لف صمت مطبق لقاء وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في باريس أمس مع وفد سعودي ضم سعود الفيصل وبندر بن سلطان وبالكاد استطاع ممثلو وسائل الإعلام والمراقبون الحصول على تأكيد غير رسمي بأ­ن الاجتماع خصص لبحث تطورات الوضع في سورية على ضوء تطهير الجيش العربي السوري لمدينة القصير من المجموعات الإرهابية المسلحة.

ونقلت صحيفة الحياة اللندنية عن مصدر مطلع على حيثيات الاجتماع أن هناك "رغبة مشتركة في منع كسر شوكة المعارضة المسلحة في سورية" وأنه انطلاقا من حالة التشخيص المشتركة عرض الجانبان "جملة احتمالات لتعبئة دولية من أجل البحث عن حلول ما لما يدور في سورية" ودون أن يصدر أي تعليق رسمي حول الأمر خرج المجتمعون بصمت ظن معه المراقبون أنهم يحضرون اجتماعا سريا وليس علنيا.

هذا الصمت فسره مختصون بالشأن الدبلوماسي بأن الجانبين لم يجدا ما يقولانه بعد أن وصلت مساعيهما في دعم المسلحين إلى حائط مسدود وأحرقت أحلامهما في القصير بصورة تكاد تكون سينمائية انتهت بقفلة تمكن فيها البطل من قلب توقعات المشاهدين وتحويل المعركة لمصلحته ليكون الجيش العربي السوري هو "علاء الدين صاحب المصباح السحري" الذي يغير المعادلات لصالحه دائما مع كثرة الأعداء ولو كان بينهم سوبرمان الغرب.

واقعية هذا التفسير تدعمها زحمة التصريحات الغربية التي حاولت أثناء معركة القصير التأثير على معنويات الجيش العربي السوري والضغط عليه لإيقاف عمليته العسكرية حتى وصل الأمر للزج بمجلس الأمن في المعمعة رغم إدراك البريطانيين والفرنسيين أن الروس والصينيين لن يسمحوا بأن يكون المجلس هو اليد التي تمتد لإنقاذ الإرهاب وتعطيه فرصة لالتقاط أنفاسه وهذا ما كان فعلا إذ كان الفيتو المذهل جاهزا لإحباط مشروع القرار البريطاني الذي يدعو لوقف العمليات العسكرية في القصير وأن زين بالدعوة لفتح ممرات آمنة كانت مفتوحة حتى قبل بدء العملية العسكرية أمام المدنيين والمسلحين الراغبين بإلقاء السلاح.

القصير في عرف الفرنسيين والسعوديين باتت مهمة أثناء العملية العسكرية ولا بد من إنقاذها وذرف الدموع عليها رغم أن المدينة كانت لمدة عام كامل تعاني تهديدات الإرهاب والكل شاهد كيف لغم الإرهابيون مشفى المدينة وقتلوا كل من كان داخله من مرضى وأطباء وممرضين ولم يستحق ذلك الإدانة لتتصدر فجأة أولية السياسة الخارجية لجميع أعداء سورية ما يعكس أهميتها بالنسبة لهم ومراهنتهم عليها كمنطلق لتغذية كل البقاع السورية بالإرهابيين والأسلحة انطلاقا من الأراضي اللبنانية وعبر مرافئ طرابلس التي يصلها السلاح الغربي والمتطرفون من كل مكان بيسر وسهولة.

تفسير آخر للصمت الفرنسي السعودي لا يجب إهماله طرحه مراقبون محذرين من إجراءات انتقامية قد يلجا إليها الجانبان ردا على خسارتهما المدوية في القصير والوسائل المرجحة للانتقام قد تكون عن طريق تسهيل مرور الإرهابيين إلى سورية ورفع وتيرة التفجيرات الإرهابية العبثية لإنهاك الدولة السورية ومواطنيها وإشغالهم عن مواصلة مسيرة القصير في أماكن أخرى.

وما يعزز هذا التفسير أيضا أن باريس والرياض كانتا الأكثر تطرفا وكراهية لسورية بشكلها المقاوم وقد قادتا دعوات التسليح والتحريض ضدها عبر سنتين كل بصفته فالسعودية تولت حشد الإرهاب الوهابي وإرساله إلى سورية وكان سعودها أول من دعا لتسليح الإرهابيين في سورية كما أن فرنسا تولت إقناع الأوروبيين بتبني المتطرفين وتسليحهم وكانت وراء تنظيم المهرجانات الخطابية لدعمهم وكل ما حصلت عليه في النهاية هو شق الصف الأوروبي وخلق جناح معتدل تمثله اليوم تشيكيا والنمسا اللتان عطلتا أي قرار أوروبي برفع الحظر عن إمدادات السلاح لما يسمى "المعارضة السوري".

"فرنسا تتحرك بشكل أرعن حيال الأزمة في سورية وتنفذ عملية حسابية خاطئة أفقدتها مكانتها ومواقف فابيوس تخالف تقاليد السياسة الفرنسية" هذا ما قاله رولان دوما وزير الخارجية الفرنسي الأسبق وكان المنسق السابق لسياسات الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا سبقه للقول "إن أي هجوم عسكري على سورية سيجر المنطقة برمتها إلى الفوضى" فهل يعرف فابيوس ذلك.. البعض يقول ربما لكنه يريد أن يواصل مجاملاته للسعوديين عله يحصل على فاتورة من البترودولار تساعد في إنقاذ الاقتصاد الفرنسي الذي يعاني الركود ولا يكاد يحقق أي نسبة نمو منذ عامين أو أكثر.

وبعد كل ذلك يمكن القول إن من عطل المؤتمر الدولي المرتقب حول سورية وركب رأسه مراهنا على السلاح والمسلحين لتغيير الواقع على الأرض ربما يندم قريبا أو أنه ندم فلو ذهب إلى جنيف قبل شهر لكان وضعه أفضل وإذا ما تأخر شهرا آخر سيضيف الجيش العربي السوري ملاحم أخرى لملحمة القصير تجعل الأوراق تتساقط من يد صقور الحرب على سورية وتجبرهم على حضور المؤتمر كحمائم سلام عليها القبول بما يعرض أو حتى الاكتفاء بالتوقيع على ما يتفق عليه الكبار والمنتصرون فلم يشهد التاريخ خاسرا استطاع أن يملي شروطه على المنتصر وعلى فابيوس أن يتذكر معاهدة فرساي.

  • فريق ماسة
  • 2013-06-10
  • 9222
  • من الأرشيف

انتصار القصير يخرس وزيرا الخارجية الفرنسية والسعودية..اجتماع ثنائي لبحث تداعياته

لف صمت مطبق لقاء وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في باريس أمس مع وفد سعودي ضم سعود الفيصل وبندر بن سلطان وبالكاد استطاع ممثلو وسائل الإعلام والمراقبون الحصول على تأكيد غير رسمي بأ­ن الاجتماع خصص لبحث تطورات الوضع في سورية على ضوء تطهير الجيش العربي السوري لمدينة القصير من المجموعات الإرهابية المسلحة. ونقلت صحيفة الحياة اللندنية عن مصدر مطلع على حيثيات الاجتماع أن هناك "رغبة مشتركة في منع كسر شوكة المعارضة المسلحة في سورية" وأنه انطلاقا من حالة التشخيص المشتركة عرض الجانبان "جملة احتمالات لتعبئة دولية من أجل البحث عن حلول ما لما يدور في سورية" ودون أن يصدر أي تعليق رسمي حول الأمر خرج المجتمعون بصمت ظن معه المراقبون أنهم يحضرون اجتماعا سريا وليس علنيا. هذا الصمت فسره مختصون بالشأن الدبلوماسي بأن الجانبين لم يجدا ما يقولانه بعد أن وصلت مساعيهما في دعم المسلحين إلى حائط مسدود وأحرقت أحلامهما في القصير بصورة تكاد تكون سينمائية انتهت بقفلة تمكن فيها البطل من قلب توقعات المشاهدين وتحويل المعركة لمصلحته ليكون الجيش العربي السوري هو "علاء الدين صاحب المصباح السحري" الذي يغير المعادلات لصالحه دائما مع كثرة الأعداء ولو كان بينهم سوبرمان الغرب. واقعية هذا التفسير تدعمها زحمة التصريحات الغربية التي حاولت أثناء معركة القصير التأثير على معنويات الجيش العربي السوري والضغط عليه لإيقاف عمليته العسكرية حتى وصل الأمر للزج بمجلس الأمن في المعمعة رغم إدراك البريطانيين والفرنسيين أن الروس والصينيين لن يسمحوا بأن يكون المجلس هو اليد التي تمتد لإنقاذ الإرهاب وتعطيه فرصة لالتقاط أنفاسه وهذا ما كان فعلا إذ كان الفيتو المذهل جاهزا لإحباط مشروع القرار البريطاني الذي يدعو لوقف العمليات العسكرية في القصير وأن زين بالدعوة لفتح ممرات آمنة كانت مفتوحة حتى قبل بدء العملية العسكرية أمام المدنيين والمسلحين الراغبين بإلقاء السلاح. القصير في عرف الفرنسيين والسعوديين باتت مهمة أثناء العملية العسكرية ولا بد من إنقاذها وذرف الدموع عليها رغم أن المدينة كانت لمدة عام كامل تعاني تهديدات الإرهاب والكل شاهد كيف لغم الإرهابيون مشفى المدينة وقتلوا كل من كان داخله من مرضى وأطباء وممرضين ولم يستحق ذلك الإدانة لتتصدر فجأة أولية السياسة الخارجية لجميع أعداء سورية ما يعكس أهميتها بالنسبة لهم ومراهنتهم عليها كمنطلق لتغذية كل البقاع السورية بالإرهابيين والأسلحة انطلاقا من الأراضي اللبنانية وعبر مرافئ طرابلس التي يصلها السلاح الغربي والمتطرفون من كل مكان بيسر وسهولة. تفسير آخر للصمت الفرنسي السعودي لا يجب إهماله طرحه مراقبون محذرين من إجراءات انتقامية قد يلجا إليها الجانبان ردا على خسارتهما المدوية في القصير والوسائل المرجحة للانتقام قد تكون عن طريق تسهيل مرور الإرهابيين إلى سورية ورفع وتيرة التفجيرات الإرهابية العبثية لإنهاك الدولة السورية ومواطنيها وإشغالهم عن مواصلة مسيرة القصير في أماكن أخرى. وما يعزز هذا التفسير أيضا أن باريس والرياض كانتا الأكثر تطرفا وكراهية لسورية بشكلها المقاوم وقد قادتا دعوات التسليح والتحريض ضدها عبر سنتين كل بصفته فالسعودية تولت حشد الإرهاب الوهابي وإرساله إلى سورية وكان سعودها أول من دعا لتسليح الإرهابيين في سورية كما أن فرنسا تولت إقناع الأوروبيين بتبني المتطرفين وتسليحهم وكانت وراء تنظيم المهرجانات الخطابية لدعمهم وكل ما حصلت عليه في النهاية هو شق الصف الأوروبي وخلق جناح معتدل تمثله اليوم تشيكيا والنمسا اللتان عطلتا أي قرار أوروبي برفع الحظر عن إمدادات السلاح لما يسمى "المعارضة السوري". "فرنسا تتحرك بشكل أرعن حيال الأزمة في سورية وتنفذ عملية حسابية خاطئة أفقدتها مكانتها ومواقف فابيوس تخالف تقاليد السياسة الفرنسية" هذا ما قاله رولان دوما وزير الخارجية الفرنسي الأسبق وكان المنسق السابق لسياسات الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا سبقه للقول "إن أي هجوم عسكري على سورية سيجر المنطقة برمتها إلى الفوضى" فهل يعرف فابيوس ذلك.. البعض يقول ربما لكنه يريد أن يواصل مجاملاته للسعوديين عله يحصل على فاتورة من البترودولار تساعد في إنقاذ الاقتصاد الفرنسي الذي يعاني الركود ولا يكاد يحقق أي نسبة نمو منذ عامين أو أكثر. وبعد كل ذلك يمكن القول إن من عطل المؤتمر الدولي المرتقب حول سورية وركب رأسه مراهنا على السلاح والمسلحين لتغيير الواقع على الأرض ربما يندم قريبا أو أنه ندم فلو ذهب إلى جنيف قبل شهر لكان وضعه أفضل وإذا ما تأخر شهرا آخر سيضيف الجيش العربي السوري ملاحم أخرى لملحمة القصير تجعل الأوراق تتساقط من يد صقور الحرب على سورية وتجبرهم على حضور المؤتمر كحمائم سلام عليها القبول بما يعرض أو حتى الاكتفاء بالتوقيع على ما يتفق عليه الكبار والمنتصرون فلم يشهد التاريخ خاسرا استطاع أن يملي شروطه على المنتصر وعلى فابيوس أن يتذكر معاهدة فرساي.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة