دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
عندما كانت وزيرة الخارجية الاميركية سابقا مادلين اولبرايت تسوق فكرة “السلام” وإعادة المفاوضات السورية – الاسرائيلية عام 1999، كانت تنطلق مما صرحت عنه: لا يمكن تحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين من دون السلام مع سورية.
حينها كان الرئيس الراحل حافظ الاسد يرحب بعودة المفاوضات حول “السلام العادل والشامل”. لم يكتب للتجربة النجاح وتبعها مزيد من إلتزام دمشق بإحتضان حركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية. قبل أن تتكرر محطات الاعتداءات الاسرائيلية الموزعة ضد لبنان وسورية.
ينطلق احد الدبلوماسيين العرب من استعادة وقائع السنوات الماضية للقول: لا تبحثوا عن حل حول سورية ولا مصر ولا غيرهما من ساحات مأزومة قبل معرفة ما يحدث حول قضية فلسطين. يشير ذاك الدبلوماسي العتيق إلى تفاصيل الميدان للجزم بأن لا نتيجة سيظهرها الاشتباك المسلح المفتوح حتى ايجاد الحل الذي يريح إسرائيل.
يستند الدبلوماسي نفسه الى وقائع بالجملة اطلع عليها من الكواليس الاميركية تبدأ من حقيقة الدفع الأميركي بإتجاه شل سورية الدولة، من خلال انهاك القوى المتصارعة وإضعاف الجيش، وتمر بضرب قوة حلفاء دمشق من خلال التصويب على المقاومة في لبنان بوضع “حزب الله” على لوائح إرهابية أو إمكانية الذهاب الى هز الوضع اللبناني دون الوصول الى ضربه، كأن يصار الى تأليف حكومة أحادية تتدرج لاحقا في القيام بأعمال إستفزازية مضبوطة إلى حد ما، لكنها تشغل حلفاء دمشق وطهران وتدخل الساحة اللبنانية من ضمن سلة التفاوض غير المباشر.
لم تصل سورية ومعها حلفاؤها إلى درجة الإستعداد للقبول بالحل الأميركي للقضية الفلسطينية، وبدا من خلال كلام الرئيس بشار الاسد ثم الرئيس الايراني الجديد والأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله ألا موافقة على الطلبات الغربية، حتى ذهب نصرالله للحديث بإسم" الشيعة " للمرة الاولى، رفضا للتنازل عن قضية فلسطين، ما يعني أن أمد الحرب في سورية طويل.
تدرك واشنطن خصوصا بعد قتل سفيرها في بنغازي الليبية انها ليست بمأمن عما يجري والدليل اللجوء إلى إقفال السفارات والقنصليات في الشرق الأوسط لبضعة أيام. لم تقدم روسيا أو حتى الدول الأوروبية بشكل جماعي على الإقفال، رغم أن الخطر إن كان موجودا فعلا لا يحيد عن سفارات موسكو والصين والدول الاوروبية، فما السبب اذا؟
حجم الكتابات والتقارير الإعلامية الأميركية عن خطر تنظيم “القاعدة” يزداد يوما بعد يوم على قياس ما كتبته صحيفة “نيويورك تايمز” من تحذير ناتج عما يدور في كواليس الادارة والخارجية والاستخبارات الأميركية. رصد السفير العربي نفسه هذا الحذر لكنه سأل المطلعين الأميركيين ومن يعمل بين الدبلوماسية والأمن عن إزدواجية التوجه الأميركي: خوف من المتطرفين وإضعاف أعداء هؤلاء. ألا يقتضي من واشنطن دعم من يحارب “القاعدة” كالجيوش مثلا في مصر وسورية وتونس؟
كان الجواب بسيطا جداً: الأميركيون يتفرجون على حرب تقضي على أعدائهم وتضعف خصومهم من دون اي تكاليف. وبالنتيجة ستتحكم واشنطن بفرض نتائج المفاوضات على خط الفلسطينيين والإسرائيليين واستحضار المباركة الإقليمية بمنع إزعاج تل أبيب. لم يتغير شيء بالنسبة للأميركيين منذ عهد بيل كلينتون وسعي اولبرايت للإستحصال على بركة دمشق حول “السلام”، حينها كان بمقدور سورية الرفض وفرض الشروط، لكن اليوم سورية مشغولة بأزمتها. فهل تستطيع دمشق وقف المسار الدولي حول فلسطين؟
لم تكن صدفة مسألة إحياء المفاوضات بعد غياب وتعيين مبعوث أميركي جديد، وليس صدفة أن يهبط سقف الفلسطينيين في شأن التفاوض حول الأسرى إلى هذه الدرجة: مستعمرات مقابل تحرير عشرات الأسرى! حتى حركة حماس تعيش أزمة ولدت من رحم خياراتها، أليست مربكة جراء ما يجري في مصر؟ لقد وضعت كل بيضها في سلة “الإخوان ” وحاربت دمشق وإبتعدت عن إيران، لكن ماذا حل بالإخوان؟ ألم تسقط تجاربهم إنطلاقا من مصر؟
يسأل الدبلوماسي العتيق الأميركيين: ماذا تريدون من مصر وليبيا و تونس والجزائر والعراق؟.. لماذا إشتعلت الساحات هناك؟ أين مصلحة الغرب؟ يأتيه الجواب: خطر الإسلاميين قائم، لابأس بموتهم في ساحاتهم، بدل تهديدهم الدائم لعواصم العالم. يضيف هؤلاء أن الوقت لا زال مبكرا للحديث عن تسويات، وكل الأمور مطروحة للنقاش بما فيها التقسيم.
يدور ذاك النقاش في الكواليس الغربية حول طروحات داعمة لفكرة التقسيم، ما بين فيدراليات وكونفدراليات. الامر المحسوم لدى الدوائر الغربية بحسب الدبلوماسي نفسه على اساس ان التغيير لن يكون لمصلحة الإسلاميين، “يجري الإستفادة منهم الآن لإنهائهم لاحقا كما حصل في مصر” . كما ان أزمات العرب المفتوحة جذبت المتطرفين الى ساحاتهم وتحديدا في سوريا، فإنكشفت المجموعات السرية والنائمة وهاجرت من دول الغرب.
إستنتاج الدبلوماسي أن الحرب مفتوحة في ساحات العرب، ستفرض متغيرات لا تستطيع اوروبا وأميركا حسمها بمفردها، ستكون روسيا والصين وغيرها من دول حاضرة في وضع أسس المرحلة الجديدة. وحدهم العرب سيكررون التجربة التي حصلت في عهد الأمير فيصل في الحرب العالمية الأولى. هذه المرة وعد كاذب بتسليم الإسلاميين السلطات، ووعد صادق يتكشف تدريجيا بفرض السلام والآمان لدولة اسرائيل.
مئة سنة مرت، قرن من الزمن مضى، العرب هم هم، والغرب هو هو.. وإسرائيل تكسب.
المصدر :
النشرة/ عباس ضاهر
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة