دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
العالمون ببواطن الأمور في تركيا لم يفاجأوا بالصيف التركي الحارق في وجه حكومة "العدالة والتنمية" برئاسة رجب طيّب أردوغان، وبعضهم يقول إنّ أردوغان لم يكن يدرك أنّ بيته من زجاج حين بدأ يرشق سوريا بالحجارة، متناسياً أنّ من يحفر حفرة الطائفية لأخيه سرعان ما يقع فيها.ويضيف هؤلاء العالمون ان اردوغان تصرّف خلال الازمة السورية كرئيس حزب لا كرئيس دولة، فخسرت الدولة ولم يربح الحزب، بينما كان في سياسته السابقة إزاء دمشق يتصرّف كرئيس دولة فجنت دولته وحزبه كثيراً من تلك السياسة.
ويتردّد المراقبون في تفسير ما شهدته المدن التركية الكبرى من احتجاجات وتظاهرات في الأيام الأخيرة، فبعضهم يعتقد أنها حراك داخلي عفوي يعبّر عن مجموعة احتقانات يعيشها المواطن التركي، سواء في العلاقات بين مكوّنات المجتمع التركي المتعدّدة، أو حتى في اختناقات بدأت تطل على المشهد الاقتصادي نفسه الذي كان التطور فيه هو السند الاكبر لحكومة اردوغان.
أمّا البعض الآخر فيعتبر ان اردوغان قد بدأ يتصرّف على نحو يفوق حجمه ودوره، ويقدّم نفسه، حتى امام حلفائه، طاووساً يصدر التعليمات هنا وهناك ويظهر تمرّداً محدوداً تجاه هذا الحليف الكبير أو ذاك.
ويشبّه مؤرخون وضع اردوغان الراهن بوضع محمد علي باشا وابنه ابراهيم اللذين شجّعهما الغرب على منافسة الدولة العثمانية، لكن حين دقت جيوشهما ابواب الأناضول انقلب الحلفاء عليهما وأعادوهما الى حجمهما داخل مصر.
ويؤكد المؤرخون هنا ان درس التاريخ الرئيسي في هذه المنطقة من العالم هو ان الغرب لا يريد أقوياء، حتى ولو كانوا حلفاءه، فلكل واحد منهم سقف يحدده له هذا الغرب، ولا يسمح له بتجاوزه.
ولا يستبعد المراقبون ان يكون هناك تزامن بين التقارب الروسي ـ الاميركي حول حلّ سياسي في سوريا، وبين التظاهرات التركية، خصوصاً بعدما اتضح ان اردوغان ما زال يصغي الى نصائح وزير خارجيته احمد داود اوغلو الذي أوحى إليه ان المنطقة العربية والإسلامية قد سقطت في يديه، وأن مسألة وقت تفصل بينه وبين تنصيبه خليفة في المنطقة على رغم استمرار تمسكه بعلمانية أتاتورك، وبالتالي صدّق قول داود اوغلو له أنه يستطيع ان يكون إسلامياً وعلمانياً في آن معاً، وحاكماً أتاتوركياً في انقرة، وخليفة للمسلمين من طنجة الى جاكرتا.ولقد نجم عن نظريات داود اوغلو إنتقال تركيا من "استراتيجية صفر مشكلات" الى "استراتيجية صفر حلول" لكل المشكلات التي تواجهها.
ويضيف المراقبون ان فشل اردوغان بالتزامه تعهداته تجاه الغرب في جرّ سوريا الى موقع سياسي آخر بعيداً عن إيران وحزب الله، على رغم وعوده آنذاك، قد اقترن اليوم بفشل آخر وهو عجزه عن إسقاط النظام السوري بعدما وعد القاصي والداني بإسقاطه قبل عامين في رمضان آنذاك، وها هو النظام يزداد قوة وهو على أبواب رمضان الثالث.
ومن مظاهر فشل اردوغان ايضاً في الموضوع السوري فشله في لملمة شمل المعارضة السورية الموالية له حين جمع اطرافها مرات عدة في فنادق اسطنبول ولم يستطع الخروج منها بقرار واحد، سواء كان اتفاقاً على رئيس بالأصالة او على حكومة أُعلن عن رئيسها الذي انتهت مهمته مع حضوره قمة الدوحة. كذلك عجز عن إقناع حلفائه في "الاخوان المسلمين" بتوسيع الائتلاف السوري المعارض ليصبح اكثر توازناً بين الاسلاميين وغير الاسلاميين.
ويردّ المراقبون هذا الفشل الأردوغاني المثلّث في قضية المعارضة السورية الى انّ اردوغان اختار قطر حليفاً رئيسياً له بدلاً من المملكة العربية السعودية، متجاهلاً ما لهذه المملكة من نفوذ ماليّ واستراتيجي داخل الخليج وخارجه.
ولقد تراكمت هذه الاخطاء، وربّما الخطايا، ولم ينجح اردوغان في ان يقدّم نفسه قائداً جديراً بأن يكون المتعهد الاكبر للسياسة الغربية والاطلسية في المنطقة، لا بل إنّه، حسب المراقبين، كان يصمّ أُذنيه امام رسائل أميركية متعدّدة تؤكّد له أن لا تدخّل عسكرياً غربيّاً في سوريا، ولم يفهم معنى تخلّي الحلف الاطلسي، ومن ورائه واشنطن عنه يوم اسقطت الدفاعات الجوّية السورية طائرة تركية مقاتلة، فبقي مكابراً ينتقل من خطأ في التقدير الى خطأ آخر، ومن خطأ في الممارسة الى خطأ اكبر، ولم يتذكّر أنّ السياسة الغربية لا تعرف العواطف، ناهيك عن السياسة عموما، "فأنت مرغوب ما دمت تنفّذ المطلوب منك بنجاح، ولكنّك حين تفشل تتحوّل عبئاً ينبغي التخلّص منه".
فهل آن أوان التخلّص من اردوغان الذي تجاوز حدوده؟ أم المطلوب هو تحجيمه وتذكيره بالحدود التي ينبغي عليه ان لا يتجاوزها؟
من مفارقات الزمن أن يضع اردوغان نفسه في الموقف ذاته الذي كان يتّهم به "صديقه" الرئيس بشّار الاسد، ولكن من دون الاعتماد على حلفاء أقوياء كما هي حال النظام السوري.
وفي كلّ الحالات يبدو أنّ أصداء معركة القصير قد بدأت تدقّ أبواب اسطنبول، وأنّ رسالة رئيس الائتلاف السوري بالوكالة جورج صبرا إلى رئيس مجلس النواب نبيه برّي "هي شكل من اشكال رفع العلم الابيض، ليس في القصير وحدها، وإنما في عموم سوريا"، على حدّ قول اصدقاء دمشق.
المصدر :
الماسة السورية/ الجمهورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة