البيان السعودي بشأن مصر، يكاد يصح حرفيا على سورية. وكأنما ارادة ملكية، او غيرها من اسباب، تمنع ظهوره طوال اكثر من عامين على المذبحة الجارية في سورية.

موقف الملك السعودي عبدالله الذي عبر فيه عن أساه البالغ لما يجري في «وطنه الثاني» في مصر من أحداث «تسُر كل عدو كاره لاستقرار وأمن مصر وشعبها»، كما ورد في بيان رسمي، يثير مشاعر مختلطة ومتضاربة.

نزل البيان بردا وسلاما على قلوب المصريين، كما وصفه البعض. ربما يكون ذلك صحيحا، امام مشهد الفوضى التي انزلقت اليها مصر، الدولة العربية الاقوى، في الاسابيع الاخيرة، لكنه بالتأكيد يطرح علامات استفهام كبيرة حول الرؤية التي يستند اليها الحكم السعودي في تعامله مع ملفات المنطقة ومخاطرها، ومع مصائر الدول الاكثر تجذرا في التاريخ.

إذ إن أول ما يتبادر الى الذهن بعد ملاحظة العواطف الجياشة في طيات كلام الملك، إدراكه لحجم التحديات التي تتهدد مصر ووحدتها، وإغفاله مصطلح «المؤامرة» التي استعمل الملك بدلا منها تعابير مثل «كيد الحاقدين» و«الارهاب» و«الاعداء».

المملكة ذاتها لم تلحظ «كيد الحاقدين» ازاء سورية. هناك اكثر من مئة الف قتيل وآلاف الارهابيين والتكفيريين الذين تدفقوا اليها بمسميات مختلفة، ومئات المذابح المرتكبة بعناوين حقد مذهبي معلن، ومئات دور العبادة التي جرى انتهاكها باسم الدين.

الفراق السياسي والعقائدي بين «الاخوان المسلمين» و«الوهابيين» ليس جديدا. هذا تفسير محتمل للسلوك السعودي إزاء مصر. وأيضا، لعل الملك، المنهمك في شؤون وشجون خلافته وترتيب بيت العائلة الحاكم، او بعض مستشاريه، رأى ان فرصة نادرة لاحت في مصر لتسجيل انجاز سياسي ما على الساحة الاقليمية في زمن تعز فيه «الانتصارات»، وتترهل انظمة حكم، وتتراجع مواقفها من القضايا العربية الكبرى، ويزيدها حرجا ما وصف بأنه حيوية قطرية اربكت السعوديين اكثر من مرة.

وفي مقابل هذه الرؤية السعودية المحتملة بشأن مصر، فان المملكة ذاتها، والملك ذاته والمستشارين انفسهم، كانوا يعجلون بإغلاق ابواب الخيارات السياسية في سورية مرارا على الرغم من التقارير التي كانت تبرز احيانا وتتحدث عن صراع اجنحة داخل العائلة الحاكمة، ليس فقط حول النفوذ الداخلي، وانما ايضا في ما يتعلق بصراعات المنطقة وقضاياها.

ولعل ابرز ما فعلته المملكة في هذا السياق السوري، هو وأد دورها في اللجنة الرباعية التي جرى تشكيلها لتضمها الى جانب مصر وتركيا وايران بحثا عن تسويات سياسية، بينما كانت تتوالى مئات التقارير عن الرعاية السعودية الواضحة بالتوازي مع الدور القطري - لعمليات شراء الاسلحة وارسالها الى مختلف المجموعات القتالية على الاراضي السورية، والانخراط بكل جهد بذل من اجل تعزيز قوى وتيارات المعارضة السورية في فنادق المنافي، ولملمتها، مرورا باستقبال ولي العهد السعودي الامير سلمان لشخصيات من «الائتلاف» السوري المعارض في جدة، وصولا الى خروج الامير بندر بن سلطان متسيدا مشهد العراب العربي الساعي الى قلب المعادلات السورية من الداخل والخارج.

يقول الملك السعودي في بيانه المصري: «إنني أهيب برجال مصر والأمتين العربية والإسلامية الشرفاء من العلماء، وأهل الفكر والوعي، والعقل والقلم، أن يقفوا وقفة رجل واحد، وقلب واحد، في وجه كل من يحاول أن يزعزع دولة لها في تاريخ الأمة الإسلامية والعربية، مكان الصدارة مع أشقائها من الشرفاء. وأن لا يقفوا صامتين، غير آبهين لما يحدث (فالساكت عن الحق شيطان أخرس)».

عجبا !! في هذا الكلام لهفة جلية على المصريين، فلماذا يجوز عليهم ما لا يجوز على السوريين؟!

اما ان الملك يدرك ويحكم وفق مقتضيات استراتيجية سعودية محددة، وهو ما سيلقي عليه عندها شبهة التناقض، او ربما تهمة التورط والانحياز، وهذه مصيبة، واما انه يحكم بما لا يدرك من شياطين التفاصيل، فيقول في مصر بما تقبل به مصالح واهواء المستشارين، ما لا يقوله في سورية والعراق واليمن ولبنان وغيرها... وهذه حسبنا والله، مصيبة اكبر!
  • فريق ماسة
  • 2013-08-18
  • 13310
  • من الأرشيف

شياطين تفاصيل سعودية بين سورية ومصر

البيان السعودي بشأن مصر، يكاد يصح حرفيا على سورية. وكأنما ارادة ملكية، او غيرها من اسباب، تمنع ظهوره طوال اكثر من عامين على المذبحة الجارية في سورية. موقف الملك السعودي عبدالله الذي عبر فيه عن أساه البالغ لما يجري في «وطنه الثاني» في مصر من أحداث «تسُر كل عدو كاره لاستقرار وأمن مصر وشعبها»، كما ورد في بيان رسمي، يثير مشاعر مختلطة ومتضاربة. نزل البيان بردا وسلاما على قلوب المصريين، كما وصفه البعض. ربما يكون ذلك صحيحا، امام مشهد الفوضى التي انزلقت اليها مصر، الدولة العربية الاقوى، في الاسابيع الاخيرة، لكنه بالتأكيد يطرح علامات استفهام كبيرة حول الرؤية التي يستند اليها الحكم السعودي في تعامله مع ملفات المنطقة ومخاطرها، ومع مصائر الدول الاكثر تجذرا في التاريخ. إذ إن أول ما يتبادر الى الذهن بعد ملاحظة العواطف الجياشة في طيات كلام الملك، إدراكه لحجم التحديات التي تتهدد مصر ووحدتها، وإغفاله مصطلح «المؤامرة» التي استعمل الملك بدلا منها تعابير مثل «كيد الحاقدين» و«الارهاب» و«الاعداء». المملكة ذاتها لم تلحظ «كيد الحاقدين» ازاء سورية. هناك اكثر من مئة الف قتيل وآلاف الارهابيين والتكفيريين الذين تدفقوا اليها بمسميات مختلفة، ومئات المذابح المرتكبة بعناوين حقد مذهبي معلن، ومئات دور العبادة التي جرى انتهاكها باسم الدين. الفراق السياسي والعقائدي بين «الاخوان المسلمين» و«الوهابيين» ليس جديدا. هذا تفسير محتمل للسلوك السعودي إزاء مصر. وأيضا، لعل الملك، المنهمك في شؤون وشجون خلافته وترتيب بيت العائلة الحاكم، او بعض مستشاريه، رأى ان فرصة نادرة لاحت في مصر لتسجيل انجاز سياسي ما على الساحة الاقليمية في زمن تعز فيه «الانتصارات»، وتترهل انظمة حكم، وتتراجع مواقفها من القضايا العربية الكبرى، ويزيدها حرجا ما وصف بأنه حيوية قطرية اربكت السعوديين اكثر من مرة. وفي مقابل هذه الرؤية السعودية المحتملة بشأن مصر، فان المملكة ذاتها، والملك ذاته والمستشارين انفسهم، كانوا يعجلون بإغلاق ابواب الخيارات السياسية في سورية مرارا على الرغم من التقارير التي كانت تبرز احيانا وتتحدث عن صراع اجنحة داخل العائلة الحاكمة، ليس فقط حول النفوذ الداخلي، وانما ايضا في ما يتعلق بصراعات المنطقة وقضاياها. ولعل ابرز ما فعلته المملكة في هذا السياق السوري، هو وأد دورها في اللجنة الرباعية التي جرى تشكيلها لتضمها الى جانب مصر وتركيا وايران بحثا عن تسويات سياسية، بينما كانت تتوالى مئات التقارير عن الرعاية السعودية الواضحة بالتوازي مع الدور القطري - لعمليات شراء الاسلحة وارسالها الى مختلف المجموعات القتالية على الاراضي السورية، والانخراط بكل جهد بذل من اجل تعزيز قوى وتيارات المعارضة السورية في فنادق المنافي، ولملمتها، مرورا باستقبال ولي العهد السعودي الامير سلمان لشخصيات من «الائتلاف» السوري المعارض في جدة، وصولا الى خروج الامير بندر بن سلطان متسيدا مشهد العراب العربي الساعي الى قلب المعادلات السورية من الداخل والخارج. يقول الملك السعودي في بيانه المصري: «إنني أهيب برجال مصر والأمتين العربية والإسلامية الشرفاء من العلماء، وأهل الفكر والوعي، والعقل والقلم، أن يقفوا وقفة رجل واحد، وقلب واحد، في وجه كل من يحاول أن يزعزع دولة لها في تاريخ الأمة الإسلامية والعربية، مكان الصدارة مع أشقائها من الشرفاء. وأن لا يقفوا صامتين، غير آبهين لما يحدث (فالساكت عن الحق شيطان أخرس)». عجبا !! في هذا الكلام لهفة جلية على المصريين، فلماذا يجوز عليهم ما لا يجوز على السوريين؟! اما ان الملك يدرك ويحكم وفق مقتضيات استراتيجية سعودية محددة، وهو ما سيلقي عليه عندها شبهة التناقض، او ربما تهمة التورط والانحياز، وهذه مصيبة، واما انه يحكم بما لا يدرك من شياطين التفاصيل، فيقول في مصر بما تقبل به مصالح واهواء المستشارين، ما لا يقوله في سورية والعراق واليمن ولبنان وغيرها... وهذه حسبنا والله، مصيبة اكبر!

المصدر : الماسة السورية/ خليل حرب


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة