بدا راغباً في الاستماع أكثر منه في الكلام... المفكر الأميركي نعوم تشومسكي حلّ ضيفاً على «السفير» يوم أمس. كان مهتماً في معرفة أدق تفاصيل الوضع في سورية ولبنان ممّن يعيشون المأساة وامتداداتها... بين سؤال وآخر، كان الرجل الثمانيني، حريصاً على معرفة رأي محاوريه في ما آلت إليه الأوضاع بعد أكثر من عامين على «الربيع العربي»، فيما منهجيته في مقاربة القضايا السياسية فرضت نفسها على الحوار، ولعلّ أبرز منطلقاتها أن السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط لم ولن تتبدّل. تطرّق إلى الوضع في الوطن العربي بشكل عام، وإلى سورية ولبنان ومستقبلهما بشكل خاص، لينفذ منهما إلى العلاقات الإقليمية المعقدة وأزمة النظام الرأسمالي.

÷ كيف تنظر إلى السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط بعد أكثر من عامين على الربيع العربي؟

 إنها تشبه إلى حد كبير سياستهم المعتادة. هم يريدون السيطرة على الدول النفطية. هذا الأمر الأكثر أهمية بالنسبة إلى الولايات المتحدة. ويبدو أن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما سعيدة بالسياسة الحالية التي تنتهجها مصر، والتي لم تتغير بالرغم من سقوط نظام حسني مبارك.

أما بالنسبة إلى سورية، فإنّ الولايات المتحدة لم تكن يوماً قريبة من نظام بشار الأسد، باعتبار انه لم يتعاون مع الأهداف الأساسية والحقيقية للسياسة الخارجية الأميركية. إذاً يمكن القول إن لا تغيير جوهرياً في السياسات، في ما عدا أن ثمة دولة وحيدة في المنطقة خسرتها الولايات المتحدة، وهي العراق، والخسارة هناك كانت فادحة.

÷ هل تعتقد أن الولايات المتحدة وجدت في «الإخوان المسلمين» وباقي تيارات الإسلام السياسي حلفاء جدداً في الشرق الأوسط؟ وهل هذا التحالف راسخ بما فيه الكفاية لتأمين المصالح الأميركية في المنطقة؟

طبعاً. وأعتقد أن الولايات المتحدة تتمنى أن تكون هذه التحالفات الجديدة راسخة. لا بد من التذكير أن الولايات المتحدة لم تعارض يوماً الإسلام الراديكالي. على سبيل المثال، السعودية هي حليف أساسي لأميركا. ويبدو أن بريطانيا تسير ايضاً على هذه الخطى في دعمها للقوى الإسلامية الراديكالية.

إذا حرص «الإخوان المسلمون» على الحفاظ على السياسات الاقتصادية القائمة، فأعتقد أن هذا التحالف سيستمر. وحتى الآن، يبدو أن «الإخوان المسلمين» يحافظون على الاستقرار الاقتصادي، كما يراه الأميركيون.

÷ لكن «الإخوان» يخسرون اليوم شعبيتهم...

لا شك أن الإدارة الأميركية تدعم الطرف المسيطر، والذي يدعم مصالح الولايات المتحدة في المنطقة. انطلاقاً من هذه الحقيقة، هم دعموا مبارك حتى اللحظات الأخيرة، لكنهم حوّلوا دعمهم لمصلحة «الإخوان المسلمين» بعدما فقد مبارك شعبيته. وهذا الأمر ينطبق ايضاً على فرنسا وعلاقتها بنظام زين العابدين بن علي في تونس. هذه القوى اعتادت على اتباع هذا النهج: دعم «الديكتاتور المفضل» حتى اللحظات الأخيرة، ويمكن تطبيقه على الحلفاء الجدد.

÷ في حال استمر المسار الانحداري لشعبية «الإخوان المسلمين» وغيرهم من قوى «الإسلام السياسي»، هل تعتقد أن الولايات المتحدة ستحاول إيجاد أحزاب ديموقراطية / مدنية لتقيم تحالفاتها معها؟

اعتقد أن الولايات المتحدة ستستمر في معارضتها لأي حركة ديموقراطية، والسبب في ذلك عدم رغبتها في قيام نظم ديموقراطية معارضة لسياساتها تجاه المنطقة، فالولايات المتحدة، وبسبب سياساتها أوجدت عدواً لها في كل مكان، ومن الطبيعي إذاً أن تكون قلقة إزاء أي نظام ديموقراطي يعكس المزاج الشعبي الرافض لتلك السياسات. عندما تتحدث الولايات المتحدة عن «الأنظمة الديموقراطية»، فهي تقصد بذلك القوى الداعمة للسياسات الأميركية. إذا جرت انتخابات ديموقراطية في هذه الدولة أو تلك، واختار الناخبون حكومة تمثل الرأي العام المعارض للسياسات الأميركية، فإن هذه الانتخابات لن تكون ديموقراطية بالنسبة إلى الإدارة الأميركية، وهو ما حدث، على سبيل المثال، حين فازت حركة حماس في الانتخابات الفلسطينية (2006)، وما حدث بعد ذلك.

÷ هل تستطيع أن ترسم سيناريوهات محتملة لما قد يحصل في سورية؟ سواء في حال بقي الأسد في الحكم، أو في حال نجحت المعارضة في إسقاط نظام الحكم؟

أعتقد أن سورية ستتجزأ، والمناطق الكردية ستتصل بمناطق كردستان العراق.... حتى لو ظل النظام تحت سيطرة الأسد.

÷ تتحدث عن احتمال واحد، وهو بقاء نظام الأسد؟

لا أرى احتمالاً آخر في الوقت الراهن. في حال عقد «مؤتمر جنيف»، وفي حال تعاونت روسيا والولايات المتحدة وإيران لفرض حكومة انتقالية يعطيها الأسد بعضاً من صلاحياته، قد يكون ذلك مدخلا لتنازله عن السلطة... ولكن طالما أن المعارضة ما زالت مصرّة على رحيل الأسد كشرط للدخول في أي مفاوضات، فإن القتال سيستمر وستتلاشى فرص الحل السياسي، أي أن القتال سيستمر. وإذا بقيت الأمور على هذا النحو، ونجح الطرفان في إقامة توازن عسكري على الأرض، فالبلاد ستسير على طريق الانتحار.

÷ تعتقد إذاً أن ثمة خيارين لا ثالث لهما: الحل السياسي أو التقسيم؟

لا أعتقد انه سيكون تقسيماً رسمياً، لكنه مع ذلك سيكون تقسيماً مؤثراً. وأنا أرى أن الأوضاع تسير في هذا الاتجاه.

عندما يستند الصراع إلى أسباب طائفية فإن العداء يكون أكثر قساوة. دعني استعيد هنا تجربة بلفاست (1993) حين تمكّن الكاثوليك والبروتستانت من إنهاء الاقتتال في ما بينهم من خلال الجلوس على طاولة المفاوضات. لقد زرت بلفاست قبل عامين هي تبدو الآن مدينة طبيعية برغم سنوات الاقتتال الطويلة. وبرغم ذلك فإنك تشعر بأن الصراع مستمر. إحدى العلامات اللافتة في الصراع في تلك المدينة، أنك تستطيع معرفة في أي جزء من المدينة أنت. على سبيل المثال، ستجد في الجزء الكاثوليكي غرافيتي «حرروا فلسطين»، في حين ستجد في الجزء البروتستانتي غرافيتي «إدعموا إسرائيل»!

÷ الطائفية لم تكن الدافع الأساسي للصراع في سورية إلا أنها في وقت لاحق أصبحت هي المحرّك. هل تعتقد أن الطائفية سترسم شكل الشرق الأوسط الجديد بما تقتضيه مصالح الولايات المتحدة؟

لا أحد يستطيع أن يحدد ذلك. الطائفية ستتلاشى في نهاية المطاف، فهي ليست ظاهرة قديمة في الشرق الأوسط. قبل الغزو الأميركي للعراق لم يكن أحد ليتوقع أن يتحوّل الصراع هناك إلى صراع طائفي. بالرغم من كل ذلك، اعتقد أنه في حال توافرت النيات الصادقة، وتم تقديم بعض التنازلات المتبادلة، قد تحل هذه المشكلة.

÷ منذ حرب تموز العام 2006، نجحت المقاومة في لبنان في تعزيز قدراتها العسكرية. اليوم، «حزب الله» موجود في سورية لمساندة النظام، بينما إسرائيل تعد العدّة للانقضاض عليه... كيف ترى مستقبل المقاومة اللبنانية بعد انخراط «حزب الله» في الصراع السوري؟.

أرى أن «حزب الله» اليوم في وضع صعب جداً. خلال السنوات الماضية كان الحزب يمثل قوة بناءة بالنسبة إلى البنان. الإسرائيليون يطلقون الآن تهديدات خطيرة. هم يقولون إنهم لن يسمحوا بمرور المساعدات العسكرية إلى «حزب الله». ما يحاولون قوله هو أنهم تعلموا الدروس والعبر من حرب العام 2006، أنهم في المرة المقبلة التي يهاجمون فيها لبنان فإن حربهم ستكون على البر. وإذا قرروا ضرب ايران، وهو أمر ليس مستبعداً، لا بد أن يتخلصوا أولاً من لبنان. اعتقد أن لبنان يعيش اليوم وضعاً خطيراً للغاية، فهو يواجه تهديدات تأتيه من إسرائيل، ويواجه أيضاً تداعيات الوضع المتأزم في سورية. من المثير للاستغراب أنني لم اسمع خلال وجودي هنا أي تعليقات حول التهديدات الاسرائيلية التي تأتي من قيادات عسكرية نافذة.

قد تقرر اسرائيل أن تهاجم لبنان غداً، وإن فعلت ستكون الحرب على امتداد الأراضي اللبنانية. هم لا يريدون وجود الصواريخ. وهناك طريقة وحيدة لردع هذه الصواريخ وهي تدمير لبنان.

÷ هل تعتقد أن ثمة رغبة أميركية في إطالة أمد الصراع في المنطقة؟

أميركا لا تمانع في ذلك على الإطلاق. هم لا يمانعون أن يستمر الاقتتال بين السوريين. ربما لا يتعمّدون ذلك، لكنهم لا يمانعون فيه. الحديث عن عدم تدخل الولايات المتحدة مباشرة في الصراع السوري يبدو مضللاً. لو كانت أميركا فعلا مهتمة بقلب الموازين لمصلحة المعارضة في سورية، فهناك أشياء كان بإمكانها القيام بها. كان بإمكانها السعي لحشد القوات الاسرائيلية على مرتفعات الجولان، عندها ستجبر سورية على حشد قواتها في الجنوب، ولكن ليس هناك أي مؤشر على أنها ستفعل ذلك. هذا يعني أن إسرائيل والولايات المتحدة لا تريدان أن تفوز المعارضة في نهاية المطاف. أما الكلام عن حظر جوي، كما تطلبه المعارضة، فهو مستحيل من الناحية العسكرية، إذ لا يمكن فرض حظر جوي من دون تدمير القوات الجوية وقوات الدفاع الجوي.

÷ كيف نظرت إلى نتائج الانتخابات الرئاسية في إيران؟

يبدو أن ثمة أملاً يلوح في الأفق بعد فوز حسن روحاني، وهو وسطي مقرب من (محمد) خاتمي و(علي أكبر هاشمي) رفسنجاني.

÷ كيف تقيم الدور التركي في الشرق الأوسط في ظل ما يحكى عن مسعى لإقامة «امبراطورية عثمانية» جديدة؟

تركيا تعتبر الآن قوة مؤثرة في المنطقة. هم حاولوا إقامة ما تسمّيه «العثمانية الجديدة». لكن سياسة «صفر مشاكل» التي سعت تركيا لتطبيقها انهارت تماماً. ولا اعتقد انهم يملكون القوة الكافية للتوسع. كان هناك علاقات جيدة بين تركيا وإيران إلا ان المعادلة تغيرت الآن. في بداية الربيع العربي كانت تركيا تعتبر مثالا للديموقراطية لكن ربما الوضع في سورية بدّل هذه النظرة.

÷ ماذا عن مستقبل اسرائيل في ظل هذه التحولات؟

إسرائيل تضع إصبعها في أعين العالم، وكل ما تسعى اليه هو التوسع لا الأمن. وطالما انها تحظى بدعم الولايات المتحدة فهي ستستمر في سياستها، حتى تتغير السياسات الاميركية. اسرائيل اليوم هي الاستثمار الأهم بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وباراك اوباما هو الرئيس الاميركي الاول الذي لم يفرض أي قيود على اسرائيل.

÷ يستعد المصريون للنزول إلى الشارع مجدداً في 30 حزيران للتظاهر ضد نظام «الإخوان»... هل تعتقد ان نظام مرسي قادر على الاستمرار أمام تصاعد المعارضة الشعبية؟

لا اعتقد ان نظام مرسي سيستمر في الحكم طويلا لأنه عاجز عن التعامل مع المشاكل الداخلية. هناك كارثة اقتصادية في مصر، وهناك استقطاب حاد على المستوى الداخلي.

÷ هل تتوقع اندلاع موجات ثورية جديدة ضمن سياق «الربيع العربي»؟

اعتقد ذلك. عندما انفجرت الثورات في العالم العربي، لم يكن الهدف فقط إسقاط الحكام. المشكلة الأساس هي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتدهورة، وإذا لم يحصل الناس على مطالبهم فكل شيء ممكن. وهذا الأمر لا يقتصر على العالم العربي، فهناك موجة من التظاهرات بدأت في الولايات المتحدة («احتلوا وول ستريت») وتنقلت بين الدول الأوروبية، وهي تحركات ذات طابع اقتصادي ـ اجتماعي، ولكنها تركت أثارها على المستوى السياسي حتى بعد انتهائها.

÷ هل تعتقد أن هذا الحراك التراكمي سيؤدي في نهاية المطاف إلى تغيير حقيقي شامل؟

قد يكون بداية لتحوّل، لكنه قد يؤدي أيضاً إلى فرض أنظمة استبدادية جديدة. انظر الى تركيا الآن، اردوغان يحاول السيطرة على الوضع، ولا يبدو واضحاً المسار الذي تتخذه التظاهرات ضده.

÷ في سياق الحديث عن «احتلوا وول ستريت»، كيف تنظرون إلى المسار الذي يسير عليه النظام الرأسمالي في العالم؟

اتوقع أزمة اقتصادية اخرى على غرار تلك التي حصلت في العام 2008. المشكلة الحقيقية تكمن في بنية النظام الرأسمالي. وهناك مشكلة حقيقية في نظام السوق.

÷ بالعودة إلى لبنان، هل ترى ثمة فرصة أمام اللبنانيين لتخطي أزماتهم التاريخية والذهاب باتجاه بناء دولة حديثة؟

هناك مشاكل متعددة تواجه لبنان. النظام هنا سيئ، وهو يحاول الترفع عن الكوارث العامة. يبدو ان التغيير صعب جداً في ظل وجود انقسامات حادة. واعتقد أن السلام يبقى هشاً في بلاد عاشت 15 عاماً من الحرب الأهلية.

÷ قلت في الجامعة الأميركية في القاهرة خلال العام الماضي إنك متفائل بالربيع العربي، أما زلت عند تفاؤلك هذا؟

هذا كان تصريحاً علنياً (يضحك)... أما الحقيقة فأعتقد أنها مختلفة.

  • فريق ماسة
  • 2013-06-16
  • 9011
  • من الأرشيف

تشومسكي : سورية تواجه التقسيم.. ولبنان في دائرة الخطر

بدا راغباً في الاستماع أكثر منه في الكلام... المفكر الأميركي نعوم تشومسكي حلّ ضيفاً على «السفير» يوم أمس. كان مهتماً في معرفة أدق تفاصيل الوضع في سورية ولبنان ممّن يعيشون المأساة وامتداداتها... بين سؤال وآخر، كان الرجل الثمانيني، حريصاً على معرفة رأي محاوريه في ما آلت إليه الأوضاع بعد أكثر من عامين على «الربيع العربي»، فيما منهجيته في مقاربة القضايا السياسية فرضت نفسها على الحوار، ولعلّ أبرز منطلقاتها أن السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط لم ولن تتبدّل. تطرّق إلى الوضع في الوطن العربي بشكل عام، وإلى سورية ولبنان ومستقبلهما بشكل خاص، لينفذ منهما إلى العلاقات الإقليمية المعقدة وأزمة النظام الرأسمالي. ÷ كيف تنظر إلى السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط بعد أكثر من عامين على الربيع العربي؟  إنها تشبه إلى حد كبير سياستهم المعتادة. هم يريدون السيطرة على الدول النفطية. هذا الأمر الأكثر أهمية بالنسبة إلى الولايات المتحدة. ويبدو أن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما سعيدة بالسياسة الحالية التي تنتهجها مصر، والتي لم تتغير بالرغم من سقوط نظام حسني مبارك. أما بالنسبة إلى سورية، فإنّ الولايات المتحدة لم تكن يوماً قريبة من نظام بشار الأسد، باعتبار انه لم يتعاون مع الأهداف الأساسية والحقيقية للسياسة الخارجية الأميركية. إذاً يمكن القول إن لا تغيير جوهرياً في السياسات، في ما عدا أن ثمة دولة وحيدة في المنطقة خسرتها الولايات المتحدة، وهي العراق، والخسارة هناك كانت فادحة. ÷ هل تعتقد أن الولايات المتحدة وجدت في «الإخوان المسلمين» وباقي تيارات الإسلام السياسي حلفاء جدداً في الشرق الأوسط؟ وهل هذا التحالف راسخ بما فيه الكفاية لتأمين المصالح الأميركية في المنطقة؟ طبعاً. وأعتقد أن الولايات المتحدة تتمنى أن تكون هذه التحالفات الجديدة راسخة. لا بد من التذكير أن الولايات المتحدة لم تعارض يوماً الإسلام الراديكالي. على سبيل المثال، السعودية هي حليف أساسي لأميركا. ويبدو أن بريطانيا تسير ايضاً على هذه الخطى في دعمها للقوى الإسلامية الراديكالية. إذا حرص «الإخوان المسلمون» على الحفاظ على السياسات الاقتصادية القائمة، فأعتقد أن هذا التحالف سيستمر. وحتى الآن، يبدو أن «الإخوان المسلمين» يحافظون على الاستقرار الاقتصادي، كما يراه الأميركيون. ÷ لكن «الإخوان» يخسرون اليوم شعبيتهم... لا شك أن الإدارة الأميركية تدعم الطرف المسيطر، والذي يدعم مصالح الولايات المتحدة في المنطقة. انطلاقاً من هذه الحقيقة، هم دعموا مبارك حتى اللحظات الأخيرة، لكنهم حوّلوا دعمهم لمصلحة «الإخوان المسلمين» بعدما فقد مبارك شعبيته. وهذا الأمر ينطبق ايضاً على فرنسا وعلاقتها بنظام زين العابدين بن علي في تونس. هذه القوى اعتادت على اتباع هذا النهج: دعم «الديكتاتور المفضل» حتى اللحظات الأخيرة، ويمكن تطبيقه على الحلفاء الجدد. ÷ في حال استمر المسار الانحداري لشعبية «الإخوان المسلمين» وغيرهم من قوى «الإسلام السياسي»، هل تعتقد أن الولايات المتحدة ستحاول إيجاد أحزاب ديموقراطية / مدنية لتقيم تحالفاتها معها؟ اعتقد أن الولايات المتحدة ستستمر في معارضتها لأي حركة ديموقراطية، والسبب في ذلك عدم رغبتها في قيام نظم ديموقراطية معارضة لسياساتها تجاه المنطقة، فالولايات المتحدة، وبسبب سياساتها أوجدت عدواً لها في كل مكان، ومن الطبيعي إذاً أن تكون قلقة إزاء أي نظام ديموقراطي يعكس المزاج الشعبي الرافض لتلك السياسات. عندما تتحدث الولايات المتحدة عن «الأنظمة الديموقراطية»، فهي تقصد بذلك القوى الداعمة للسياسات الأميركية. إذا جرت انتخابات ديموقراطية في هذه الدولة أو تلك، واختار الناخبون حكومة تمثل الرأي العام المعارض للسياسات الأميركية، فإن هذه الانتخابات لن تكون ديموقراطية بالنسبة إلى الإدارة الأميركية، وهو ما حدث، على سبيل المثال، حين فازت حركة حماس في الانتخابات الفلسطينية (2006)، وما حدث بعد ذلك. ÷ هل تستطيع أن ترسم سيناريوهات محتملة لما قد يحصل في سورية؟ سواء في حال بقي الأسد في الحكم، أو في حال نجحت المعارضة في إسقاط نظام الحكم؟ أعتقد أن سورية ستتجزأ، والمناطق الكردية ستتصل بمناطق كردستان العراق.... حتى لو ظل النظام تحت سيطرة الأسد. ÷ تتحدث عن احتمال واحد، وهو بقاء نظام الأسد؟ لا أرى احتمالاً آخر في الوقت الراهن. في حال عقد «مؤتمر جنيف»، وفي حال تعاونت روسيا والولايات المتحدة وإيران لفرض حكومة انتقالية يعطيها الأسد بعضاً من صلاحياته، قد يكون ذلك مدخلا لتنازله عن السلطة... ولكن طالما أن المعارضة ما زالت مصرّة على رحيل الأسد كشرط للدخول في أي مفاوضات، فإن القتال سيستمر وستتلاشى فرص الحل السياسي، أي أن القتال سيستمر. وإذا بقيت الأمور على هذا النحو، ونجح الطرفان في إقامة توازن عسكري على الأرض، فالبلاد ستسير على طريق الانتحار. ÷ تعتقد إذاً أن ثمة خيارين لا ثالث لهما: الحل السياسي أو التقسيم؟ لا أعتقد انه سيكون تقسيماً رسمياً، لكنه مع ذلك سيكون تقسيماً مؤثراً. وأنا أرى أن الأوضاع تسير في هذا الاتجاه. عندما يستند الصراع إلى أسباب طائفية فإن العداء يكون أكثر قساوة. دعني استعيد هنا تجربة بلفاست (1993) حين تمكّن الكاثوليك والبروتستانت من إنهاء الاقتتال في ما بينهم من خلال الجلوس على طاولة المفاوضات. لقد زرت بلفاست قبل عامين هي تبدو الآن مدينة طبيعية برغم سنوات الاقتتال الطويلة. وبرغم ذلك فإنك تشعر بأن الصراع مستمر. إحدى العلامات اللافتة في الصراع في تلك المدينة، أنك تستطيع معرفة في أي جزء من المدينة أنت. على سبيل المثال، ستجد في الجزء الكاثوليكي غرافيتي «حرروا فلسطين»، في حين ستجد في الجزء البروتستانتي غرافيتي «إدعموا إسرائيل»! ÷ الطائفية لم تكن الدافع الأساسي للصراع في سورية إلا أنها في وقت لاحق أصبحت هي المحرّك. هل تعتقد أن الطائفية سترسم شكل الشرق الأوسط الجديد بما تقتضيه مصالح الولايات المتحدة؟ لا أحد يستطيع أن يحدد ذلك. الطائفية ستتلاشى في نهاية المطاف، فهي ليست ظاهرة قديمة في الشرق الأوسط. قبل الغزو الأميركي للعراق لم يكن أحد ليتوقع أن يتحوّل الصراع هناك إلى صراع طائفي. بالرغم من كل ذلك، اعتقد أنه في حال توافرت النيات الصادقة، وتم تقديم بعض التنازلات المتبادلة، قد تحل هذه المشكلة. ÷ منذ حرب تموز العام 2006، نجحت المقاومة في لبنان في تعزيز قدراتها العسكرية. اليوم، «حزب الله» موجود في سورية لمساندة النظام، بينما إسرائيل تعد العدّة للانقضاض عليه... كيف ترى مستقبل المقاومة اللبنانية بعد انخراط «حزب الله» في الصراع السوري؟. أرى أن «حزب الله» اليوم في وضع صعب جداً. خلال السنوات الماضية كان الحزب يمثل قوة بناءة بالنسبة إلى البنان. الإسرائيليون يطلقون الآن تهديدات خطيرة. هم يقولون إنهم لن يسمحوا بمرور المساعدات العسكرية إلى «حزب الله». ما يحاولون قوله هو أنهم تعلموا الدروس والعبر من حرب العام 2006، أنهم في المرة المقبلة التي يهاجمون فيها لبنان فإن حربهم ستكون على البر. وإذا قرروا ضرب ايران، وهو أمر ليس مستبعداً، لا بد أن يتخلصوا أولاً من لبنان. اعتقد أن لبنان يعيش اليوم وضعاً خطيراً للغاية، فهو يواجه تهديدات تأتيه من إسرائيل، ويواجه أيضاً تداعيات الوضع المتأزم في سورية. من المثير للاستغراب أنني لم اسمع خلال وجودي هنا أي تعليقات حول التهديدات الاسرائيلية التي تأتي من قيادات عسكرية نافذة. قد تقرر اسرائيل أن تهاجم لبنان غداً، وإن فعلت ستكون الحرب على امتداد الأراضي اللبنانية. هم لا يريدون وجود الصواريخ. وهناك طريقة وحيدة لردع هذه الصواريخ وهي تدمير لبنان. ÷ هل تعتقد أن ثمة رغبة أميركية في إطالة أمد الصراع في المنطقة؟ أميركا لا تمانع في ذلك على الإطلاق. هم لا يمانعون أن يستمر الاقتتال بين السوريين. ربما لا يتعمّدون ذلك، لكنهم لا يمانعون فيه. الحديث عن عدم تدخل الولايات المتحدة مباشرة في الصراع السوري يبدو مضللاً. لو كانت أميركا فعلا مهتمة بقلب الموازين لمصلحة المعارضة في سورية، فهناك أشياء كان بإمكانها القيام بها. كان بإمكانها السعي لحشد القوات الاسرائيلية على مرتفعات الجولان، عندها ستجبر سورية على حشد قواتها في الجنوب، ولكن ليس هناك أي مؤشر على أنها ستفعل ذلك. هذا يعني أن إسرائيل والولايات المتحدة لا تريدان أن تفوز المعارضة في نهاية المطاف. أما الكلام عن حظر جوي، كما تطلبه المعارضة، فهو مستحيل من الناحية العسكرية، إذ لا يمكن فرض حظر جوي من دون تدمير القوات الجوية وقوات الدفاع الجوي. ÷ كيف نظرت إلى نتائج الانتخابات الرئاسية في إيران؟ يبدو أن ثمة أملاً يلوح في الأفق بعد فوز حسن روحاني، وهو وسطي مقرب من (محمد) خاتمي و(علي أكبر هاشمي) رفسنجاني. ÷ كيف تقيم الدور التركي في الشرق الأوسط في ظل ما يحكى عن مسعى لإقامة «امبراطورية عثمانية» جديدة؟ تركيا تعتبر الآن قوة مؤثرة في المنطقة. هم حاولوا إقامة ما تسمّيه «العثمانية الجديدة». لكن سياسة «صفر مشاكل» التي سعت تركيا لتطبيقها انهارت تماماً. ولا اعتقد انهم يملكون القوة الكافية للتوسع. كان هناك علاقات جيدة بين تركيا وإيران إلا ان المعادلة تغيرت الآن. في بداية الربيع العربي كانت تركيا تعتبر مثالا للديموقراطية لكن ربما الوضع في سورية بدّل هذه النظرة. ÷ ماذا عن مستقبل اسرائيل في ظل هذه التحولات؟ إسرائيل تضع إصبعها في أعين العالم، وكل ما تسعى اليه هو التوسع لا الأمن. وطالما انها تحظى بدعم الولايات المتحدة فهي ستستمر في سياستها، حتى تتغير السياسات الاميركية. اسرائيل اليوم هي الاستثمار الأهم بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وباراك اوباما هو الرئيس الاميركي الاول الذي لم يفرض أي قيود على اسرائيل. ÷ يستعد المصريون للنزول إلى الشارع مجدداً في 30 حزيران للتظاهر ضد نظام «الإخوان»... هل تعتقد ان نظام مرسي قادر على الاستمرار أمام تصاعد المعارضة الشعبية؟ لا اعتقد ان نظام مرسي سيستمر في الحكم طويلا لأنه عاجز عن التعامل مع المشاكل الداخلية. هناك كارثة اقتصادية في مصر، وهناك استقطاب حاد على المستوى الداخلي. ÷ هل تتوقع اندلاع موجات ثورية جديدة ضمن سياق «الربيع العربي»؟ اعتقد ذلك. عندما انفجرت الثورات في العالم العربي، لم يكن الهدف فقط إسقاط الحكام. المشكلة الأساس هي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتدهورة، وإذا لم يحصل الناس على مطالبهم فكل شيء ممكن. وهذا الأمر لا يقتصر على العالم العربي، فهناك موجة من التظاهرات بدأت في الولايات المتحدة («احتلوا وول ستريت») وتنقلت بين الدول الأوروبية، وهي تحركات ذات طابع اقتصادي ـ اجتماعي، ولكنها تركت أثارها على المستوى السياسي حتى بعد انتهائها. ÷ هل تعتقد أن هذا الحراك التراكمي سيؤدي في نهاية المطاف إلى تغيير حقيقي شامل؟ قد يكون بداية لتحوّل، لكنه قد يؤدي أيضاً إلى فرض أنظمة استبدادية جديدة. انظر الى تركيا الآن، اردوغان يحاول السيطرة على الوضع، ولا يبدو واضحاً المسار الذي تتخذه التظاهرات ضده. ÷ في سياق الحديث عن «احتلوا وول ستريت»، كيف تنظرون إلى المسار الذي يسير عليه النظام الرأسمالي في العالم؟ اتوقع أزمة اقتصادية اخرى على غرار تلك التي حصلت في العام 2008. المشكلة الحقيقية تكمن في بنية النظام الرأسمالي. وهناك مشكلة حقيقية في نظام السوق. ÷ بالعودة إلى لبنان، هل ترى ثمة فرصة أمام اللبنانيين لتخطي أزماتهم التاريخية والذهاب باتجاه بناء دولة حديثة؟ هناك مشاكل متعددة تواجه لبنان. النظام هنا سيئ، وهو يحاول الترفع عن الكوارث العامة. يبدو ان التغيير صعب جداً في ظل وجود انقسامات حادة. واعتقد أن السلام يبقى هشاً في بلاد عاشت 15 عاماً من الحرب الأهلية. ÷ قلت في الجامعة الأميركية في القاهرة خلال العام الماضي إنك متفائل بالربيع العربي، أما زلت عند تفاؤلك هذا؟ هذا كان تصريحاً علنياً (يضحك)... أما الحقيقة فأعتقد أنها مختلفة.

المصدر : الماسة السورية/ السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة