يدير القيادي الإخواني المصري، محمود عزت (الأخبار، 13 آب 2013) من حصنه الحمساوي في غزة، الحملة الانفصالية في سيناء؛ يتطلّب ذلك سلسلة من التحركات والاتصالات التنسيقية مع منظمات جهادية (تكفيرية) وقبائل ومهرّبين وصفقات تسليح الخ. والهدف إثارة الفوضى في شبه الجزيرة الصحراوية، وفصلها عن مصر، واقعياً، وتحويلها مقراً لخليط من الجماعات المسلحة، يشبه، بالضبط، ذلك الذي يقاتل الدولة السورية، إلا أنه قد يغطي حركته الانفصالية الفوضوية، ببعض العمليات ضد إسرائيل؛ عندها يتحوّل الانفصال إلى «مقاومة»! وقد تجد هذه «المقاومة» مَن يدعمها بحجة أنها تقاتل أو حتى قد تقاتل الإسرائيليين!

على المستوى الأمني، سيكون أمام إسرائيل تحد مزعج بالطبع، لكن، على المستوى الاستراتيجي، فإن تفكيك الدولة الوطنية المصرية هو هدف يسيل له لعاب الصهاينة الذين يعرفون أن الانفصال الإسلاموي لسيناء هو جزء من سيرورة حرب أهلية، وليس تأسيساً لقاعدة مقاومة مستحيلة، طالما هي مفصولة عن، ومعادية لـ، عمقها الوطني؛ لذلك لا يأكل الوطنيون المصريون الجوز الفارغ لشعارات المقاومة الحمساوية، ولديهم القدر الكافي من الجرأة على إدانة حماس، بوصفها عضوا في الحلف الإسلاموي الذي قرر، برضا أميركي غربي، شنّ الحرب على الدولة الوطنية والجيش الوطني في مصر، في طبعة جديدة لاستراتيجية التمكين الإخواني، بالقوة بدلا من الصناديق، ومن خلال العودة إلى شعارات «المقاومة»، بدلا من رسائل الغرام مع العدو الإسرائيلي. أما نحن، فسيكون علينا أن نهلّل لاستعادة الفصيل المقاوم إلى الأحضان الدافئة!

ما هي المقاومة؟ يبدو أننا مضطرون للعودة، مرة بعد مرة، لطرح هذا السؤال التأسيسيّ؛ فمن دون الإجابة عليه، سنظل أسرى الفوضى الفكرية والسياسية والنزعات والتوجهات التكتيكية التي قد تحقق نتائج ميدانية قصيرة المدى، وإنما جموداً استراتيجياً.

هل المقاومة منظمات مسلحة أم نهج ؟ أهي صراع جزئي في معارك صغيرة أم هي صراع كلّي في حرب مصيرية؟ حماس حركة مسلحة حازت، منذ انطلاقتها، كثرة من الاستشهاديين، وقد استخدمتهم، خصوصاً في النصف الثاني من التسعينيات، للقيام بسلسلة من التفجيرات ضد أهداف اسرائيلية. فهل كانت تلك مقاومة؟

في تلك الأوقات، كانت قيادة حماس تقيم في عمّان، وتحظى بالتغطية السياسية والأمنية من قبل الاستخبارات الأردنية، بينما حظي خالد مشعل بالرعاية الشخصية الأبوية للراحل الملك حسين. وقد أقام الدنيا وأقعدها حين حاول الموساد الاسرائيلي اغتيال مشعل في العاصمة الأردنية بأداة مسمومة (تشرين الأول 1997)، حتى أنه هدّد بإلغاء المعاهدة الأردنية ــــ الإسرائيلية إذا لم يزوِّد الإسرائيليون، عمان، بالمعلومات عن السمّ القاتل والترياق المضاد له. وقد حدث، وحدث فوقه حصول الأردنيين على الاعتذار، وعلى حرية مؤسس حماس، الشيخ أحمد ياسين.

سؤالي الآن حول تلك العمليات الاستشهادية؛ هل كانت تتم من دون الغطاء السياسي والرضا ــــ وربما التعاون ــــ من لدن السلطات الأردنية التي لم تكن تخفي، بل تجاهر باستضافتها ودعمها للقيادة الحمساوية في العاصمة الأردنية؟

كان الملك حسين لاعباً اقليمياً قديراً وجريئاً، وكان، هو الذي مات من دون أن يتخلى عن طموحه في استرداد الضفة والقدس إلى مملكته، قد وجد، في حماس، الأداة الملائمة لتحطيم السلطة الفلسطينية الناجمة عن اتفاقية أوسلو 1993، بقيادة ياسر عرفات، وذلك من خلال عمليات تُظهر عدم قدرة فتح على الوفاء بالتزاماتها الأمنية. و... نقطة على آخر السطر؛ فهل كانت تلك مقاومة؟

كانت هناك عمليات استشهادية كبرى، وكان هناك استشهاديون أبطال، إنما كانت العمليات والبطولات تتم في سياق لعبة أمم لا علاقة لها بالمقاومة كنهج ورؤية وتراكم بنائي نحو التحرير وإعادة بناء فلسطين، الدولة الوطنية المنتهكَة والمجتمع الفلسطيني الممزّق بالتشريد.

في الـ 1999، رحل الملك حسين، ورحلت معه سياساته الفلسطينية؛ فالملك الجديد، عبدالله الثاني، كفّ عن اللعبة الهاشمية القديمة، وتصالح مع توجهات الدولة الأردنية العميقة، القاضية بوضع حدّ للتدخّل الأردني في الشؤون الفلسطينية. هكذا انتهت وظيفة حماس بالنسبة للنظام الأردني، ولم يعد مستعدا لتحمّل أعباء وجود قياداتها ومكاتبها في عمّان، فجرى طردهم منها، حينها احتضنتهم دمشق.

مذ ذاك، منح السوريون (والإيرانيون وحزب الله) حماس ما مكّنها من تعظيم قدراتها في السياسة والسلاح والصناديق، حتى الاستيلاء على السلطة في غزة. وفي ليلة ظلماء، وجهت حماس، الطعنة الأكثر غدراً لسوريا وحلفائها، ورفع رئيس مكتبها السياسي، مشعل، راية الانتداب الفرنسي إلى جانب العلم المقدس لفلسطين الجريحة؛ فهل هذه مقاومة؟
  • فريق ماسة
  • 2013-08-13
  • 4773
  • من الأرشيف

بهدوء | حول عودة حماس إلى الأحضان، سؤال عن معنى المقاومة

يدير القيادي الإخواني المصري، محمود عزت (الأخبار، 13 آب 2013) من حصنه الحمساوي في غزة، الحملة الانفصالية في سيناء؛ يتطلّب ذلك سلسلة من التحركات والاتصالات التنسيقية مع منظمات جهادية (تكفيرية) وقبائل ومهرّبين وصفقات تسليح الخ. والهدف إثارة الفوضى في شبه الجزيرة الصحراوية، وفصلها عن مصر، واقعياً، وتحويلها مقراً لخليط من الجماعات المسلحة، يشبه، بالضبط، ذلك الذي يقاتل الدولة السورية، إلا أنه قد يغطي حركته الانفصالية الفوضوية، ببعض العمليات ضد إسرائيل؛ عندها يتحوّل الانفصال إلى «مقاومة»! وقد تجد هذه «المقاومة» مَن يدعمها بحجة أنها تقاتل أو حتى قد تقاتل الإسرائيليين! على المستوى الأمني، سيكون أمام إسرائيل تحد مزعج بالطبع، لكن، على المستوى الاستراتيجي، فإن تفكيك الدولة الوطنية المصرية هو هدف يسيل له لعاب الصهاينة الذين يعرفون أن الانفصال الإسلاموي لسيناء هو جزء من سيرورة حرب أهلية، وليس تأسيساً لقاعدة مقاومة مستحيلة، طالما هي مفصولة عن، ومعادية لـ، عمقها الوطني؛ لذلك لا يأكل الوطنيون المصريون الجوز الفارغ لشعارات المقاومة الحمساوية، ولديهم القدر الكافي من الجرأة على إدانة حماس، بوصفها عضوا في الحلف الإسلاموي الذي قرر، برضا أميركي غربي، شنّ الحرب على الدولة الوطنية والجيش الوطني في مصر، في طبعة جديدة لاستراتيجية التمكين الإخواني، بالقوة بدلا من الصناديق، ومن خلال العودة إلى شعارات «المقاومة»، بدلا من رسائل الغرام مع العدو الإسرائيلي. أما نحن، فسيكون علينا أن نهلّل لاستعادة الفصيل المقاوم إلى الأحضان الدافئة! ما هي المقاومة؟ يبدو أننا مضطرون للعودة، مرة بعد مرة، لطرح هذا السؤال التأسيسيّ؛ فمن دون الإجابة عليه، سنظل أسرى الفوضى الفكرية والسياسية والنزعات والتوجهات التكتيكية التي قد تحقق نتائج ميدانية قصيرة المدى، وإنما جموداً استراتيجياً. هل المقاومة منظمات مسلحة أم نهج ؟ أهي صراع جزئي في معارك صغيرة أم هي صراع كلّي في حرب مصيرية؟ حماس حركة مسلحة حازت، منذ انطلاقتها، كثرة من الاستشهاديين، وقد استخدمتهم، خصوصاً في النصف الثاني من التسعينيات، للقيام بسلسلة من التفجيرات ضد أهداف اسرائيلية. فهل كانت تلك مقاومة؟ في تلك الأوقات، كانت قيادة حماس تقيم في عمّان، وتحظى بالتغطية السياسية والأمنية من قبل الاستخبارات الأردنية، بينما حظي خالد مشعل بالرعاية الشخصية الأبوية للراحل الملك حسين. وقد أقام الدنيا وأقعدها حين حاول الموساد الاسرائيلي اغتيال مشعل في العاصمة الأردنية بأداة مسمومة (تشرين الأول 1997)، حتى أنه هدّد بإلغاء المعاهدة الأردنية ــــ الإسرائيلية إذا لم يزوِّد الإسرائيليون، عمان، بالمعلومات عن السمّ القاتل والترياق المضاد له. وقد حدث، وحدث فوقه حصول الأردنيين على الاعتذار، وعلى حرية مؤسس حماس، الشيخ أحمد ياسين. سؤالي الآن حول تلك العمليات الاستشهادية؛ هل كانت تتم من دون الغطاء السياسي والرضا ــــ وربما التعاون ــــ من لدن السلطات الأردنية التي لم تكن تخفي، بل تجاهر باستضافتها ودعمها للقيادة الحمساوية في العاصمة الأردنية؟ كان الملك حسين لاعباً اقليمياً قديراً وجريئاً، وكان، هو الذي مات من دون أن يتخلى عن طموحه في استرداد الضفة والقدس إلى مملكته، قد وجد، في حماس، الأداة الملائمة لتحطيم السلطة الفلسطينية الناجمة عن اتفاقية أوسلو 1993، بقيادة ياسر عرفات، وذلك من خلال عمليات تُظهر عدم قدرة فتح على الوفاء بالتزاماتها الأمنية. و... نقطة على آخر السطر؛ فهل كانت تلك مقاومة؟ كانت هناك عمليات استشهادية كبرى، وكان هناك استشهاديون أبطال، إنما كانت العمليات والبطولات تتم في سياق لعبة أمم لا علاقة لها بالمقاومة كنهج ورؤية وتراكم بنائي نحو التحرير وإعادة بناء فلسطين، الدولة الوطنية المنتهكَة والمجتمع الفلسطيني الممزّق بالتشريد. في الـ 1999، رحل الملك حسين، ورحلت معه سياساته الفلسطينية؛ فالملك الجديد، عبدالله الثاني، كفّ عن اللعبة الهاشمية القديمة، وتصالح مع توجهات الدولة الأردنية العميقة، القاضية بوضع حدّ للتدخّل الأردني في الشؤون الفلسطينية. هكذا انتهت وظيفة حماس بالنسبة للنظام الأردني، ولم يعد مستعدا لتحمّل أعباء وجود قياداتها ومكاتبها في عمّان، فجرى طردهم منها، حينها احتضنتهم دمشق. مذ ذاك، منح السوريون (والإيرانيون وحزب الله) حماس ما مكّنها من تعظيم قدراتها في السياسة والسلاح والصناديق، حتى الاستيلاء على السلطة في غزة. وفي ليلة ظلماء، وجهت حماس، الطعنة الأكثر غدراً لسوريا وحلفائها، ورفع رئيس مكتبها السياسي، مشعل، راية الانتداب الفرنسي إلى جانب العلم المقدس لفلسطين الجريحة؛ فهل هذه مقاومة؟

المصدر : الماسة السورية/ ناهض حتر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة