اللطيف في الأميركيين والأوروبيين أنهم عندما يتهيّأون لارتكاب جريمة، يسارعون إلى سؤال الضحية عن ردّة فعلها. وخلال الأيام القليلة الماضية، نشط هؤلاء لأجل الحصول على أجوبة عن تقديرات ردود فعل إيران وسورية وحزب الله على أيّ عدوان على سورية.

السُذَّج يريدون للضحية أن تقف في العراء، ترفع اليدين استسلاماً، وأن تصرخ بعبارة واحدة: أنا حاضر لتقتلوني!

لكنّ الجلاد غير مرتاح حتى إلى ردّة الفعل هذه. يريد من أهل الضحية أن يلحقوا به، يهلّلون له، ويشكرونه على إتاحة الفرصة ليكون أحد ضحاياهم.

ثم يخرج من دوائر القرار في كل دول الغرب مَن يقول إنّ الرأي العام في سورية وفي العالم العربي وفي الغرب لا يقبل أن نصمت على جريمة ارتُكبت في سورية. وأيّ محاولة للتدقيق لن تحظى بأيّ نوع من التغطية الإعلامية. لا يجب أن نعرف أن كل استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا تقول بأن الغالبية تعارض العدوان، ولا يريدون أن نستمع إلى أن البرلمانات في غالبية هذه الدول ليست مجمعة على قرار الحرب، وأن خبراء ومسؤولين بارزين في قيادات الجيوش وأجهزة الاستخبارات يحذّرون من مخاطر الضربة.

يريدون أن نستمع فقط إلى أصوات القادة العظام، الذين قرّروا في لحظة واحدة أنّ هناك مجرماً مداناً، من دون الحاجة إلى أدلّة أو إثباتات، ومن دون الحاجة إلى التدقيق، ويجب معاقبته، حتى من دون محاكمة، وبالتالي فإنّ من أصدر الحكم هو مَن يختار نوع العقوبة، ومَن يريد الاعتراض فليكتب بيان استنكار أو ينام على وجهه إنْ رغب!

الآن، كل المؤشرات الصادرة عن مراكز القرار تقول بهجوم عسكري وشيك على سورية. لكنّ ما هو مسرّب من حول أصحاب القرار، ومن الجهات المفترض بها تنفيذه، تشي بإرباك، قد يكون مجرد عملية شراء وقت إضافي لتنسيق الضربة، لكنه قد يكون في الوقت نفسه فرصة لمراجعة أنواع مختلفة من الرسائل التي بعث بها على عجل لمَن يهمّه الأمر. وفيها أن أيّ عدوان سوف يكون عليه ردّ. أما إذا كان الرد فورياً، واسعاً ومحدوداً ... فهذا ما لم يحصل أحد على إجابة واضحة عنه. ومن بين الأسئلة المقلقة لدى الغربيين على اختلاف صنوفهم، سؤال مركزي حول ردّة فعل حزب الله على أيّ عدوان على سورية. والأسئلة تخصّ أمن إسرائيل المباشر من جهة، وأمن القوات الدولية الموجودة في منطقتنا من جهة ثانية، والأمن السياسي والعسكري لدول الغرب من جهة ثالثة.

حزب الله يلتزم الصمت. هو ليس مضطراً في هذه اللحظة لأن يدلي بموقف محدّد. أيّ بيان يصدر عنه سوف يدين مسبقاً العدوان، وسوف يحذّر من تداعيات خطيرة لهذا العدوان على المنطقة. وقد يجري إمرار كلمة بين السطور تشي باستعداد الحزب لمساندة سورية بالدفاع عن نفسها في وجه أي عدوان خارجي. والذي يريد أن ينتظر قرار حزب الله، ليفعل، لكنْ ثمّة نقاط من المفيد توضيحها لمَن يرغب في المعرفة:

أوّلاً: في حالة كالتي نواجهها اليوم، من المفيد الانتباه إلى أنّ حزب الله جزء من حلف كبير، تقوده إيران. وإلى جانب العلاقة الخاصة، غير السريّة، التي تربط حزب الله بإيران، وتأثيرات موقف المرشد الأعلى السيّد علي الخامنئي على موقف الحزب، فإن من الأفضل للمهتم أن يقرأ جيداً عبارات خامنئي التي تحذر من «كارثة سوف تصيب المنطقة» في حال حصول العدوان على سورية. وهو الموقف الذي ترجمه قياديون بارزون في الجيش والقوى المسلحة حيال أن إيران لن تقبل بأن يتعرض حليفها السوري لعدوان من دون التدخل.

ثانياً: إن حزب الله منخرط تماماً في الأزمة السورية، وتحديداً في المواجهة القائمة بوجه المجموعات المسلحة المرتبطة بالغرب أو بالجهات التكفيرية. وهو قدم عشرات الشهداء من عناصره هناك. وهو يقوم بدور جدي، ويرى نفسه معنياً بما يجري ربطاً برؤية تؤكد له أن أبرز أهداف الحرب هو ضرب محور المقاومة والوصول إليه، وهو لا يحتاج الى من يشرح له أسباب أي تدخل خارجي، إسرائيلي أو أميركي أو أوروبي، بل هو ينتظر ذلك منذ زمن. وبالتالي، فإن من يعتقد أن هذا الحزب، عندما قرر التدخل، كان قد درس الأمر من كل جوانبه، وهو لن يتراجع الآن. بل على العكس، فإن أي عداون غربي على سوريا سيتحول حافزاً إضافياً لحزب الله، لا للوقوف بقوة أكبر الى جانب حليفه الرئيس بشار الأسد، بل ليكون في قلب معركة الدفاع عن سوريا بوجه هذا العدوان. أما كيف يتصرف، فهذا سؤال جوابه عند الحزب.

  • فريق ماسة
  • 2013-08-28
  • 10477
  • من الأرشيف

أين حزب الله من العدوان؟

اللطيف في الأميركيين والأوروبيين أنهم عندما يتهيّأون لارتكاب جريمة، يسارعون إلى سؤال الضحية عن ردّة فعلها. وخلال الأيام القليلة الماضية، نشط هؤلاء لأجل الحصول على أجوبة عن تقديرات ردود فعل إيران وسورية وحزب الله على أيّ عدوان على سورية. السُذَّج يريدون للضحية أن تقف في العراء، ترفع اليدين استسلاماً، وأن تصرخ بعبارة واحدة: أنا حاضر لتقتلوني! لكنّ الجلاد غير مرتاح حتى إلى ردّة الفعل هذه. يريد من أهل الضحية أن يلحقوا به، يهلّلون له، ويشكرونه على إتاحة الفرصة ليكون أحد ضحاياهم. ثم يخرج من دوائر القرار في كل دول الغرب مَن يقول إنّ الرأي العام في سورية وفي العالم العربي وفي الغرب لا يقبل أن نصمت على جريمة ارتُكبت في سورية. وأيّ محاولة للتدقيق لن تحظى بأيّ نوع من التغطية الإعلامية. لا يجب أن نعرف أن كل استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا تقول بأن الغالبية تعارض العدوان، ولا يريدون أن نستمع إلى أن البرلمانات في غالبية هذه الدول ليست مجمعة على قرار الحرب، وأن خبراء ومسؤولين بارزين في قيادات الجيوش وأجهزة الاستخبارات يحذّرون من مخاطر الضربة. يريدون أن نستمع فقط إلى أصوات القادة العظام، الذين قرّروا في لحظة واحدة أنّ هناك مجرماً مداناً، من دون الحاجة إلى أدلّة أو إثباتات، ومن دون الحاجة إلى التدقيق، ويجب معاقبته، حتى من دون محاكمة، وبالتالي فإنّ من أصدر الحكم هو مَن يختار نوع العقوبة، ومَن يريد الاعتراض فليكتب بيان استنكار أو ينام على وجهه إنْ رغب! الآن، كل المؤشرات الصادرة عن مراكز القرار تقول بهجوم عسكري وشيك على سورية. لكنّ ما هو مسرّب من حول أصحاب القرار، ومن الجهات المفترض بها تنفيذه، تشي بإرباك، قد يكون مجرد عملية شراء وقت إضافي لتنسيق الضربة، لكنه قد يكون في الوقت نفسه فرصة لمراجعة أنواع مختلفة من الرسائل التي بعث بها على عجل لمَن يهمّه الأمر. وفيها أن أيّ عدوان سوف يكون عليه ردّ. أما إذا كان الرد فورياً، واسعاً ومحدوداً ... فهذا ما لم يحصل أحد على إجابة واضحة عنه. ومن بين الأسئلة المقلقة لدى الغربيين على اختلاف صنوفهم، سؤال مركزي حول ردّة فعل حزب الله على أيّ عدوان على سورية. والأسئلة تخصّ أمن إسرائيل المباشر من جهة، وأمن القوات الدولية الموجودة في منطقتنا من جهة ثانية، والأمن السياسي والعسكري لدول الغرب من جهة ثالثة. حزب الله يلتزم الصمت. هو ليس مضطراً في هذه اللحظة لأن يدلي بموقف محدّد. أيّ بيان يصدر عنه سوف يدين مسبقاً العدوان، وسوف يحذّر من تداعيات خطيرة لهذا العدوان على المنطقة. وقد يجري إمرار كلمة بين السطور تشي باستعداد الحزب لمساندة سورية بالدفاع عن نفسها في وجه أي عدوان خارجي. والذي يريد أن ينتظر قرار حزب الله، ليفعل، لكنْ ثمّة نقاط من المفيد توضيحها لمَن يرغب في المعرفة: أوّلاً: في حالة كالتي نواجهها اليوم، من المفيد الانتباه إلى أنّ حزب الله جزء من حلف كبير، تقوده إيران. وإلى جانب العلاقة الخاصة، غير السريّة، التي تربط حزب الله بإيران، وتأثيرات موقف المرشد الأعلى السيّد علي الخامنئي على موقف الحزب، فإن من الأفضل للمهتم أن يقرأ جيداً عبارات خامنئي التي تحذر من «كارثة سوف تصيب المنطقة» في حال حصول العدوان على سورية. وهو الموقف الذي ترجمه قياديون بارزون في الجيش والقوى المسلحة حيال أن إيران لن تقبل بأن يتعرض حليفها السوري لعدوان من دون التدخل. ثانياً: إن حزب الله منخرط تماماً في الأزمة السورية، وتحديداً في المواجهة القائمة بوجه المجموعات المسلحة المرتبطة بالغرب أو بالجهات التكفيرية. وهو قدم عشرات الشهداء من عناصره هناك. وهو يقوم بدور جدي، ويرى نفسه معنياً بما يجري ربطاً برؤية تؤكد له أن أبرز أهداف الحرب هو ضرب محور المقاومة والوصول إليه، وهو لا يحتاج الى من يشرح له أسباب أي تدخل خارجي، إسرائيلي أو أميركي أو أوروبي، بل هو ينتظر ذلك منذ زمن. وبالتالي، فإن من يعتقد أن هذا الحزب، عندما قرر التدخل، كان قد درس الأمر من كل جوانبه، وهو لن يتراجع الآن. بل على العكس، فإن أي عداون غربي على سوريا سيتحول حافزاً إضافياً لحزب الله، لا للوقوف بقوة أكبر الى جانب حليفه الرئيس بشار الأسد، بل ليكون في قلب معركة الدفاع عن سوريا بوجه هذا العدوان. أما كيف يتصرف، فهذا سؤال جوابه عند الحزب.

المصدر : الأخبار/ ابراهيم الأمين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة