها المرنة والصعبة وطويلة النفس في ذات الحين، وهكذا بدا العرب والأتراك والخليجيون خارج الحسابات، فالأميركي في لحظة الحلول لا يعيرهم اهتماماً، والروسي يعمل للحل مع شركائه في الغرب والاتفاق التام مع دمشق وطهران، دون أي التفات إلى الأعراب الذين ذهبت جامعتهم في سبات عميق. هكذا، لم يبق أمام الأعراب والخليجيين، والسعوديين على وجه التحديد، سوى دعم المجموعات الإرهابية المسلحة، وكأنهم في سباق مع الزمن، حيث وسّعوا من حلقات الدم التي تضرب في العراق هذه الأيام بشكل هستيري ويومي، وتحاول أن تخربط في لبنان، فتمنع تشكيل حكومة جديدة إلا وفق المصالح المعادية للبنانيين. ببساطة، الرياض تدخل السباق في أعمال التفجير الواسعة التي تمتد من سورية إلى العراق إلى كردستان.. لأنها تبحث عن شكل يؤمّن لها مشاركة ما في الحلول المنتظَرة.  

المصدر : أحمد زين الدين - الثبات


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة