دون أن يقصدا ذلك، أو عن سبق إصرار وترصد، تشارك وزيرا خارجيتي الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الحالي والسابقة في تطور لافت في مجريات الأزمة السورية، قد يضع حدا لتردد غير مسبوق يعيشه البيت الأبيض ورعب مماثل في أركان النظام السوري على حد سواء.

ففي مؤتمر صحفي قال جون كيري وزير الخارجية الحالي، إنه من الممكن للرئيس بشار الاسد أن يتفادى العملية العسكرية إذا تخلى عن ترسانته الكيماوية في غضون أسبوع، فيما نوهت المتحدثة باسمة لاحقا إلى أنّ الأمر لم يعد أن يكون تعبيرا مجازيا لا يغير من واقع الموقف شيئا، واعتبرته الخارجية البريطانية أمرا مستحيلا.

ورغم ذلك، سرعان ما وجدت الفكرة في ظرف قياسي طريقا للواقع بعد أن عبرت دمشق وموسكو أن الأمر ممكن، على لسان وزيري الخارجية وليد المعلم وسيرغي لافروف.

لقد تبين لاحقا أن كيري تحادث، ربما في الموضوع، مع لافروف. ووجد البعض من أعضاء الإدارة الأمريكية في الأمر مخرجا يحفظ ماء وجه أوباما أمام تصويت تقول المؤشرات الحالية إنّه سيرفض منحه الضوء الأخضر الذي يطلبه لضرب سورية. ليس ذلك فقط بل من شأن الفكرة أن تجنّب الموازنة مصاريف طائلة على الحرب هي في غنى عنها.

وساعات فقط بعد تصريحات كيري، قال مسؤول رفيع المستوى لـCNN إنّ ما قاله كان محض "حماقة كبيرة" لكن مع ذلك حرص البيت الأبيض على أنّ "التهديد الجدي والحقيقي" الذي مثّلته الخطة العسكرية الأمريكية كان وراء حلحلة الأزمة على المستوى الدبلوماسي.

أما الطرف الثاني في الموضوع، فهو وزيرة الخارجية السابقة، والمرشحة المحتملة لمنصب الرئاسة في المستقبل، هيلاري كلينتون التي رأت في احتمال تسليم دمشق سلاحها الكيماوي "تطورا إيجابيا" في تصريح لا يمكن لها أن تدلي به من دون تنسيق مسبق ومطول مع المسؤولين في البيت الأبيض.

وعندما شددت على أنها في النهاية تدعم خيارات رئيسها في العمل السابق ورئيس البلاد، باراك أوباما، فإنها تمنحه بذلك دفعة قوية وتثيبت أيضا ولاءها. وقد شكل صمت كلينتون عن الأزمة السورية وتجنبها الحديث حولها لدى الكثيرين علامة على كونها تريد النأي بنفسها عن كيفية تعامل الإدارة الحالية بخصوص هذا الملف بما قد يؤثر على آمالها في منصب الرئاسة لاحقا.

لكن الأكثر أهمية هو أنّ تصريحاتها قوبلت بترحيب سريع و"تغيير" في موقف فرنسا وحتى بريطانيا، مما يعكس قوة تأثيرها الكوني. ومهما يكن الأمر فإنّ "الحماقة أو الاستحماق" يمنح لأوباما إمكانية أن يعلن للعالم، وللأمريكيين، في حال قرر المضي في العملية العسكرية، أنه استنفد كل الخيارات الدبلوماسية. كما أنّه قد يثبت أنّ الضغط بالتهديد العسكري الجدي يمكن أن يفضي لحل دبلوماسي.

وفي ما يعد ما يشبه النصر لأوباما فإنّ كلا من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره السوري بشار الأسد والمعارضة التي لن تتعلل لاحقا بالتهديد الكيماوي، تحركوا عن مواقفهم وقد يفضي ذلك لاحقا إلى الجلوس إلى مائدة الحوار. والآن مازال الطريق طويلا قبل أن نرى ما سينتهي عليه ما أفضى إليه "حادث تعبير" لقي صدى لدى أطراف اعتمدت حتى الساعة الكذب، وكذلك لدى إدارة البيت الأبيض الذي ميّز قراراته بشأن الأزمة السورية حتى الآن عدم الترابط.

وبصرف الطرف عن ما إذا كان هذا سيسفر عن شيء أو لا شيء، فإنّ هذه التطورات بحد ذاتها تعكس إلى حد بعيد كم هي سيئة جميع الخيارات التي تملكها الولايات المتحدة.

بقلم.. ديفيد روثكوف (المتعاون مع CNN.com والمدير التنفيذي لمجموعة FP للنشر المالكة لمجلة Foreign Policy والأستاذ المشارك في معهد كارنيجي للسلام الدولي)

  • فريق ماسة
  • 2013-09-10
  • 12096
  • من الأرشيف

س ان ان : حماقة أو "استحماق" وراء مخرج لسورية!

دون أن يقصدا ذلك، أو عن سبق إصرار وترصد، تشارك وزيرا خارجيتي الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الحالي والسابقة في تطور لافت في مجريات الأزمة السورية، قد يضع حدا لتردد غير مسبوق يعيشه البيت الأبيض ورعب مماثل في أركان النظام السوري على حد سواء. ففي مؤتمر صحفي قال جون كيري وزير الخارجية الحالي، إنه من الممكن للرئيس بشار الاسد أن يتفادى العملية العسكرية إذا تخلى عن ترسانته الكيماوية في غضون أسبوع، فيما نوهت المتحدثة باسمة لاحقا إلى أنّ الأمر لم يعد أن يكون تعبيرا مجازيا لا يغير من واقع الموقف شيئا، واعتبرته الخارجية البريطانية أمرا مستحيلا. ورغم ذلك، سرعان ما وجدت الفكرة في ظرف قياسي طريقا للواقع بعد أن عبرت دمشق وموسكو أن الأمر ممكن، على لسان وزيري الخارجية وليد المعلم وسيرغي لافروف. لقد تبين لاحقا أن كيري تحادث، ربما في الموضوع، مع لافروف. ووجد البعض من أعضاء الإدارة الأمريكية في الأمر مخرجا يحفظ ماء وجه أوباما أمام تصويت تقول المؤشرات الحالية إنّه سيرفض منحه الضوء الأخضر الذي يطلبه لضرب سورية. ليس ذلك فقط بل من شأن الفكرة أن تجنّب الموازنة مصاريف طائلة على الحرب هي في غنى عنها. وساعات فقط بعد تصريحات كيري، قال مسؤول رفيع المستوى لـCNN إنّ ما قاله كان محض "حماقة كبيرة" لكن مع ذلك حرص البيت الأبيض على أنّ "التهديد الجدي والحقيقي" الذي مثّلته الخطة العسكرية الأمريكية كان وراء حلحلة الأزمة على المستوى الدبلوماسي. أما الطرف الثاني في الموضوع، فهو وزيرة الخارجية السابقة، والمرشحة المحتملة لمنصب الرئاسة في المستقبل، هيلاري كلينتون التي رأت في احتمال تسليم دمشق سلاحها الكيماوي "تطورا إيجابيا" في تصريح لا يمكن لها أن تدلي به من دون تنسيق مسبق ومطول مع المسؤولين في البيت الأبيض. وعندما شددت على أنها في النهاية تدعم خيارات رئيسها في العمل السابق ورئيس البلاد، باراك أوباما، فإنها تمنحه بذلك دفعة قوية وتثيبت أيضا ولاءها. وقد شكل صمت كلينتون عن الأزمة السورية وتجنبها الحديث حولها لدى الكثيرين علامة على كونها تريد النأي بنفسها عن كيفية تعامل الإدارة الحالية بخصوص هذا الملف بما قد يؤثر على آمالها في منصب الرئاسة لاحقا. لكن الأكثر أهمية هو أنّ تصريحاتها قوبلت بترحيب سريع و"تغيير" في موقف فرنسا وحتى بريطانيا، مما يعكس قوة تأثيرها الكوني. ومهما يكن الأمر فإنّ "الحماقة أو الاستحماق" يمنح لأوباما إمكانية أن يعلن للعالم، وللأمريكيين، في حال قرر المضي في العملية العسكرية، أنه استنفد كل الخيارات الدبلوماسية. كما أنّه قد يثبت أنّ الضغط بالتهديد العسكري الجدي يمكن أن يفضي لحل دبلوماسي. وفي ما يعد ما يشبه النصر لأوباما فإنّ كلا من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره السوري بشار الأسد والمعارضة التي لن تتعلل لاحقا بالتهديد الكيماوي، تحركوا عن مواقفهم وقد يفضي ذلك لاحقا إلى الجلوس إلى مائدة الحوار. والآن مازال الطريق طويلا قبل أن نرى ما سينتهي عليه ما أفضى إليه "حادث تعبير" لقي صدى لدى أطراف اعتمدت حتى الساعة الكذب، وكذلك لدى إدارة البيت الأبيض الذي ميّز قراراته بشأن الأزمة السورية حتى الآن عدم الترابط. وبصرف الطرف عن ما إذا كان هذا سيسفر عن شيء أو لا شيء، فإنّ هذه التطورات بحد ذاتها تعكس إلى حد بعيد كم هي سيئة جميع الخيارات التي تملكها الولايات المتحدة. بقلم.. ديفيد روثكوف (المتعاون مع CNN.com والمدير التنفيذي لمجموعة FP للنشر المالكة لمجلة Foreign Policy والأستاذ المشارك في معهد كارنيجي للسلام الدولي)

المصدر : الماسة السورية/ديفيد روثكوف


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة