في الفندق الذي ولد فرنسياً، انقلب تركياً ثم أصبح سورياً، اجتمعت السفارة الروسية بأصدقائها، في جو خضع لمؤثرات الحرب الدائرة في الخارج، ولكن لم يمنع الاحتفاء بالتقليد السنوي للعيد الوطني الروسي.

لم يعد هناك أعياد رسمية لدول تقيمها لسفاراتها في سوريا. منذ الصيف الماضي، والذي عادة ما يحفل بمثل هذه المناسبات، اعتذرت كل السفارات عن عدم إقامة احتفالاتها، واقتصرت على جهد إبقاء بعض ديبلوماسييها في سورية على الأقل، لمراقبة تطورات الأوضاع فيها، وكنوع من الموقف السياسي أيضا.

إجراءات أمنية، فرضت إقامة العيد في فندق «داما روز»، والذي يجسد صورة من صور التقلبات السياسية بين سوريا ومحيطها، والتبعات الاقتصادية التي تتبعها.

الفندق الذي افتتح في العام 1978 مجسداً للاستثمار الفرنسي في سورية، وبشكل متواز مع فندق «شيراتون» مجسدا لاستثمار أميركي، عانى من التقلبات التي تعانيها السياسة، وكاد يتحول لـ«شيراتون» ثان في نهاية التسعينيات، الأمر الذي دفع الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك للإقامة فيه في زيارته الأخيرة إلى سورية في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، في محاولة نجحت للحفاظ على العقد الممتد لعقدين، فتم تمديده لمدة 10 سنوات أخرى.

لاحقا حصل مدراء شركة «ديدمان» التركية، المقربة من رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان على العقد، كاعتراف بـ«الصداقة التركية - السورية»، ونكاية بالفرنسيين الذين دخلوا خصومة جديدة وعميقة مع دمشق. لكن سورية، بعد ثلاث سنوات تقريبا على توقيع العقد مع تركيا، وعلى خلفية الخصومة التي شقت طريقها سريعا بين البلدين، جردت الأتراك من امتياز الاستثمار، ومنحت الفندق اسما سوريا «وردة دمشق» أو «داما روز» ليصبح مع الوقت محاطا بالسواتر الأمنية، وضيوفه يتراوحون بين مبعوثي المنظمات الدولية، إلى بعثتي المراقبين العرب والدوليين سابقا، مرورا بطواقم التلفزيونات، ومن بينها السورية الخاصة حاليا، وصولا إلى إقامة بعض المسؤولين الحكوميين فيه في بعض المراحل.

وبات قسم كبير من حيوية دمشق السابقة يتجمع بين جدران الفندق المحمي، والذي طالته هجمات بالعبوات، انفجرت حتى الآن على مشارف مداخله. ويبرر هذا استضافة الروس لما يقارب مئة ضيف في حمى قاعة الفندق الشتوية، بعيدا عن القلعة الروسية المميزة في منطقة المزرعة، والتي قاربتها قذائف الهاون أكثر من مرة، آخرها أوائل حزيران الحالي.

وكاستثناء عن التقليد الدارج في القاعة الكبرى للسفارة التي كانت تضم أكثر من 200 شخص كل مرة، يتصدرهم مسؤولون سوريون ورؤساء البعثات الأجنبية، إضافة إلى الضيف النجم في كل مرة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل محاطا بحراسه الضخام الملتحين، لكن مشعل وحارسه غابا عن هذا العيد.

اجتمع ممثلو أقطاب مستوى واحد من العمل السياسي تقريبا. مسؤولون سوريون أبرزهم نائب الرئيس نجاح العطار، ووزراء كبار من بينهم رئيس مجلس الشعب وممثل عن القيادة القطرية لحزب البعث ونائبان لرئيس الوزراء وزراء الدفاع والإعلام والثقافة والرئاسة، إضافة للمستشارة الرئاسية بثينة شعبان ونائب وزير الخارجية فيصل المقداد. الأخير اختار هذه المناسبة للتعبير عن ترحيب سوريا بإمكانية أن تشغل قوات روسية مكان البعثة النمساوية المنسحبة من قوات الفصل الدولية في الجولان السوري المحتل (اندوف). ديبلوماسيون أوروبيون حضروا، إلى جانب ممثلين عن دول «البريكس» ودول أوروبا الشرقية أيضا والصين ودول شرق آسيا.

النمسا بالتحديد اختارت حجة «سياسية» للإبقاء على علاقتها الديبلوماسية مع سوريا مرتبطة بدورها المستقيل الآن في الـ«اندوف»، لكن المستمر في مخاطبة دمشق سياسيا و«الكولسة» مع مسؤوليها، حتى كادت تحصل لوهلة على «شرف» انعقاد مؤتمر «جنيف 2» في عاصمتها فيينا، ولكن لتلاقي رفضاً روسياً، رغب في الحفاظ على «تسلسل مؤتمرات جنيف» باعتبارها عملية واحدة مستمرة. حضرت القائمة بالأعمال النمساوية ايزابيلا راوشور، كما حضر ممثلون عن سفارة الاتحاد الأوروبي وسفارة السويد التي تبقي «علاقة بناءة»، كما النمسا حتى الآن من الأطراف المتصارعة. أيضا حضر ممثلو سفارات عربية كالعراق والجزائر والأردن والمغرب ولبنان والصومال والسودان.

ولم يتخلف عن المناسبة القائم بأعمال السفارة المصرية علاء عبد العزيز، في آخر ظهور لديبلوماسي مصري في سوريا على ما يبدو، بعد قرار الرئيس المصري محمد مرسي قطع العلاقات مع دمشق، وتشجيع «الجهاد» على أراضيها. حضر المسؤولون السوريون إلى جانب المعارضين، أمثال المنسق العام لـ«هيئة التنسيق الوطنية» المعارضة حسن عبد العظيم، ورئيس «تيار بناء الدولة» لؤي حسين، وأحزاب أخرى تضع نفسها في خانات متدرجة من المعارضة إلى الموالية. تبادل المسؤولون والمعارضون عبارات المجاملة. جرت مصافحات، وأحيانا قبل. «ما من عدو دائم ولا من صديق دائم» تقول وجوه الجميع في كل الاحتفالات السياسية. حتى اسم الفندق لا يبقى من دون تغيير.

  • فريق ماسة
  • 2013-06-16
  • 10186
  • من الأرشيف

لقاء «داما روز»: لا أعداء أو أصدقاء دائمين

في الفندق الذي ولد فرنسياً، انقلب تركياً ثم أصبح سورياً، اجتمعت السفارة الروسية بأصدقائها، في جو خضع لمؤثرات الحرب الدائرة في الخارج، ولكن لم يمنع الاحتفاء بالتقليد السنوي للعيد الوطني الروسي. لم يعد هناك أعياد رسمية لدول تقيمها لسفاراتها في سوريا. منذ الصيف الماضي، والذي عادة ما يحفل بمثل هذه المناسبات، اعتذرت كل السفارات عن عدم إقامة احتفالاتها، واقتصرت على جهد إبقاء بعض ديبلوماسييها في سورية على الأقل، لمراقبة تطورات الأوضاع فيها، وكنوع من الموقف السياسي أيضا. إجراءات أمنية، فرضت إقامة العيد في فندق «داما روز»، والذي يجسد صورة من صور التقلبات السياسية بين سوريا ومحيطها، والتبعات الاقتصادية التي تتبعها. الفندق الذي افتتح في العام 1978 مجسداً للاستثمار الفرنسي في سورية، وبشكل متواز مع فندق «شيراتون» مجسدا لاستثمار أميركي، عانى من التقلبات التي تعانيها السياسة، وكاد يتحول لـ«شيراتون» ثان في نهاية التسعينيات، الأمر الذي دفع الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك للإقامة فيه في زيارته الأخيرة إلى سورية في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، في محاولة نجحت للحفاظ على العقد الممتد لعقدين، فتم تمديده لمدة 10 سنوات أخرى. لاحقا حصل مدراء شركة «ديدمان» التركية، المقربة من رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان على العقد، كاعتراف بـ«الصداقة التركية - السورية»، ونكاية بالفرنسيين الذين دخلوا خصومة جديدة وعميقة مع دمشق. لكن سورية، بعد ثلاث سنوات تقريبا على توقيع العقد مع تركيا، وعلى خلفية الخصومة التي شقت طريقها سريعا بين البلدين، جردت الأتراك من امتياز الاستثمار، ومنحت الفندق اسما سوريا «وردة دمشق» أو «داما روز» ليصبح مع الوقت محاطا بالسواتر الأمنية، وضيوفه يتراوحون بين مبعوثي المنظمات الدولية، إلى بعثتي المراقبين العرب والدوليين سابقا، مرورا بطواقم التلفزيونات، ومن بينها السورية الخاصة حاليا، وصولا إلى إقامة بعض المسؤولين الحكوميين فيه في بعض المراحل. وبات قسم كبير من حيوية دمشق السابقة يتجمع بين جدران الفندق المحمي، والذي طالته هجمات بالعبوات، انفجرت حتى الآن على مشارف مداخله. ويبرر هذا استضافة الروس لما يقارب مئة ضيف في حمى قاعة الفندق الشتوية، بعيدا عن القلعة الروسية المميزة في منطقة المزرعة، والتي قاربتها قذائف الهاون أكثر من مرة، آخرها أوائل حزيران الحالي. وكاستثناء عن التقليد الدارج في القاعة الكبرى للسفارة التي كانت تضم أكثر من 200 شخص كل مرة، يتصدرهم مسؤولون سوريون ورؤساء البعثات الأجنبية، إضافة إلى الضيف النجم في كل مرة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل محاطا بحراسه الضخام الملتحين، لكن مشعل وحارسه غابا عن هذا العيد. اجتمع ممثلو أقطاب مستوى واحد من العمل السياسي تقريبا. مسؤولون سوريون أبرزهم نائب الرئيس نجاح العطار، ووزراء كبار من بينهم رئيس مجلس الشعب وممثل عن القيادة القطرية لحزب البعث ونائبان لرئيس الوزراء وزراء الدفاع والإعلام والثقافة والرئاسة، إضافة للمستشارة الرئاسية بثينة شعبان ونائب وزير الخارجية فيصل المقداد. الأخير اختار هذه المناسبة للتعبير عن ترحيب سوريا بإمكانية أن تشغل قوات روسية مكان البعثة النمساوية المنسحبة من قوات الفصل الدولية في الجولان السوري المحتل (اندوف). ديبلوماسيون أوروبيون حضروا، إلى جانب ممثلين عن دول «البريكس» ودول أوروبا الشرقية أيضا والصين ودول شرق آسيا. النمسا بالتحديد اختارت حجة «سياسية» للإبقاء على علاقتها الديبلوماسية مع سوريا مرتبطة بدورها المستقيل الآن في الـ«اندوف»، لكن المستمر في مخاطبة دمشق سياسيا و«الكولسة» مع مسؤوليها، حتى كادت تحصل لوهلة على «شرف» انعقاد مؤتمر «جنيف 2» في عاصمتها فيينا، ولكن لتلاقي رفضاً روسياً، رغب في الحفاظ على «تسلسل مؤتمرات جنيف» باعتبارها عملية واحدة مستمرة. حضرت القائمة بالأعمال النمساوية ايزابيلا راوشور، كما حضر ممثلون عن سفارة الاتحاد الأوروبي وسفارة السويد التي تبقي «علاقة بناءة»، كما النمسا حتى الآن من الأطراف المتصارعة. أيضا حضر ممثلو سفارات عربية كالعراق والجزائر والأردن والمغرب ولبنان والصومال والسودان. ولم يتخلف عن المناسبة القائم بأعمال السفارة المصرية علاء عبد العزيز، في آخر ظهور لديبلوماسي مصري في سوريا على ما يبدو، بعد قرار الرئيس المصري محمد مرسي قطع العلاقات مع دمشق، وتشجيع «الجهاد» على أراضيها. حضر المسؤولون السوريون إلى جانب المعارضين، أمثال المنسق العام لـ«هيئة التنسيق الوطنية» المعارضة حسن عبد العظيم، ورئيس «تيار بناء الدولة» لؤي حسين، وأحزاب أخرى تضع نفسها في خانات متدرجة من المعارضة إلى الموالية. تبادل المسؤولون والمعارضون عبارات المجاملة. جرت مصافحات، وأحيانا قبل. «ما من عدو دائم ولا من صديق دائم» تقول وجوه الجميع في كل الاحتفالات السياسية. حتى اسم الفندق لا يبقى من دون تغيير.

المصدر : السفير/زياد حيدر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة