بعد اسبوع من اعادة انتخاب اوباما لولاية ثانية في اميركا، حدد اذار 2013 موعدا للقاء قمة بين اميركا وروسيا على ان يكون الاهم من ملفاتها بحث الازمة الدولية في سورية تلمساً لمخرج يوقف شلالات الدم التي اصطنعها العدوان الخارجي بالقيادة الاميركية والادوات العربية والاقليمية.

عدوان كان مضى عليه يومها نيف و20 شهراً دون ان يكون قد حقق هدفه الاساس في اسقاط الدولة ونقلها واهنة الى موقع جيوسياسي جديد لا يكون لها فيه اي وزن استراتيجي مستقل عن القرار الاميركي في خدمة اسرائيل.‏

وما ان حدد الموعد ذاك حتى ارتفعت وتيرة العدوان وتحشيد القوى الارهابية المعتمدة لتنفيذ المشروع الغربي ضد سورية وشعبها وجيشها، وقد توخت جبهة العدوان ان تنفذ اهدافها قبل اذار المضروب موعدا للقاء القمة بين اوباما وبوتين. ومضى الشهر تلو والشهر وتعثر الهجوم وسقطت رزمة التواريخ المحددة لاسقاط هذه المدينة او تلك، او السيطرة على منطقة هنا أو هناك في سورية، وقبل ان يتصرم شباط كان واضحا ان استحالة باتت تواجه اميركا في تحقيق مبتغاها، فانقلبت على موعد القمة بقرار من شقين : الاول تأجيلها الى حزيران، والثاني قيام اوباما بنفسه باطلاق خطة هجوم شاملة تعتمد على دعم دول الجوار السوري ويسخر لها اقصى ما يمكن من طاقات وان تبدأ مباشرة بالضرب على الرأس في سورية لاسقاط دمشق.‏

ومرة اخرى لم يكن الميدان السوري مطابقا او مستجيبا للحسابات الاميركية، بل كان العقل السياسي والعسكري السوري بالمرصاد للحاسوب الاميركي ومتفوقا عليه، فوضعت خطة التصدي السورية المعاكسة لافشال "خطة اوباما " واسقاطها كما سقطت خطط سابقة واسقطت سلسلة من مواعيد انتصار غربي مأمول يعول عليه. وكانت الخطة السورية هذه المرة اكثر دقة وابعد تأثيراً واكثر استقراراً وتثبيتا للانجازات العسكرية والاستراتيجية المحققة. ومع حلول حزيران 2013 وقبل موعد اللقاء المنتظر على هامش قمة مجموعة الثمانية G8، كان واضحا ان الكفة السورية في ميزان الصراع باتت راجحة الى حد تكون فيه المقارنة بين مجموع ما بيد القوى الارهابية وبين ما هو تحت سيطرة الحكومة السورية، مقارنة في غير محلها، ولذلك وفي تقدير موقف واقعي اجرته القيادة الاميركية تبين لها ان القبول بالحل السياسي في هذه المرحلة سيكون نوعا من الاستسلام والاعتراف بالهزيمة امام محور المقاومة، وامام المجموعة الدولية الصاعدة التي تتقدمها روسيا وهي القوى العاملة على اقامة نظام عالمي لا تكون فيه اميركا القطب الاوحد.‏

مقابل هذه الصورة الكارثية استراتيجياً بالنسبة للمشروع الصهيو اميركي عموما ولاميركا خصوصا، كان قرار اميركي جديد يقوم على عناصر ثلاثة : اولها تأجيل القمة بين اميركا وروسيا الى ايلول المقبل، وثانيها التأكيد على الحل السلمي عبر مؤتمر دولي في جنيف اسمي جنيف 2، والثالث تغيير في الادارة الميدانية للعمل الارهابي في سورية ونقلها من اليد التركية – القطرية الى اليد السعودية مع اطلاق هذه اليد في فعل اي شيء من اجل "اعادة التوازن الى الميدان" لانه من غير هذا التوازن لا يكون مجديا الدخول في التفاوض والا كانت النتيجة استسلاماً على حد ما وصفنا، فالقاعدة الذهبية في التفاوض الفعلي كما هو معروف هي "أن المفاوض يحصل على طاولة المفاوضات مقدار ما يمتلك في الميدان".‏

ومباشرة بعد انفضاض مؤتمر الثماني في ايرلندا تقدمت السعودية للاضطلاع بمهتمها الجديدة التي حددت مهلتها لثلاثة أشهر تنتهي في أيلول المقبل (أي قبل قمة بوتين - أوباما) وأوكلت الملف لامير مخابراتها اللصيق بالسياسة والمخابرات الاميركية، وكان جليا ان خطة الانقاذ السعودية اتجهت الى تحقيق ما يلي:‏

1) امتلاك السيطرة على منطقة الشمال والشمال الغربي وصولا الى الساحل السوري، لتقابل بها سيطرة الحكومة السورية على المنطقة الوسطى والمنطقة الساحلية من اللاذقية شمال غرب الى طرطوس وبانياس ساحلاً ومرورا بحماة وحمص والقصير، وصولا الى دمشق ونزولا الى الجنوب وانتهاء بدرعا.‏

2) إفساد الوضع الامني والاستقرار داخل دمشق وفي ريفها لمنع الحكومة من استثمار الانجازات الميدانية الرائعة التي تحققت في المنطقة وادت الى محاصرة الارهابيين في ريف دمشق وإبعاد شر نارهم عن المدينة.‏

3) إحداث خرق ميداني اعلامي في الجنوب يظهر بأن المنطقة آلت الى يد الارهابيين او على الاقل بأنهم يتقاسمون النفوذ فيها مع الحكومة.‏

4) التوسع في محيط الرقة والحسكة لترجيح كفة الارهاببين بشكل عام فيها.‏

وفي التنفيذ ومع قيام السعودية بأقصى ما يمكن القيام به على كل الصعد السياسية والدبلوماسية والاعلامية واللوجستية والعملانية وصولا الى جولات بندر في أوروبا لنيل دعمها في التسليح وروسيا للحصول على موقف منها بالتراجع عن نصرة الحق السوري، ثم الاستعانة مباشرة بمسلحي الطالبان، وشراء السلاح من اسرائيل مترافقا مع تصعيد الضغط على العراق بعمليات ارهابية حصدت في شهر واحد اكثر من الف شخص، وضغط في لبنان يمارس ضد حزب الله والقوى الوطنية اللبنانية الداعمة للعملية الدفاعية السورية، ثم بأداء ميداني متنكر لكل قواعد القانون والاخلاق والشرع الاسلامي، مع كل ذلك لم تستطع السعودية بادارتها واموالها واعلامها وكل ما لديها ان تحقق المطلوب، وانصرم من المهلة ثلثاها دون ان يلحظ في الميدان تغيير معتبر يمكن ان يفسر بأنه تحقيق ولو جزئياً لهدف "اعادة التوزان".‏

فالمجازر التي ارتكبها الارهابيون في ريف اللاذقية لم تؤد الى رعب يعول عليه لتهجير سكان المنطقة وسيطرة الارهاب عليها ، وبالعكس تمكن الجيش العربي السوري من تنفيذ العمليات المعاكسة التي ادت الى استعادة جزء من القرى التي احدث فيها الارهابيون مجازرهم، وفي الشمال لم يكن مطار منغ الا مقبرة للمئات منهم، وبالتالي لم يحدث اي تغيير في الوضع يمكن صرفه سياسيا واستراتيجيا، وفي ريف دمشق ومحيطها تتابعت العمليات التطهيرية التي يقوم بها الجيش العربي السوري بما يعطل اهداف الخطة السعودية، ولم تصرف عملية تسلل المرتزق الجربا الى درعا في اي حساب سياسي مؤثر. أي وباختصار وبعد تقدير موقف عسكري عملاني، يمكن القول بفشل خطة الانقاذ المتوخاة وان المشهد الذي كان قائما بنظر اميركا في حزيران الماضي لم يتغير وبالتالي ان الذي حملها على تأجيل الحل او البحث به او عقد مؤتمر جنيف 2 لا زال قائماً لا بل يشتد ثقله عليها...لهذا كان تأجيل القمة بين اوباما وبوتين بذريعة واهية نسبت الى منح روسيا لجوءا سياسيا لمتعاقد سابق مع المخابرات الاميركية، اما السبب الحقيقي للتأجيل فنراه متمثلاً بإقرار اميركي ضمني بالفشل مجددا في سورية.‏

لقد تذرع اوباما في معرض تفسيره لالغاء القمة بالقول بان " لا شيء لديه ليناقشه مع بوتين " وبالتالي لا موجب للقاء الآن، ونحن نفهم جيدا ان هذه العبارة تعني او يمكن ان تصرف في السياسة والفهم الاستراتيجي للامور كما يلي :‏

1) إن اميركا غير جاهزة الآن للاعتراف بالهزيمة في سورية، لأن هذا الاعتراف سيكون بمثابة الكارثة الاستراتيجية التي لن يتوقف عصفها عند حدود سورية والشرق الاوسط.‏

  • فريق ماسة
  • 2013-08-11
  • 11074
  • من الأرشيف

إلى متى ستظل أميركا تتهرب من الحل في سورية؟... والرد؟

بعد اسبوع من اعادة انتخاب اوباما لولاية ثانية في اميركا، حدد اذار 2013 موعدا للقاء قمة بين اميركا وروسيا على ان يكون الاهم من ملفاتها بحث الازمة الدولية في سورية تلمساً لمخرج يوقف شلالات الدم التي اصطنعها العدوان الخارجي بالقيادة الاميركية والادوات العربية والاقليمية. عدوان كان مضى عليه يومها نيف و20 شهراً دون ان يكون قد حقق هدفه الاساس في اسقاط الدولة ونقلها واهنة الى موقع جيوسياسي جديد لا يكون لها فيه اي وزن استراتيجي مستقل عن القرار الاميركي في خدمة اسرائيل.‏ وما ان حدد الموعد ذاك حتى ارتفعت وتيرة العدوان وتحشيد القوى الارهابية المعتمدة لتنفيذ المشروع الغربي ضد سورية وشعبها وجيشها، وقد توخت جبهة العدوان ان تنفذ اهدافها قبل اذار المضروب موعدا للقاء القمة بين اوباما وبوتين. ومضى الشهر تلو والشهر وتعثر الهجوم وسقطت رزمة التواريخ المحددة لاسقاط هذه المدينة او تلك، او السيطرة على منطقة هنا أو هناك في سورية، وقبل ان يتصرم شباط كان واضحا ان استحالة باتت تواجه اميركا في تحقيق مبتغاها، فانقلبت على موعد القمة بقرار من شقين : الاول تأجيلها الى حزيران، والثاني قيام اوباما بنفسه باطلاق خطة هجوم شاملة تعتمد على دعم دول الجوار السوري ويسخر لها اقصى ما يمكن من طاقات وان تبدأ مباشرة بالضرب على الرأس في سورية لاسقاط دمشق.‏ ومرة اخرى لم يكن الميدان السوري مطابقا او مستجيبا للحسابات الاميركية، بل كان العقل السياسي والعسكري السوري بالمرصاد للحاسوب الاميركي ومتفوقا عليه، فوضعت خطة التصدي السورية المعاكسة لافشال "خطة اوباما " واسقاطها كما سقطت خطط سابقة واسقطت سلسلة من مواعيد انتصار غربي مأمول يعول عليه. وكانت الخطة السورية هذه المرة اكثر دقة وابعد تأثيراً واكثر استقراراً وتثبيتا للانجازات العسكرية والاستراتيجية المحققة. ومع حلول حزيران 2013 وقبل موعد اللقاء المنتظر على هامش قمة مجموعة الثمانية G8، كان واضحا ان الكفة السورية في ميزان الصراع باتت راجحة الى حد تكون فيه المقارنة بين مجموع ما بيد القوى الارهابية وبين ما هو تحت سيطرة الحكومة السورية، مقارنة في غير محلها، ولذلك وفي تقدير موقف واقعي اجرته القيادة الاميركية تبين لها ان القبول بالحل السياسي في هذه المرحلة سيكون نوعا من الاستسلام والاعتراف بالهزيمة امام محور المقاومة، وامام المجموعة الدولية الصاعدة التي تتقدمها روسيا وهي القوى العاملة على اقامة نظام عالمي لا تكون فيه اميركا القطب الاوحد.‏ مقابل هذه الصورة الكارثية استراتيجياً بالنسبة للمشروع الصهيو اميركي عموما ولاميركا خصوصا، كان قرار اميركي جديد يقوم على عناصر ثلاثة : اولها تأجيل القمة بين اميركا وروسيا الى ايلول المقبل، وثانيها التأكيد على الحل السلمي عبر مؤتمر دولي في جنيف اسمي جنيف 2، والثالث تغيير في الادارة الميدانية للعمل الارهابي في سورية ونقلها من اليد التركية – القطرية الى اليد السعودية مع اطلاق هذه اليد في فعل اي شيء من اجل "اعادة التوازن الى الميدان" لانه من غير هذا التوازن لا يكون مجديا الدخول في التفاوض والا كانت النتيجة استسلاماً على حد ما وصفنا، فالقاعدة الذهبية في التفاوض الفعلي كما هو معروف هي "أن المفاوض يحصل على طاولة المفاوضات مقدار ما يمتلك في الميدان".‏ ومباشرة بعد انفضاض مؤتمر الثماني في ايرلندا تقدمت السعودية للاضطلاع بمهتمها الجديدة التي حددت مهلتها لثلاثة أشهر تنتهي في أيلول المقبل (أي قبل قمة بوتين - أوباما) وأوكلت الملف لامير مخابراتها اللصيق بالسياسة والمخابرات الاميركية، وكان جليا ان خطة الانقاذ السعودية اتجهت الى تحقيق ما يلي:‏ 1) امتلاك السيطرة على منطقة الشمال والشمال الغربي وصولا الى الساحل السوري، لتقابل بها سيطرة الحكومة السورية على المنطقة الوسطى والمنطقة الساحلية من اللاذقية شمال غرب الى طرطوس وبانياس ساحلاً ومرورا بحماة وحمص والقصير، وصولا الى دمشق ونزولا الى الجنوب وانتهاء بدرعا.‏ 2) إفساد الوضع الامني والاستقرار داخل دمشق وفي ريفها لمنع الحكومة من استثمار الانجازات الميدانية الرائعة التي تحققت في المنطقة وادت الى محاصرة الارهابيين في ريف دمشق وإبعاد شر نارهم عن المدينة.‏ 3) إحداث خرق ميداني اعلامي في الجنوب يظهر بأن المنطقة آلت الى يد الارهابيين او على الاقل بأنهم يتقاسمون النفوذ فيها مع الحكومة.‏ 4) التوسع في محيط الرقة والحسكة لترجيح كفة الارهاببين بشكل عام فيها.‏ وفي التنفيذ ومع قيام السعودية بأقصى ما يمكن القيام به على كل الصعد السياسية والدبلوماسية والاعلامية واللوجستية والعملانية وصولا الى جولات بندر في أوروبا لنيل دعمها في التسليح وروسيا للحصول على موقف منها بالتراجع عن نصرة الحق السوري، ثم الاستعانة مباشرة بمسلحي الطالبان، وشراء السلاح من اسرائيل مترافقا مع تصعيد الضغط على العراق بعمليات ارهابية حصدت في شهر واحد اكثر من الف شخص، وضغط في لبنان يمارس ضد حزب الله والقوى الوطنية اللبنانية الداعمة للعملية الدفاعية السورية، ثم بأداء ميداني متنكر لكل قواعد القانون والاخلاق والشرع الاسلامي، مع كل ذلك لم تستطع السعودية بادارتها واموالها واعلامها وكل ما لديها ان تحقق المطلوب، وانصرم من المهلة ثلثاها دون ان يلحظ في الميدان تغيير معتبر يمكن ان يفسر بأنه تحقيق ولو جزئياً لهدف "اعادة التوزان".‏ فالمجازر التي ارتكبها الارهابيون في ريف اللاذقية لم تؤد الى رعب يعول عليه لتهجير سكان المنطقة وسيطرة الارهاب عليها ، وبالعكس تمكن الجيش العربي السوري من تنفيذ العمليات المعاكسة التي ادت الى استعادة جزء من القرى التي احدث فيها الارهابيون مجازرهم، وفي الشمال لم يكن مطار منغ الا مقبرة للمئات منهم، وبالتالي لم يحدث اي تغيير في الوضع يمكن صرفه سياسيا واستراتيجيا، وفي ريف دمشق ومحيطها تتابعت العمليات التطهيرية التي يقوم بها الجيش العربي السوري بما يعطل اهداف الخطة السعودية، ولم تصرف عملية تسلل المرتزق الجربا الى درعا في اي حساب سياسي مؤثر. أي وباختصار وبعد تقدير موقف عسكري عملاني، يمكن القول بفشل خطة الانقاذ المتوخاة وان المشهد الذي كان قائما بنظر اميركا في حزيران الماضي لم يتغير وبالتالي ان الذي حملها على تأجيل الحل او البحث به او عقد مؤتمر جنيف 2 لا زال قائماً لا بل يشتد ثقله عليها...لهذا كان تأجيل القمة بين اوباما وبوتين بذريعة واهية نسبت الى منح روسيا لجوءا سياسيا لمتعاقد سابق مع المخابرات الاميركية، اما السبب الحقيقي للتأجيل فنراه متمثلاً بإقرار اميركي ضمني بالفشل مجددا في سورية.‏ لقد تذرع اوباما في معرض تفسيره لالغاء القمة بالقول بان " لا شيء لديه ليناقشه مع بوتين " وبالتالي لا موجب للقاء الآن، ونحن نفهم جيدا ان هذه العبارة تعني او يمكن ان تصرف في السياسة والفهم الاستراتيجي للامور كما يلي :‏ 1) إن اميركا غير جاهزة الآن للاعتراف بالهزيمة في سورية، لأن هذا الاعتراف سيكون بمثابة الكارثة الاستراتيجية التي لن يتوقف عصفها عند حدود سورية والشرق الاوسط.‏

المصدر : الثورة/ أمين حطيط


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة