احتسب "حزب الله" النتائج التي تترتب عن مشاركته في الحرب السورية، فاكتشف المسؤولون فيه أن التداعيات على الرغم من ميلها إلى السلبية، فإنها "أهون الشرور".

لكن كثراً من معارضي هذا التوغّل في "حرب الآخرين" يطرحون السؤال: هل كان "حزب الله" بانخراطه في الازمة السورية الى جانب نظام الرئيس بشار الأسد، ينظر للأمر من زاوية نفعية ضيقة؟

لا يفتقد الحزب الشيعي الأبرز الذي تتربّص به التهديدات من كلّ حدب وصوب إلى حجج يرفعها في وجه من يلومونه على إغراق نفسه والطائفة الشيعية ولبنان في مصير مجهول، واستدعاء تهديدات غير تقليدية من "المعارضات" السورية المختلفة، فضلاً عن "رجم" عربي وخليجي لمشاركته في حرب يُقتل فيها مقاتلون من لون طائفي معيّن ما يؤجج الصراع المذهبي في المنطقة، وسيف أوروبي مصلت بسبب الطلب البريطاني الفرنسي للاتحاد الأوروبي بإدراج ما يسمّيانه "الجناح العسكري" للحزب على لائحة الإرهاب الأوروبية، إلى ملاحقات متصاعدة لمؤيديه حول العالم وتضييق على الساحة الاغترابية وتجميد أموال وحديث متصاعد عن "لوائح" ترحيل متلاحقة.

يرفض "حزب الله" بحسب ما تظهّر أوساط قريبة منه صفة "النفعية الضيقة" ويأبى تهمة "تقديم مصلحة الحزب على مصلحة لبنان واللبنانيين"، وتقول هذه الأوساط "لو لم يقم حزب الله متأخراً بهذه الخطوة، لكان الأمر أكثر خطورة".

بصعوبة يتجنب المسؤولون في "حزب الله" المباهاة بـ"النصر" الذي تحقق في القصير، لكن الأمر يظهر جلياً في الرّد على ما يعتبرونه "تهويلاً" ضد حزبهم: "الضغوط التي تمارس ضدّ "حزب الله" لا تهدف إلى ضرب الحزب أو إسقاطه وهذا مستحيل، بل إلى تجويف معنى الانتصار الذي تحقق في القصير".

محّص "العقل الحزبي" النتائج والتداعيات وحتى خواتيم هذه المشاركة الحزبية في الحرب السورية، هذا ما تؤكده أوساط قريبة من "حزب الله"، ولسان حالها "لا شيء جديداً، كل جديد هو قديم".

التهديد الأوروبي بإدراج "حزب الله" على لائحة الإرهاب بجناحه العسكري يعيده منطق "حزب الله" إلى "ضغوط أميركية إسرائيلية قديمة جديدة لم تتوقف يوماً، والحزب ليس معنياً بهذا الأمر".

بالمنطق السياسي لا يمكن أن يكون الحزب غير معني، لكنه يقارب الأمر بهدوء، خصوصاً أمام السفراء الذين ينقلون رسائل حكوماتهم.

القرار الخليجي يمنع التعاون مع أي شخص له علاقة بالحزب هو أيضاً "قديم جديد" من وجهة النظر الحزبية، وهو قرار سابق لحرب القصير وحلب، ويعود إلى حرب تموز 2006. لا ينسى "حزب الله" الفتاوى والخطب القاسية بحق المقاومة، "ومن يهدّد بإدراجنا على لوائح الإرهاب من دول الخليج وصف المقاومة يوماً بأنها "مجموعة مغامرة".

لا تقبل الأوساط القريبة من "حزب الله" القول بتراجع شعبية الحزب وأمينه العام السيّد حسن نصرالله لدى الجمهور العربي "إنها بروباغندا"، لأن ما يتظهّر من الرأي العام العربي ينسجم مع سياسة التكفير الرائجة والانقسام حيال سوريا".

أما التهديد بـ"لوائح الترحيل" من بعض الدول الخليجية، "فهي تحصل منذ أعوام بأسلوب معلن أو بصمت وليس بينهم منتسب واحد للحزب".

أما إجلاء الرعايا الخليجيين والسعوديين تحديداً من لبنان "فشأن يخصّ هذه الدول وهو أحد أدوات الضغط"، بحسب الأوساط القريبة من "حزب الله".

الواقع أنه على الرغم من النقاش المتداول لبنانياً حول مخالفة "إعلان بعبدا" الذي أجمع الأطراف اللبنانيون فيه على النأي بلبنان عن الأزمة السورية، فإن أوساط "حزب الله" لا تتردد في تحميل الدولة اللبنانية مسؤولية "التقاعس في معالجة الوضع الشاذ شمالاً وبقاعاً خصوصاً في عرسال"، وتقول: "هذه الدولة لم تدافع حتى عن نفسها في عرسال".

و"الدولة" في "القاموس" المتداول حالياً لـ "حزب الله" تعني رئيس الجمهورية ميشال سليمان، ومن الواضح بأن مواقفه الأخيرة، خصوصاً طلبه من "حزب الله" والسفارة الإيرانية التعاون لكشف ملابسات مقتل الشاب المتظاهر هاشم السلمان لم يلقَ استحساناً لدى الأوساط الحزبية إذ اشتمّ منه اتهام مبطن بالمسؤولية عما حدث. وتسأل الأوساط القريبة من "حزب الله": "لمَ لم يطلب الرئيس تعاون "تيار المستقبل" بعد الاعتداء على الجيش ومقتل الرائد بيار بشعلاني والمعاون ابراهيم زهرمان؟".

وبرأي أوساط "حزب الله" فإن "تقاعس الدولة اللبنانية وتورط أفرقاء لبنانيين في الأزمة السورية والتآمر الدولي الذي جمع المتطرفين وحشدهم على حدود لبنان هي عناصر خلقت بيئة مؤاتية لانتقال عدوى الفوضى السورية إلى لبنان".

تعداد التداعيات السلبية لمشاركة "حزب الله" في الحرب السورية لا يلق أذاناً صاغية لدى المسؤولين فيه:

فتأجيج الصراع المذهبي برأيهم "موجود منذ أعوام طويلة بفعل ما تبثه ماكينة ضخمة إعلامية وسياسية، وخطب مساجد بدأت حتى قبل مقتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري ومضمونها يكفّر طوائف أخرى".

كيف سيعيش مؤيدو "حزب الله" بعد حرب سوريا مع أبناء المنطقة؟

الجواب: "لم تقم ولا مرة واحدة حالة عداوة مع إخواننا السنّة في المنطقة العربية، وقضيتهم المركزية أي فلسطين هي قضيتنا".

وماذا عن إمكان تسلّل متطرفين وقيامهم بعمليات تفجيرية انتقامية؟ تجيب الأوساط القريبة من "حزب الله": "بعض شخصيات 14 آذار تصرّ على التهويل في هذا الموضوع وتستعجل إدراج الحزب على لوائح الإرهاب، وهي عودتنا على التبشير بالحرب الإسرائيلية على الحزب والبلد".

وعن تطرف بعض المجموعات السلفية في لبنان تقول الأوساط: "أي تطرف يبدأ بأكل أصحابه".

"حزب الله" مقتنع بحسب أوساط قريبة منه بأن الهدف الرئيسي هو إسقاط النظام السوري والقضاء بعد ذلك على المقاومة "هم يريدون أن يبقى الحزب مكتوف اليدين كمن يجلس في منزله ويرى حريقاً يشبّ في جواره، من دون أن يتحرك لدرء الأخطار الناجمة عن ذلك".

بالمختصر، درس "حزب الله" الانعكاسات كلّها: "وما نفعله هو خيار العقل والمنطق"، تقول الأوساط القريبة منه قبل أن تذكّر المنتقدين، بأن "حزب الله" انطلق في العام 1982 بعشرات المناصرين، ومنذ تأسيسه يتعرّض للضغوط، ولم يحيا يوماً في ظروف عادية، وبثقافتنا أن الإنسان تشتدّ عزيمته في التجارب القاسية".

  • فريق ماسة
  • 2013-06-16
  • 6772
  • من الأرشيف

حزب الله في سورية: إنها الحرب الوقائية

احتسب "حزب الله" النتائج التي تترتب عن مشاركته في الحرب السورية، فاكتشف المسؤولون فيه أن التداعيات على الرغم من ميلها إلى السلبية، فإنها "أهون الشرور". لكن كثراً من معارضي هذا التوغّل في "حرب الآخرين" يطرحون السؤال: هل كان "حزب الله" بانخراطه في الازمة السورية الى جانب نظام الرئيس بشار الأسد، ينظر للأمر من زاوية نفعية ضيقة؟ لا يفتقد الحزب الشيعي الأبرز الذي تتربّص به التهديدات من كلّ حدب وصوب إلى حجج يرفعها في وجه من يلومونه على إغراق نفسه والطائفة الشيعية ولبنان في مصير مجهول، واستدعاء تهديدات غير تقليدية من "المعارضات" السورية المختلفة، فضلاً عن "رجم" عربي وخليجي لمشاركته في حرب يُقتل فيها مقاتلون من لون طائفي معيّن ما يؤجج الصراع المذهبي في المنطقة، وسيف أوروبي مصلت بسبب الطلب البريطاني الفرنسي للاتحاد الأوروبي بإدراج ما يسمّيانه "الجناح العسكري" للحزب على لائحة الإرهاب الأوروبية، إلى ملاحقات متصاعدة لمؤيديه حول العالم وتضييق على الساحة الاغترابية وتجميد أموال وحديث متصاعد عن "لوائح" ترحيل متلاحقة. يرفض "حزب الله" بحسب ما تظهّر أوساط قريبة منه صفة "النفعية الضيقة" ويأبى تهمة "تقديم مصلحة الحزب على مصلحة لبنان واللبنانيين"، وتقول هذه الأوساط "لو لم يقم حزب الله متأخراً بهذه الخطوة، لكان الأمر أكثر خطورة". بصعوبة يتجنب المسؤولون في "حزب الله" المباهاة بـ"النصر" الذي تحقق في القصير، لكن الأمر يظهر جلياً في الرّد على ما يعتبرونه "تهويلاً" ضد حزبهم: "الضغوط التي تمارس ضدّ "حزب الله" لا تهدف إلى ضرب الحزب أو إسقاطه وهذا مستحيل، بل إلى تجويف معنى الانتصار الذي تحقق في القصير". محّص "العقل الحزبي" النتائج والتداعيات وحتى خواتيم هذه المشاركة الحزبية في الحرب السورية، هذا ما تؤكده أوساط قريبة من "حزب الله"، ولسان حالها "لا شيء جديداً، كل جديد هو قديم". التهديد الأوروبي بإدراج "حزب الله" على لائحة الإرهاب بجناحه العسكري يعيده منطق "حزب الله" إلى "ضغوط أميركية إسرائيلية قديمة جديدة لم تتوقف يوماً، والحزب ليس معنياً بهذا الأمر". بالمنطق السياسي لا يمكن أن يكون الحزب غير معني، لكنه يقارب الأمر بهدوء، خصوصاً أمام السفراء الذين ينقلون رسائل حكوماتهم. القرار الخليجي يمنع التعاون مع أي شخص له علاقة بالحزب هو أيضاً "قديم جديد" من وجهة النظر الحزبية، وهو قرار سابق لحرب القصير وحلب، ويعود إلى حرب تموز 2006. لا ينسى "حزب الله" الفتاوى والخطب القاسية بحق المقاومة، "ومن يهدّد بإدراجنا على لوائح الإرهاب من دول الخليج وصف المقاومة يوماً بأنها "مجموعة مغامرة". لا تقبل الأوساط القريبة من "حزب الله" القول بتراجع شعبية الحزب وأمينه العام السيّد حسن نصرالله لدى الجمهور العربي "إنها بروباغندا"، لأن ما يتظهّر من الرأي العام العربي ينسجم مع سياسة التكفير الرائجة والانقسام حيال سوريا". أما التهديد بـ"لوائح الترحيل" من بعض الدول الخليجية، "فهي تحصل منذ أعوام بأسلوب معلن أو بصمت وليس بينهم منتسب واحد للحزب". أما إجلاء الرعايا الخليجيين والسعوديين تحديداً من لبنان "فشأن يخصّ هذه الدول وهو أحد أدوات الضغط"، بحسب الأوساط القريبة من "حزب الله". الواقع أنه على الرغم من النقاش المتداول لبنانياً حول مخالفة "إعلان بعبدا" الذي أجمع الأطراف اللبنانيون فيه على النأي بلبنان عن الأزمة السورية، فإن أوساط "حزب الله" لا تتردد في تحميل الدولة اللبنانية مسؤولية "التقاعس في معالجة الوضع الشاذ شمالاً وبقاعاً خصوصاً في عرسال"، وتقول: "هذه الدولة لم تدافع حتى عن نفسها في عرسال". و"الدولة" في "القاموس" المتداول حالياً لـ "حزب الله" تعني رئيس الجمهورية ميشال سليمان، ومن الواضح بأن مواقفه الأخيرة، خصوصاً طلبه من "حزب الله" والسفارة الإيرانية التعاون لكشف ملابسات مقتل الشاب المتظاهر هاشم السلمان لم يلقَ استحساناً لدى الأوساط الحزبية إذ اشتمّ منه اتهام مبطن بالمسؤولية عما حدث. وتسأل الأوساط القريبة من "حزب الله": "لمَ لم يطلب الرئيس تعاون "تيار المستقبل" بعد الاعتداء على الجيش ومقتل الرائد بيار بشعلاني والمعاون ابراهيم زهرمان؟". وبرأي أوساط "حزب الله" فإن "تقاعس الدولة اللبنانية وتورط أفرقاء لبنانيين في الأزمة السورية والتآمر الدولي الذي جمع المتطرفين وحشدهم على حدود لبنان هي عناصر خلقت بيئة مؤاتية لانتقال عدوى الفوضى السورية إلى لبنان". تعداد التداعيات السلبية لمشاركة "حزب الله" في الحرب السورية لا يلق أذاناً صاغية لدى المسؤولين فيه: فتأجيج الصراع المذهبي برأيهم "موجود منذ أعوام طويلة بفعل ما تبثه ماكينة ضخمة إعلامية وسياسية، وخطب مساجد بدأت حتى قبل مقتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري ومضمونها يكفّر طوائف أخرى". كيف سيعيش مؤيدو "حزب الله" بعد حرب سوريا مع أبناء المنطقة؟ الجواب: "لم تقم ولا مرة واحدة حالة عداوة مع إخواننا السنّة في المنطقة العربية، وقضيتهم المركزية أي فلسطين هي قضيتنا". وماذا عن إمكان تسلّل متطرفين وقيامهم بعمليات تفجيرية انتقامية؟ تجيب الأوساط القريبة من "حزب الله": "بعض شخصيات 14 آذار تصرّ على التهويل في هذا الموضوع وتستعجل إدراج الحزب على لوائح الإرهاب، وهي عودتنا على التبشير بالحرب الإسرائيلية على الحزب والبلد". وعن تطرف بعض المجموعات السلفية في لبنان تقول الأوساط: "أي تطرف يبدأ بأكل أصحابه". "حزب الله" مقتنع بحسب أوساط قريبة منه بأن الهدف الرئيسي هو إسقاط النظام السوري والقضاء بعد ذلك على المقاومة "هم يريدون أن يبقى الحزب مكتوف اليدين كمن يجلس في منزله ويرى حريقاً يشبّ في جواره، من دون أن يتحرك لدرء الأخطار الناجمة عن ذلك". بالمختصر، درس "حزب الله" الانعكاسات كلّها: "وما نفعله هو خيار العقل والمنطق"، تقول الأوساط القريبة منه قبل أن تذكّر المنتقدين، بأن "حزب الله" انطلق في العام 1982 بعشرات المناصرين، ومنذ تأسيسه يتعرّض للضغوط، ولم يحيا يوماً في ظروف عادية، وبثقافتنا أن الإنسان تشتدّ عزيمته في التجارب القاسية".

المصدر : السفير/ مارلين خليفة


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة