دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
بعد أكثر من شهر من الانشغال الدولي المكثف في أزمة السلاح الكيميائي في سورية، يتغير جدول الاعمال الاقليمي. فالانتباه سيتركز على البرنامج النووي الايراني وبالاساس على ما يجري هذه الايام حول الجمعية العمومية للامم المتحدة في نيويورك. خطاب الرئيسين الامريكي والايراني، اللقاء الاول لوزيري خارجية الدولتين والمساعي لايجاد حل وسط يوقف تقدم طهران نحو تحقيق سلاح نووي. رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الذي وضعه خطابه عن ‘الخط الاحمر’ في الجمعية العمومية قبل سنة في مركز الساحة العالمية، سيتعين عليه أن يكتفي هذه المرة بدور هامشي أكثر. فاسرائيل توجد منذ الان في الموقف الذي اعدت له في المعركة الحالية فهي المشتكية الدائمة، الممتعضة، المراقبة من الجانب لما يجري. ‘نحن الولد الذي يصرخ ان الملك عارٍ’، ادعى هذا الاسبوع الوزير يوفال شتاينتس، المقرب من نتنياهو، غير أن احدا لا يعتزم الانصات لهذا الولد.
حسن روحاني، الرئيس الايراني حديث العهد، سيكون نجم الجمعية العمومية. في الاسابيع الاخيرة أدار حملة مخططا لها جيدا، هدفها عرض وجه جديد، معتدل، للنظام في طهران. لقد انتصر روحاني في الانتخابات في حزيران/يونيو الماضي بالاساس لانهم ينتظرون منه أن يجلب للشعب الايراني انجازا واحدا، وهو تخفيف كبير من عبء العقوبات الدولية التي كان تأثيرها على الاقتصاد في السنة الاخيرة أشد مما قدروه في البداية. وقد اضطر آيات الله، الذين لم يتدخلوا هذه المرة في تزوير النتائج، الى الانسجام معه. وتعتقد الصفقة التي يقترحها روحاني على الغرب، بايجاز، تخفيف العقوبات مقابل كبح جماح التطلعات النووية.
ويسعى النظام الى الحفاظ على قدرة تخصيب اليورانيوم، ولكنه يؤشر الى استعداد للمساومة في مسائل تعزيز الشفافية في مواقع النووي وتوثيق الرقابة الدولية.
لم تجتز ايران هذه السنة الخط الذي’رسمه نتنياهو في خطابه العام الماضي، والذي عرض لاحقا بانه مراكمة 250 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب الى مستوى 20 في المئة (كمية تكفي لانتاج قنبلة نووية واحدة، بعد التخصيب الى مستوى نحو 90 في المئة). حتى الان راكمت نحو 190 كيلوغراما. ولكن التقارير الاخيرة للوكالة الدولية للطاقة الذرية تفيد بان الايرانيين وجدوا التفافا على الخط. فتركيب أجهزة طرد مركزي أسرع للتخصيب، قصر المسافة نحو انتاج القنبلة، وطرح تخوفا لدى أجهزة الاستخبارات في اسرائيل وفي الغرب، بانه في حالة أن تقرر ذلك يمكن لايران أن تتقدم الى الامام في غضون أشهر قليلة، وأن الاستخبارات من شأنها أن تلاحظ التغيير فقط بعد أن يكون الاوان قد فات.
في هذه الاثناء يتخذ روحاني خطوات في الجبهة الداخلية ايضا لتبرير الخط الجديد، باسناد جزئي على الاقل من الزعيم الروحي الاعلى علي خامنئي. والى جانب تحرير استثنائي لسجناء سياسيين، يشدد قادة النظام في طهران على الحاجة الى اظهار ‘مرونة بطولية’ يشرحها خامنئي نفسه بالاستعداد للمساومة من أجل هدف مقدس، الحفاظ على عظمة ايران. وكل هذا يجري في ظل علاقة وثيقة بما يجري في الحرب الاهلية في سورية، حيث يغرق الايرانيون في حرب من أجل بقاء نظام الاسد والحفاظ على نفوذهم الاقليمي. واقتبس عن رجل دين ايراني كبير مؤخرا كمن ادعى بانه ‘اذا فقدنا دمشق، لن نتمكن من الحفاظ على السيطرة في طهران’. ولكن الحل الوسط في السلاح الكيميائي الذي بلورته روسيا تحت تهديد الهجوم الامريكي على سورية اخراج كل المخزونات من سورية ونقلها الى رقابة أجنبية ـ يعتبر ايضا بمثابة تمرين عام على معالجة البرنامج النووي الايراني. ونجاح الغرب في فرض تطبيق خطة ناجعة لتصفية مخزونات السلاح الكيميائي كفيل بان يكون ـ رغم الفوارق الكبيرة بين وضع سورية وايران، سابقة مشجعة نحو بلورة حل وسط عملي في البرنامج النووي.
في نظرة من اسرائيل، يتم التشديد على المخاطر التي لا بأس بها، والتي انكشفت في الاداء الامريكي في الازمة في سورية: تخوف ادارة اوباما من التدخل العسكري، تردد وتذبذب واشنطن في ظل بلورة موقفها، عدم قدرتها على بلورة خطوات مشتركة مع حلفائها في المنطقة ومع القوى العظمى الغربية الاخرى، التحدي البارز من جانب موسكو. وفي تسريب الى ‘نيويورك تايمز′ هذا الاسبوع فصل نتنياهو المطالب المتشددة التي سيطرحها على ايران في الامم المتحدة: وقف تخصيب اليورانيوم في كل المستويات، اخراج كل اليورانيوم المخصب من نطاق ايران، اغلاق المنشأة التحت أرضية في بوردو واخراج اجهزة الطرد المركزي الجديدة من المنشأة في نتناز. وفي أحاديث غير رسمية، يبرز الشك المتعاظم في تل ابيب تجاه واشنطن، على خلفية خطوات اوباما في المسألة السورية.
لقد وجد نتنياهو في احداث الشهر الاخير ذخيرة لا بأس بها لخلافه الداخلي المستمر مع كبار مسؤولي جهاز الامن في اسرائيل، في مساعيه لاقناعهم بتأييد هجوم اسرائيلي احادي الجانب على مواقع النووي في ايران. ورئيس الوزراء على قناعة بان اسرائيل لن تتمكن من الاعتماد على الغرب في ان يزيل التهديد الايراني ومن هنا تكراره المتواتر مؤخرا، في خطاباته العلنية، لرسالة ‘إن لم أكن أنا لي، فمن لي’. ولكن عمليا، يخيل أن احتمالات الهجوم الاسرائيلي المستقل تقل بالذات، ولا تزيد، كلما مر الوقت، منذ انتصار روحاني في الانتخابات. وكانت لنتنياهو، بعد كل شيء، في سنوات سابقة فرص للامر بالهجوم، فوتها. في المزاج الدولي الحالي سيجد صعوبة في قيادة خطوة عسكرية لهجوم في السنة القادمة، حتى لو تحقق حل وسط لا يروق لاسرائيل.
حرب استنزاف سورية
توصف روسيا بانها المنتصرة الاكبر من الحل الوسط السوري. الرئيس السوري بشار الاسد هو الاخر (الذي يحتفظ حاليا بحكمه، بثمن التنازل عن السلاح الكيميائي) وحتى الامريكيون سجلوا لانفسهم فضائل معينة. ما لم يقل تقريبا هو أن اسرائيل هي الاخرى تكسب من ذلك وبقدر كبير، فهي في هذه الاثناء الرابح الاكبر من الحرب الاهلية في سورية. فاذا ـ وهذه بالطبع ‘اذا’ كبيرة جدا ـ نجحت الولايات المتحدة في أن تفرض التطبيق الكامل لاتفاق نزع السلاح الكيميائي، يكون قد أزيل عن اسرائيل تهديد كامن كبير، تم ضده بالاساس بناء منظومة الدفاع ضد الحرب الكيميائية، في الجيش وفي الجبهة المدنية، على مدى عشرات السنين.
وسينضم نزع السلاح الكيميائي السوري الى ربح استراتيجي هائل حققته اسرائيل من دون أن تحرك ساكنا: الانهيار المستمر للجيش السوري. قائد المنطقة الشمالية، يئير غولان، قال الاسبوع الماضي في مقابلة مع اسرائيل اليوم ان الجيش السوري تآكل في الحرب الاهلية الى قرابة النصف، من حيث مخزون الصواريخ والمقذوفات الصاروخية لديه، قدرة اخرى بنيت في الاصل ضد اسرائيل. والى جانب الضريبة اللفظية الاخلاقية اللازمة التي تدفعها القيادة الاسرائيلية في دعوتها الى وقف المذبحة بحق مواطني سورية، يمكن قول الحقيقة: المعركة في سورية تجري بين معسكرين معاديين جوهريا لاسرائيل. والاستنزاف المتبادل بينهما، من دون حسم في الافق، مجدٍ لاسرائيل. ان عدم الاستقرار في سورية خطير، وكذا احتشاد ناشطي الارهاب من منظمات الجهاد العالمي على الحدود في الجولان مقلق، ولكنه لا يوازي المنفعة التي تنشأ عن تآكل القدرة العسكرية السورية، التقليدية وغير التقليدية. لا يوجد لاسرائيل اي سبب يدعوها الى تمني انتصار أي من الطرفين الصقريين.
تنشر مجلة ‘نيو يوركر’ الامريكية هذا الاسبوع تقريرا طويلا ومشوقا يرسم صورة الجنرال قاسم سليماني، قائد جيش القدس، الذراع الطويلة للحرس الثوري’والحكم الايراني. كما أن سليماني، هو الرجل الذي قاد جهود ايران وحزب الله التي رجحت الكفة هذه السنة في الحرب الاهلية في سورية ومنعت انهيار نظام الاسد. ايران، التي رأت في سقوط الاسد تهديدا وجوديا، اقرضت سورية 7 مليارات دولار، بعثت الى هناك مئات المستشارين العسكريين والاف المقاتلين من حزب الله، وهي تحرص على أن ترسل كل يوم طائرات نقل، تنزل وسائل قتالية في دمشق. ويدير سليماني في الاشهر الاخيرة نشاطه من نطاق محصن داخل دمشق ويوزع من هناك التعليمات لرجال الاسد، لقادة حزب الله ولمقاتلي ميليشيات شيعية في العراق، جاءت لتساعد في معركة بقاء النظام العلوي. سورية هي خط جبهة المقاومة، قال سليماني مؤخرا، ‘سندعمها حتى النهاية’.
اشتعال محلي
وفي ظل المتابعة الاسرائيلية لايران وسورية اشتعلت هذا الاسبوع لزمن قصير الساحة الفلسطينية، حين قتل في الضفة الغربية جنديان من الجيش الاسرائيلي. وفي هيئة الاركان يتعاطون حاليا مع هذه الاحداث كمصادفات ويأخذون الانطباع بانها لا تبشر بتصعيد واسع في الضفة. وعلى خلفية هذا التقرير اتخذت خطوات رد فعل محدودة نسبيا: اقامة حواجز وتعزيز قوات في الخليل، الى جانب مطاردة استخبارية لمطلق النار هناك. نتنياهو ووزير الدفاع بوغي يعلون صادقا على توصيات الجيش لانهما غير معنيين بان تخرب اجراءات العقاب في المناطق على الادعاء الاسرائيلي في الساحة الدولية، الذي يركز على التحريض في جهاز التعليم الفلسطيني. وفي هذه الاثناء القيت بعظمة للجناح اليميني في الحكومة، في شكل تعهد باسكان بيت المكفيلا الذي اشتراه المستوطنون من فلسطينين في الخليل، وان كانت مصاعب قانونية كفيلة بان تعيق الاسكان.
وادعى مسؤولون كبار في جهاز الامن أول أمس بان السلطة الفلسطينية تبدي ‘عجزا تاما’ في مكافحة الارهاب، وان كل احباطات العمليات هذه السنة تمت على ايدي اسرائيل وحدها. وهذا خروج واضح عن الخط الاسرائيلي السابق، الذي بشكل عام اعترف، حتى من دون شهية، بنجاعة التنسيق الامني مع السلطة. فهل تغيير النبرة مقبول ايضا من المهنيين، أم ان الحديث يدور عن ادعاء اعلامي في اساسه قبيل الجمعية العمومية للامم المتحدة؟ المهنيون غير مستعدين لان يجيبوا بشكل مباشر، ولكن يمكن الاشارة الى أن احدا لم يسمع مؤخرا من رئيس المخابرات، او من ضباط الجيش الاسرائيلي في المناطق شكاوى استثنائية عن التدهور في التنسيق مع الفلسطينيين، بينما الادعاءات الاسرائيلية بمشاكل عن قدرة الحكم في السلطة والمخاوف من اظهار قوتها في مخيمات اللاجئين في الضفة، تذكر قليلا بمصاعب الشرطة والجيش في فرض القانون والنظام في مستوطنات مثل يتسهار.
محظور تجاهل العمليات المقلقة في الضفة هذا الاسبوع. ولكنها لا تزال تقف في ظل تغييرات استراتيجية اقليمية بعيدة المدى. وتستمر صدمات الربيع العربي وتجلب معها تغييرات مستمرة وغير مرتقبة. وهذا يجد تعبيره ضمن امور اخرى في توثيق متجدد للعلاقة الاسرائيلية مع مصر بعد الانقلاب العسكري في القاهرة، في التحسن الثابت للعلاقات مع الاردن، وفي الضغط الشديد الذي تمارسه مصر على حكومة حماس في قطاع غزة. وللسلطة الفلسطينية ايضا توجد الان، حاليا، عدة مصالح مشتركة مع اسرائيل، ويخيل أن الصراع ضد حماس لا يزال في الاولوية من ناحية رام الله، مقارنة مع امكانية استئناف الانتفاضة. وحاليا، تبقى الضفة ساحة ثانوية مقارنة مع السياقات الجارية في جبهات اخرى في المنطقة.
المصدر :
عاموس هرئيل/ هآرتس
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة