حَكَمَ الإخوان المسلمون مصر، بمصادفة قدرية، لمدة عام كامل فكان كافياً لسقوطهم من المستقبل السياسي لمصر، خاصة، وربما في العالم الإسلامي جميعاً، ولو بعد حين، كما تدل تصريحات الخيبة والمرارة بل القهر التي أطلقها كبار المسؤولين الأتراك، على سبيل المثال، وهم يشهدون سقوط مَن أعطوا ملكاً فلم يحسنوا سياسته فخلعهم.

لم يكن هذا السقوط المدوي مفاجئاً لمن تابع ـ بالدهشة بل بالاستغراب ـ تصرف الإخوان كسلطة، بعد سلسلة من المصادفات القدرية التي رفعتهم إلى سدتها في لحظة ملتبسة، وبعد مسلسل من الخيانات والمخادعات لأهل «الميدان» الذين كانوا عماد الثورة ووقودها والذين استقبلوهم فيه متخطين الاشتباه بصدق الشراكة والريبة في التزامهم بإكمال المسيرة معاً حتى إسقاط «نظام الطغيان».

لقد أخذت الإخوان العزة بالإثم إلى التآمر، بداية مع المجلس العسكري، والتواطؤ على شباب الميدان عبر مجموعة من الحيل الدستورية، ثم عبر المخادعة ومحاولة الإيقاع بين «القوى الشريكة»، وأخيراً عبر استبعاد المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة المشير طنطاوي بعدما استخدموه سلماً واستقووا به للوصول إلى السدة.

وعندما تمكنوا خادعوا «حلفاء الضرورة» فمنوهم بالمشاركة وحاولوا إيقاع الفتنة بينهم، ثم تقدموا لاسترضائهم بجوائز رخيصة كانوا يعرفون أن شباب الميدان والشركاء في الصمود سيرفضونها، وبذلك تُلقى الحجة عليهم: «عرضنا عليهم فأبوا واستكبروا».

على أن الأخطر أن العزة بالإثم قد أخذتهم ـ أيضاً ـ إلى احتكار الإسلام، فاعتبروا «جماعتهم» الممثل الشرعي والوحيد للدين الحنيف، أولاً في مصر، ثم في الوطن العربي جميعاً، بل وعلى مستوى الكون ـ بالاتكاء على تركيا أردوغان والباكستان وعبر التسليم بقيادة التنظيم الدولي للإخوان وبين رموزه الشيخ القرضاوي ـ علماً بأن مصر قد اشتُهرت عبر تاريخها بأن فيها «ديناً ولا تعصّب»، وعلى عكس ما هو سائد في المشرق العربي خاصة.

لقد تصرفوا وكأنهم يمتحنون المصريين في إسلامهم، تمهيداً وتبريراً لنهجهم في احتكار السلطة وعلى قاعدة «نحن الإسلام كله، ومَن كان خارجنا ليس منا وليس منه»... وهكذا ابتدعوا دستوراً جديداً يؤكد هذا المنحى، مما أدى إلى خروج «الشركاء» من لجنة إعداده، وبعد ذلك اندفعوا يستولون على مراكز القرار وعلى المواقع القيادية في الإدارة ممّا خرّبها وعطّل مصالح الناس وأثار النقمة... ومع ذلك لم ينتبهوا إلى تعاظم النقمة الشعبية وتحوّلها إلى رفض لهيمنتهم.

ثم إنهم قد كشفوا عن نقص في الكفاءة القيادية، ثم إنهم تسرّعوا في فضح تلهفهم على نيل الرضا الأميركي مباشرة أو عبر العدو الإسرائيلي... بل لقد ارتكب الرئيس الإخواني خطيئة قاتلة حين كاتب رئيس الكيان الإسرائيلي شيمون بيريز مستخدماً عبارات من النفاق بل الذل الذي تأباه كرامة الشعب المصري.

وفي ما خص الأميركيين فقد كشف الحكم الإخواني أن صلاته بواشنطن قديمة، ولكنها كانت عادية، فعيّن موفدين خصوصيين لهذا الغرض.. وكان «الخط مفتوحاً» دائماً بين الطرفين..

ليس بالإمكان حصر الخطايا والأخطاء، سواء مع السعودية ودول الخليج، أو مع إيران، ولا مع روسيا والصين، والتي ارتكبها «رئيس الخيبة» الدكتور محمد مرسي.

يمكن هنا التنويه بأن هذا الرئيس الإخواني قد سجل الرقم القياسي في سرعة السقوط، وفي التسبّب في خسارة مصر مكانتها، وفي إهانة شعبها العظيم الذي أنجز واحدة من أعظم الثورات في التاريخ الإنساني... بغير أن نغفل «الإنجازات» المميزة التي حققتها قيادات الصف الأول في الإخوان.

على أنه ربما يجب التوجه إليه وإليهم مجتمعين بالشكر الجزيل أنهم قد أنجزوا، خلال سنة واحدة مهمة جليلة هي: إعلان سقوط الإخوان كقوة سياسية مؤهلة لأن تحكم أي بلد فكيف بمصر بكل تاريخها المميز وبشرف دورها في أمتها العربية وفي محيطها الأفريقي والدولي عموماً.

لقد وصل الإخوان إلى السلطة في مصر بغير استحقاق..

ولقد تكرّموا فأنهَوا أسطورتهم وادعاءاتهم بالقدرة على الإنجاز في أسرع مما تصوّر أشد خصومهم،

ثم أنهم قد حرّروا الإسلام من ادعائهم أنهم ممثلوه الشرعيون الوحيدون، ليس في مصر فقط بل حيثما وُجد مسلمون.

إن سقوط الإخوان، بل إسقاطهم، يُنهي أسطورتهم، ويُسقط ادعاءهم احتكار الإسلام الذي يستعصي على احتكارهم.

ثم أن سقوطهم قد أكد خروجهم على الإسلام عبر مجزرة الكنائس والأديرة وتقصّد إلحاق الأذى بشركائهم في الوطن وفي الإيمان: أقباط مصر.

إن هذا السقوط لا يحرّر مصر فقط، بل يحرّر الدين الحنيف من الصورة الرديئة التي حاولوا أن يحبسوه فيها،

ومع الأسف على الدماء التي تطلّبها إسقاط أسطورة الإخوان، فإن هذا السقوط قد أعاد فتح باب الأمل ليس أمام مصر وحدها، بل أمام الأمة جميعاً، بأنها جديرة بأن تصنع مستقبلها بإرادتها الحرة وبكفاءات أبنائها واستعدادهم للتضحية بالغالي والنفيس من أجل غدها الأفضل.

... وطبيعي أن المخاض سيكون طويلاً للعودة من الماضي الذي حاول الإخوان إرجاع مصر ـ والعرب ـ إليه إلى الغد الأفضل الذي تطمح إليه مصر والأمة وقد أثبت المصريون، مرة أخرى، أنهم جديرون به.
  • فريق ماسة
  • 2013-08-14
  • 7455
  • من الأرشيف

سقوط الإخوان واستنقاذ مصر والإسلام

حَكَمَ الإخوان المسلمون مصر، بمصادفة قدرية، لمدة عام كامل فكان كافياً لسقوطهم من المستقبل السياسي لمصر، خاصة، وربما في العالم الإسلامي جميعاً، ولو بعد حين، كما تدل تصريحات الخيبة والمرارة بل القهر التي أطلقها كبار المسؤولين الأتراك، على سبيل المثال، وهم يشهدون سقوط مَن أعطوا ملكاً فلم يحسنوا سياسته فخلعهم. لم يكن هذا السقوط المدوي مفاجئاً لمن تابع ـ بالدهشة بل بالاستغراب ـ تصرف الإخوان كسلطة، بعد سلسلة من المصادفات القدرية التي رفعتهم إلى سدتها في لحظة ملتبسة، وبعد مسلسل من الخيانات والمخادعات لأهل «الميدان» الذين كانوا عماد الثورة ووقودها والذين استقبلوهم فيه متخطين الاشتباه بصدق الشراكة والريبة في التزامهم بإكمال المسيرة معاً حتى إسقاط «نظام الطغيان». لقد أخذت الإخوان العزة بالإثم إلى التآمر، بداية مع المجلس العسكري، والتواطؤ على شباب الميدان عبر مجموعة من الحيل الدستورية، ثم عبر المخادعة ومحاولة الإيقاع بين «القوى الشريكة»، وأخيراً عبر استبعاد المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة المشير طنطاوي بعدما استخدموه سلماً واستقووا به للوصول إلى السدة. وعندما تمكنوا خادعوا «حلفاء الضرورة» فمنوهم بالمشاركة وحاولوا إيقاع الفتنة بينهم، ثم تقدموا لاسترضائهم بجوائز رخيصة كانوا يعرفون أن شباب الميدان والشركاء في الصمود سيرفضونها، وبذلك تُلقى الحجة عليهم: «عرضنا عليهم فأبوا واستكبروا». على أن الأخطر أن العزة بالإثم قد أخذتهم ـ أيضاً ـ إلى احتكار الإسلام، فاعتبروا «جماعتهم» الممثل الشرعي والوحيد للدين الحنيف، أولاً في مصر، ثم في الوطن العربي جميعاً، بل وعلى مستوى الكون ـ بالاتكاء على تركيا أردوغان والباكستان وعبر التسليم بقيادة التنظيم الدولي للإخوان وبين رموزه الشيخ القرضاوي ـ علماً بأن مصر قد اشتُهرت عبر تاريخها بأن فيها «ديناً ولا تعصّب»، وعلى عكس ما هو سائد في المشرق العربي خاصة. لقد تصرفوا وكأنهم يمتحنون المصريين في إسلامهم، تمهيداً وتبريراً لنهجهم في احتكار السلطة وعلى قاعدة «نحن الإسلام كله، ومَن كان خارجنا ليس منا وليس منه»... وهكذا ابتدعوا دستوراً جديداً يؤكد هذا المنحى، مما أدى إلى خروج «الشركاء» من لجنة إعداده، وبعد ذلك اندفعوا يستولون على مراكز القرار وعلى المواقع القيادية في الإدارة ممّا خرّبها وعطّل مصالح الناس وأثار النقمة... ومع ذلك لم ينتبهوا إلى تعاظم النقمة الشعبية وتحوّلها إلى رفض لهيمنتهم. ثم إنهم قد كشفوا عن نقص في الكفاءة القيادية، ثم إنهم تسرّعوا في فضح تلهفهم على نيل الرضا الأميركي مباشرة أو عبر العدو الإسرائيلي... بل لقد ارتكب الرئيس الإخواني خطيئة قاتلة حين كاتب رئيس الكيان الإسرائيلي شيمون بيريز مستخدماً عبارات من النفاق بل الذل الذي تأباه كرامة الشعب المصري. وفي ما خص الأميركيين فقد كشف الحكم الإخواني أن صلاته بواشنطن قديمة، ولكنها كانت عادية، فعيّن موفدين خصوصيين لهذا الغرض.. وكان «الخط مفتوحاً» دائماً بين الطرفين.. ليس بالإمكان حصر الخطايا والأخطاء، سواء مع السعودية ودول الخليج، أو مع إيران، ولا مع روسيا والصين، والتي ارتكبها «رئيس الخيبة» الدكتور محمد مرسي. يمكن هنا التنويه بأن هذا الرئيس الإخواني قد سجل الرقم القياسي في سرعة السقوط، وفي التسبّب في خسارة مصر مكانتها، وفي إهانة شعبها العظيم الذي أنجز واحدة من أعظم الثورات في التاريخ الإنساني... بغير أن نغفل «الإنجازات» المميزة التي حققتها قيادات الصف الأول في الإخوان. على أنه ربما يجب التوجه إليه وإليهم مجتمعين بالشكر الجزيل أنهم قد أنجزوا، خلال سنة واحدة مهمة جليلة هي: إعلان سقوط الإخوان كقوة سياسية مؤهلة لأن تحكم أي بلد فكيف بمصر بكل تاريخها المميز وبشرف دورها في أمتها العربية وفي محيطها الأفريقي والدولي عموماً. لقد وصل الإخوان إلى السلطة في مصر بغير استحقاق.. ولقد تكرّموا فأنهَوا أسطورتهم وادعاءاتهم بالقدرة على الإنجاز في أسرع مما تصوّر أشد خصومهم، ثم أنهم قد حرّروا الإسلام من ادعائهم أنهم ممثلوه الشرعيون الوحيدون، ليس في مصر فقط بل حيثما وُجد مسلمون. إن سقوط الإخوان، بل إسقاطهم، يُنهي أسطورتهم، ويُسقط ادعاءهم احتكار الإسلام الذي يستعصي على احتكارهم. ثم أن سقوطهم قد أكد خروجهم على الإسلام عبر مجزرة الكنائس والأديرة وتقصّد إلحاق الأذى بشركائهم في الوطن وفي الإيمان: أقباط مصر. إن هذا السقوط لا يحرّر مصر فقط، بل يحرّر الدين الحنيف من الصورة الرديئة التي حاولوا أن يحبسوه فيها، ومع الأسف على الدماء التي تطلّبها إسقاط أسطورة الإخوان، فإن هذا السقوط قد أعاد فتح باب الأمل ليس أمام مصر وحدها، بل أمام الأمة جميعاً، بأنها جديرة بأن تصنع مستقبلها بإرادتها الحرة وبكفاءات أبنائها واستعدادهم للتضحية بالغالي والنفيس من أجل غدها الأفضل. ... وطبيعي أن المخاض سيكون طويلاً للعودة من الماضي الذي حاول الإخوان إرجاع مصر ـ والعرب ـ إليه إلى الغد الأفضل الذي تطمح إليه مصر والأمة وقد أثبت المصريون، مرة أخرى، أنهم جديرون به.

المصدر : السفير/ طلال سلمان


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة