العنوان المجمع عليه لدى المحللين الأتراك هو أن السياسة الخارجية التركية أدخلت تركيا في عزلة عن جميع جيرانها، وباتت في وضع غير مسبوق حتى في ذروة الحرب الباردة.

ولم يكتف المسؤولون الأتراك بنهج سياسات منحازة كانت السبب في هذه العزلة، بل إن اندفاعهم في الاصطفاف الإقليمي والدولي، أوقعهم في تناقضات وأخطاء لا يُحسدون عليها.

العنوان الأول هو اتهام رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان إسرائيل بأنها وراء «الانقلاب» العسكري في مصر لإطاحة سلطة الإخوان المسلمين. وبات موقف أردوغان موضع تهكم من قبل المحللين الأتراك بعدما تبين لاحقا أن المستند الذي اعتمد عليه أردوغان لتوجيه الاتهام خاطئ يعود إلى المفكر الفرنسي هنري برنار ليفي وليس لوزيرة العدل تسيبي ليفني. وهو ما سبب حرجا له لاحقا دفع لسحب هذه الجملة من كلمته من وكالة «الأناضول».

ولكن اتهام إسرائيل لم يكن عبثاً حتى لو كان يعرف أنه أخطأ في المعلومة، إذ ان أردوغان أراد تعويم صورته من خلال العودة إلى «دافوس» وإظهار «بطولات» جديدة. ومن ذلك اتهام اليهود (وليس إسرائيل) بأنهم وراء أحداث ساحة تقسيم وحديقة جيزي.

والمشكلة لدى أردوغان أن هذه الاستعراضات لم تعد تنطلي على أحد، فأولا إظهار إسرائيل كما لو أنها عدو لتركيا غير سليم في ظل علاقات متنامية على كل الصعد بين أنقرة وتل أبيب. كما أن تصوير جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر على أنهم يشكلون خطراً على إسرائيل ما يستوجب أن تتحرك لإسقاطهم ليس واقعيا في ظل سياسات «الصديق الوفي» التي اتبعها الرئيس المصري المعزول محمد مرسي مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز والالتزام باتفاقية كامب ديفيد وردم الأنفاق إلى غزة.

والعنوان الثاني الذي توقف عنده المحللون الأتراك هو سياسات التضليل وازدواجية المعايير التي لا يزال يتبعها أردوغان. فرئيس الحكومة التركية اتهم الغرب بأنه يتبع سياسة ازدواجية المعايير تجاه ما يجري في مصر، حيث تُنتهك قاعدتان أساسيتان وهما الحريات والديموقراطية.

ويقول شاهين ألباي، في صحيفة «زمان» الإسلامية التابعة لفتح الله غولين، الذي تمر علاقاته مع أردوغان بأسوأ محطاتها، إن «الغرب ليس وحده مزدوج المعايير في سياسته الخارجية بل أردوغان أيضا نموذج لهذه الازدواجية». ويعطي عدة أمثلة على ذلك، ويقول «أليس أردوغان هو الذي رفض إعادة جائزة حقوق الإنسان التي منحه اياها الديكتاتور معمر القذافي؟ أليس أردوغان والرئيس عبدالله غول هما اللذان استقبلا بحفاوة الرئيس السوداني عمر البشير الذي كان مطلوباً بجرائم ضد الإنسانية؟ أليس أردوغان هو الذي كان على علاقات جيدة مع إسرائيل برغم أنه اتهمها بممارسة إرهاب الدولة؟ ألم تفسد محاولات التصالح مع أرمينيا بسبب العلاقة مع الديكتاتور الهام علييف في أذربيجان؟ ألم يطوّر أردوغان علاقاته مع ديكتاتوريي آسيا الوسطى؟ أليس أردوغان هو الذي امتنع عن الإشارة إلى السعودية رغم أنها كانت الداعم الأكبر لانقلابيي مصر؟».

ويتساءل ألباي إن كانت «ازدواجية المعايير موجودة لدى كل الدول، لأنه عندما تتناقض المبادئ مع السياسة الخارجية لأي دولة تقوم الدولة بالموازنة بينهما فتظهر عندها صورة ازدواجية المعايير. لذا فإن على أردوغان أولا أن ينظر إلى نفسه في المرآة، وثانيا عليه عندما يدافع عن المبادئ والقيم، ألا يعرّض مصالح تركيا للخطر».

  • فريق ماسة
  • 2013-08-23
  • 11989
  • من الأرشيف

تركيا.. من إسرائيل إلى الغرب

العنوان المجمع عليه لدى المحللين الأتراك هو أن السياسة الخارجية التركية أدخلت تركيا في عزلة عن جميع جيرانها، وباتت في وضع غير مسبوق حتى في ذروة الحرب الباردة. ولم يكتف المسؤولون الأتراك بنهج سياسات منحازة كانت السبب في هذه العزلة، بل إن اندفاعهم في الاصطفاف الإقليمي والدولي، أوقعهم في تناقضات وأخطاء لا يُحسدون عليها. العنوان الأول هو اتهام رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان إسرائيل بأنها وراء «الانقلاب» العسكري في مصر لإطاحة سلطة الإخوان المسلمين. وبات موقف أردوغان موضع تهكم من قبل المحللين الأتراك بعدما تبين لاحقا أن المستند الذي اعتمد عليه أردوغان لتوجيه الاتهام خاطئ يعود إلى المفكر الفرنسي هنري برنار ليفي وليس لوزيرة العدل تسيبي ليفني. وهو ما سبب حرجا له لاحقا دفع لسحب هذه الجملة من كلمته من وكالة «الأناضول». ولكن اتهام إسرائيل لم يكن عبثاً حتى لو كان يعرف أنه أخطأ في المعلومة، إذ ان أردوغان أراد تعويم صورته من خلال العودة إلى «دافوس» وإظهار «بطولات» جديدة. ومن ذلك اتهام اليهود (وليس إسرائيل) بأنهم وراء أحداث ساحة تقسيم وحديقة جيزي. والمشكلة لدى أردوغان أن هذه الاستعراضات لم تعد تنطلي على أحد، فأولا إظهار إسرائيل كما لو أنها عدو لتركيا غير سليم في ظل علاقات متنامية على كل الصعد بين أنقرة وتل أبيب. كما أن تصوير جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر على أنهم يشكلون خطراً على إسرائيل ما يستوجب أن تتحرك لإسقاطهم ليس واقعيا في ظل سياسات «الصديق الوفي» التي اتبعها الرئيس المصري المعزول محمد مرسي مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز والالتزام باتفاقية كامب ديفيد وردم الأنفاق إلى غزة. والعنوان الثاني الذي توقف عنده المحللون الأتراك هو سياسات التضليل وازدواجية المعايير التي لا يزال يتبعها أردوغان. فرئيس الحكومة التركية اتهم الغرب بأنه يتبع سياسة ازدواجية المعايير تجاه ما يجري في مصر، حيث تُنتهك قاعدتان أساسيتان وهما الحريات والديموقراطية. ويقول شاهين ألباي، في صحيفة «زمان» الإسلامية التابعة لفتح الله غولين، الذي تمر علاقاته مع أردوغان بأسوأ محطاتها، إن «الغرب ليس وحده مزدوج المعايير في سياسته الخارجية بل أردوغان أيضا نموذج لهذه الازدواجية». ويعطي عدة أمثلة على ذلك، ويقول «أليس أردوغان هو الذي رفض إعادة جائزة حقوق الإنسان التي منحه اياها الديكتاتور معمر القذافي؟ أليس أردوغان والرئيس عبدالله غول هما اللذان استقبلا بحفاوة الرئيس السوداني عمر البشير الذي كان مطلوباً بجرائم ضد الإنسانية؟ أليس أردوغان هو الذي كان على علاقات جيدة مع إسرائيل برغم أنه اتهمها بممارسة إرهاب الدولة؟ ألم تفسد محاولات التصالح مع أرمينيا بسبب العلاقة مع الديكتاتور الهام علييف في أذربيجان؟ ألم يطوّر أردوغان علاقاته مع ديكتاتوريي آسيا الوسطى؟ أليس أردوغان هو الذي امتنع عن الإشارة إلى السعودية رغم أنها كانت الداعم الأكبر لانقلابيي مصر؟». ويتساءل ألباي إن كانت «ازدواجية المعايير موجودة لدى كل الدول، لأنه عندما تتناقض المبادئ مع السياسة الخارجية لأي دولة تقوم الدولة بالموازنة بينهما فتظهر عندها صورة ازدواجية المعايير. لذا فإن على أردوغان أولا أن ينظر إلى نفسه في المرآة، وثانيا عليه عندما يدافع عن المبادئ والقيم، ألا يعرّض مصالح تركيا للخطر».

المصدر : محمد نور الدين / السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة