دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
اذا كان دخول حزب الله العلني الى جانب النظام في الحرب الدائرة في سورية، ولعب عناصره المقاتلة دورا في استعادة مدينة القصير وجوارها من قوات المعارضة يشكل نقطة تحول رئيسية، فإن اجتماع الدوحة لدول "الاصدقاء " الذي انعقد يوم امس الاول (السبت) سيشكل نقطة تحول اخرى في هذا الصراع لا تقل اهمية، وربما ستؤدي قرارات هذا الاجتماع، في حال تطبيقها، الى اشعال فتيل حرب اقليمية، وتطلق العنان لموجات ارهابية انتقامية تستهدف منطقة الخليج العربي على وجه الخصوص.
من الواضح ان الدول الخليجية المشاركة في هذا الاجتماع باتت في وضع مقلق، بسبب تلكؤ الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في التدخل العسكري المباشر، ولذلك قررت المقامرة بالقاء كل ثقلها خلف المعارضة السورية المسلحة، وتزويدها بالاسلحة الحديثة المتطورة، وخاصة الصواريخ المضادة للطائرات المحمولة على الكتف لإنهاء السيطرة الجوية للنظام.
نؤكد للمرة الاخيرة، بأن قطر والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، ما كانتا لتتورطا في الحرب في سورية، لو كانت قيادتهما تدركان جيدا انها ستطول لعامين، وان الجيش السوري سيصمد، ويستمر في دعم نظام الرئيس بشار الاسد.
الدول الخليجية ومعها 150 دولة شاركت في الاجتماع الاول لأصدقاء سورية في تونس، وبعدها في اسطنبول، بقيادة الولايات المتحدة، ارتكبت خطأ فظيعا في الحسابات عندما اعتقدت ان النظام السوري سيسقط بسرعة وفي غضون اسابيع او اشهر على الاكثر، وانها ستكون في مأمن من اي تداعيات داخلية او اقليمية.
ربما يفيد التذكير بأن صواريخ ‘مان باد’ التي ارسلتها المملكة العربية السعودية الى الجيش الحر ستلعب الدور نفسه الذي لعبته صواريخ ‘ستنغر’ الامريكية المضادة للطائرات التي غيرت معادلات القوة على الارض في افغانستان لمصلحة المجاهدين الافغان، وادت الى الحاق هزيمة مذلة بالقوات السوفييتية.
حمد بن جاسم رئيس الوزراء، وزيرلخارجية القطري اعلن في مؤتمر صحافي عقده في الدوحة في ختام اجتماعات اصدقاء سورية (لاحظوا انها انكمشت من 150 الى 11 دولة فقط) ‘ان ارسال اسلحة للمعارضة لمحاربة القوات السورية هو السبيل الوحيد لانهاء الحرب’، مضيفا ‘ان القوة ضرورية لإقرار العدل، وان ارسال اسلحة هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام في سورية’.
ان هذه الاسلحة المتطورة قد لا تنقل الحرب من ميادينها الحالية ضمن الحدود السورية فقط، بل الى دول الجوار والمنطقة العربية بأسرها، لان ‘الاصدقاء’، الذين ربما جرى نسيانهم سهوا او تغافلا، قد لا يقفون مكتوفي الايدي اذا بدأت طائرات النظام تتهاوى بفعل دقة ونجاعة الصواريخ الحديثة هذه، ونأمل ان نكون مخطئين لاننا نريد وقف هذه الحرب وليس توسعها.
بدء دول الخليج العربي بترحيل المواطنين اللبنانيين المتهمين بالولاء لحزب الله اللبناني، دليل واضح على ان هذه الدول تتوقع اعمالا ارهابية على اراضيها ومصالحها في المستقبل القريب، وتخشى ان يكون بعض هؤلاء، في ظل التحريض الطائفي المتبادل والمتصاعد، خلايا نائمة.
واذا صحت بعض التقارير الاخبارية التي نشرت في صحف الخليج العربي، وتتحدث عن وجود 4000 "شيعي" لبناني على قوائم الترحيل، فإن هذا يعني بدء العد التنازلي للحرب او الارهاب، او الاثنين معا. ولعل اعلان الكويت النأي بنفسها كليا عن عمليات تسليح المعارضة السورية، جرس انذار في هذا الخصوص.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو ان حكومات الدول الخليجية يمكن ان ترحّل مواطنين لبنانيين من ابناء الطائفة الشيعية، ولكن ماذا ستفعل بمواطنيها من معتنقي المذهب نفسه، ويصل تعدادهم في بعض الدول الى اكثر من النصف، مثلما هو الحال في البحرين، والثلث او اكثر مثلما تقول احصاءات غير رسمية كويتية؟
الايام والاسابيع المقبلة تبعث على القلق، لان القوى الاقليمية والدولية الكبرى المتصارعة على الارض السورية باتت تضع مصالحها فوق مصالح الشعب السوري وطموحاته في الحرية والديمقراطية، ..ولهذا ستقاتل حتى النهاية.
روسيا التي هزمتها صواريخ ‘ستنغر’ الامريكية في افغانستان ربما لن تسمح بصواريخ ‘مان باد’ بهزيمتها وحلفائها في سورية، ..
جميع الاطراف تتسلح في سورية، النظام والمعارضة، وجميع الدول تقريبا تتدخل في هذا البلد المنكوب، ايران وحزب الله وروسيا من جهة، وامريكا والاردن وتركيا ودول الخليج من الجهة الاخرى،..
ولعل ما هو اخطر مما تقدم، الدعوة التحريضية الشرسة التي اطلقها بالامس الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند اثناء زيارته للدوحة، وحثّ فيها المعارضة السورية المسلحة على استعادة السيطرة على المناطق التي تسيطر عليها الجماعات الاسلامية الجهادية، باعتبارها (اي الاستعادة هذه) اكثر اولوية من استعادة المناطق التي يسيطر عليها الجيش العربي السوري.
الحجة التي يستند اليها الرئيس الفرنسي لتبرير طرد هذه الجماعات هي انها توفر الاسباب للنظام السوري للاستمرار في "عمليات القتل"،
المستر هولاند لم يقل لنا اين سيطرد هذه الجماعات الى الاردن، ام الى تركيا، الدولتين اللتين تسللت منهما، ام الى الدول الاصلية التي انطلق منها المقاتلون للجهاد في سورية، مثل تونس والسعودية والاردن واليمن، والقائمة تطول؟
انه مشروع فتنة جديدة، بين الجيش الحر ورفاق سلاحه، يضاف الى مشروع فتنة التحريض الطائفي المتأججة، وهناك في ظل هذه المتاهة الدموية من يتحدث عن حل سياسي ومؤتمر جنيف الثاني، ويعتقد ان ارسال الاسلحة الحديثة للمعارضة سيقود الى السلام.
المصدر :
القدس العربي /عبد الباري عطوان
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة