لم تقفل أبواب إيران يوماً في وجه حماس. هذا ما يقوله أهل الحل والربط في طهران. لكن بعض من في حماس هم الذين اختاروا حرق الجسور ظناً منهم أنهم بذلك سيقفلون جميع الطرق على «حليف الدم» الذي استحال بفعل السياسة خصماً.

في طهران، لا يرغب أحد بالحديث عن المرحلة السابقة، يختصرها مصدر شديد الاطلاع بالقول إنها «غيمة صيف مفيدة للمستقبل. نحن تعلمنا منها، وهم إن شاء الله استفادوا منها». كما أن مصدراً آخر يشير إلى أن «سياسة إيران لم تُبْنَ يوماً على القطيعة مع أحد، بل إن العلاقات ولو بالحد الأدنى موجودة مع كل من تتقاطع معتقداته وخطوطه الحمراء معها، ولهذا فإن مكتب حماس لا يزال يعمل في طهران رغم كل ما قيل ويقال».

لا يخفى على أحد أن سبب التباعد الأساسي بين إيران وحماس كان الملف السوري. وللدقة، فالتباعد هنا كان بين بعض حماس وإيران، وكاد هذا البعض، بحسب مصادر من الفريق الآخر داخل حماس، يُقْصَى عن القيادة لمصلحة الفريق الذي يؤيد البقاء ضمن الحلف الإيراني، وإن كان بعض هذا الفريق يتمايز، في وجهة نظره أيضا، مما يحدث في سوريا.

كان على رأس هذا الفريق مجموعة من القياديين، من بينهم محمود الزهار وعماد العلمي وقائد «كتائب عزالدين القسام» الراحل أحمد الجعبري، الذي كان يلعب دوراً محورياً في منع انزلاق الحركة في مواقفها نحو إظهار العداء لإيران و«حزب الله».

تغيرت الظروف بعد حرب غزة الأخيرة، وتبدى ذلك بداية في التصريحات التي خرجت عن قادة المكتب السياسي التي تجاهلت بداية الدعم الإيراني للحركة في صراعها مع إسرائيل، لتعود وتستذكر الأمر على حياء، مع إشارة واضحة من خالد مشعل للاختلاف حول سوريا.

ولعل المشهد الأكثر تعبيراً عن التخبط داخل حماس، كان إقدام القيادي محمود الزهار على عقد مؤتمر صحافي بلباسه العسكري شكر فيه الدور الإيراني، ثم عمدت مجموعة تابعة له لتعليق يافطات داخل حماس تحمل عبارات الشكر لطهران بالعربية والإنكليزية والفارسية والعبرية. حاول بعض العناصر إزالة اليافطات، لكن تدخل عناصر أخرى من الجناح العسكري حال دون ذلك.

مع انتخابات المكتب السياسي الأخيرة، عاد خالد مشعل إلى رئاسة المكتب وخرج محمود الزهار منه، وتحولت العلاقة بين الرجلين من سيئ إلى أسوأ. بعضها أثير في الإعلام، وبعضها الآخر ظل سراً.

كان الزهار، الذي يحظى بتأثير مهم داخل الجناح العسكري، يفتح خطوطاً مع طهران، وإن خارج الإطار الرسمي. البعض قرأ خطوات الزهار ضمن لعبة «تقسيم الأدوار»، والبعض الآخر كان يعلم أن الرجل حريص على الحركة قبل كل شيء، على الجناح العسكري قبل الحركة، وأنه خلال الفترة الماضية سمع الكثير من الشكاوى من الكوادر العسكرية التي لمست مرحلة الشح التسليحي الذي بدأت تدخل فيه «كتائب عزالدين القسام».

في هذا الإطار، ينقل مصدر في غزة بعض ما جرى في جلسات خلف أبواب مغلقة بين العسكري والسياسي، «كان الكلام واضحاً» يقول المصدر، الذي يضيف أن أحد القادة العسكريين البارزين قال إن «الاعتماد على قطر قد يأتينا بالمال يوماً ما، لكن من سيأتينا بالسلاح؟ إن كنتم تريدون مقاومة، عليكم تصحيح العلاقة مع إيران، وإن كنتم تريدون قطعها فعليكم بحل القسام». وبحسب المصدر، فإن رداً لم يصدر على هذا الكلام، وانتهت الجلسة وكأن على رؤوس الجميع الطير.

يوم الثاني من شهر تموز الماضي، كان أقسى بوقعه على حماس من كل الحروب التي جرت عليها. فسقوط «الإخوان» في مصر كان مزلزلاً للحركة، إذ إنه أسقط الحاضنة العقائدية لها، وقطع عنها الأوكسيجين الذي كانت تتغذى به من مصر. لكن رب ضارة نافعة.

تقول مصادر «السفير» في طهران إن خطاً ساخناً بين حماس وطهران فتح بعد السقوط «الإخواني» بفترة قليلة. وتضيف: «جرت لقاءات عديدة معظمها في بيروت، كان الهدف منها فتح كوة في الجدار»، مشيرة إلى أنه «بالنسبة إلى إيران، حماس جزء أساسي من المقاومة الفلسطينية، وهي تعلم أن للإيرانيين طريقاً واحداً، يبدأ في طهران وينتهي في المسجد الأقصى، ومن يريد الانضمام إلى هذه المسيرة مرحب به».

كانت اللقاءات البيروتية مقدمة للقاءات أيضاً بين «حزب الله» وحماس. وكما تقول المصادر، فإن بعض هذه اللقاءات كان على مستوى رفيع من دون أن تكشف هوية الذين التقوا.

المصادر تضيف أن «القيادي في حماس عماد العلمي لعب دوراً مهماً، وإن ليس علنياً في تقريب وجهات النظر». ويعتبر العلمي من الشخصيات ذات التأثير داخل الحركة في الداخل والخارج، وهو من الجيل الأول الذي كان له يد في التأسيس، وهو من الأسماء التي يتوقع أن تسمع كثيراً في وسائل الإعلام في المرحلة المقبلة.

ماذا جرى في لقاءات بيروت؟ وما هو الاتفاق الذي جرى بين حماس و«حزب الله» وإيران؟

تقول مصادر «السفير» إن الأمور ما زالت في طور النقاش، «هناك الكثير من المشتركات، كلنا نعادي إسرائيل، لذا فلا خلاف على استمرار الدعم للمقاومة، ربما هناك خلاف على بعض الملفات، الأفضل أن ننحيها جانباً على الأقل من التداول الإعلامي ونعمل على حلها بهدوء». وتوضح المصادر أن «هناك مشكلة رئيسية حالياً تواجه حماس وهي دولة المقر. ففي ظل الظروف الراهنة مصر لا يمكن أن ترحب بالحركة، وفي تركيا قد تكون الظروف الأمنية صعبة بعض الشيء، في قطر يبدو أن هناك توجهاً للابتعاد عن المشاكل، وهي أساساً بعيدة عن الحدود مع فلسطين، قد يكون لبنان مناسباً لهم، لكن الأمر ما زال في طور البحث».

إذًا فالعلاقة على طريق التصحيح، وعودة محور «المقاومة الممانعة» إلى سابق عهده مسألة وقت، لكن ذلك لا يعني أن العلاقة بين حماس وسوريا ستعود إلى ما كانت عليه، وعليه، فإنه من غير المستبعد أن يعلن في أي وقت عن لقاءات ذات تأثير بين مسؤولين بارزين من حماس ومسؤولين إيرانيين أو من «حزب الله».

يختم المصدر بالإشارة إلى أن عودة المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية فرضت أيضاً تسريع المباحثات، مضيفا: «لعل ما حدث يجعلنا جميعا نتوقف أمام الحديث الذي يقول: أحب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون عدوك يوماً ما، وأبغض عدوك هوناً ما عسى أن يصبح حبيبك يوماً ما».
  • فريق ماسة
  • 2013-08-13
  • 8251
  • من الأرشيف

إيران وحماس: إعادة وصل ما انقطع

لم تقفل أبواب إيران يوماً في وجه حماس. هذا ما يقوله أهل الحل والربط في طهران. لكن بعض من في حماس هم الذين اختاروا حرق الجسور ظناً منهم أنهم بذلك سيقفلون جميع الطرق على «حليف الدم» الذي استحال بفعل السياسة خصماً. في طهران، لا يرغب أحد بالحديث عن المرحلة السابقة، يختصرها مصدر شديد الاطلاع بالقول إنها «غيمة صيف مفيدة للمستقبل. نحن تعلمنا منها، وهم إن شاء الله استفادوا منها». كما أن مصدراً آخر يشير إلى أن «سياسة إيران لم تُبْنَ يوماً على القطيعة مع أحد، بل إن العلاقات ولو بالحد الأدنى موجودة مع كل من تتقاطع معتقداته وخطوطه الحمراء معها، ولهذا فإن مكتب حماس لا يزال يعمل في طهران رغم كل ما قيل ويقال». لا يخفى على أحد أن سبب التباعد الأساسي بين إيران وحماس كان الملف السوري. وللدقة، فالتباعد هنا كان بين بعض حماس وإيران، وكاد هذا البعض، بحسب مصادر من الفريق الآخر داخل حماس، يُقْصَى عن القيادة لمصلحة الفريق الذي يؤيد البقاء ضمن الحلف الإيراني، وإن كان بعض هذا الفريق يتمايز، في وجهة نظره أيضا، مما يحدث في سوريا. كان على رأس هذا الفريق مجموعة من القياديين، من بينهم محمود الزهار وعماد العلمي وقائد «كتائب عزالدين القسام» الراحل أحمد الجعبري، الذي كان يلعب دوراً محورياً في منع انزلاق الحركة في مواقفها نحو إظهار العداء لإيران و«حزب الله». تغيرت الظروف بعد حرب غزة الأخيرة، وتبدى ذلك بداية في التصريحات التي خرجت عن قادة المكتب السياسي التي تجاهلت بداية الدعم الإيراني للحركة في صراعها مع إسرائيل، لتعود وتستذكر الأمر على حياء، مع إشارة واضحة من خالد مشعل للاختلاف حول سوريا. ولعل المشهد الأكثر تعبيراً عن التخبط داخل حماس، كان إقدام القيادي محمود الزهار على عقد مؤتمر صحافي بلباسه العسكري شكر فيه الدور الإيراني، ثم عمدت مجموعة تابعة له لتعليق يافطات داخل حماس تحمل عبارات الشكر لطهران بالعربية والإنكليزية والفارسية والعبرية. حاول بعض العناصر إزالة اليافطات، لكن تدخل عناصر أخرى من الجناح العسكري حال دون ذلك. مع انتخابات المكتب السياسي الأخيرة، عاد خالد مشعل إلى رئاسة المكتب وخرج محمود الزهار منه، وتحولت العلاقة بين الرجلين من سيئ إلى أسوأ. بعضها أثير في الإعلام، وبعضها الآخر ظل سراً. كان الزهار، الذي يحظى بتأثير مهم داخل الجناح العسكري، يفتح خطوطاً مع طهران، وإن خارج الإطار الرسمي. البعض قرأ خطوات الزهار ضمن لعبة «تقسيم الأدوار»، والبعض الآخر كان يعلم أن الرجل حريص على الحركة قبل كل شيء، على الجناح العسكري قبل الحركة، وأنه خلال الفترة الماضية سمع الكثير من الشكاوى من الكوادر العسكرية التي لمست مرحلة الشح التسليحي الذي بدأت تدخل فيه «كتائب عزالدين القسام». في هذا الإطار، ينقل مصدر في غزة بعض ما جرى في جلسات خلف أبواب مغلقة بين العسكري والسياسي، «كان الكلام واضحاً» يقول المصدر، الذي يضيف أن أحد القادة العسكريين البارزين قال إن «الاعتماد على قطر قد يأتينا بالمال يوماً ما، لكن من سيأتينا بالسلاح؟ إن كنتم تريدون مقاومة، عليكم تصحيح العلاقة مع إيران، وإن كنتم تريدون قطعها فعليكم بحل القسام». وبحسب المصدر، فإن رداً لم يصدر على هذا الكلام، وانتهت الجلسة وكأن على رؤوس الجميع الطير. يوم الثاني من شهر تموز الماضي، كان أقسى بوقعه على حماس من كل الحروب التي جرت عليها. فسقوط «الإخوان» في مصر كان مزلزلاً للحركة، إذ إنه أسقط الحاضنة العقائدية لها، وقطع عنها الأوكسيجين الذي كانت تتغذى به من مصر. لكن رب ضارة نافعة. تقول مصادر «السفير» في طهران إن خطاً ساخناً بين حماس وطهران فتح بعد السقوط «الإخواني» بفترة قليلة. وتضيف: «جرت لقاءات عديدة معظمها في بيروت، كان الهدف منها فتح كوة في الجدار»، مشيرة إلى أنه «بالنسبة إلى إيران، حماس جزء أساسي من المقاومة الفلسطينية، وهي تعلم أن للإيرانيين طريقاً واحداً، يبدأ في طهران وينتهي في المسجد الأقصى، ومن يريد الانضمام إلى هذه المسيرة مرحب به». كانت اللقاءات البيروتية مقدمة للقاءات أيضاً بين «حزب الله» وحماس. وكما تقول المصادر، فإن بعض هذه اللقاءات كان على مستوى رفيع من دون أن تكشف هوية الذين التقوا. المصادر تضيف أن «القيادي في حماس عماد العلمي لعب دوراً مهماً، وإن ليس علنياً في تقريب وجهات النظر». ويعتبر العلمي من الشخصيات ذات التأثير داخل الحركة في الداخل والخارج، وهو من الجيل الأول الذي كان له يد في التأسيس، وهو من الأسماء التي يتوقع أن تسمع كثيراً في وسائل الإعلام في المرحلة المقبلة. ماذا جرى في لقاءات بيروت؟ وما هو الاتفاق الذي جرى بين حماس و«حزب الله» وإيران؟ تقول مصادر «السفير» إن الأمور ما زالت في طور النقاش، «هناك الكثير من المشتركات، كلنا نعادي إسرائيل، لذا فلا خلاف على استمرار الدعم للمقاومة، ربما هناك خلاف على بعض الملفات، الأفضل أن ننحيها جانباً على الأقل من التداول الإعلامي ونعمل على حلها بهدوء». وتوضح المصادر أن «هناك مشكلة رئيسية حالياً تواجه حماس وهي دولة المقر. ففي ظل الظروف الراهنة مصر لا يمكن أن ترحب بالحركة، وفي تركيا قد تكون الظروف الأمنية صعبة بعض الشيء، في قطر يبدو أن هناك توجهاً للابتعاد عن المشاكل، وهي أساساً بعيدة عن الحدود مع فلسطين، قد يكون لبنان مناسباً لهم، لكن الأمر ما زال في طور البحث». إذًا فالعلاقة على طريق التصحيح، وعودة محور «المقاومة الممانعة» إلى سابق عهده مسألة وقت، لكن ذلك لا يعني أن العلاقة بين حماس وسوريا ستعود إلى ما كانت عليه، وعليه، فإنه من غير المستبعد أن يعلن في أي وقت عن لقاءات ذات تأثير بين مسؤولين بارزين من حماس ومسؤولين إيرانيين أو من «حزب الله». يختم المصدر بالإشارة إلى أن عودة المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية فرضت أيضاً تسريع المباحثات، مضيفا: «لعل ما حدث يجعلنا جميعا نتوقف أمام الحديث الذي يقول: أحب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون عدوك يوماً ما، وأبغض عدوك هوناً ما عسى أن يصبح حبيبك يوماً ما».

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة