تعتمد المؤسسات الدولية رقم 2 دولار شهرياً للفرد باعتباره حد الفقر الأعلى أو ما يسمّى الإملاق النسبي، وتعتمد رقم دولار واحد حداً للفقر الأدنى أو الإملاق المطلق، فهل تصح هذه الأرقام بالنسبة إلى سوريا؟

دمشق إن حساباً أولياً ينطلق من كون متوسط عدد أفراد العائلة السورية هو خمسة أفراد، بنسبة إعالة 1/5، أي معيل واحد لكل أسرة، ويعتمد أرقام الأمم المتحدة لخط الفقر الأعلى، ينتج منه أن الأسرة السورية تحتاج شهرياً إلى «30 * 5 * 2 = 300$». وباعتماد الرقم الحالي لسعر الدولار، أي حوالى 180 ليرة سورية، فإن هذا يعني أن الأسرة السورية تحتاج شهرياً إلى مبلغ «300 * 180 = 54000 ليرة»، لكي تعيش على الحد الأعلى للفقر، وتحتاج إلى نصف هذا المبلغ، أي 27000 ليرة شهرياً لتعيش على الحد الأدنى للفقر.

فإذا كان متوسط أجور العاملين في القطاع العام في سوريا هو 22500 ليرة بعد الزيادة الأخيرة، ومن المعلوم أن متوسط أجور القطاع الخاص أدنى من ذلك بكثير، يمكن القول إن الغالبية العظمى من العاملين بأجر في سوريا تعيش اليوم تحت الخط الأدنى للفقر، أي إنهم يعيشون حالة الإملاق المطلق.

 

حسابات إضافية

 

حدّد المكتب المركزي للإحصاء التابع للحكومة السورية الحد الأدنى لأجور القطاع العام بمبلغ 11000 ليرة سورية تقريباً، وذلك قبل الزيادة الأخيرة التي وزعت وفق أربع شرائح هي على التوالي «40% للعشرة آلاف الأولى من الراتب، 20% للعشرة آلاف الثانية، 10% للعشرة الثالثة، و5% لما فوق ذلك»، وبلغ متوسط الزيادة 30% من الأجور. وحدد مبلغ 7000 ليرة سورية حداً أدنى لأجور القطاع الخاص، لتصبح الأرقام بعد الزيادة كالآتي: الحد الأدنى في القطاع العام هو 15200، وفي القطاع الخاص 9800 ليرة. ويفترض هذا الحساب أن تطبيق الزيادة مضمون في القطاع الخاص مع أن الوقائع تشير حتى الآن إلى غير ذلك. إن الحد الأدنى للأجور في كل من القطاعين العام والخاص ينخفض عن حد الخط الأدنى للفقر بحدود النصف.

 

الحد الأدنى لمستوى المعيشة

 

تنطلق الحسابات السابقة من أرقام الأمم المتحدة حول حدّي الفقر بالمقارنة مع الأجور الاسمية للقطاعين العام والخاص، لكنّ حساباً أكثر دقة وأكثر «سوريةً» يجب إجراؤه! إنه البحث عن الحد الأدنى الحقيقي لمستوى المعيشة انطلاقاً من السوق السورية قبل أي مقارنات أخرى.

وحدّدت الحكومة السورية عام 2010 الحد الأدنى لمستوى المعيشة لأسرة من خمسة أفراد بمعيل واحد برقم 25000 ليرة، ولم تبيّن، حينها، الآلية التي حسبت على أساسها هذا الرقم، ولكن المعروف أن الحد الأدنى يحسب انطلاقاً من سلة الاستهلاك التي تحدد التناسبات الأساسية بين السكن والغذاء والحاجات الأخرى الأساسية، وتجري بعد ذلك مسحاً دورياً لتكلفة هذه السلة بالأسعار الجارية، وتحسب بالتالي الحد الأدنى لمستوى المعيشة بشكل دوري، وهنا مشكلة أخرى.

ويردّ بعض الباحثين الاقتصاديين السوريين مشكلة حساب الحد الأدنى لمستوى المعيشة إلى طريقة حكومة عطري _ الدردري في تصميم السلة الاستهلاكية، والتي لم تتغير بشكل جذري حتى الآن. وفي هذا السياق قدّمت الباحثة السورية عشتار محمود دراسةً حول سلة استهلاك جديدة قدرت سعرها الجاري بحدود 11000 ليرة سورية، أي بحدود 55000 ليرة للعائلة شهرياً، وأعادت حساب توزيع الثروة (الدخل الوطني) في سوريا فوصلت إلى نتيجة تقول: «الدخل الوطني السوري يتوزع اليوم على شكل 20% لمصلحة أصحاب الأجور، في مقابل 80% لمصلحة أصحاب الأرباح». الأمر الذي يعبّر عن درجة عالية من تمركز الثروة، قد تكون أحد أهم أسباب ما يجري في سوريا اليوم.

 

حلول جذرية!

 

يقترح باحثون اقتصاديون حلاً مركباً لهذه المشكلة التي تضع حسب بعض التقديرات أكثر من 70% من السوريين تحت خط الفقر. وينطلق الحل من أن لا إمكانية لسحب هؤلاء الـ70% من تحت خط الفقر إلا بتراكم أمرين: الأول هو تحقيق أرقام نمو عالية تصل إلى 12% سنوياً، والثاني هو زيادة مباشرة 100% للأجور يجري تحصيلها من موارد الفساد التي تصل حسب أرقام ما قبل الأزمة إلى 1000 مليار ليرة سورية سنوياً. وتحقيق الأمرين يضمن حلاً في غضون 7 إلى 10 سنوات. وإن تحقيق رقم نمو بهذا الحجم يحتاج إلى تضخيم عاملَيْ النمو، أي التراكم والعائدية، وهذا بدوره يحتاج إلى تضخيم الموارد من جهة وإلى رفع سوية تعقيد الإنتاج من الجهة الأخرى.

أما عن تضخيم الموارد، فيقترح الباحث الاقتصادي، معن خالد، وضع يد الدولة على شركات الاتصال الخلوي التي تبلغ أرباحها أرقاماً فلكية، إضافةً إلى وضع يدها على كامل الاستثمارات الأوروبية والأميركية، وتحديداً في القطاع النفطي، إلى جانب وضع حدّ نهائي لعمليات المضاربة المالية لتثبيت الوذمة التضخمية عند حدودها الحالية لتكون نقطة الصفر في الانطلاق نحو الحل. يتضح ممّا سبق أن حلول المشكلات الاقتصادية الكبرى في سوريا، حتى في مقاربة اقتصادية بحتة، لا يمكن أن تمر إلا عبر عملية سياسية واسعة. فإيقاف الوذمة التضخمية لن يمر دون قرارات سياسية تعاكس قرارات الانفتاح وتحرير التجارة التي اعتمدت خلال العقد الماضي، ووضع اليد على موارد الفساد لن يمر هو الآخر إلا بقرار سياسي ينتجه ميزان قوى داخلي جديد، وبانتظار الوصول إلى ميزان القوى الجديد فإن المعاناة ستستمر.

 

  • فريق ماسة
  • 2013-07-24
  • 13371
  • من الأرشيف

توزيع الثروة وخط الفقر السوري

تعتمد المؤسسات الدولية رقم 2 دولار شهرياً للفرد باعتباره حد الفقر الأعلى أو ما يسمّى الإملاق النسبي، وتعتمد رقم دولار واحد حداً للفقر الأدنى أو الإملاق المطلق، فهل تصح هذه الأرقام بالنسبة إلى سوريا؟ دمشق إن حساباً أولياً ينطلق من كون متوسط عدد أفراد العائلة السورية هو خمسة أفراد، بنسبة إعالة 1/5، أي معيل واحد لكل أسرة، ويعتمد أرقام الأمم المتحدة لخط الفقر الأعلى، ينتج منه أن الأسرة السورية تحتاج شهرياً إلى «30 * 5 * 2 = 300$». وباعتماد الرقم الحالي لسعر الدولار، أي حوالى 180 ليرة سورية، فإن هذا يعني أن الأسرة السورية تحتاج شهرياً إلى مبلغ «300 * 180 = 54000 ليرة»، لكي تعيش على الحد الأعلى للفقر، وتحتاج إلى نصف هذا المبلغ، أي 27000 ليرة شهرياً لتعيش على الحد الأدنى للفقر. فإذا كان متوسط أجور العاملين في القطاع العام في سوريا هو 22500 ليرة بعد الزيادة الأخيرة، ومن المعلوم أن متوسط أجور القطاع الخاص أدنى من ذلك بكثير، يمكن القول إن الغالبية العظمى من العاملين بأجر في سوريا تعيش اليوم تحت الخط الأدنى للفقر، أي إنهم يعيشون حالة الإملاق المطلق.   حسابات إضافية   حدّد المكتب المركزي للإحصاء التابع للحكومة السورية الحد الأدنى لأجور القطاع العام بمبلغ 11000 ليرة سورية تقريباً، وذلك قبل الزيادة الأخيرة التي وزعت وفق أربع شرائح هي على التوالي «40% للعشرة آلاف الأولى من الراتب، 20% للعشرة آلاف الثانية، 10% للعشرة الثالثة، و5% لما فوق ذلك»، وبلغ متوسط الزيادة 30% من الأجور. وحدد مبلغ 7000 ليرة سورية حداً أدنى لأجور القطاع الخاص، لتصبح الأرقام بعد الزيادة كالآتي: الحد الأدنى في القطاع العام هو 15200، وفي القطاع الخاص 9800 ليرة. ويفترض هذا الحساب أن تطبيق الزيادة مضمون في القطاع الخاص مع أن الوقائع تشير حتى الآن إلى غير ذلك. إن الحد الأدنى للأجور في كل من القطاعين العام والخاص ينخفض عن حد الخط الأدنى للفقر بحدود النصف.   الحد الأدنى لمستوى المعيشة   تنطلق الحسابات السابقة من أرقام الأمم المتحدة حول حدّي الفقر بالمقارنة مع الأجور الاسمية للقطاعين العام والخاص، لكنّ حساباً أكثر دقة وأكثر «سوريةً» يجب إجراؤه! إنه البحث عن الحد الأدنى الحقيقي لمستوى المعيشة انطلاقاً من السوق السورية قبل أي مقارنات أخرى. وحدّدت الحكومة السورية عام 2010 الحد الأدنى لمستوى المعيشة لأسرة من خمسة أفراد بمعيل واحد برقم 25000 ليرة، ولم تبيّن، حينها، الآلية التي حسبت على أساسها هذا الرقم، ولكن المعروف أن الحد الأدنى يحسب انطلاقاً من سلة الاستهلاك التي تحدد التناسبات الأساسية بين السكن والغذاء والحاجات الأخرى الأساسية، وتجري بعد ذلك مسحاً دورياً لتكلفة هذه السلة بالأسعار الجارية، وتحسب بالتالي الحد الأدنى لمستوى المعيشة بشكل دوري، وهنا مشكلة أخرى. ويردّ بعض الباحثين الاقتصاديين السوريين مشكلة حساب الحد الأدنى لمستوى المعيشة إلى طريقة حكومة عطري _ الدردري في تصميم السلة الاستهلاكية، والتي لم تتغير بشكل جذري حتى الآن. وفي هذا السياق قدّمت الباحثة السورية عشتار محمود دراسةً حول سلة استهلاك جديدة قدرت سعرها الجاري بحدود 11000 ليرة سورية، أي بحدود 55000 ليرة للعائلة شهرياً، وأعادت حساب توزيع الثروة (الدخل الوطني) في سوريا فوصلت إلى نتيجة تقول: «الدخل الوطني السوري يتوزع اليوم على شكل 20% لمصلحة أصحاب الأجور، في مقابل 80% لمصلحة أصحاب الأرباح». الأمر الذي يعبّر عن درجة عالية من تمركز الثروة، قد تكون أحد أهم أسباب ما يجري في سوريا اليوم.   حلول جذرية!   يقترح باحثون اقتصاديون حلاً مركباً لهذه المشكلة التي تضع حسب بعض التقديرات أكثر من 70% من السوريين تحت خط الفقر. وينطلق الحل من أن لا إمكانية لسحب هؤلاء الـ70% من تحت خط الفقر إلا بتراكم أمرين: الأول هو تحقيق أرقام نمو عالية تصل إلى 12% سنوياً، والثاني هو زيادة مباشرة 100% للأجور يجري تحصيلها من موارد الفساد التي تصل حسب أرقام ما قبل الأزمة إلى 1000 مليار ليرة سورية سنوياً. وتحقيق الأمرين يضمن حلاً في غضون 7 إلى 10 سنوات. وإن تحقيق رقم نمو بهذا الحجم يحتاج إلى تضخيم عاملَيْ النمو، أي التراكم والعائدية، وهذا بدوره يحتاج إلى تضخيم الموارد من جهة وإلى رفع سوية تعقيد الإنتاج من الجهة الأخرى. أما عن تضخيم الموارد، فيقترح الباحث الاقتصادي، معن خالد، وضع يد الدولة على شركات الاتصال الخلوي التي تبلغ أرباحها أرقاماً فلكية، إضافةً إلى وضع يدها على كامل الاستثمارات الأوروبية والأميركية، وتحديداً في القطاع النفطي، إلى جانب وضع حدّ نهائي لعمليات المضاربة المالية لتثبيت الوذمة التضخمية عند حدودها الحالية لتكون نقطة الصفر في الانطلاق نحو الحل. يتضح ممّا سبق أن حلول المشكلات الاقتصادية الكبرى في سوريا، حتى في مقاربة اقتصادية بحتة، لا يمكن أن تمر إلا عبر عملية سياسية واسعة. فإيقاف الوذمة التضخمية لن يمر دون قرارات سياسية تعاكس قرارات الانفتاح وتحرير التجارة التي اعتمدت خلال العقد الماضي، ووضع اليد على موارد الفساد لن يمر هو الآخر إلا بقرار سياسي ينتجه ميزان قوى داخلي جديد، وبانتظار الوصول إلى ميزان القوى الجديد فإن المعاناة ستستمر.  

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة