دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
كم كان متفائلاً ذاك القطب في جماعة “14 آذار” في الـ48 ساعة الأخيرة، بحيث لم تهدأ هواتفه الخلوية، ولا الثابتة، وكان أحياناً يقرّب هواتفه إلى بعضها ليسمع مهاتفيه تحليله، وأن “غداً” عالم جديد من “السلام” في هذه المنطقة المعذّبة من الكون، على حد تعبيره.
كان هذا القيادي المرموق في “14 آذار” يندفع بحماسة للحديث عن نهاية نظام عمره أربعة عقود ونيف، وتحوّل إلى محلل عسكري استراتيجي بتأكيده أن الولايات المتحدة ستحقق نصراً كبيراً دون أي خسارة بشرية، وذلك حينما تنطلق بوارجها المتمركزة في البحريْن المتوسط والأحمر لإطلاق صواريخ “توماهوك”، تدك المواقع السورية عن بُعد، بالإضافة إلى قاذفاتها الاستراتيجية المُقلِعة من حاملات طائراتها.
كل شيء سيتبدّل وسيتغير برأي هذا “الآذاري”، حاسماً بأن مصير “حزب الله” ومقاومته سيكون كحال منظمة التحرير الفلسطينية عام 1982، حينما أخرجتها “إسرائيل” – على حد تعبيره – من لبنان، لكن الفرق هذه المرة لن يكون هناك من يطلق “مقاومته” ويقاتل في شوارع بيروت وفي قرى الجنوب والبقاع الغربي معلناً بـ”فخر” أنه حينها سيُستكمل الأوتوستراد العربي، الذي سينتهي بالإسكندرية.. وتبدأ مرحلة السلام “الأبدي”.
لم يقبل هذا “الآذاري” أي تحليل آخر، وحين كان يُعرض عليه ما يصل على هواتف بعض الحاضرين من أخبار سريعة (عاجل)، من أن حلف أعداء دمشق من الغربيين لا يتحدث عن نهاية النظام في سورية، بل عن إضعافه، كما أشار رئيس الحكومة البريطانية ونائبه، وأن إيطاليا ترفض أي قرار بالحرب على سورية من خارج مؤسسة مجلس الأمن، وأن اندفاعة آلان جوبيه الفرنسي ستتحوّل إلى وبال عليه.. حتى أنه لم يقبل تحليلاً عسكرياً سابقاً من جماعته بأن المعلومات المتوافرة لديه تشير إلى أن العدوان الأميركي المحتمَل – مشدداً على كلمة “محتمَل” – على سورية، قد يكون محدوداً ويستهدف مواقع السيطرة والتحكم في القيادة السورية، التي من دون أدنى شك اتخذت الاحتياطات اللازمة، التي ستجعل هذه الضربة من غير ذي قيمة عسكرية.. حسَمها الرجل بأن العدوان الأميركي المتوقع حظي بالتغطية الكاملة من الدول العربية من خلال جامعة نبيل العربي، والسعودية، ما يعني برأيه أن عالماً عربياً جديداً سيقوم في الساعات المقبلة، وستجد مصر نفسها مضطرة لأن تكون من صميمه، لأن الفريق السيسي لن يرضى أن يكون مصيره كبشار الأسد، خصوصاً أن الروسي الذي يعتمدون عليه أعلن على لسان لافروف أنه لن يشارك في أي حرب، ما يعني برأيه أن هناك صفقة بدأت تسلك طريقها.
هذه العيّنة من السلوك لفريق داخلي لبناني قد تكون كافية للدلالة على بؤس حلف أعداء سورية العرب الذين يوفرون الغطاء للعدوان على دولة ذات سيادة وعمق تاريخي يمتد لآلاف السنين، ويستعدون لأن يكونوا مرتزقة لـ”الناتو” والأميركي الذي لن يجد الشجاعة للنزول على البر، فتقوم بمهمته جيوش المرتزقة والتكفيريون، سواء تلك حشدت داخل سورية أو على الحدود معها في الأردن وتركيا ولبنان.
إذاً، ثمة مراهنة رجعية عربية على نصر ما، يمكّنها مع أسيادها الإمبرياليين من إملاء شروطهم، فيتحول “جنيف 2″ من فرصة للحل إلى مناسبة للاستسلام، وفات هؤلاء أن كل تجارب حروب أعداء سورية، وفي مقدمهم الأميركي و”الإسرائيلي”، تراهن على حروب قصيرة وخاطفة، وبالتالي فإن حلف المقاومة والممانعة لديه من الصبر وطول الأناة ما يمكّنه من إطالة أمد الحرب واستنزاف الحلف الصهيوني – الإمبريالي – الرجعي العربي، وتحقيق النصر عليه في النتيجة.
كم كان معبّراً أنه مع الإعلان الأميركي عن تأجيل اجتماع لاهاي بين الروس والأميركيين، إعلان نائب رئيس الحكومة ووزير الخارجية السوري وليد المعلم استئناف العملية العسكرية للجيش العربي السوري في الغوطة، والتي حملت أخبارها مزيداً من الانهيار في صفوف المجموعات المسلحة.
قد تكون الإشارة هنا ضرورية إلى أنه في حرب تموز عام 2006، فيما كان عملاء الداخل اللبناني ينشطون لدعم العدوان الصهيوني، وفيما كانت الرجعية العربية تتهم رجال المقاومة بـ”المغامرين”، وفيما كانت واشنطن توفر كل أشكال الدعم للعدو الصهيوني، كان سيد المقاومة يؤكد أن النصر آت لا محالة، فكان الوعد الصدق وكان النصر العظيم.. تُرى ماذا قال هذا القيادي في فريق 14 آذار، وكل فريقه، حين نقلت جريدة “The European Union Times” عن لسان الرئيس فلاديمير بوتين، أنه أصدر مذكرة إجراءات عاجلة للقوات المسلحة الروسية يأمر فيها بتوجيه “ضربة عسكرية واسعة النطاق” ضد السعودية في حال نفذ الغرب تهديداته وهاجم سورية.. مضيفة أن بوتين غاضب جداً منذ لقائه بندر بن سلطان، الذي هدد روسيا بأنها إذا لم تقبل هزيمة سورية، فإن المملكة ستطلق العنان للإرهابيين الشيشان في روسيا..
هل يعرف بندر وسادته أن موسكو تملك تسجيلاً بالصوت والصورة عن اعتراف بندر بأن كل الحركات التكفيرية المتطرفة من صناعته وتمويله، وهي بأمرته غب الطلب..؟
المصدر :
الثبات / أحمد زين الدين
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة